المجلد الثالث - ذكر فرض العطاء وعمل الديوان

ذكر فرض العطاء وعمل الديوان

وفي هذه السنة فرض عمر للمسلمين الفروض، ودون الدواووين، وأعطى العطايا على السابقة، وأعطى صفوان بن أمية والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو في أهل الفتح أقل ما أخذ من قبلهم، فامتنعوا من أخذه وقالوا: لا نعترف أن يكون أحداً أكرم منا، فقال: إنى إنما أعطيتكم على السابقة في الإسلام لا على الأحساب ؛ قالوا: فنعم إذاً ، وأخذوا، وخرج الحارث وسهيل بأهليهما نحو الشأم ؛ فلم يزالا مجاهدين حتى أصيبا في بعض تلك الدروب ؛ وقيل: ماتا في طاعون عمواس .

ولما أراد عمر وضع الديوان، قال له على وعبد الرحمن بن عوف: ابدأ بنفسك، قال: لا، بل أبدأ بعم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الأقرب فالأقرب؛ ففرض للعباس وبدأ به، ثم فرض لأهل بدر خمسة آلاف خمسة آلاف، ثم فرض لمن بعد بدر إلى الحديبية أربعة آلاف أربعة آلاف ثم فرض لمن بعد الحديبية إلى أن أقلع أبو بكر عن أهل الردة ثلاثة آلاف ثلاثة آلاف؛ في ذلك من شهد الفتح وقاتل عن أبي بكر، ومن ولى الأيام قبل القادسية؛ كل هؤلاء ثلاثة آلاف ثلاثة آلاف. ثم فرض لأهل القادسية وأهل الشأم ألفين ألفين؛ وفرض لأهل البلاء البارع منهم ألفين وخمسمائة، ألفين وخمسمائة، فقيل له: لو ألحقت أهل القادسية بأهل الأيام فقال: لم أكن لألحقهم بدرجة من لم يدركوا، وقيل له: قد سويت من بعدت داره بمن قربت داره وقاتلهم عن فنائه، فقال: من قربت دارهأحق بالزيادة، لأنهم كانوا ردءاً للحوق وشجى للعدو، فهلا قال المهاجرون مثل قولكم حين سوينا بين السابقين منهم والأنصار ?فقد كانت نصرة الأنصار بفنائهم ؛ وهاجر إليهم المهاجرون من بعد ؛ وفرض لمن بعد القادسية واليرموك ألفاً ألفاً، ثم فرض للروادف: المثنى خمسمائة خمسمائة، ثم للروادف الثليث بعدهم ؛ ثلثمائة ثلثمائة؛ سوى كل طبقة في العطاء، قويهم وضعيفهم، عربهم وعجمهم، وفرض للروادف الربيع على مائتين وخمسين، وفرض لمن بعدهم وهم أهل هجر والعباد على مائتين، وألحق بأهل بدر أربعة من غير أهلها: الحسن والحسين وأباذر وسلمان ؛ وكان فرض للعباس خمسة وعشرين ألفاً - وقيل. أثنى عشر ألفاً - وأعطى نساء النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف عشرة آلاف ؛ إلا من جرى عليها الملك ؛ فقال نسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفضلنا عليهن في القسمة ؛ فسو بيننا ؛ ففعل وفضل عائشة بألفين لمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها فلم تأخذ ؛ وجعل نساء أحل بدر في خمسمائة خمسمائة، ونساء من بعدهم إلى الحديبية على أربعمائة أربعمائة؛ ونساء من بعد ذلك إلى الأيام ثلثمائة ثلثمائة، ونساء أهل القادسية مائتين مائتين، ثم سوى بين النساء بعد ذلك، وجعل الصبان سواء على مائة مائة مسكيناً، وأطعمهم الخبر، فأحصوا ما أكلوا، فوجدوه يخرج من جريبتين، ففرض لكل إنسان منهم ولعياله جريبتين في الشهر.

وقال عمر قبل موته: لقد هممت أن أجعل العطاء أربعة آلاف أربعة آلاف، ألفاً يجعلها الرجل في أهله، وألفاً يزودها ، وألفاً يتجهز بها وألفاً يتفرق بها ؛ فمات قبل أن يفعل .

قال أبو جعفر الطبري: كتب إلى السرى عن شعيب، عن سيف ؛ عن محمد وطلحة والمهلب وزيادة والمجالد وعمرو، عن الشعبي ؛ وإسماعيل عن الحسن ، وابى ضمرة عن عبد الله بن المستورد عن محمد بن سيرين، ويحيى ابن سعيد عن سعيد بن المسيب، والمستنير بن يزيد عن إبراهيم، وزهرة عن أبى سلمة، قالوا: فرض عمر العطاء حين فروض لأهل الفئ الذين أفاء الله عليهم ؛ وهم أهل المدائن، فصاروا بعد إلى الكوفة، انتقوا عن المدائن إلى الكوفة والبصرة ودمشق وحمص والأردن وفلسطين ومصر، وقال: الفئ لأهل هؤلاء الأمصار ولمن لحق بهم وأعانهم، وأقام معهم ولم يفرض لغيرهم؛ ألا فبهم سكنت المدائن والقرى، وعليهم جرى الصلح؛ وإليهم أدى الجزاء، وبهم سدت الفروج ودوخ العدو. ثم كتب في إعطاء أهل العطاء أعطياتهم إعطاءاً واحداً سنة خمس عشرة.

وقال قائل: يا أمير المؤمنين، لو تركت في بيوت الأموال عدة لكون إن كان فقال: كلمة ألقاها الشيطان على فيك وقاني الله شرها ؛ وهي فتنة لمن بعدى؛ بل أعد لهم ما أمرنا الله ورسوله طاعة لله ورسوله ؛ فهما عدتنا التي بها أفضينا إلى ما ترون، فإذا كان هذا المال ثمن دين أحدكم هلكتم.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف عن محمد والمهلب وطلحة وعمرو وسعيد ؛ قالوا: لما فتح الله على المسلمين وقتل رستم، وقدمت على عمر الفتوح من الشأم جمع المسلمين، فقال: ما يحل للوالي من هذا المال؟ فقالوا جميعاً: أما لخاصته فقوته وقوت عياله، لا وكس ولا شطط، وكسوتهم وكسوته للشتاء والصيف، ودابتان إلى جهاده وحوائجه وحملانه إلى حجة وعمرته، والقسم بالسوية، أن يعطى أهل البلاء على قدر بلائهم، ويرم أمور الناس بعد ؛ ويتعاهدهم عند الشدائد والنوازل حتى تكشف، ويبدأ بأهل الفئ.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: جمع الناس عمر المدينة حين انتهى إليه فتح القادسية ودمشق، فقال: إني كنت امرأ تاجراً، يغنى الله عيالي بتجارتي وقد شغلتموني بأمركم، فماذا ترون أنه يحل لي من هذا المال ؟ فأكثر القوم وعلى عليه السلام ساكت، فقال: ما تقول يا علي؟ فقال: ما أصلحك وأصلح عيالك بالمعروف، ليس لك من هذا المال غيره، فقال القوم: القول قول ابن أبي طالب.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد، عن عبيد الله، عن نافع، عن أسلم، قال: رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: ما يحل لك من هذا المال؟ فقال: ما اصلحنى وأصلح عيالي بالمعروف، وحلة الشتاء وحلة الصيف، وراحلة عمر للحج والعمرة، ودابة في حوائجه وجهاده.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن مبشر بن الفضيل، عن سالم بن عبد الله، قال: لما ولى عمر قعد على رزق أبي بكر الذي كانوا فرضوا له، فكان بذلك ؛ فاشتدت حاجته، فاجتمع نفر من المهاجرين منهم عثمان، وعلى طلحة، والزبير، فقال الزبير: لو قلنا لعمر في زيادة نزيدها إياه في رزقه فقال على: وددنا قبل ذلك ؛ فانطلقوا بنا فقال عثمان: إنه عمر! فهلموا فلنستبرئ ما عنده من وراء؛ نأتى حفصة فنسألها ونستكتمها ، فدخلوا عليها وأمروها أن تخبر بالخبر عن نفر، ولا تسمى له أحداً، إلا أن يقبل، وخرجوا من عندها، فلقيت عمر في ذلك ، فعرفت الغضب في وجهه، وقال: من هؤلاء؟ قالت: لا سبيل إلى علمهم حتى أعلم رأيك، فقال: لو علمت من هم لسؤت وجوهم ؛ أنت بيني وبينهم! أنشدك بالله؛ ما أفضل ما اقتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتك من الملبس؟ قالت: ثوبين ممشقين كان يلبسهما للوفد، ويخطب فيهما للجمع ؛ قال: فأي الطعام ناله عندك أرفع؟ قالت: خبزنا خبزة شعير، فصببنا عليها وهي حارة أسفل عكة لنا، فجعلناها هشة دسمة؛ فأكل منها وتطعم منها استطابة لها. قال: فأي مبسط كان يبسطه عندك كان أوطأ؟ قالت: كساء لنا ثخين كنا نربعه في الصيف، فنجعله تحتنا ، فإذا كان الشتاء بسطنا نصفه وتدثرنا بنصفه ، قال : يا حفصة؛ فأبلغيهم عني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدر فوضع الفضول مواضعها؛ وتبلغ بالتزجية ، وإني قدرت فو الله لأضعن الفضول مواضعها، ولأتبلغن بالتزجية؛ وإنما مثلى ومثل صاحبي كثلاثة سلكوا طريقاً ؛ فمضى الأول وقد تزود زاداً فبلغ ، ثم اتبعه الآخر فسلك طريقه ، فأفضى إليه ، ثم اتبعه الثالث ، فإن لزم طريقهما ورضى بزادهما لحق بهما وكان معهما ؛ وإن سلك غير طريقهما لم يجامعهما .

كتب إلى السري ، عن شعيب ، عن سيف ، عن عطية ، عن أصحابه . والضحاك عن ابن عباس ، قال : لما افتتحت القادسية وصالح من صالح من أهل السواد وافتتحت دمشق ، وصالح أهل دمشق ، قال عمر للناس : اجتمعوا فأحضروني علمكم فيما أفاء الله على أهل القادسية وأهل الشأم . فاجتمع رأى عمر وعلي على أن يأخذوا من قبل القرآن ، فقالوا : "ماأفاء الله على رسوله من أهل القرى" - يعنى من الخمس - "فلله وللرسول" ؛ إلى الله وإلى الرسول ؛ من الله الأمر وعلى الرسول القسم "ولذي القربى واليتامى والمساكين.." الآية ، ثم فسروا ذلك بالآية التي تليها : "للفقراء المهاجرين.." الآية ، فأخذوا الأربعة أخماس على ما قسم عليه الخمس فيمن بدئ به وثنى وثلث ، وأربعة أخماس لمن أفاء الله عليه المغنم . ثم استشهدوا على ذلك أيضاً : "واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه" ، فقسم الأخماس على ذلك ، واجتمع على ذلك عمر وعلي ، وعمل به المسلمون بعده ، فبدأ بالمهاجرين ، ثم بالأنصار ، ثم التابعين الذين شهدوا معهم وأعانوهم ، ثم فوض الأعطية من الجزاء على من صالح أو دعى إلى الصلح من جزائه ، مردود عليهم بالمعروف ؛ وليس في الجزاء أخماس ، والجزاء لمن منع الذمة. ووفى لهم ممن ولى ذلك منهم؛ ولمن لحق بهم فأعانهم، إلا أن يؤاسوا بفضلة من طيب أنفس منهم من لم ينل مثل الذي نالوا.

قال الطبري: وفي هذه السنة - أعنى سنة خمس عشرة - كانت وقعات في قول سيف بن عمر، وفي قول ابن إسحاق : كان ذلك في سنة ست عشرة، وقد ذكرنا الرواية بذلك عنه قبل؛ وكذلك ذلك في قول الواقدي.

نذكر الآن الأخبار التي وردت بما كان بين ما ذكرت من الحروب إلى انقضاء السنة التي ذكرت أنهم اختلفوا فيما كان فيها من ذلك: كتب إلى السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد والمهلب وعمرو وسعيد، قالوا: عهد عمر إلى سعد حين أمره بالسير إلى المدائن أن يخلف النساء والعيال بالعتيق، ويجعل معهم كثفا من الجند ، ففعل وعهد إليه أن يشركهم في كل مغنم ما داموا يخلفون المسلمين في عيالاتهم . قالوا : وكان مقام سعد بالقادسية بعد الفتح شهرين في مكاتبة عمر في العمل بما ينبغي ، فقدم زهرة نحو اللسان - واللسان لسان البر الذي أدلعه في الريف ، وعليه الكوفة اليوم ، والحيرة قبل اليوم - والنخيرجان معسكر به ، فارفض ولم يثبت حين سمع بمسيرهم إليه ، فلحق بأصحابه . قالوا : فكان مما يلعب به الصبيان في العسكر وتلقيه النساء عليهم ، وهم على شاطئ العتيق ، أمر كان النساء يلعبن به في زرود وذي قار ؛ وتلك الأمواه حين أمروا بالسير في جمادى إلى القادسية ، وكان كلاماً أبدن فيه كالأوابد من الشعر ؛ لأنه ليس بين جمادى ورجب شئ :

العجب كل العجـب         بين جمادى ورجب
أمر قضاه قد وجب          يخبره من قد شجب

تحت غبار ولجب خبر يوم برس قال : ثم إن سعدا ارتحل بعد الفراغ من أمر القادسية كله ، وبعد تقديم زهرة بن الحوية في المقدمات إلى اللسان ، ثم أتبعه عبد الله بن المعتم ، ثم أتبع عبد الله شرحبيل بن السمط ، ثم أتبعهم هاشم بن عتبة ، وقد ولاه خلافته ، عمل خالد بن عرفطة ، وجعل خالداً على الساقة ، ثم أتبعهم وكل المسلمين فارس مؤد قد نقل الله إليهم ما كان في عسكر فارس من سلاح وكراع ومال ، لأيام بقين من شوال ، فسار زهرة حتى ينزل الكوفة - والكوفة كل حصباء حمراء وسهلة حمراء مختلطتين - ثم نزل عليه عبد الله وشرحبيل، وارتحل زهرة حين نزلا عليه نحو المدائن ، فلما انتهى إلى برس لقيه بها بصبهرى في جمع فناوشوه فهزمهم، فهرب بصبهري ومن معه إلى بابل وبها فالة القادسية وبقايا رؤسائهم: النخيرجان ومهران الرازي والهرمزان وأشباههم؛ فأقاموا واستعملوا عليهم الفيرزان، وقدم عليهم بصبهري وقد نجا بطعنة، فمات منها.

كتب إلى السري، عن شعيب، عن سيف، عن النضر بن السري، عن ابن الرفيل، عن أبيه، قال : طعن زهرة بصبهري في يوم برس ، فوقع في النهر فمات من طعنته بعد ما لحق ببابل؛ ولما هزم بصبهري أقبل بسطام دهقان برس، فاعتقد من زهرة وعقد له الجسور، وأتاه بخير الذين اجتمعوا ببابل.

يوم بابل

قالوا: ولما أتى بسطام زهرة بالخبر عن الذين اجتمعوا ببابل من فلال القادسية، أقام وكتب إلى سعد بالخبر. ولما نزل سعد على من بالكوفة مع هاشم بن عتبة، وأتاه الخبر عن زهرة باجتماع الفرس ببابل على الفيرزان، قدم عبد الله، وأتبعه شرحبيل وهاشماً، ثم ارتحل بالناس، فلما نزل عليهم برس، قدم زهرة فأتبعه عبد الله وشرحبيل وهاشما، واتبعهم فنزلوا على الفيرزان ببابل، وقد قالوا: نقاتلهم دستاً قبل أن نفترق ، فاقتتلوا ببابل ، فهزموهم في أسرع من لفت الرداء، فانطلقوا على وجوههم؛ ولم يكن لهم همة إلا الإفتراق، فخرج الهرمزان متوجها نحو الأهواز، فأخذها فأكلها ومهرجان قذق، وخرج الفيرزان معه حتى طلع على نهاوند، وبها كنوز كسرى ؛ فأخذها وأكل الماهين ، وصمد النخيرجان ومهران الرازي للمدائن، حتى عبرا بهرسير إلى جانب دجلة الآخر ، ثم قطعا الجس، وأقام سعد ببابل أياماً ، وبلغه أن النخيرجان قد خلف شهريار ؛ دهقانا من دهاقين الباب بكوثى في جمع، فقدم زهرة ثم أتبعه الجنود، فخرج زهرة حتى ينزل على شهريار بكوثى بعد قتل فيومان والفرخان فما بين سورا والدير.

كتب إلى السري، عن شعيب، عن سيف، عن النضر بن السري، عن ابن الرفيل، عن أبيه، قال: كان سعد قدم زهرة من القادسية فمضى متشعباً في حربه وجنده، ثم لم يلق جمعاً فهزمهم إلا قدم، فأتبعهم لا يمرون بأحد إلا قتلوه ممن لحقوا به منهم أو أقام لهم، حتى إذا قدمه من بابل قدم زهرة بكير بن عبد الله الليثي وكثير بن شهاب السعدي أخا الغلاق حين عبر الصراة، فيلحقون بأخريات القوم وفيهم فيومان والفرخان؛ هذا ميساني وهذا أهوازي، فقتل بكير الفرخان، وقتل كثير فيومان بسورا. ثم مضى زهرة حتى جاوز سورا، ثم نزل، وأقبل هاشم حتى نزل عليه، وجاء سعد حتى ينزل عليهم، ثم قدم زهرة ، فسار تلقاء القوم، وقد أقاموا له فيما بين الدير وكوثى، وقد التخلف النخيرجان ومهران على جنودهما شهريار، دهقان الباب. ومضيا إلى المدائن، وأقام شهريار هنالك ، فلما التقوا بأكناف كوثى ؛ جيش شهريار وأوائل الخيل ، خرج فنادى: ألا رجل ، ألا فارس منكم شديد عظيم يخرج إلى حتى أنكل به! فقال زهرة : لقد أردت أن أبارزك؛ فأما إذ سمعت قولك ، فإني لا أخرج إليك إلا عبداً؛ فإن أقمت له قتلك إن شاء الله ببغيك؛ وإن فررت منه فإنما فررت من عبد، وكايده ؛ ثم أمر أبا نباتة نائل بن جعشم الأعرجي - وكان من شجعان بني تميم - فخرج إليه، ومع كل واحد منهما الرمح، وكلاهما وثيق الخلق؛ إلا أن الشهريار مثل الجمل، فلما رأى نائلا ألقى الرمح ليعتنقه، وألقى نائل رمحه ليعتنقه، وانتضيا سيفيهما فاجتلدا، ثم اعتنقا فخرا عن دابتيهما، فوقع على نائل كأنه بيت ، فضغطه بفخذه، وأخذ الخنجر وأراغ حل أزرار درعه، فوقعت إبهامه في فم نائل، فحطم عظمهما، ورأى منه فتوراً، فثاوره فجلد به الأرض، ثم قعد على صدره، وأخذ خنجره، فكشف درعه عن بطنه، فطعنه في بطنه وجنبه حتى مات، فأخذ فرسه وسواريه وسلبه، وانكشف أصحابه، فذهبوا في البلاد، وأقام زهرة بكوثى حتى قدم عليه سعد، فأتى به سعداً، فقال سعد: عزمت عليك يا نائل بن جعشم لما لبست سواريه وقباءه ودرعه، ولتركبن برذونه! وغنمه ذلك كله. فانطلق، فتدرع سلبه، ثم أتاه في سلاحه على دابته، فقال: اخلع سواريك إلا أن ترى حرباً فتلبسهما؛ فكان أول رجل من المسلمين سور بالعراق.

كتب إلى السري ، عن شعيب ، عن سيف ، عن محمد وطلحة والمهلب وعمر وسعيد ، قالوا : فأقام سعد بكوثى أياماً ، وأتى المكان الذي جلس فيه إبراهيم عليه السلام بكوثى ، فنزل جانب القوم الذين كانوا يبشرون إبراهيم ن وأتى البيت الذي كان فيه إبراهيم عليه السلام محبوساً ، فنظر إليه وصلى على رسول الله وعلى إبراهيم ، وعلى أنبياء الله صلوات الله عليهم ، وقرأ : "وتلك الأيام نداولها بين الناس" .

حديث بهرسير في ذي الحجة سنة خمس عشرة في قول سيف كتب إلى السري ، عن شعيب ، عن سيف ، عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو وسعيد والنضر ، عن ابن الرفيل ، قالوا : ثم إن سعداً قدم زهرة إلى بهرسير ، فمضى زهرة من كوثى في المقدمات حتى ينزل بهرسير ، وقد تلقاه شيرزاذ بساباط بالصلح وتأدية الجزاء ، فأمضاه إلى سعد ، فأقبل معه وتبعته المجنبات ، وخرج هاشم ، وخرج سعد في أثره ، وقد فل زهرة كتيبة كسرى بوران حول المظلم ، وانتهى هاشم إلى مظلم ساباط ، ووقف لسعد حتى لحق به ، فوافق ذلك رجوع المقرط . أسد كان لكسرى قد ألفه وتخيره من أسود المظلم ؛ وكانت به كتائب كسرى التي تدعى بوران ، وكانوا يحلفون بالله كل يوم : لا يزول ملك فارس ما عشنا - ، فبادر المقرط الناس حين انتهى إليهم سعد ، فنزل إليه هاشم فقتله ، وسمى سيفه المتن ، فقبل سعد رأس هاشم ، وقبل هاشم قدم سعد ، فقدمه سعد إلى بهرسير ، فنزل إلى المظلم وقرأ : "أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال " ، فلما ذهب من الليل هدأة ارتحل ، فنزل على الناس ببهرسير ، وجعل المسلمون كلما قدمت خيل على بهرسير وقفوا ثم كبروا ، فكذلك حتى نجز آخر من مع سعد ، فكان مقامه بالناس على بهرسير شهرين ، وعبروا في الثالث .

وحج بالناس في هذه السنة عمر بن الخطاب ، وكان عامله فيها على مكة عتاب بن أسيد ، وعلى الطائف يعلى بن منية ، وعلى اليمامة والبحرين عثمان ابن أبي العاص ، وعلى عمان حذيفة بن محصن ، وعلى كور الشأم أبو عبيدة ابن الجراح ، وعلى الكوفة وأرضها سعد بن أبي وقاص ، وعلى قضائها أبو قرة ؛ وعلى البصرة وأرضها المغيرة بن شعبة .