المجلد الثالث - ذكر خبر ارتحال هرقل إلى القسطنطينية

ذكر خبر ارتحال هرقل إلى القسطنطينية

ذكر سيف عن أبي الزهراء القشيرى، عن رجل من بني قشير، قالوا: لما خرج هرقل من الرهاء واستتبع أهلها، قالوا: نحن ها هنا خير منا معك، وأبوا أن يتبعوه، وتفرقوا عنه وعن المسلمين ؛ وكان أول من أبج كلابها، وأنفر دجاجها زياد بن حنظلة، وكان من الصحابة، وكان مع عمر بن مالك مسانده، ةكان حليفاً لبني عبد بن قصى ؛ وقبل ذلك ما قد خرج هرقل حتى شمشاط ؛ فلما نزل القوم الرهاء أدرب فنفذ نحو القسطنطينية، ولحقه رجل من الروم كان أسيراً في أيدي المسلمين، فأفلت، فقال: له أخبرني عن هؤلاء القوم، فقال: احدثك كأنك تنظر إليهم ؛ فرسان بالنهار ورهبان بالليل، ما يأكلون في ذمتهم إلا بثمن، ولا يدخلون إلا بسلام، يقفون على من حاربهم حتى يأتوا عليه، فقال: لئن كنت صدقتني ليرثنى ما تحت قدمي هاتين.

وعن عبادة وخالد، أن هرقل كان كلما حج بيت المقدس فخلف سورية، وظعن في أرض الروم التفت فقال: عليك السلام يا سورية تسليم مودع لم يقض منك وطره، وهو عائد. فلما توجه المسلمون نحو حمص عبر الماء، فنزل الرهاء، فلم يزل بها حتى طلع أهل الكوفة وفتحت قنسرين وقتل ميناس، فخنس عند ذلك إلى شمشاط ؛ حتى إذا فصل منها نحو الروم علا على شرف، فالتفت ونظر نحو سورية، وقال: عليك السلام يا سورية، سلاماً لا اجتماع بعده، ولا يعود إليك رومى أبداً إلا خائفاً، حتى يولد المولود المشئوم، ويا ليته لا يولد ! ما أحلى فعله، وأمر عاقبته على الروم! وعن أبى الزهراء وعمرو بن ميمون، قالا: لما فصل هرقل من شمشاط داخلا الروم التفت إلى سورية، فقال: قد كنت سلمت عليك تسليم المسافر، فأما اليوم فعليك السلام يا سورية تسلم المفارق، ولا يعود إليك رومى أبداً إلا خائفاً، حتى يولد المولود المشئوم، وليته لم يولد! ومضى حتى نزل القسطنطينية. وأخذ أهل الحصون التي بين اسكندرية وطرسوس معه ؛ لئلا يسير المسلمون لا يجدون بها أحداً، وربما كمن عندها الروم ؛ فأصابوا غرة المتخلفين، فاحتاط المسلمون لذلك.