المجلد الثالث - ذكر الخبر عما هيج أمر القادسية

ذكر الخبر عما هيج أمر القادسية

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن عبد الله بن سواد بن نويرة، عن عزيز بن مكنف التميمي ثم الأسيدي، وطلحة بن الأعلم الحنفي، عن المغيرة بن عتيبة بن النهاس العجلي، وزياد بن سرجس الأحمري، عن عبد الرحمن بن ساباط الأحمري، قالوا جميعاً: قال أهل فارس لرستم والفيرزان - وهما على أهل فارس، أين يذهب بكما! لم يبرح الإختلاف حتى وهنتما أهل فارس واطعمتما فيهم عدوهم ! وإنه لم يبلغ من خطركما أن يقركما فارس على هذا الرأي، وأن تعرضاها للهلكة ؛ ما بعد بغداد وساباط وتكريت إلا المدائن ؛ والله لتجتمعان أو لنبدأن بكما قبل أن يشمت بنا شامت.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عبيد الله بن محفز، عن أبيه، قال: قال أهل فارس لرستم والمسلمون يمخرون السواد: ما تنتظرون والله إلا أن ينزل بنا ونهلك! والله ما جر هذا الوهن علينا غيركم يا معاشر القواد! لقد فرقتم بين أهل فارس وثبطتموهم عن عدوهم. والله لولا أن في قتلكم هلاكنا لعجلنا لكم القتل الساعة، ولئن لم تنتهوا لنهلكنكم ثم نهلك وقد اشتفينا منكم.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد، قالوا: فقال الفيرزان ورسم لبوران ابنة كسرى: اكتبي لنا نساء كسرى وسراريه ونساء آل كسرى وسراريهم. ففعلت، ثم أخرجت ذلك إليهم في كتاب، فأرسلوا في طلبهن فلم يبق منهن امرأة إلا أتوابها، فأخذوهن بالرجال ووضعوا عليهن العذاب يستدلونهن على ذكر من أبناء كسرى، فلم يوجد عندهن منهم أحد، وقلن - أو من قال منهن: لم يبق إلا غلام يدعى يزدجرد من ولد شهريار بن كسرى، وأمه من أهل بادوريا. فأرسلوا إليها فأخذوها به، وكانت قد أنزلته في أيام شيرى حين جمعهن في القصر الأبيض، فقتل الذكور، فواعدت أخواله، ثم دلته إليهم في زبيل فسألوها عنه وأخذوها به، فدلتهم عليه، فأرسلوا إليه فجاءوا به فملكوه وهو ابن إحدى وعشرين سنة، واجتمعوا عليه، واطمأنت فارس واستوثقوا وتبارى الرؤساء في طاعته ومعونته فسمى الجنود لكل مسلحة كانت لكسرةى أو موضع ثغر، فسمى جند الحيرة والأنبار والمسالح والأبلة. وبلغ ذلك من أمرهم واجتماعهم على يزدجرد المثنى والمسلمين، فكتبوا إلى عمر بما ينتظرون ممن بين ظهرانيهم، فلم يصل الكتاب إلى عمر حتى كفر أهل السواد ؛ من كان له منهم عهد ومن لم يكن له منهم عهد، فخرج المثنى على حاميته حتى نزل بذى قار، وتنزل الناس بالطف في عسكر واحد حتى جاءهم كتاب عمر: أما بعد ؛ فاخرجوا من بين ظهري الأعاجم، وتفرقوا في المياه التي تلي الأعاجم على حدود أرضكم وأرضهم، ولا تدعوا في ربيعة أحداً ولا مضر ولا حلفائهم أحداً من أهل النجدات ولا فارساً إلا اجتلبتموه ؛ فإن جاء طائعاً وإلا حشرتموه، احملوا العرب على الجد إذ جد العجم ؛ فلتلقوا جدهم بجدكم.

فنزل المثنى بذي قار، ونزل الناس بالجل وشراف إلى غضى - وغضى حيال البصرة - فكان جرير بن عبد الله بغضى وسبرة بن عمرو والعنبرى ومن أخذ أخذهم فيمن معه إلى سلمان، فكانوا في أمواه الطف من أولها إلى آخرها مسالح بعضهم ينظر إلى بعض ؛ ويغيث بعضهم بعضاً إن كان كون، وذلك في ذي العقدة سنة ثلاث عشرة.

حدثنا السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد بإسنادهم، قالوا: كان أول ما عمل به عمر حين بلغه أن فارس قد ملكوا يزدجرد، أن كتب إلى عمال العرب على الكور والقبائل، وذلك في ذي الحجة سنة ثلاث عشرة مخرجة إلى الحج، وحج سنواته كلها: لا تدعا أحداً له سلاح، أو فرس، أو نجدة، أو أرى إلا انتخبتموه، ثم وجهتموه إلى، والعجل العجل! فمضت الرسل إلى من أرسلهم إليهم مخرجة إلى الحج، ووافاه أهل هذا الضرب من القبائل التي طرقها على مكة والمدينة، فأما من كان من أهل المدينة على النصف ما بينه وبين العراق فوافاه بالمدينة مرجعه من الحج، وأما من كان أسفل من ذلك فانضموا إلى المثنى، فأما من وافى عمر فإنهم أخبروه عمن وراءهم بالحث.

وقال أبو معشر، فيما حدثنى الحارث، عن ابن سعد، عنه. وقال ابن إسحاق - فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عنه: الذي حج بالناس سنة ثلاث عشرة عبد الرحمن بن عوف.

وقد حدثني المقدمى ، عن إسحاق الفروى، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: استعمل عمر على الحج عبد الرحمن بن عوف في السنة التي ولى فيها، فحج بالناس، ثم حج سنية كلها بعد ذلك بنفسه.

وكان عامل عمر في هذه السنة - على ما ذكر - على مكة عتاب بن أسيد، وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص، وعلى اليمن يعلى بن منية، وعلى عمان واليمامة حذيفة بن محصن على البحرين العلاء بن الخضرمي الشأم أبو عبيدة بن الجراح، وعلى فرج الكوفة وما فتح من أرضها المثنى بن حارثة.

وكان على القضاء - فيما ذكر - على بن أبي طالب. وقيل: لم يكن لعمر في أيامه قاض.