المجلد الثالث - ذكر غزوة فحل وفتح دمشق

ذكر غزوة فحل وفتح دمشق

حدثني عمر، عن علي بن محمد، بإسناده، عن النفر الذين ذكرت روايتهم عنهم في أول ذكرى أمر أبي بكر ؛ أنهم قالوا: قدم بوفاة أبي بكر إلى الشأم شداد بن أوس بن ثابت الأنصارى ومحمية بن جزء، ويرفأ ؛ فكتموا الخبر الناس حتى ظفر المسلمون - وكانوا بالياقوصة يقاتلون عدوهم من الروم ؛ وذلك في رجب - فأخبروا أبا عبيدة بوفاة أبي بكر وولايته حرب الشأم، وضم عمر إليه الأمراء، وعزل خالد بن الوليد.

فحدثنا ابن حميد، قال: حدثناي سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما فرغ المسلمون من أجنادين ساروا إلى يفحل من أرض الأردن؛ وقد اجتمعت فيها رافضة الروم ، والمسلمون على أمرائهم وخالد على مقدمة الناس. فلما نزلت الروم بيسان بثقوا أنهارها ؛ وهي أرض سبخة، فكانت وحلاً، ونزلوا فحلاً - وبيسان بين فلسطين وبين الأردن - فلما غشيها المسلمون ولم يعلمون بما صنعت الروم، وحلت خيولهم، ولقوا فيها عناء ، ثم سلمهم الله - وسميت بيسان ذات الردغة لما لقى المسلمون فيها - ثم نهضوا إلى الروم وهم بفحل ؛ فاقتتلوا فهزمت الروم، ودخل المسلمون فحلاً ولحقت وافضة الروم بدمشق ؛ فكانت فحل في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة، على ستة أشهر من خلافة عمر. وأقام تلك الحجة للناس عبد الرحمن بن عوف. ثم ساروا إلى دمشق وخالد على مقدمة الناس ؛ وقد اجتمعت الروم إلى رجل منهم يقال له باهان بدمشق - وقد كان عمر عزل خالد بن الوليد واستعمل أبا عبيدة على جميع الناس - فالتقى المسلمون والروم فيما حول دمشق، فاقتتلوا قتالاً شديداً، ثم هزم الله الروم، وأصاب منهم المسلمون، ودخلت الروم دكشق ؛ فغلقوا أبوابها وجثم المسلمون عليها فرابطوها حتى فتحت دمشق، وأعطوا الجزية، وقد قدم الكتاب على أبي عبيدة بإمارته وعزل خالد، فاستحيا أبو عبيدة أن يقرئ خالداً الكتاب حتى فتحت دمشق لحق باهان - صاحب الروم الذي قاتل المسلمين - بهرقل. وكان فتح دمشق دمشق في سنة أربع عشرة في رجب، وأظهر أبو عبيدة إمارته وعزل خالد ؛ وقد كان المسلمون، التقوا هم والروم ببلد يقال له عين فحل بين فلسطين والأردن، فاقتتلوا به قتالاً شديداً، ثم لحقت الروم بدمشق.

وأما سيف - فيما ذكر السرى، عن شعيب، عنه عن أبي عثمان، عن خالد وعبادة - فإنه ذكر في خبره أن البريد قدم على المسلمين من المدينة بموت أبي بكر وتأمير أبي عبيدة؛ وهم باليرموك ؛ وقد إلتحم القتال بينهم وبين الروم. وقص من خبر اليرموك وخبر اليرموك ؛ وخبر دمشق غير الذي اقتصه ابن إسحاق ؛ وأنا ذاكمر بعض الذي اقتص من ذلك: كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد، عن أبي عثمان، عن أبي سعيد، قال: لما قام عمر رضى عن خالد بن سعيد والوليد بن عقبة فأذن لهما بدخول المدينة، وكان أبو بكر قد منعهما لفرتهما التي فراها وردهما إلى الشام، وقال: ليبلغني غناء أبلكما بلاء ؛ فانضما إلى أي أمرائنا أحببتما ؛ فلحقا بالناس فأبليا وأغنيا.

خبر دمشق من رواية سيف: كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن أبي عثمان، عن خالد وعبادة ؛ قالا لما هزم الله جند اليرموك، وتهافت أهل الواقوصة وفرغ من المقاسم والأنفال ، وبعث بالأخماس وسرحت الوفود، استخلف أبو عبيدة على اليرموك بشير بن كعب بن أبي الحميري كيلا يغتال بردة ؛ ولا تقطع الروم على مواده، وخرج أبو عبيدة حتى ينزل بالصفر ؛ وهو يريد إتباع الفالة ؛ ولا يدري يجتمعون أو يفترقون ؛ فأتاه الخبر بأنهم أزروا إلى فحل، وأتاه الخبر بأن المدد قد أتى أهل دمشق من حمص ، فهو لا يدري أبدمشق يبدأ أم بفحل من بلاد الأردن. فكتب في ذلك إلى عمر، وانتظر الجواب، وأقام بالصفر، فلما جاء عمر فتح اليرموك أقر الأمراء على ما كان استعملهم عليه أبو بكر إلا ما كان من عمرو بن العاص وخالد بن الوليد، فإنه ضم خالداً إلى أبي عبيدة، وأمر عمراً بمعونة الناس؛ حتى يصير الحرب إلى فلسطين، ثم يتولى حربها.

وأما ابن إسحاق ؛ فإنه قال في أمر خالد وعزل عمر إياه ما حدثنا محمد بن حميد، قال حدثنا سلمة عنه، قال: إنما نزع عمر خالداً في كلام كان خالداً في كلام كان خالداً تكلم به - فيما يزعمون - ولم يزل عمر عليه ساخطاً ولأمره كارهاً في زمان أبي بكر كله، لوقعته بابن نويرة، وما كان يعمل به في حربه ؛ فلما استخلف عمر كان أول ما تكلم به عزله، فقال: لا يلي لي عملاً أبداً ؛ فكتب عمر إلى أبي عبيدة: إن خالداً أكذب نفسه فهو أمير على ما هو عليه ؛ وإن هو لم يكذب نفسه فأنت الأمير على ما هو عليه ؛ ثم انزع عمامته عن رأسه ، وقاسمه ماله نصفين. فلما ذكر أبو عبيدة ذلك لخالد، قال أنظرني أستشر أختي في أمري، ففعل أبو عبيدة ؛ فدخل خالد على أخته فاطمة بنت الوليد - وكانت عند الحارث بن هشام - فذكر لها ذلك ، فقالت: والله لا يحبك عمر أبداً، وما يريد إلا أن تكذب نفسك ثم ينزعك. فقبل رأسها وقال: صدقت والله ! فتم على أمره، وأبى أن يكذب نفسه. فقام بلال مولى أبي بكر إلى أبي عبيدة، فقال: مأ امرت به خالد؟ قال: أمرت أن أنزع عمامته، وأقاسمه ماله. فقاسمه ماله حتى بقيت نعلاه، فقال أبو عبيدة: إن هذا لا يصلح إلا بهذا فقال خالد: أجل، ما أنا بالذي أعصى أمير المؤمنين ؛ فاصنع ما بدا لك ! فأخذ نعلاً وأعطاه نعلاَ. ثم قدم خالد على عمر المدينة حين عزله.

حدثنا ابن حميد، قال حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن عمر بم عطاء، عن سليمان بن يسار، قال: كان عمر كلما مر بخالد قال: يا خالد، أخرج مال الله من تحت استك، فيقول: والله ما عندي من مال ؛ فلما أكثر عليه عمر قال له خالد : يا أمير المؤمنين، ما قيمة ما أصيب في سلطانهكم! أربعين ألف درهم! فقال عمر: قد أخذت ذلك منك بأربعين ألف درهم، قال: هو لك ، قال: قد أخذته. ولم يكن لخالد مال إلا عدة ورقيق، فحسب ذلك ، فبلغت قيمته ثمانين ألف درهم فناصفه عمر ذلك، فأعطاه أربعين ألف درهم، وأخذ المال. فقيل له : يا أمير المؤمنين، لو رددت على خالد ماله ! فقال: إنما أنا تاجر للمسلمين ، والله لا أرده عليه أبداً فكان عمر يرى أنه قد اشتفى من خالد حين صنع به ذلك.

رجع الحديث إلى حديث سيف ، عن أبي عثمان، عن خالد وعبادة، قالا: ولما جاء عمر الكتاب عن أبي عبيدة بالذي ينبغي أن يبدأ به كتب إليه: أما بعد؛ فابدءوا بدمشق، فانهدوا لها ؛ فإنها حصن الشأم وبيت مملكتهم، واشغلوا عنكم أهل فحل بخيل تكون بإزائهم في نحورهم وأهل فلسطين وأهل حمص ؛ فإن فتحها الله قبل دمشق فذاك الذي نحب، وإن تأخر فتحها حتى يفتح الله دمشق فلينزل بدمشق من يمسك بها، ودعوها، وانطلق أنت وخالد إلى حمص، ودع شرحبيل وعمراً وأخلهما بالأردن وفلسطين، وأمير كل بلد وجند على الناس حتى يخرجوا من إمارته. فسرح أبو عبيدة إلى فحل عشرة قواد: أبا الأعور السلمى، وعبد عمرو بن يزيد ين عامر الجرشي، وعامر بن حثمة، وعمرو بن كليب من يحصب، وعمارة بن الصعق بن كعب، وصيفي بن علبة بن شامل، وعمرو بن الحبيب بن عمرو ، ولبدة بن عامر بن خثعمة، وبشر بن عصمة، وعمارة بن مخش قائد الناس ؛ ومع كل رجل خمسة قواد ؛ وكانت الرؤساء تكون من الصحابة حتى لا يجدوا من يحتمل ذلك منهم، فساروا من الصفر حتى نزلوا قريباً من فحل، فلما رأت الروم أن الجنود تريدهم بثقوا المياه جول فحل، فأردغت الأرض، ثم وحلت، واغتم المسلمون من ذلك، فحسبوا عن المسلمين بها ثمانين ألف فارس. وكان أول محصور بالشأم أهل فحل، ثم أهل دمشق. وبعث أبو عبيدة ذا الكلاع حتى كان بين دمشق وحمص رداءاً. وبعث علقمة بن حكيم ومسروقاً فكانا بين دمشق وفلسطين، والأمير يزيد. ففصل ، وفصل بأبي عبيدة من المرج ؛ وقدم خالد بن الوليد، فقدموا على دمشق، وعليهم نسطاس بن نسطورس ؛ فحصروا أهل دمشق، ونزلوا حواليها، فكان أبو عبيدة على ناحية، وعمرو على ناحية، ويزيد على ناحية، وهرقل يومئذ بحمص، ومدينة حمص بينه وبينهم. فحاصروا أهل دمشق نحواً من سبعين ليلة حصاراً شديداً بالزحوف والترامي والمجانيق ؛ وهم معتصمون بالمدينة يرجون الغياث، وهرقل منهم قريب وقد استمدواه . وذو الكلاع بين المسلمين وبين حمص على رأس ليلة من دمشق ؛ كأنه يريد حمص، وجاءت خيول هرقل مغيثة لأهل دمشق، فأشجتها الخيول التي مع ذي الكلاع، وشغلتها عن الناس ، فأرزوا بإزائه، وأهل دمشق على حالهم.

فلما أيقن أهل دمشق أن الأمداد لا تصل إليهم فشلوا ووهنوا وأبلسوا وازداد المسلمون طعماً فيهم ؛ وقد كانوا يرون أنها كالغارات قبل ذلك ؛ إذا هجم البرد قفل الناس، فسقط النجم والقوم مقيمون ؛ فعند ذلك انقطع رجاؤهم، وندموا على دخول دمشق، وولد للبطريق الذي دخل على أهل دمشق مولود ح فصنع عليه، فأكل القوم وشربوا، وغفلوا عن مواقفهم ؛ ولا يشعر بذلك أحد من المسلمين إلا ما كان من خالد ؛ فإنه كان لا ينام ولا ينيم، ولا يخفي عليه من أمورهم شئ ؛ عيونه ذاكية وهو معنى بما يليه، قد اتخذ حبالاً كهيئة السلاليم وأوهاقاً فلما أمسى من ذلك اليوم نهد ومن معه من جنده الذين قدم بهم عليهم، وتقدمهم هو والقعقاع بن عمرو، ومذعور بن عدي، وأمثاله من أصحابه في أول يومه، وقالوا: إذا سمعتم تكبيرنا على السور فارقوا إلينا، وانهدوا للباب. فلما انتهى إلى الباب الذي يليه هو وأصحابه المتقدمون رموا بالحبال الشرف وعلى ظهورهم القرب التي قطعوا بها خنمدقهم. فلما ثبت لهم وهقان تسلق فيهما القعقاع ومذعور، ثم لم يدعا أحبولة إلا أثبتاها - والأوهاق بالشرف - وكان المكان الذي اقتحموا منه أحصن مكان يحيط بدمشق، أكثره ماء، وأشده مدخلاً وتوافوا لذلك فلم يبق ممن دخل معه أحد إلا رقى أو دنا من الباب ؛ حتى إذا استووا على السور حدر عامة أصحابه، وانحدر معهم ؛ وخلف من يحمي ذلك لمن يرتقى، وأمرهم بالتكبير، فكبر الذين على رأس السور، فنهد المسلمون إلى الباب، ومال إلى الحبال بشر كثير، فوثبوا فيها، وانتهى خالد إلى أول من يليه فأنامهم، وانحدر إلى الباب، فقتل البوابين، وثار أهل المدينة وفزع سائر الناس ؛ فأخذوا مواقفهم، ولا يدرون ما الشأ، ! وتشاغل أهل كل ناحية بما يليهم، وقطع خالد بن الوليد ومن معه أغلاق الباب بالسيوف، وفتحوا للمسلمين، فأقبلوا عليهم من داخل ، حتى ما بقي مما يلي باب خالد مقاتل إلا أنيم. ولما شد خالد على من يليه ؛ وبلغ منهم الذي أراد عنوة أرز من أفلت إلى أهل الأبواب التي تلي غيره ؛ وقد كان المسلمون دعوهم إلى المشاطرة فأبوا وأبعدوا ، فلم يفجأهم إلا وهم يبوحون لهم بالصلح، فأجابوا وقبلوا منهم ، وفتحوا لهم الأبواب، وقالوا: ادخلوا وامنعونا من أهل ذلك الباب. فدخل أهل كل باب بصلح مما يليهم، ودخل خالد مما يليه عنوة، فالتقى خالد والقواد في وسطها ؛ هذا استعراضاً وانتهاباً وكان صلح دمشق على المقاسمة، الدينار والعقار، ودينار عن كل رأس، فاقتسموا الأسلاب ؛ فكان أصحاب خالد فيها كأصحاب سائر القواد ، وجرى على الديار ومن بقي في الصلح جريب من كل جريب أرض ؛ ووقف كا كان للملوك ومن صوب معهم فيسئاً، وقسموا لذي الكلاع ومن معه، ولأبي الأعور ومن معه، ولبشير ومن معه، وبعثوا بالبشارة إلى عمر، وقدم على أبي عبيدة كتاب عمر ؛ بأن اصرف جند العراق إلى العراق، وأمرهم بالحث إلى سعد بن مالك، فأمر على جند العراق هاشم بن عتبة، وعلى مقدمته القعقاع بن عمرو، وعلى مجنبتيه عمرو بن مالك الزهري وربعي بن عامر، وضربوا بعد دمشق نحو سعد، فخرج هاشم نحو العراق في جند العراق ؛ وخرج القواد نحو فحل وأصحاب هاشم عشرة آلاف إلا من أصيب منهم، فأتموهم بأناس ممن لم يكن منهم ؛ ومنهم قيس والأشير، وخرج علقمة ومسروق إلى إيلياء، فنزلا على طريقها، وبقي بدمشق مع يزيد بن أبي سفيان من قواد أهل اليمن عدد ؛ منهم عمرو بم شمرين غزية، وسهم بن المسافر بن هزمة، ومشافع ابن عبد الله بن شافع. وبعث يزيد دحية ين خليفة الكلبي في خيل بعد ما فتح دمشق إلى تدمر، وأبا الزهراء القشيري إلى البثنية وحوران، فصالحوهما على صلح دمشق ؛ وولياً القيام على فتح ما بعثا إليه.

وقال محمد بن إسحاق: كان فتح دمشق في سنة أربع عشرة في رجب.

قال أيضاً: كانت وقعة فحل قبل دمشق ؛ وإنما صار إلى دمشق رافضة فحل، واتبعهم المسلمون إليها. وزعم أن وقعة فحل كانت سنة ثلاث عشرة في ذي القعدة منها ؛ حدثنا بذلك ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عنه.

وأما الواقدي: فإنه زعم أن فتح دمشق كان في سنة أربع عشرة ؛ كما قال ابن إسحاق. وزعم أن حصار المسلمين لها كان ستة أشهر. وزعمأن وقعة اليرموك كانت في سنة خمس عشرة وزعم أن هرقل جلا في هذه السنة بعد وقعة اليرموك في شعبان من أنطاكية إلى قسجطنطينية، وأنه لم يكن بعد اليرموك وقعة.

قال أبو جعفر: وقد مضى ذكرى ماروى عن سيف، عمن روى عنه ؛ أن وقعة اليرموك كانت في سنة ثلاث عشرة ؛ وأن المسلمين ورد عليهم البريد بوفاة أبي بكر باليرموك، في اليوم الذي هزمت الروم في آخره، وأن عمر أمرهم بعد فراغهم من اليرموك بالمسير إلى دمشق، وزعم أن فحلاً كانت بعد دمشق ؛ وأن حروباً بعد ذلك كانت بين المسلمين والروم سوى ذلك، قبل شخوص هرقل إلى قسطنطينية ؛ سأذكرها إن شاء الله في مواضعها.

وفي هذه السنة - أعني سنة ثلاث عشرة - وجه عمر بن الخطاب أبا عبيد بن مسعود الثقفينحو العراق. وفيها استشهد في قول الواقدي. وأما ابن إسحاق ؛ فإنه قال: كان يوم الجسر، جسر أبي عبيد بن مسعود الثقفي في سنة أربع عشرة.

ذكر أمر فحل من رواية سيف: قال أبو جعفر: ونذكر الآن أمر فحل إذا كان في الخبر الذي فيه من الاختلاف ما ذكرت من فتوح جند الشأم . ومن الأمور التي تستنكر وقوع مثل الإختلاف الذي ذكرته في وقته ؛ لقرب بعض ذلك من بعض.

فأما ما قال ابن إسحاق من ذلك وقص من قصته، فقد تقدم ذكريه قبل.

وأما السري فإنه فيما كتب به إلى، عن شعيب، عن سيف عن أبي عثمان يزيد بن أسيد الغساني وأبي حارثة العبشمي ، قالا: خلف الناس بعد فتح دمشق يزيد بن أبي سفيان في خيله في دمشق، ساروا نحو فحل، وعلى الناس شرحبيل بن حسنة، فبعث خالداً على المقدمة وأبا عبيدة وعمرا على مجنبتيه، وعلى الخيل ضرار بن الأزور، وعلى الرجل عياض، وكرهوا أن يصمدوا لهرقل، وخلفهم ثمانون ألفاً، وعلموا أن من بإزاء فحل جنة الروم وإليهم ينظرون، وأن الشأم بعدهم سلم. فلما انتهوا إلى أبي الأعور، قدموه إلى طبرية، فحاصرهم ونزلوا على فحل من الأردن، - وقد كان أهل فحل حين نزل بهم أبو الأعور تركوه وأرزوا إلى بيسان - فنزل شرحبيل بالناس فحلاً، والروم بيسان، وبينهم وبين المسلمين تلك المياه والأوحال، وكتبوا إلى عمر بالخبر، وهم يحدثون أنفسهم بالمقام، ولا يريدون أن يريموا فحلاً حتى يرجع جواب كتابهم من عند عمر، ولا يستطيعون الإقدام على عدوهم في مكانهم لما دونهم من الأوحال، وكانت العرب تسمى تلك الغراة فحلاً وذات الردغة وبيسان. وزأصاب المسلمون من ريف الأردن أفضل مما فيه المشركون ؛ مادتهم متواصلة، وخصبهم رغد ؛ فاغترهم القوم، وعلى القوم سقلا ربن مخراق ؛ ورجوا أن يكونوا على غرة فأتوهم والمسلمون لا يأمنون مجيئهم، فهم على حذر وكان شرحبيل لا يبيت ولا يصبح إلا على تعبية. فلما هجموا على المسلمين غافصوهم ، فلم يناظروهم، واقتتلوا بفحل كأشد قتال اقتتلوا قط ليلتهم ويومهم إلى الليل، فأظلم الليل عليهم وقد حاروا، فانهزموا وهم حيارى. وقد أصضيب وئيسهم سقلاً ربن مخراق ؛ والذي يليه فيهم نسطورس، وظفر المسلمون أحسن ظفر وأهنأه، وركبوهم وهم يرون أنهم على قصد وجدد، فوجدوهم حيارى لا يعرفون مأخذهم، فأسلمتهم هزيمتهم وحيرتهم إلى الوحل، فركبوه، ولحق أوائل المسلمين بهم؛ وقد وحلوا فركبوهم ؛ وما يمنعون يد لامس ح فوخزوهم بالرماح، فكانت الهزيمة في فحل ؛ وكان مقتلهم في الرداغ، فأصيب الثمانون ألفا، لم يفلت منهم إلا الشريد ؛ وكان الله يصنع للمسلمين وهم كارهون، كرهوا البثوق فكانت عوناً لهم على عدوهم، وأناة من الله ليزدادوا بصيرة وجداً، واقتسموا ما أفاء الله عليهم، وانصرف أبو عبيدة بخالد من فحل إلى حمص، وصرفوا سمير بن كعب معهم، ومضوا بذي الكلاع ومن معه، وخلفوا شرحبيل ومن معه.

ذكر بيسان ولما فرغ شرحبيل من وقعة فحل نهد في الناس ومعه عمرو إلى أهل بيسان، فنزلوا عليهم، وأبو الأعور والقواد معه على طبرية، وقد بلغ أفناء أهل الأردن ما لقيت دمشق، وما لقى سقلار والروم بفحل وفي الردغة، ومسير شرحبيل إليهم، معه عمرو بن العاص والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو ؛ يريد بيسانح فحصروهم أياماً. ثم إنهم مخرجوا عليهم فقاتلوهم، فأناموا من خرج إليهم، وصالحوا بقية أهلها، فقبل ذلك على صلح دمشق.

طبرية وبلغ أهل طبرية الخبر، فصالحوا أبا الأعور، على أن يبلغهم شرحبيل، ففعل ؛ فصالحوهم وأهل بيسان على صلح دمشق ؛ على أن يشاطروا المسلمين المنازل في المدائن، وما أحاط بها مما يصلها، فيدعون لهم نصفاً، ويجتمعون في النصف الآخر، وعن كل رأس دينار كل سنة، وعن كل جريب أرض جريب بر أو شعير ؛ أي ذلك حرث ؛ وأشياء في ذلك صالحوهم عليها، ونزلت القواد وخيولهم فيها، وتم صلح الأردن، وتفرقت الأمداد في مدائن الأردن وقراها، وكتب إلى عمر بالفتح.

ذكر خبر المثنى بن حارثة وأبي عبيد بن مسعود كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيفبن عمر، عن محمد بن عبد الله بن سواد وطلحة بن الأعلم وزياد بن سرجس الأحمري بإسنادهم، قالوا: أول ما عمل به عمر أن ندب الناس مع المثنى بن حارثة الشيباني إلى أهل فارس قبل صلاة الفجر، من الليلة التي مات فيها أبو بكر رضى الله عنه، ثم أصبح فبايع الناس، وعاد فندب الناس إلى فارس، وكان وجه فارس من أكره الوجوه إليهم وأثقلها عليهم، لشدة سلطانهم وشوكتهم وعزهم وقهرهم ألأمم. قالوا: فلما كان اليوم الرابع؛ عاد فندب الناس إلى العراق؛ فكان أول منتدب أبو عبيد بن مسعود وسعد بن عبيد الأنصاري حليف بني فزازة ؛ هرب يوم الجسر، فكانت الوجوه تعرض عليه بعد ذلك، فيأبى العراق، ويقول: إن الله جل وعز اعتد على فيها بفرة ؛ فلعله أن يرد على فيها كرة وتتابع الناس.

كتب إلى السري بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن سهل بن يوسف، عن القاسم بن محمد، قال: وتكلم المثنى بن حارثة ، فقال: يا أيها الناس، لا يعظمن عليكم هذا الوجه ؛ فإنا قد تبحبحنا ريف فارس، وغلبناهم على خير شقي السواد وشاطرناهم ونلنا منهم ؛ وأجترأ من قبلنا عليهم ؛ ولها إن شاء الله ما بعدها. وقام عمر رحمه الله في الناس ؛ فقال: إن الحجاز ليس لكم بدار إلا على النعجة، ولا يقوى عليه أهله إلا بذلك ؛ أين الطراء المهاجرون عن موعود الله ! سيروا في الأرض التي وعدوكم الله في الكتاب أن يورثكموها؛ فإنه قال:(ليظهره على الدين كله)، والهل مظهر دينه، ومعز ناصره، ومول أهله مواريث الأمم. أين عباد الله الصالحون! فكان أول منتدب أبو عبيد بن مسعود، ثم ثنى سعد بن عبيد - أو سليط بن قيس - فلما اجتمع ذلك البعث ، قيل لعمر: أمر عليهم رجلاً من السابقين من المهاجرين واظلنصار. قال : لا والله لا أفعل ؛ إن الله إنما رفعكم بسبقكم وسرعتكم إلى العدو ؛ فإذا جبتم وكرهتم اللقاء ؛ فأولى بالرياسة منكم من سبق إلى الدفع، وأجاب إلى الدعاء! والله لآ أؤمر عليهم إلا أولهم انتداباً. ثم دعا أبا عبيد، وسليطاً وسعداً ؛ فقال: أما إنكما لو سبقتماه لوليتكما ولأدركتما بها إلى مالكما من القدمة. فأمر أبا عبيد على الجيش، وقال لأبي عبيد: اسمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وأشركهم في الأمر، ولا تجتهد مسرعاً حتى تتبين؛ فإنها الحرب، والحرب لا يصلحها إلا الرجل المكيث الذي يعرف الفرصة والكف.

وقال رجل من الأنصار: قال عمر رضي الله عنه لأبي عبيد: إنه لم يمنعني أن أؤمر سليطاً إلا سرعته إلى الحرب ، وفي التسرع إلى الرحب ضياع إلا عن بيان، والله لولا سرعته لأمرته ؛ ولكن الحرب لا يصلحها إلا المكيث.

كتب إلى السرى بن يحيى، عن شعيب بن ابراهيم، عن سيف بن عمر، عن المجالد، عن الشعبي، قال: قدم المثنى بن حارثة على أبي بكر سنة ثلاث عشرة ؛ فبعث معه بعثاً قد كان ندبهم ثلاثاً ؛ فلم ينتدب له أحد حتى انتداب له أبو عبيد ثم سعد بن عبيد، وقال أبو عبيد حين انتدب: أنا لها، وقال سعد: أنا لها؛ لفعله فعلها. وقال سليط: فقيل لعمر : أمر عليهم رجلاً له صحبة، فقال عمر إنما فضل الصحابة بسرعتهم إلى العدو وكفايتهم من أبي ؛ فإذا فعل فعلهم قوم واثاقلوا كان الذي ينفرون خفافاً وثقالاً أولى بها منهم؛ والله لا أبعث عليهم إلا أولهم انتداباً فأمر أبا عبيد، وأوصاه بجنده.

كتب إلى السري بن يحيى، عن شعيبب بن أبراهيم، عن سيف بن عمر، عن سهل، عن القاسم مبشر، عن سالم، قال: كان أول بعث بعثه عمر بعث أبي عبيد، ثم بعث يعلي بن أمية إلى اليمن وامره بإجلاء أهل نجران، لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه بذلك، ولوصية أبي بكر رحمه الله بذلك في مرضه، وقال: ائتهم ولا تفتنهم عن دينهم عن دينهم، ثم أجلهم ؛ من أقام منهم على دينه، وأقرر المسلم ، وامسح أرض كل من تجلى منهم ، ثم خيرهم البلدان، وأعلمهم أنا نجليهم بأمر الله ورسوله ؛ ألا يترك بجزيرة العرب دينان ؛ فليخرجوا ؛ من أقام على دينه منهم ؛ ثم نعطيهم أرضاً كأرضهم، إقراراً لهم بالحق على أنفسنا، ووفاء بذمتهم فيما أمر الله من ذلك ، بدلاً بينهم وبين جيرانهم من أهل اليمن وغيرهم فيما صار لجيرانهم بالريف.

خبر النمارق كتب إلى السرى بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن سهل ومبشر بإسنادهما، ومجالد عن الشعبي قالوا: فخرج أبو عبيد ومعه سعد بن عبيد ، وسليط بن قيس ؛ أخو بني النجار، والمثنى بن حارثة أخو بني شيبان، ثم أحد بني هند.

كتب إلى السرى ، عن شعيب، عن سيف، عن مجالد، وعمرو عن الشعبي، وأبي روق، قالوا: كانت بوران بنت كسرى - كلما اختلف الناس بالمدائن - عدلاً بين الناس حتى يصطلحوا ، فلما قتل الفرخزاذبن البندوان وقدم رستم فقتل آزرميدخت، كانت عدلاً إلى أن استخرجوا يزدجرد، فقدم أبو عبيد والعدل بوران، وصاحب الحرب رستم ؛ وقد كانت بوران أهدت للنبي صلى الله عليه وسلم فقبل هديتها ، وكانت ضداً على شيرى سنة، ثم إنها تابعته، واجتمعا على أن رأس وجعلها عدلاً.

كتب إلى السرى بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد بإستنادهم، لما قالوا: قتل سياوخش فرخزاذ بن البندوان ، وملكت آزرميدخت، اختلف أهل فارس، وتشاغلوا عن المسلمين غيبة المثنى كلها إلى أن رجع من المدينة. فبعث بوران إلى رستم بالخبر، واستحثته بالسير ؛ وكان على فرج خراسان، فأقبل في الناس حتى نزل المدائن ؛ لا يلقى جيشاً لآزرميدخت إلا هزمه، فاقتتلوا بالمدائن، فهزم سياوخش وحصر وحصرت آزرميدخت ؛ ثم افتتحها فقتل سياوخش، وفقأ عين آزرميدخت، ونصب بوران ودعته إلى القيام بأمر أهل فارس، وشكت إليه تضعضعهم وإدبار أمرهم ؛ على أن تملكه عشر حجج ؛ ثم يكون الملك في آل كسرى، إن وجدوا من غلمانهم أحداً ؛ وإلا ففي نسائهم. فقال رستم: أما أنا فسامع مطيع، غير طالب عوضاً ولا ثواباً، وإن شرفتموني وصنعتم إلى شيئاً فأنتم أولياء ما صنعتم ؛ إنما أنا سمهكم وطوع أيديكم. فقالت بوران: اغد على ، فغدا عليها ودعت مرازبة فارس، وكتبت له بأنك على حرب فارس ؛ ليس عليك إلا الله عز وجل، عن رضا منا وتسليم لحكمك، وحكمك جائز فيهم ما كان حكمك في منع أرضهم وجمعهم عن فرقتهم. وتوجته وأمرت أهل فارس أن يسمعوا له ويطيعوا. فدانت له فارس بعد قدوم أبي عبيد ؛ وكان أول شئ أحدثه عمر بعد موت أبي بكر من الليل ؛ أن نادى: الصلاة جامعة! ثم ندبهم فتفرقوا على غير إجابة من أحد، ثم ندبهم في اليوم الرابع، فأجاب أبو عبيد في اليوم الرابع أول الناس، وتتابع الناس، وانتخب عمر من أهل المدينة ومن حولها ألف رجل، أمر عليهم أبا عبيد ، فقيل له: استعمل عليهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: لاها الله ذا يا أصحاب النبي، لا أندبكم فتنكلون ، وينتدب غيركم فأمروكم عليهم! إنكم إنما فضلتم بتسرعكم إلى مثلها ؛ فإن نلكتم فضلوكم ؛ بل أؤمر عليكم أولكم انتداباً. وعجل المثنى، وقال: النجاء حتى يقدم عليك أصحابك! فكان أول شئ أحدثه عمر في خلافته مع بيعته بعثه أبا عبيد، ثم بعث أهل نجران، ثم ندب أهل الردة فأقبلوا سراعاً من كل أوب ؛ فرمى بهم الشأم والعراق؛ وكتب إلى أهل اليرموك ؛ بأن عليكم أبا عبيدة بن الجراح؛ وكتب إليه: إنك على الناس ؛ فإن أظفرك الله فاصرف أهل العراق إلى العراق ؛ ومن أحب من أمدادكم إذا هم قدموا عليكم. فكان أول فتح أتاه اليرموك على عشرين ليلة من متوفى أبي بكر ؛ وكان في الإمداد إلى اليرموك في زمن عمر قيس بن هبيرة ، ورجع مع أهل العراق ولم يكن منهم، وإنما غزا حين أذن عمر لأهل الردة في الغزو. وقد كانت فارس تشاغلت بموت شهر براز عن المسلمين ؛ فملكت شاه زنان ؛ حتى اصطلحوا على سابور بن شهر براز بن أردشير بن شهريار، فثارت به آزرميدخت، فقتله والفرخزاذ، وملكت - ورستم بن الفرخزاذ بخراسان على فرجها - فأتاه الخبر عن بوران. وقدم المثنى الحيرة من المدينة في عشر، ولحقه أبو عبيد بعد شهر، فأقام المثنى بالحيرة خمس عشرة ليلة ؛ وكتب رستم إلى دهاقين السواد أن يثورا بالمسلمين، ودس في كل رستاق رجلً ليثور بأهله، فبعث جابان إلى البهقباذ الأسفل ؛ وبعث نرسى إلى كسكر، ووعدهم يوماً ؛ وبعث جنداً لمصادمة المثنى ؛ وبلغ المثنى ذلك ؛ فضم إليه مسالحه وحذر، وعجل جابان، فثار ونزل النمارق.

وتوالوا على الخروج ؛ فخرج نرسي، فنزل زندورد، وثار أهل الرساتيق من أعلى الفرات إلى أسفله ؛ وخرج المثنى في جماعة حتى ينزل خفان ؛ لئلا يؤتى من خلفه بشئ يكرهه، وأقام حتى قدم عليه أبو عبيدة ؛ فكان أبو عبيد على الناس، فأقام بخفان أياماً ليستجم أصحابه ؛ وقد اجتمع إلى جابان بشر كثير، وخرج أبو عبيد بعد ما جم الناس وظهورهم، وتعبى، فجعل المثنى على الخيل، وعلى ميمنته والق بن جيدارة، وعلى ميسرته عمرو بن الهيثم بن الصلت بن حبيب السلمى. وعلى مجنبتى جابان جشنس ماه ومردانشاه. فنزلوا على جابان بالنمارق، فاقتتلوا قتالاً شديداً. فهزم الله أهل فارس، وأسرجابان، أسره مطر بن فضة التيمي، وأسر مردانشاه، أسرة أكتل بن شماخ العكلي فأما أكتل فأنه ضرب عنق مردنشاه وأما مطر بن فضة فإن جابان خدعه، حتى تفلت منه بشئ فخلى عنه ؛ فأخذه المسلمون، فأتوا به أبا عبيد وأخبروه أنه الملك، وأشاروا عليه بقتله، فقال: إني أخاف الله أن أقتله ؛ وقد آمنه رجل مسلم والمسلمون، فقالوا له : إنه الملك، قال: وإن كان لا أغدر، فتركه.

كتب إلى السرى بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن الصلت بن بهرام، عن أبي عمران الجعفى، قال: ولت حربها فارس رستم عشر سنين، وملكوه، وكان منجماً عالماً بالنجوم، فقال له قائل: ما دعاك إلى هذا الأمر وأنت ترى ما ترى ! قال: الطمع وحب الشرف. فكاتب أهل السواد، ودس إليهم الرؤساء، فثارروا بالمسلمين ؛ وقد كان عهد إلى القوم أن الأمير عليكم أول من ثار، فثار جابان في فرات بادقلي، وثار الناس بعده، وأرز المسلمون إلى المثنى بالحيرة، فصمد لخفان، ونزل خفان حتى قدم عليه أبو عبيد وهو الأمير على المثنى وغيره، ونزل جابان النمارق، فسار إليه أبو عبيد من خفان، فالتقوا بالنمارق ؛ فهزم الله أهل فارس وأصابوا منهم ما شاءوا وبصر مطر بن فضة - وكان ينسب إلى أمه - وأبى برجل عليه حلى ؛ فشدا عليه فأخاه أسيراً، فوجداه شيخاً كبيراً فزهد فيه أبى ورغب مطر في فدائه، فاصطلحا على أن سلبه لأبى ، وأن إساره لمطر، فلما خلص مطر به، قال: إنكم معاشر العرب أهل وفاء، فهل لك أن تؤمنني وأعطيتك غلامين أمردين خفيفين في عملك وكذا وكذا ! قال : نعم، قال: فأدخلني على ملككم؛ حتى يكون ذلك بمشهد منه، ففعل فأدخله على أبي عبيد، فتم له على ذلك ؛ فأجاز أبو عبيد، فقام أبي وأناس من ربيعة ؛ فأما أبي فقال : أسرته أما وهو على غير أمان ؛ وإما الآخرون فعرفوه، وقالوا: هذا الملك جابان ؛ وهو الذي لقينا بهذا الجمع، فقال: ما تروني فاعلاً معاشر ربيعة؟ أيؤمنه صاحبكم وأقتله أنا ! معاذ الله من ذلك! وقسم أبو عبيد الغنائم، وكان فيها عطر كثير ونفل، وبعث بالأخماس مع القاسم.
السقاطية بكسكر كتب إلى السرى بن يحيى، عن شعيب بن ابراهيم، عن سيف بن عمر، عن محمد وطلحة وزياد، قالوا: وقال أبو عبيد حين انهرموا وأخذوا نحو كسكر ليلجئوا إلى نرسي - نرسى ابن خالة كسرى ؛ وكانت كسكر قطيعة له ؛ وكان النرسيان له، يحميه لا يأكله بشر، ولا يغرسه غيرهم أو ملك فارس إلا من أكرمه بشئ منه، وكان ذلك مذكوراً من فعلهم في الناس، وأن ثمرهم هذا حمى، فقال له رسم وبوران: اشخص إلى قطيعتك فاحمها من عدوك وعدونا وكن رجلاً، فلما انهزم الناس يوم النمارق، ووجهت الفالة نحو نرسى - ونرسى في عسكره ت نادى أبو عبيد بالرحيل، وقال للمجردة: أتبعوهم حتى تدخلوهم عسكر نرسى، أو تبيدهم فيما بين النمارق إلى بارق إلى درتا. وقال عاصم بن عمرو في ذلك:

لعمـري ومـا عـلـى بـهـين                     لقد صبحت بالخزى أهل النمارق
بأيدي رجال هاجروا نحو ربهـم               يجوسونهم ما بين درتـا وبـارق
قتلناهم ما بين مـرج مـسـلـح               وبين الهوافي من طريق البذارق

ومضى أبو عبيد حين ارتحل من النمارق حتى ينزل على نرسى بكسكر - ونرسى يومئذ بأسفل كسكر - والمثى في تعبيته التي قاتل فيها جابان، ونرسى على مجنبتيه ابنا خاله - وهما ابنا خال كسرى بندويه وتيرويه ابنا بسطام - وأهل باروسما ونهر جوبر والزوابي معه إلى جنده وقد أتى الخبر بوران ورستم بهزيمة جابان؛ فبعثوا إلى الجالنوس، وبلغ ذلك نرسى وأهل كسكر وباروسما ونهر جوبر والزاب، فرجوا أن يلحق قبل الوقعة ، وعاجلهم أبو عبيد فالتقوا أسفل من كسكر بمكان يدعى السقاطية فاقتتلوا في صحارى ملس قتالا شديداً. ثم إن الله هزم فارس، وهرب نرسى، وغلب على عسكره وأرضه، وأخرب أبو عبيد ما كان حول معسكرهم من كسكر ، وجمع الغنائم فرأى من الأطعمة شيئاً عظيماً، فبعث فيمن يليه من العرب فانتقلوا ما شاءوا، وأخذت خزائن نرسى ؛ فلم يكونوا بشئ مما خزن أفرح منهم بالنرسيان ؛ لأنه كان يحميه ويمالئه عليه ملوكهم ؛ فاقتسموه فجعلوا يطعمونه الفلاحين ؛ وبعثوا بخمسة إلى عمر وكتبوا إليه: إن الله أطعمنا مطاعم كانت الأكاسرة يحمونها، وأجبنا أن تروها ؛ ولتذكروا إنعام الله وإفضاله.

وأقام أبو عبيد وسرح المثنى إلى باروسما، وبعث والقا إلى الزوابي وعاصماً إلى نهر جوبر؛ فهزموا من كان تجمع وأخبروا وسبوا، وكان مما أخرب المثنى وسبى أهل وزندورد وبسوسيا ، وكانوكان أبو زعبل من سبى زندورد ؛ وهرب ذلك الجند إلى الجالنوس ؛ فكان ممن أسر عاصم أهل بيتيق من نهر جوبر، وممن أسر والق أبو الصلت . وخرج فروخ وفر ونداد إلى المثنى ، يطلبان الجزاء والذمة، دفعاً عن أرضهم ؛ فأبلغهما أبا عبيد: أحدهما باروسما والآخر نهر جوبر، فأعطياه كل رأس أربعة ، فروخ عن باروسما وفر ونداد عن نهر جوبر، ومثل ذلك الزوابي وكسكر، وضمنا لهم الرجال عن التعجيل، ففعلوا وصاروا صلحاً. وجاء فروخ وفر ونداد إلى أبي عبيد بآنية فيها أنواع أطعمة فارس م الألوان والأخبصة وغيرها ؛ فقالوا: هذه كرامة أكرمناك بها، وقرى لك. قال: أأكرمتم الجند وقريتموهم مثله؟ قالوا: لم يتيسر ونحن فاعلون ؛ وإنما يتربصون بهم قدوم الجالنوس وما يصنع ؛ فقال أبو عبيد: فلا حاجة لنا فيما لا يسع الجند، فرده، وخرج أبو عبيد حتى ينزل بباروسما فبلغه مسير الجالنوس.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن النضر بن السرى الضبي، قال: فأتاه الأندرزغربن الحركبذ بمثل ما جاء به فروج وفرونداذ. فقال لهم: أأكرمتم الجند بمثله وقريتموهم؟ قالوا: لا، فرده، وقال: لا حاجة لنا فيه ؛ بئس المرء أبو عبيد ؛ إن صحب قوماً من بلادهم أهراقوا دماءهم دونه، أو لم يهريقوا فاستأثر عليهم بشئ يصيبه! لا والله لا يأكل مما أفاء الله عليهم إلا مثل ما يأكل أوساطهم.

قال أبو جعفر: وقد حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق بنحو من حديث سيف هذا، عن رجاله في توجيه عمر المثنى وأبا عبيد ابن مسعود إلى العراق في حرب من بها من الكفار وحروبهم، ومن حاربهم بها ؛ غير أنه قال: لما هزم جالنوس وأصحابه، ودخل أبو عبيد باروسما، نزل هو وأصحابه قرية من قراها ؛ فاشتملت عليهم، فصنع لأبي عبيد طعام فأتى به؛ فلما رآه قال: ما أنا بالذي آكل هذا دون المسلمين! فقالوا له : كل فإنه ليس من أصحابك أحد إلا وهو يؤتى في منزله بمثل هذا أو أفضل ؛ فأكل فلما رجعوا إليه سألهم عن طعامهم، فأخبروه بما جاءهم من الطعام.

كتب إلى السرى بن يحيى، عن شعيب بن ابراهيم، عن سيف بن عمر، عن محمد وطلحة وزيادة بإسنادهم، قالوا: كان جابان ونرسي استمدا بوران، فأمدتهما بالجالنوس في جند جابان، وأمر أن يبدأ بنرسى ؛ ثم يقاتل أبا عبيد بعد، فبادره أبو عبيد، فنهض في جنده قبل أن يدنو، فلما دنا استقبله أبو عبيد، فنزل الجالنوس بباقسياثا من باروسما، فنهد إليه أبو عبيد في المسلمين ؛ وهو على تعبيته ؛ فالتقوا على باقسياثا، فهزمهم المسلمون وهرب الجالنوس، وأقام أبو عبيد، قد غلب على تلك البلاد.

كتب إلى السرى بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن النضر بن السرى والمجالد بنجو من وقعة باقسياثا.

كتب إلى السرى بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة ومجالد وزياد والنضر بإسنادهم، قالوا: أتاه أولئك الدهاقين المتربصون جميعاً بما وسع الجند، وهاربوا وخافوا على أنفسهم. وأما النضر ومجالد فإنهما قالا: قال أبو عبيد: ألم أعلمكم أني لست آكلا إلا ما يسع من معي ممن أصبتم بهم! قالوا: لم يبق أحد إلا وقد أتى بشبعه من هذا في رحالهم وأفضل. فلما راح الناس عليه سألهم عن قرى أهل الأرض فأخبروه، وإنما كانوا قصروا أولا تربصا ومخافة عقوبة أهل فارس. وأما محمد وطلحة وزياد فإنهم قالوا: فلما علم قبل منهم، وأكل وأرسل إلى قوم كانوا يأكلون معه أضيافاً عليه يدعوهم إلى الطعام وقد أصابوا من نزل فارس ولم يروا أنهم أتوا أبا عبيد بشئ فظنوا أنهم يدعون إلى مثل ما كانوا يدعون إليه من غليظ عيش أبي عبيد ؛ وكرهوا ترك ما أتوا به من ذلك ؛ فقالوا له: قل للأمير إنا لا نشتهي شيئاً مع شئ أتتنا به الدهاقين ؛ فأرسل إليهم : إنه طعام كثير من أطعمة الأعاجم؛ أين هو مما أتيتم به? أنه قوؤ نجم وجدزل وشواء وخردل وشواء وخردل فقال في ذلك عاصم بن عمرو وأضيافه عنده: ذلك عاصم بن عمرو وأضيافه عنده:

إن تك ذا قرو ونجم وجـوزل               فعند ابن فروخ شواء وخردل
وقرو رقاق كالصحائف طويت            على مزع فيها بقول وجوزل

وقال أيضاً

صبحنا بالبقايس رهط كسرى                 صبوحاً ليس من خمر السواد
صبحناهم بكل فتى كـمـى                     وأجرد سابح من خيل عـاد

ثم ارتحل أبو عبيد، وقدم المثنى، وسار في تعبيته حتى قدم الحيرة. وقال النضر ومجالد ومحمد وأصحابه: تقدم عمر إلى أبي عبيد، فقال: إنك تقدم على أرض المكر والخديعة والخيانة والجبرية، تقدم على قوم جرءوا على الشر فعلموه، وتناسوا الخير فجهلوا، فانظر كيف تكون! واخزن لسانك، ولا تفشين سرك ؛ فإن صاحب السر ما ضبطه، متحصن لا يؤتى من وجه يكرهه ؛ وإذا ضيعه كان بمضيعة وقعة القرقس ويقال لها القس قس الناطف، ويقال لها الجسر، ويقال لها المروحة.

قال أبو جعفر الطبري رحمه الله: كتب إلى السرى بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد بإسنادهم ، قالوا: ولما رجع الجالنوس إلى رستم ومن أفلت من جنوده، قال رستم: أي العجم أشد على العرب فيما ترون؟ قالوا: بهمن جاذويه ؛ فوجهه ومعه فيلة ورد الجالنوس معه، وقال له : قدم الجالنوس، فإن عاد لمثلها فاضرب عنقه، فأقبل بهمن جاذويه ومعه درفش كابيان راية كسرى - وكانت من جلود النمر، وعرض ثمانية أذرع في طول اثني عشر ذراعاً - وأقبل أبو عبيد، فنزل المروحة، موضع البرج والعاقول، فبعث إليه بهمن جاذويه: إما أن تعبروا إلينا وندعهم والعبور وإما أن تدعونا نعبر إليكم? فقال الناس: لا تعبر يا أبا عبيد يا أبا عبيد، ننهاك عن العبور. وقالوا له: قل لهم: فليعبروا - وكان من أشد الناس عليه في ذلك سليط - فلج أبو عبيد، وترك الرأي ، وقال: لا يكونون أجرأ على الموت منا ؛ بل نعبر إليهم. فعبروا إليهم وهم في منزل ضيق المطرد والمذهب، فاقتتلوا يوماً - وأبو عبيد فيما بين الستة والعشرة - حتى إذا كان من آخر النهار، واستبطأ رجل من ثقيف الفتح ألف بين الناس فتصافحوا بالسيوف وضرب أبو عبيد الفيل، وخبط الفيل أبا عبيد، وقد أسرعت السيوف في أهل فارس، وأصيب منهم ستة آلاف في المعركة، ولم يبق ولم ينتظر إلا الهزيمة، فلما خبط أبو عبيد، وقام عليه الفيل جال المسلمون جولة، ثم تموا عليها، وركبهم أهل فارس، فبادر رجل من ثقيف إلى الجسر فقطعه، فانتهى الناس إليه والسيوف تأخذهم من خلفهم، فتهافتوا في الفرات، فأصابوا يومئذ من المسلمين أربعة آلاف ؛ من بين غريق وقتيل، وحمى المثنى الناس وعاصم والكلج الضبى ومذعور، حتى عقدوا الجسر وعبروهم ثم عبروا في آثارهم، فأقاموا بالمروحة والمثنى جريح، والكلج ومذعور وعاصم - وكانوا حماة الناس - مع المثنى ، وهرب من الناس بشر كثير على وجوههم ؛ وافتضحوا في أنفسهم، واستحيوا مما نزل بهم، وبلغ ذلك عمر عن بعض من أوى إلى المدينة فقال: عباد الله! اللهم إن كل مسلم في حل منى، أنا فئة كل مسلم ، يرحم الله أبا عبيد ! لو كان عبر فاعتصم بالخيف، أو تحيز إلينا ولم يستقبل لكنا به فئة!

وبينا أهل فارس يحاولون العبور أتاهم الخبر أن الناس بالمدائن قد ثاروا برستم، ونقضوا الذي بينهم وبينه فصاروا فرقتين: الفهلوج على رستم، وأهل فارس على الفيرزان ؛ وكان بين وقعة اليرموك والجسر أربون ليلة. وكان الذي جاء بالخبر عن اليرموك جرير بن عبد الله الحميري ؛ والذي جاء بالخبر عن الجسر عبد الله بن زيد الأنصاري - وليس بالذي رأى الرؤيا - فانتهى إلى عمر وعمر على المنبر. فنادى عمر : الخبر يا عبد الله بن زيد !قال: أتاك الخبر اليقين ؛ ثم صعد إليه المنبر فأسر ذلك إليه.
وكانت اليرموك في أيام من جمادى الآخر، والجسر في شعبان.

كتب إلى السرى بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن المجالد وسعيد ابن المرزيان، قالا : واستعمل رستم على حرب أبي عبيد بهمن جاذويه ؛ وهو ذو الحاجب، ورد الجالنوس ومعه الفيلة، فيها فيل أبيض عليه النخل ، وأقبل في الدهم ، وقد استقبله أبو عبيد حتى انتهى إلى بابل ؛ فلما بلغه انحاز حتى جعل الفرات بينه وبينه ؛ فعسكر بالمروحة.

ثم إن أبا عبيد ندم حين نزلوا به قالوا: إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر، فحلف ليقطعن الفرات إليهم، وليمحصن ما صنع، فناشده سليط بن قيس ووجوه الناس، قالوا إن العرب لم تلق مثل جنود فارس منذ كانوا، وإنهم قد حفلوا لنا واستقبلوا من الزهاء والعدة بما لم يلقنا به أحد منهم ؛ وقد نزلت منزلاً لنا فيه مجال وملجأ ومرجع؛ من فرة إلى كرة. فقال: لاأفعل ؛ جبنت والله! وكان الرسول فيما بين ذي الحاجب وأبي عبيد مردانشاه الخصى ؛ فأخبرهم أن أهل فارس قد عيروهم ؛ فازداد أبو عبيد محكاً ، ورد على أصحابه الرأى، وجبن سليطاً، فقال: سليط: أنا والله أجرأ منك نفساً ؛ وقد أشرنا عليك الرأي فستعلم! كتب إلى السرى بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن النضر بن السرى، عن الأغر العجلي، قال: أقبل ذو الحاجب حتى وقف على شاطئ الفرات بقس الناطف، وأبو عبيد معسكر على شاطئ الفرات بالمروحة فقال: إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم. فقال أبو عبيد: بل نعبر إليكم. فعقد ابن صلوبا الجسر للفريقين جميعاً ؛ وقبل ذلك ما قد رأت دومة امرأة أبي عبيد رؤيا وهي بالمروحة؛ أن رجلاً نزل من السماء بإناء فيه شراب ، فشرب أبو عبيد وجبر في أناس من أهله؛ فأخبرت بها أبا عبيد، فقال: هذه الشهادة وعهد أبو عبيد إلى الناس، فقال: إن قتلت فعلى الناس جبر، فإن قتل فعليكم فلان، حتى أمر الذين شربوا من الإناء على الولاء من كلامه. ثم قال: إ، قتل أبو القاسم فعليكم المثنى، ثم نهد بالناس فعبر وعبروا إليهم، وعضلت الأرض بأهلها، وألحم الناس الحرب. فلما نظرت الخيول إلى الفيلة عليها النخل ؛ والخيل عليها التجافيف والفرسان عليهم الشعر رأت شيئا منكراً لم تكن ترى مثله فجعل المسلمون إذا حملوا عليهم لم تقدم خيولهم، وإذا حملوا على المسلمين بالفيلة والجلاجل فرقت بين كراديسهم ؛ لا تقوم لها الخيل إلا على نفار. وخزقهم الفرس بالنشاب، وعض المسلمين الألم ؛ وجعلوا لا يصلون إليهم ؛ فترجل أبو عبيد وترجل الناس، ثم مشوا إليهم فصافحوهم بالسيوف ؛ فجعلت الفيلة لا تحمل على جماعة إلا دفعتهم ؛ فنادى أبو عبيد: احتوشوا الفيلة ؛ وقطعوا بطنها واقبلوا عنها أهلها ؛ وواثب هو الفيل الأبيض، فتعلق ببطانة فقطعه ؛ ووقع الذين عليه، وفعل القوم مثل ذلك ؛ فما تركوا فيلا إلا حطوا رحله؛ وقتلوا أصحابه، وأهوى الفيل لأبي عبيد، فنفخ مشفره بالسيف، فاتقاه الفيل بيده؛ وأبو عبيد يتجرثمه ؛ فأصابه بيده فوقع فخبطه الفيل، وقام عليه ؛ فلما بصر الناس بأبي عبيد تحت الفيل، خشعت أنفس بعضهم، وأخذ اللواء الذي كان أمره بعده، فقاتل الفيل حتى تنحى عن أبي عبيد، فاجتراه إلى المسلمين، وأحرزوا شلوه ؛ وتجرثم الفيل فاتقاه الفيل بيده، دأب أبي عبيد وخبطه الفيل. وقام عليه وتتابع سبعة من ثقيف ؛ كلهم بأخذ اللواء فيقاتل حتى يموت. ثم أخذ اللواء المثنى، وهرب الناس، فملا رأى عبد الله بن مرثد الثقفي ما لقى أبو عبيد وخلفاؤه وما يصنع الناس، بادرهم إلى الجسر فقطعه، وقال يا أيها الناس، موتوا على ما مات عليه أمراؤكم أو تظفروا. وحاز المشركون المسلمين إلى الجسر ؛ وخشع ناس فتواثبوا في الفرات ؛ فغرق من لم يصبر وأسرعوا فيمن صبر، وحمى المثنى وفرسان من المسلمين الناس، ونادى: يأيها الناس، إنا دونكم فاعبروا على هينتكم ولا تدهشوا ؛ فإنا لن نزايل حتى نراكم من ذلك الجانب، ولا تغرقوا أنفسكم. فوجدوا الجسر وعبد الله بن مرثد قائم عليه يمنع الناس من العبور، فأخذوه فأتوه به المثنى، فضربه وقال: مما حملك على الذي صنعت؟ قال: ليقاتلوا، ونادى من عبر فجاءوا بعلوج، فضموا إلى السفينة التي قطعت سفائنها، وعبر الناس، وكان آخر من قتل عند الجسر سليط بن قيس، وعبر المثنى وحمى جانبه ؛ فاضرب عسكره، ورامهم ذو الحاجب فلم يقدر عليهم ؛ فلما عبر المثنى وحمى جانبه ارفض عنه أهل المدينة حتى لحقوا بالمدينة وتركها بعضهم ونزلوا البوادي وبقي المثنى في قلة.

كتب إلى السرى عن شعيب، عن سيف، عن رجل، عن أبي عثمان النهدي، قال: هلك يومئذ أربعة آلاف بين قتيل وغريق ؛ وهرب ألفان، وبقى ثلاثة آلاف، وأتى ذا الحاجب الخبر باختلاف فارس ؛ فرجع بجنده ؛ وكان ذلك سبباً لرفضاضهم عنه ، ورجح المثنى، وأثبت فيه حلق من درعه هتكهن الرمح.كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن مجالد وعطية نحواً منه.

كتب إلىالسرى، عن شعيب عن سيف، عن مجالد وعطية والنضر، أن أهل المدينة لما لحقوا بالمدينة وأخبروا عمن سار في البلاد استحيا من الهزيمة، اشتد على عمر ذلك ورحمهم. قال الشعبي: قال عمر: اللهم كل مسلم في حل منى، أنا فئة كل مسلم، من لقى العدو ففظع بشئ من أمره فأنا له فئة ؛ يرحم الله أبا عبيد لو كان انحاز إلى لكنت له فئة ? وبعث المثنى بالخبر إلى عمر مع عبيد بن زيد، وكان أول من قدم على عمر.

وحدثناابن حميد ؛ قال : حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق بنحو خير سيف هذا في أمر أبي عبيد وذي الحاجب، وقصة حربهما، إلا أنه قال: وقد كانت رأت دومة أم المختار بن أبي عبيد، أن رجلاً نزل من السماء معه إناء فيه شراب من الجنة فيما يرى النائم، فشرب منه أبو عبيد وجبر بن أبي عبيد وأناس من أهله. وقال أيضاً: فلما رأى أبو عبيد ما يصنع الفيل، قال: هل لهذه الدابة من مقتل؟ قالوا: نعم ؛ فإذا قطع مشفرها ماتت، فشد على الفيل فضرب ممشفرة فقطعه، وبرك عليه الفيل فقتله. وقال أيضاً: فرجعت الفرس ونزل المثنى بن حارثة أليس، وتفرق الناس، فلحقوا بالمدينة، فكان أول من قدم المدينة بخبر الناس عبد الله بن زيد بن الحصين الخطمى، فأخبر الناس.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة ابنة عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت: سمعت عمر بن الخطاب حين قدم عبد الله بن زيد? وهو داخل المسجد، وهو يمر على باب حجرتي، فقال: ما عندك يا عبد الله بن زيد؟ قال: أتاك الخبر يا أمير المؤمنين ؛ فلما انتهى إليه أخبره خبر الناس، فما سمعت برجل حضر أمراً فحدث عنه كان أثبت خبراً منه. فملما قدم فل الناس، ورأى عمر جزع المسلمين من المهاجرين والأنصار من الفرار، قال: لا تجزعوا يا معشر المسلمين، أنا فئتكم، إنما انحزتم إلى.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة ؛ عن ابن إسحاق، عن محمد بن عبد الرحمن بن الحصين وغيره ؛ أن معاذاً القارئ أخا بني النجار ؛ كان ممن شهدها ففر يومئذ، فكان إذا قرأ هذه الآية: (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) ، بكى، فيقول له عمر: لا تبك يا معاذ، أنا فئتك، وإنما انحزت إلى.