من ندب عمر ورثاه رض الله عنه
ذكر بعض ما رثي به
حدثني عمر، قال حدثنا عليّ، قال: حدّثنا ان دأب وسعيد بن خالد، عن صالح بن كيسان، عن المغيرة بن شعبة، قال: لما مات عمر رضي الله عنهبكته ابنة أبي حثمة، فقالت: واعمراهّ أقام الأود، وأبرأ العمد، أمات الفتن، وأحيا السنن؛ خرج نقيّ الثوب، بريئاً من العيب.
قال: وقال المغيرة بن شعبة: ملما دفن عمر أتيت عليّاً وأنا أحبّ أن أسمع منه في عمر شيئاً، فخرج ينفض رأسه ولحيته وقد اغتسل، وهو ملتحف بثوب، لا يشكّ أنّ الأمر يصير إليه، فقال: يرحم الله ابن الخطابّ! لقد صدقت ابنة أبي حثمة؛ لقد ذهب بخيرها، ونجا من شرّها، أما والله ما قالت، ولكن قولت.
وقالت عاتكة ابنة زيد بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
فجـعـنـي فـــيروز لادر دره
بأبيض تال للـكـتـاب مـنـيب
رءوف على الأدنى غليظ على العدا
أخي ثقة في النائبـات مـجـيب
متى ما يقل لا يكذب القول فعـلـه
سريع إلى الخيرات غير قطـوب
وقالت أيضاً:
عين جودي بعبـرة ونـحـيب
لاتملي على الإمام النـجـيب
فجعتني المنون بالفارس المـع
لم يوم الهياج والـتـلـبـيب
عصمة الناس والمعين على الده
ر وغيث المنتاب والمحـروب
قل لأهل السراء والبؤس موتوا
قد سقته المنون كأس شعـوب
وقالت امرأة تبكيه:
سيبكيك نساء الحي
يبكين شـجـيات
ويخمثن وجوهاً كالد
نانـير نـقــيات
ويلبسن ثياب الحـز
ن بعد القصبـيات
شيء من سيره مما لم يمض ذكره حدّثنا عمر بن شبّة، قال: حدّثنا عليّ بن محمد، عن ابن جعدبة، عن إسماعيل بن أبي حكيم، عن سعيد بن المسيب، قال: حجّ عمر، فلما كان بضجنان قال: لا إليه إلا الله العظيم العليّ، المعطى ما شاء من شاءّ كنت أرعى إبل الخطاب بهذا الوادي في مدرعة صوف، وكان فظاً يتعبني إذا عملت، ويضربني إذا قصّرت، وقد أمسيت وليس بيني وبين الله أحد؛ ثمتمثل:
لا شيء فيما ترى تبقي بشاشته
يبقى الإله ويودي المال والولد
لم تغن عن هرمز يوماً خزائنه
والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
ولا سليمان إذ تجري الرياح له
والإنس ولاجن فيما بينها تـرد
أين الملوك التي كانت نوافلهـا
من كل أوب إليها راكب يفـد
حوضاً هنالك موروداً بلا كذب
لا بد من ورده يوماً كما وردوا
حدّثني عمر بن شبّة، قال: حدّثنا عليّ، قال: حدثنا أبو الوليد المكّي"، قال: بينما عمر جالس إذ أقبل رجل يقود ناقة تظلع؛ حتى وقف عليه، فقال:
إنك مسترعـى وإنـا رعـية
وإنك مدعو بسيماك يا عمـر
إذاً يوم شر شـره لـشـراره
فقد حملتك اليوم أحسابها مضر
فقال: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله. وشكا الرجل ظلعناقته، فقبض عمر الناقة وحمله على جمل أحمر وزودّه؛ وانصرف. ثم خرج عمر في عقب ذلك حاجّاً، فبينا هو يسير إذ لحق راكباً يقول:
ما سلنا مثلك يا بن الخطـاب أبر بالأقصى ولا بالأصحاب
بعد النبي صاحب الكتاب فنخسه عمر بمخصرة معه، وقال: فأين أبو بكر! حدثني عمر، قال: حدّثنا عليّ بن محمد، عن محمد بن صالح، عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق، قال: استعمل عمر عتبة بن أبي سفيان على كنانة، فقدم معه بمال، فقال: ما هذا يا عتبة؟ قال: مال خرجت به معي وتجرت فيه، قال: ومالك تخرج المال معك في هذا الوجه! فصيّره في بيت المال. فلما قام عثمان قال لأبي سفيان: إن طلبتَ ما أخذ عمر من عتبة رددته عليه، فقال أبو سفيان: إنك إن خالفت صاحبك قبلك ساء رأيُ الناس فيك، إي"ّاك أن تردّ على من كان قبلك، فيرد عليك من بعدك.
كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن الربيع بن النعمان وأبي المجالد جراد بن عمرو وأبي عثمان وأبي حارثة وأبي عمرو مولى إبراهيم بن طلحة، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قالوا: إنّ هند ابنة عتبة قامت إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فاستقرضته من بيت المال أربعة آلاف تتّجر فيها وتضمنها، فأقرضها، فخرجت فيها إلى بلاد كلب، فاشترت وباعت؛ فبلغها أنّ أبا سفيان وعمرو بن أبي سفيان قد أتيا معاوية، فعدلت إليه من بلاد كلب، فأتت معاوية، وكان أبو سفيان قد طلّقها، قال: ما أقدمك أي أمه؟ قالت: النّظر إليك أي بنّي؛ إنه عمر؛ وإنما يعمل لله، وقد أتاك أبوك فخشيت أن تخرج إليه من كل شيء؛ وأهل لك هو؛ فلا يعلم الناس من أين أعطيتنه فيؤنّبونك ويؤنّبك عمر، فلا يستقيلها أبداً، فبعث إلى أبيه وإلى أخيهه بمائة دينار، وكساهما وحملهما؛ فتظّمها عمرو؛ فقال أبو سفيان: لا تعظّمها، فإنّ هذا عطاء لم تغب عنه هند، ومشورة قد حضرتها هند، ورجعوا جميعاً، فقال أبو سفيان لهند: أربحت؟ فقالت: الله أعلم، معي تجارة إلى المدينة. فلما أتت المدينة وباعت شكت الوضيعة، فقال لها عمر: لو كان مالي لتركته لك، ولكنه مال المسلمين، وهذه مشورة لم يغب عنها أبو سفيان، فبعث إليه فحبسه حتى أوفته، وقال لأبي سفيان: بكم أجازك معاوية؟ فقال: بمائة دينار.
وحدّثني عمر، قال: حدّثنا عليّ، عن مسلمة بن محارب، عن خالد الحذّاء، عن عبد الله بن أبي صعصعة عن الأحنف، قال: أتى عبد الله بن عمير عمر؛ وهو يفرض للناس - واستشهد أبوه يوم حنين - فقال: يا أمير المؤمنين، افرض لي؛ فلم يلتفت إليه، فنخسه، فقال عمر: حس! وأقبل عليه فقال: من أنت؟ قال: عبد الله بن عمير، قال: يا يرفأ، أعطه ستمائة، فأعطاه خمسمائة، فلم يقبلها، وقال: أمر لي أمير المؤمنين بستمائة، ورجع إلى عمر فأخبره، فقال عمر: يا يرفأن أعطه ستمائة وحلّة، فأعطاه فلبس الحلّة التي كساه عمر، ورمى بما كان عليه، فقال له عمر: يا بنيّ، خذ ثيابك هذه فتكون لمهنة أهلك، وهذه لزينتك.
حدثني عمر، قال: حدّثنا علي، قال حدّثنا: أبو الوليد المكّيّ، عن رجل من ولد طلحة، عن ابن عبّاس، قال: خرجت مع عمر في بعض أسفاره، فإنا لنسير ليلة، وقد دنوت منه، إذ ضرب مقدم رحله بسوطه، وقال:
كذبتم وبيت الله يقتل أحمـد
ولما
نطاعن دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله
ونذهل عن أبنائنا والحلائل
ثم قال، أستغفر الله، ثم سار فلم يتكلم قليلاُ، ثم قال:
وما حملت من ناقة فوق رحلها
أبر وأوفىذمة من مـحـمـد
وأكسى لبرد الخال قبل ابتذالـه
وأعطى لرأس السابق المتجرد
ثم قال: استغفر الله، يا بن عباس، ما منمع عليّاً من الخروج معنا؟ قلت: لا أدري، قال: يا بن عباس، أبوك عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأنت ابن عمه، فما منع قومكم منكم؟ قلت: لا أدري، قال: لكني أدري؛ يكرهون ولايتكم لهم! قلت: لم، ونحن لهم كالخير؟ قال: اللهمّ غفراً، يكرهون أن تجتمع فيكم النبوّة والخلافة، فيكون بجحاً بجحاً، لعلكم تقولون: إن أبا بكر فعل ذلك، لا والله ولكن أبا بكر أتى أحزم ما حضره، ولو جعلها لكم ما نفعكم مع قربكم، أنشدني لشاعر الشعراء زهير قوله:
إذا ابتدرت قيس بن عيلان غاية من المجد من يسبق إليها يسود
فأنشدته وطلع الفجر، فقال: اقرأ واقعة، فقرأتها، ثم نزل فصلى، وقرأ بالواقعة.
حدّثني ابن حميد، قال: حدّثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق. عن رجل، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبعض أصحابه يتذاكرون الشعر، فقال بعضهم: فلان أشعر؛ وقال بعضهم: بل فلان أشعر، قال: فأقبلت، فقال عمر: قد جاءكم أعلم الناس بها، فقال عمر: من شاعرالشعراء يا بن عباس؟ قال: فقلت: زهير بن أبي سلمى، فقال عمر: من شاعر الشعراء يا بن عباس؟ قال: فقلت: زهير بن أبي سلمى، فقال عمر: هلمّ من شعره ما نستدل به على ما ذكرت؛ فقلت: امتدح قوماً من بني عبد الله بن غطفان، فقال:
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم
قوم بأولهم أو مجدهـم قـعـدوا
قوم أبوهم سنان حين تنسـبـهـم
طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا
إنس إذا أمنوا، جن إذا فـزعـوا
مرزءون بها ليل إذا حـشـدوا
محدون على ما كان مـن نـعـم
لا ينزع الله منهم ماله حـسـدوا
فقال عمر: أحسن؛ وما أعلم أحداً أولى بهذا الشعر من هذا الحيّ من بني هاشم! لفضل رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقرابتهم منه، فقلت: وفقت يا أمير المؤمنين، ولم تزل موفقاُ، فقال: يا بن عباس، أتدري ما منع قومكم منهم بعد محمد؟ فكرهت أن أجيبه، فقلت: إن لم أكن أدري فأمير المؤمنين يدريني، فقالعمر: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوّة والخلافة، فتبجحوا على قومكم بجحاً بجحاً، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت.
فقلت: يا أمير المؤمنين، إن تأذن لي في الكلام، وتمط عني الغضب تكلمت.
فقال: تكلم يا بن عباس، فقلت: أمّا قولك يا أمير المؤمنين: اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفّقت، فلو أن قريشاً اختارت لأنفسها حيث اختار الله عزّوجلّ لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود. وأما قولك: إنهم كرهوا أن تكون لنا النبوّة والخلافة، فإنّ الله عزّ وجلّ وصف قوماً بالكراهية فقال: "ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم" فقال عمر: هيهات والله يا بن عباس! قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن أفرّك عنها، فتزيل منزلتك مني؛ فقلت: وما هي يا أمير المؤمنين؟
فإن كانت حقّاً فما ينبغي أن تزيل منزلتي
منك، وإن كانت باطلاً فمثلى أماط الباطل عن نفسه، فقال عمر: بلغني أنك
تقول: إنما صرفوها عنا حسداً وظلماً! فقلت: أمّا قولك يا أمير المؤمنين:
ظلماً؛ فقد تبيّن للجاهل والحليم، وأما قولك: حسداً، فإنّ إبليس حسد آدم؛
فنحن ولده المحسودون؛ فقال عمر: هيهات! أبت والله قلوبكم يا بني هاشم إلاّ
حسداً ما يحول، وضغنا وغشاً ما يزول. فقلت: مهلاً يا أمير المؤمنين؛ لا تصف
قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً بالحسد والغش، فإنّ قلب رسول
الله صلى الله عليه وسلّم من قلوب بني هاشم. فقال عمر: إليك عني يا بن
عباس، فقلت: أفعل؛ فلما ذهبت لأقوم استحيا منّي فقال يا بن عباس، مكانك، فو
الله إني لراع لحقّك، محبّ لما سرّك؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّ لي عليك
حقّاً وعلى كل مسلم، فمن حفظه فحظّه أصاب، ومن أضاعه فحظَّه أخطأ.
ثم قام فمضى.
حدثّني أحمد بن عمرو، قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرميّ، قال: حدّثنا عكرمة بن عمّار، عن إياس بن سملة، عن أبيه، قال: مرّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه في السوق ومعه الدّرّة، فخفقني بها خفقة، فأصاب طرف ثوبي، فقال: امط عن الطريق، فلما كان في العام المقبل لقيني فقال: يا سلمة، تريد الحجّ؟ فقلت: نعم، فأخذ بيدي، فانطلق بي إلى منزله فأعطاني ستمائة درهم، وقال: استعن بها على حجّك، واعلم أنها بالخفقة التي خفقتك؛ قلت: يا أميرالمؤمنين ما ذكرتها! قال: وأنا ما نسيتها.
حدثني عبد الحميد بن بيان، قال أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل أبن أبي خالد، عن سملة بن كهيل، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أيها الرعيّة: إن لنا عليكم حقاً. النصيحة بالغيب، والمعاونة على الخير؛ إنه ليس من حلم أحبّ إلى الله ولا أعمّ نفعاً من حلم إمام ورفقه. أيها الرعية؛ إنه ليس من جهل أبغض إلى الله ولا شر أعمّ شراً من جهل إمام وخرقه. أيها الرعيّة، إنه من يأخذ بالعافية لمن بين ظهرانيه، يؤتي الله العافية من فوقه.
حدّثني محمد بن إسحاق، قال: حدّثنا يحيى بن معين، قال: حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا عيسى بن يزيد بن دأب؛ عن عبد الرحمن ابن أبي زيد، عن عمران بن سوادة، قال: صليت الصبح مع عمر، فقرأ: سبحان وسورة معها، ثم انصرف وقمت معه، فقال: أحاجة؟ قلت: حاجة، قال: فالحق، قال: فلحقت؛ فلما دخل أذن لي؛ فإذا هو على سرير ليس فوقه شيء، فقلت: نصيحة، فقال: مرحباً بالناصح غدوّاً وعشيَاً؛ قلت: عابت أمتك منك أربعاً، قال: فوضع رأس درتّه في ذقنه، ووضع أسفلها على فخذه، ثم قال: هات؛ قلت: ذكروا أنك حرّمت العمرة في أشهر الحجّ، ولم يفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولا أبو بكر رضي الله عنه ؛ وهي حلال، قال: هي حلال، لو أنهم اعتمروا في أشهر الحجّ رأوها مجزيةً من حجَّهم؛ فكانت قائبة قوب عامها، فقرع حجُّهم، وهو بهاء من بهاء الله، وقد أصبت. قلت: وذكروا أنك حرّمت متعة النساء وقد كانت رخصة من الله نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث.
قال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم أحلّها في زمان ضرورة، ثم رجع الناس إلى السَّعة، ثم لم أعلم أحداً من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها، فالآن ممن شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق، وقد أصبت. قال: قلت: وأعتقت الأمة أن وضعت ذا بطنها بغير عنقاة سيّدها، قال: ألحقت حرمة بحرمة، وما أردت إلاّ الخير، وأستغفر الله. قلت: وتشكَّوا منك نهر الرعية وعنف السياق. قال: فشرع لادّرَة، ثم مشحها حتى أتى على آخرها، ثم قال: أنا زميل محمد - وكان زامله في غزوة قرقرة الكدر - فو الله إني لأرتع فأشبع، وأسقى فأروى، وأنهز للفوت، وأزجر العروض، وأذب قدري، وأسوق خطوى، وأضم العنود، وألحق القطوف، وأكثر الزّجر، وأقلّ الضرب، وأشهر العصا؛ وأدفع باليد؛ لولا ذلك لأغدرت.
قال: فبلغ ذلك معاوية، فقال: كان والله عالماً برعيتهم.
حدثّنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن علية، عن ابن عون، عن محمد، قال: نبئتأن عثمان قال: إنّ عمر كان يمنع أهله وأقرباءه ابتغاء وجه الله، وإني أعطي أهلي وأقربائي ابتغاء وجه الله، ولن يلقي مثل عمر ثلاثة.
وحدّثني عليّ بن سهل، قال: حدّثنا ضمرة بن ربيعة، عن عبد الله ابن أبي سليمان، عن أبيه، قال: قدمت المدينة، فدخلت داراً من دورها، فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إزار قطريّ، يدهن إبل الصدقة بالقطران.
وحدّثنا ابن بشار، قال: حدّثنا عبد الرحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن حبيب، عن أبي وائل، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أو استقبلت من أمري ما استدبرت، لأخذت فضول أموال الأغنياء، فقسمتها على فقراء المهاجرين.
وحدّثنا ابن بشار، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدّثنا منصور بن أبي الأسود، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود بن زيد، قال: كان الوفد إذا قدموا على عمر رضي الله عنه سألهم عن أميرهم، فيقولون خيراً، فيقول: هل يعود مرضاكم؟ فيقولون: نعم؛ فيقول: هل يعود العبد؟ فيقولون: نعم، فيقول: كيف صنيعه بالضّعيف؟ هل يجلس على بابه؟ فإن قالوا لخصلة منها: لا، عزله.
وحدّثنا ابن حميد، قال: حدثنا الحكم بن بشير، قال: حدّثنا عمرو، قال: كان عمر بن الخطاب يقول: أربع من أمر الإسلام لست مضيِّعهنّ ولا تاركهنّ لشيء أبداً: القوّة في ماله وجمعه حتّى إذا جمعنا وضعناه حيث أمر الله، وقعدنا آل عمر ليس في أيدينا ولا عندنا منه شيء.
والمهاجرون الذين تحت ظلال السيوف؛ إلاّ يحبسوا ولا يجمروا، وأن يوفر فيء الله عليهم وعلى عيالاتهم، وأكون أنا للعيال حتى يقدموا. والأنصار الذين أعطوا الله عزّ وجلّ نصيباً، وقاتلوا الناس كافة؛ أن يقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم؛ أن يشاوروا في الأمر. والأعراب الذين هم أصل العرب ومادة الإسلام؛ أن تؤخذ منهم صدقتهم على وجهها، ولا يؤخذ منهم دينار ولا درهم، وأن يردّ على فقرائهم ومساكينهم.
كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن ابن جريح، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، قال: قال عمر: إنّي لأعلم أنّ الناس لا يعدلون بهذين الرجلين اللذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يكون نجيّاً بينهما وبين جبريل يتبلَّغ عنه ويملّ عليهما قصة الشورى حدّثني عمر بن شبّة، قال: حدّثنا علي بن محمد، عن وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم ومحمد بن عبد الله الأنصاريّ، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن شهر بن حوشب وأبي مخنف، عن يوسف بن يزيد، عن عباس بن سهل ومبارك بن فضالة، عن عبيد الله بن عمر ويونس بن أي إسحاق، عن عمرو بن ميمون الأوديّ؛ أنّ عمر بن الخطاب لما طعن قيل له: يا أمير المؤمنين؛ لو استخلفت! قال: من استخلف؟ لو كان أبو عبيدة بن الجرّاح حيّاً استخلفته؛ فإن سألني ربي قلت: سمعت نبيّك يقول: إنه أمين هذه الأمة، ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً استخلفته، فإن سألنى ربيّ قلت: سمعت نبيّك يقول: إنّ سالماً شديد الحبّ لله. فقال له رجل: أدلك عليه؟ عبد الله بن عمر، فقال: قاتلك الله؛ والله ما أردت الله بهذا، ويحك! كيف استخلف رجلاً عجز عن طلاق امرأته! لا أرب لنا في أموركم، ما حمدتها فأرغب فيها لأحد من أهل بيتي؛ إن كان خيراً فقد أصبنا منه، وإن كان شرّاً مفشرعناآل عمر؛ بحسب آل عمر أن يحاشب منهم رجل واحد؛ ويسأل عن أمر أمة محمد؛ أما لقد جهدت نفسي، وحرمت أهلي؛ وإن نجوت كفافاً لاوزر ولا أجر إني لسعيد؛ وأنظر فإن استخلفت فقد استخلف من هو خير منّي، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني، ولن يضيّع الله دينه. فخرجوا ثم راحوا فقالوا: يا أمير المؤمنين؛ لو عهدت عهداّ! فقال قد كنت أجمعت مبعد مقالتي لكم أن أنظر فأولَّى رجلاً أمركم؛ هو أحراكم أن يحملكم على الحقّ - وأشار إلى علي - ورهقتني غشية، فرأيت رجلاً دخل جنة قد غرسها، فجعل يقطف كل غضّة ويانعة فيضمّه إليه ويصيّره تحته؛ فعلمت أنّ الله غالب أمره، ومتوفًّ عمر؛ فما أريد أن أتحملّها حيّاً وميتاً؛ عليكم هؤلاء الرّهط الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إنهم من أهلالجنة؛ سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل منهم؛ ولست مدخله؛ ولكن الستّة: عليّ وعثمان ابنا عبد مناف، وعبد الرحمن وسعد خالا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والزبير بن العوام حواريّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم وابن عمته، وطلحة لخير بن عبيد الله؛ فليختاروا منهم رجلاً؛ فإذا ولَّوا والياً فأحسنوا مؤازرته وأعينوه، إن ائتمن أحداً منكم فليؤدّ إليه أمانته. وخرجوا، فقال العباس لعليّ: لا تدخل معهم، قال: أكره الخلاف، قال: إذاً ترى ما تكره! فلما أصبح عمر دعا عليّاً وعثمان وسعداً وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن الهوام، فقال: إني نظرت فوجدتكم رؤساء الناس وقادتهم؛ ولا يكون هذا الأمر إلاّ فيكم؛ وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو عنكم راض؛ إنّي لا أخاف الناس عليكم إن استقمتم؛ ولكنّي أخاف عليكم اختلافكم فيما بينكم، فيختلف الناس، فانهضوا إلى حجرة عائشة بإذن منها، فتشاوروا واختاروا رجلاً منكم. ثم قال: لا تدخلوا حجرة عائشة؛ ولكن كونوا قريباً، ووضع رأسه وقد نزفه الدم.
فدخلوا فتناجوا، ثم ارتفعت أصواتهم، فقال عبد الله بن عمر: سبحان الله! إنّ أمير المؤمنين لم يمت بعد؛ فأسمعه فانتبه فقال: ألا أعرضوا عن هذا أجمعون؛ فإذا متُّ فتشاوروا ثلاثة أيام، ولصلّ بالناس صهيب، ولا يأتينّ اليوم الرابع إلاّ وعليكم أمير منكم؛ ويحضر عبد الله بن عمر مشيراً، ولا شيء له من الأمر؛ وطلحة شريككم في الأمر؛ فإن قدم في الأيام الثلاثة فأحضروه أمركم؛ وإن مضت الأيَّام الثلاثة قبل قدومه فاقضوا أمركم، ومن لي بطلحة؟ فقال سعد بن أبي وقاص: أنا لك به؛ ولا يخالف إن شاء الله.
فقال عمر: أرجو ألاّ يخالف إن شاء الله؛ وما أظنّ أن يلي إلاّ أحد هذين الرجلين: عليّ أو عثمان؛ فإن ولي عثمان فرجل فيه لين، وإن ولي عليّ ففيه دعابة، وأحر به أن يحملهم على طريق الحقّ؛ وإن تولوا سعداً فأهلها هو؛ وإلاّ فليستعن به الوالي، فإني لم أعزله عن خيانة ولا ضعفه؛ ونعم ذو الرأي عبد الرحمن بن عوف! مسدد رشيد، له من الله حافظ، فاسمعوا منه.
وقال لأبي طلحة الأنصاريّ: يا أبا طلحة، إنّ الله عزّ وجلّ طالما أعزّ الإسلام بكم، فاختر خمسين رجلاً من الأنصار؛ فاستحثّ هؤلاء الرّهط حتى يختاروا رجلاً منهم. وقال للمقداد بن الأسود: إذا وضعتموني في حفرني فاجمع هؤلاء الرّهط في بيت حتى يختاروا رجلاً منهم، وقال لصهيب: صلّ بالناس ثلاثة أيام، وأدخل عليّاً وعثمان والزبير وسعداً وعبد الرحمن بن عوف وطلحة إن قدم؛ وأحضر عبد الله بن عمر ولا شيء له من الأمر؛ وقم على رءوسهم، فإن اجتمع مخمسة ورضوا رجلاً وأبي واحد فاشدخ رأسه - أو اضر رأسه بالسيف - وإن اتّفق أربعة فرضوا رجلاً منهم وأبي اثنان، فاضرب رءوسهما، فإن رضي ثلاثة رجلاً منهم وثلاثة رجلاً منهم، فحكّموا عبد الله ابن عمر؛ فأيّ الفريقين حكم له فليختاروا رجلاُ منهم؛ فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، واقتلوا الباقين إن رغبوا عمّا اجتمع عليه الناس.
فخرجوا، فقال عليّ لقوم كانوا معه من بني هاشم: إن أطيع فيكم قومكم ملم تؤمروا أبداً. وتلقّاه العباس، فقال: عدلت عنّا! فقال: وما علمك؟ قال: قرن بي عثمان، وقال: كونوا مع الأكثر، فإن رضي رجلان رجلاُ، ورجلان رجلاُ فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف؛ فسعد لا يخالف ابن عمّه عبد الرحمن؛ وعبد الرحمن صهر عثمان؛ لا يختلفون، فيوليّها عبد الرحمن عثمان، أو يوليها عثمان عبد الرحمن؛ فلو كان الآخرا معي لم ينفعاني؛ بله إني لا أرجو إلاّ أحدهما. فقال له العباس: لم أرفعك في شيء إلاّ رجعت إليّ مستأخراً بما أكره؛ أشرت عليك عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن تسأله فيمن هذا الأمر؛ فأبيت، وأشرت عليك بعد وفاته أن تعاجلالأمر فأبيت، وأشرت عليك حين سمّاك عمر في الشورى ألاّ تدخل معهم فأبيت؛ احفظ عنِّي واحدة؛ كلّما عرض عليك القوم، فقل: لا، إلا أن يولوك، واحذر هؤلاء الرّهط، فإنهم لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر حتى يقوم لنا به غيرنا، وايم الله لا يناله إلا بشرّ لا ينفع معه خير. فقال عليّ: أما لئن بقي عثمان لأذكَّرنه ما أتي ولئن مات ليتداولنّها بينهم، ولئن فعلوا ليجدنّي حيث يكرهون؛ ثم تمثل:
حلفت برب الراقصات عشية
غدون خفاقاً فابتدرن المحصبا
ليختلين رهط ابن يعمر مارئاً
نجيعاً بنو الشداخ ورداً مصلبا
والتفت فرأى أبا طلحة فكره مكانه، فقالأبو طلحة: لم ترع أباالحسن. فلمّا مات عمر وأخرجت جنازته، تصدّى عليّ وعثمان: أيّهما يصلي عليه، فقال عبد الرحمن: كلا كما يحب الإمرة، لستما من هذا في شيء، هذا إلى صهيب، استخلفه عمر، يصل"ي بالناس ثلاثاً حتى يجتمعالناس على إمام. فصلّي عليه صهيب، فلما دفن عمر جمع المقداد أهل الشورى في بيت المسور بن مخرمة - ويقال في بيت المال،ويقال في حجرة عائشة بإذنها - وهم خمسة، معهم ابنُ عمر، وطلحة غائب، وأمروا أبا طلحة أن يحجبهم، وجاء عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة فجلسا بالباب، فحصبهما سعد وأقامهما، وقال: تريدان أنت تقولا: محضرنا وكنّا في أهل الشورى! فتنافس القوم في الأمر؛ وكثر بينهم مالكلام؛ فقال أبو طلحة: أنا كنت لأنْ تدفعوها أخوف منِّي لأن تنافسوها! لا والذي ذهب بنفس عمر؛ لا أزيدكم على الأيّام الثلاثة التي أمرتم، ثم أجلس في بيتي؛ فأنظر ما تصنعون! فقال عبد الرحمن: أيكم يخرج منها نفسه ويتقلدها على أن يوليها أفضلكم؟ فلم يجبه أحد، فقال: فأنا أنخلع منها؛ فقال عثمان: أنا أوّل من رضي، فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: أمين في الأرض أمين في السما، فقال القوم: قد رضينا - وعليّ ساكت - فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ قال: أعطني موثقاً لتؤثرنّ الحقّ ولا تتّبع الهوى، ولا تخصّ ذا رحم، ولا تألوا الأمة! فقال: أعطوني مواثيقكم علي أن تكونوا معي علي من بدّل وغيّر، وأن ترضوا من اخترت لكم، عليّ ميثاق الله ألاّ أخصّ ذا رحم لرحمه، ولا آلو المسلمين. فأخذ منهم ميثاقاً وأعطاهم مثله، فقال لعليّ، مإنك تقول: إني أحقُّ من حضر بالأمر لقرابتك وسابقتك وحسن أثرك في الدّين ولم تبعد؛ ولكن أرأيت لو صرف هذا الأمر عنك فلم تحضر، من كنت ترى من هؤلاء الرّهط أحقّ بالأمر؟ قال: عثمان. وخلا بعثمان؛ فقال: تقول: شيخمن بني عبد مناف؛ وصهر رسول الله صلى الله عليه وسلّم وابن عمه، لي سابقة وفضل - لم تبعد - فلن يصرف هذا الأمر عني، ولكن لو لم تحضر فأيّ هؤلاء الرهط تراه أحقّ به؟ قال: عليّ. ثم خلا بالزّبير، فكلمه بمثل ما كلم به عليًّاً وعثمان؛ فقال: عثمان. ثم خلا بسعد، فكلمه، فقال: عثمان. فلقى عليّ سعداً، فقال: "واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباُ"، أسألك برحيم ابني هذامن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وبرحم عمّي حمزة منك ألاّ تكون مع عبد الرحمن لعثمان ظهيراً عليّ؛ فإني أدلى بما لا يدلي به عثمان. ودار عبد الرحمن لياليه يلقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومن وافى المدينة من أمراء الأجناد وأشراف الناس، بشاورهم، ولا يخلوا برجل إلا أمره بعثمان؛ حتى إذا كانت الليلة التي يستكمل في صبيحتها الأجل، أتى منزل المسور بن مخرمة بعد ابهيرار من الليل؛ فأيقظه فقال: ألا أراك نائماً ولم أذق في هذه الليلة كثير غمض! انطلق فادع الزبير وسعداً.
فدعاهما فبدأ بالزبير في مؤخر المسجد في الصفة التي تلي دار مروان، فقال له: خلّ ابني عبد مناف وهذا الأمر، قال: نصيبي لعليّ، وقال لسعد: أنا وأنت كلالة، فاجعل نصيبك لي فأختار، قال: إن اخترت نفسك فنعم، وإن اخترت عثمان فعليّ أحبّ إليّ؛ أيها الرجل بايع لنفسك وأرحنا، وارفع رءوسنا، قال: يا أبا إسحاق؛ إني قذ خلعت نفسي منها علي أختار، ولو لم أفعل وجعل الخيار إليّ لم أردها، إني أريت كروضة خضراء كثيرة العشب، فدخل فحل فلم مأر فحلا قطّ أكرم منه، فمرّ كأ،ه سهم لا يلتفت إلى شيء مما في الرّوضة حتى قطعها، لم يعرّج. ودخل بعير يتلوه فاتّبع أثره حتى خرج من الرّوضة، ثم دخل فحل عبقريٌّ يجرّ خطامه، يلتفت يمينّاً وشمالاً ويمضي قصد الأولين حتى خرج، ثمّ دخل بعير رابع فرتع في الروضة؛ ولا والله لا أكون الرابع؛ ولا يقوم مقام أبي بكر وعمر بعدهما أحد فيرضى النا س عنه. قال سعد: فإني أخاف أن يكون الضّعف قد أدركك، فامض لرأيك؛ فد عرفت عهد عمر.
وانصرف الزبير وسعد؛ وأرسل المسور بن مخرمة إلى عليّ، فناجاه طويلاً؛ وهو لا بشكّ أنه صاحب الأمر، ثم نهض: وأرسل المسور إلى عثمان. فكان في نجيّهما، حتى فرّق بينهما أذان الصبح. فقال عمرو بن ميمون: قال لي عبد الله بن عمر: يا عمرو، من أخبرك أنه يعلم ما كلّم به عبد الرحمن بن عوف عليّاً وعثمان فقد قال بغير علم؛ فوقع قضاء ربّك على عثمان. فلما صلوا الصبح جمع الرهط، وبعث إلى من حضره من المهارجين وأهل السابقة والفضل من الأنصار، وإلى أمراء الأجناد، فاجتمعوا حتى التجّ المسجد بأهله، فقال: أيُّها الناس، إنّ الناس قد أحبّوا أن يلحق أهل الأمصار بأمصارهم وقد علموا من أميرهم. فقال سعيد بن زيد: إنّا نراك لها أهلاً، فقال: أشيروا عليّ بغير هذا، فقال عمّار: إن أردت ألاّ يختلف المسلمون فبايع عليّاً. فقال المقداد بن الأسود: صدق عمّار؛ إن بايعت عليّاً قلنا: سمعنا وأطعنا. قال ابن أبي سرح: إن أردت ألاّ تختلف قريش فبايع عثمان، فقال عبد الله بن أبي ربيعة: صدق؛ إن بايعت عثمان قلنا: سمعنا وأطعنا.
فشتم عمّار ابن أبي سرح، وقال: متى كنت تنصح المسلمين! فتكلم بنو هاشم ونبو أمية، فقال عمار: أيّها الناس؛ إنّ الله عزّ وجلّ أكرمنا بنبيّه، وأعزّنا بدينه، فأنّي تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم! فقال رجل من بني مخزوم: لقد عدوت طولاك يا بن سميّة؛ وما أنت وتأمير قريش لأنفسها! فقال سعد بن أبي وقاص: يا عبد الرحم، افرغ قبل أن يفتن الناس، فقال عبد الرحمن: إني قد نظرت وشاورت، فلا تجعلن أيها الرهط على أنفسكم سبيلاً. ودعا عليّاً، فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده؟ قال: أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي؛ ودعا عثمان فقال له مثل ما قال لعليّ، قال: نعم، فبايعه، فقال عليّ: حبوته حبو دهر؛ ليس هذا أوّل ي م تظاهرتم فيه علينا؛ فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون؛ والله ما ولّيتَ عثمان إلا ليردّ الأمر إليك؛ والله كلّ يوم هو في شأن؛ فقال عبد الرحمن: يا عليّ لا تجعل على نفسك سبيلاً؛ فإني قد نظرت وشاورت الناس؛ فإذا هم لا يعدلون بعثمان. فخرج عليّ وهو يقول: سيبلغ الكتاب أجله. فقال المقداد: يا عبد الرحمن، أما والله لقد تركته من الذين يقضون بالحقّ وبه يعدلون. فقال: يا مقداد؛ والله لقد اجتهدت للمسلمين؛ قال: إن كنت أردت بذلك الله فأثابك الله ثواب المحسنين. فقال المقداد: ما رأيت ممثل ما أوتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيّهم. إني لأعجب من قريش أنّهم تركوا رجلاً ما أقول إنّ أحداً أعلم ولا أقضي منه بالعدل؛ أما والله لو أجد عليه أعواناً! فقال عبد الرحمن: يا مقداد؛ اتّق الله؛ فإني خائف عليك الفتنة، فقال رجل للمقداد: رحمك الله! من أهل هذا البيت وسن هذا الرجل؟ قال: أهل البيت بنو عبد المطلب، والرجل عليّ بن أبي طال. فقال عليّ: إنّ الناس ينظرون إلى قريش، وقريش تنظر إلى بيتها فتقول: إن ولي عليكم بنو هاشم لم تخرج منهم أبداً، وما كانت في غيرهم من قريش تداولتموها بينكم. وقدم طلحة في اليوم الذي بويع فيه لعثمان، فقيل له: بايع عثمان، فقال: أكلّ قريش راضٍ به؟ قال: نعم، فأتى عثمان فقال له عثمان: أنت على أرس أمرك، إن أبيت رددتها، قال: أتردها؟ قال: نعم؛ قال: أكلّ الناس بايعوك؟ قال: نعم، قال: قد رضيت؛ لا أرغب عمّاً قد أجمعوا عليه، وبايعه.
وقال المغيرة بن شعبة لعبد الرحمن: يا أبا محمد، قد أصبت إذ بايعت عثمان! وقال لعثمان: لوب بايع عبد الرحمن غيرك ما رضينا، فقال عبد الرحمن: كذبت يا أعور؛ لو بايعت غيره لبايعته، ولقلت هذه المقالة.
وقال الفرذدق؛
صلَّى صيب ثلاثاً ثـمَّ أسـلـهـا
على ابن عفان ملكاً
غير مقصور
خلافة من أبي بكر لصـاحـبـه
كانوا أخلاَّء مهـدي ومـأمـور
وكان المسور بن مخرمة يقول: ما رأيت رجلاً بذّ قوماً فيما دخلوا فيه بأشدّ مما بذّهم عبد الرحمن بن عوف.
قال أبو جعفر: وأما المسور بن مخرمة، فإنّ الرواية عندنا عنه ما حدّثني سلم بن جنادة أبو السائب، قال: حدّثنا سليمان بن عبد العزيز ابن أبي ثابت بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، قال: حدّثنا أبي، عن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، عن السمور بن مخرمة - وكانت أمه عاتكة ابنة عوف - في الخبر الذي قد مضى ذكري أوله في مقتل عمر بن الخطّاب؛ قال: ونزل في قبيره - يعني في قبر عمر - الخمسة، يعني أهل الشورى. قال: ثم خرجوا بريدون بيوتهم؛ فناداهم عبد الرحمن: إلى أين؟ هلمّوا! فتبعوه، وخرج حتى دخل بيت فاطمة ابنة قيس الفهريّة، أخت الضحّاح بن قيس الفهريّ - قال بعض أهل العلم: بل كانت زوجته؛ وكانت نجوداً، يريد ذات رأي - قال: فبدأ عبد الرحمن بالكلام فقال: يا هؤلاء؛ إنّ عندي رأيَّاً؛ وإنّ لكم نظراً؛ فاسمعوا تعلّموا، وأجيبوا تفقهوا؛ فإن حابياً خير من ذاهق؛ وإن جرعة من شروب بارد أنفع من عذب موب؛ أنتم أئمة يهتدي بكم؛ وعلماء يصدر إليكم؛ فلا تفلّوا المدى بالاّختلاف بينكم، ولا تغمدوا السيوف عن أعدائكم؛ فتوتروا ثأركم، وتؤلتوا أعمالكم؛ لكلّ أجل كتاب؛ ولكل بيت إمام بأمره يقومون، وبنهيه يرعون. قلّدوا أمركم واحداً منكم تمشوا الهويني وتلحقوا الطلب؛ لولا فتنة عمياء، وضلالة حيراء؛ يقول أهلها ما يرون، وتحلّهم الحبو كرى. ما عدت نياتكم معرفتكم، ولا أعمالكم نياتكم. احذروا نصيحة الهوى، ولسان الفرقة؛ فإنّ مالحيلة في المنطق أبلغ من السيوف في الكلم؛ علِّقوا أمركم وحب الذراع فيما حلّ، مأمون الغيب فيما نزل، رضاً منكم وكلكم رضّاً، ومقترعاً منكم وكلّكم منتهى، لا تطيعوا مفسداً ينتصح؛ ولاتخالفوا مرشداً ينتصر؛ أقول قولى هذا وأستغفر الله لي ولكم.
ثم تلكم عثمان بن عفان، فقال: الحمد لله الذي اتّخذ محمّداً نبيّاً، وبعثه رسولا، صدقه وعده، ووهب له نصره على كلّ من بعد نسباً، أو قرب رحماً؛ صلى الله عليه وسلّم؛ جعلنا الله له تابعين وبأمره مهتدين؛ فهو لنا نور؛ ونحن بأمره نقوم. عند تفرّق الأهواء؛ ومجادلة الأعداء؛ جعلنا الله بفضله أئمة وبطاعته أمراء، لا يخرج أمرنا منّا، ولا يدخل علينا غيرنا إلا من سفه الحقّ؛ ونكل عن القصد، وأحر بها يا بن عوف أن تترك، وأحذر بها أن تكون إن خولف أمرك وترك ودعاؤك؛ فأنا أوّل ممجيب لك، وداع إليك، وكفيل بما أقول زعيم؛ وأستغفر الله لي ولكم.
ثم تكلم الزبير بن العوام بعده، فقال: أمّا بعد؛ فإنّ داعي الله لا يجهل، ومجيبه لا يخذل، عند تفرّق الأهواء وليّ الأعناق، ولن يقصّر عمّا قلت إلا غوىّ، ولن يترك ما دعوت إليه إلاّ شقيّ، لولا حدود لله فرضت؛ وفرائض لله حدّث؛ تراح على أهلها؛ وتحيا لا تموت؛ لكان الموت من الإمارة نجاة، والفرار من الولاية عصمة؛ ولكن لله علينا إجابة الدعوة، وإظهار السنّة؛ لئلا نموت ميتة عمِّية؛ ولا نعمي عمي جاهليّة؛ فأنا مجيبك إلى ما دعوت، ومعينك على ما أمرت، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأستغفر الله لي ولكم.
ثم تكلّم سعد بن أبي وقاص، فقال: الحمد لله بديئاً كان، وآخراً يعود، أحمده لما نجّاني من الضلالة، وبصّرني من الغواية، فبهدي الله فاز من نجا، وبرحمته أفلح من زكا، وبمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلّم أنارت الطرق، واستقامت السبل، وظهر كلّ حق، ومات كلّ باطل؛ إياكم أيها النّفر وقول الزور، وأمنيّة أهل الغرور، فقد سلبت الأمانيُّ قوماً قبلكم ورثوا ما ورثتم، ونالوا ما نلتم؛ فاتّخذهم الله عدوّاً، ولعنهم لعناً كبيراً.
قال الله عزّ وجل: "لمن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون". إنّي نكبت قرني فأخذت سهمي الفالج، وأخذت لطلحة بن عبيد الله ما ارتضيت لنفسي؛ فأنا به كفيل، وبما مأعطيت عنه زعيم، والأمر إليك يا بن عوف؛ بجهد النفس، وقصد النُّصح، وعلى الله قصد السبيل، وإليه الرّجوع، وأستغفر الله لي ولكم؛ وأعوذ بالله من مخالفتكم.ثم تكلّم عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ؛ فقال: الحمدُ لله الذي بعث محمداً منّا نبيّاً، وبعثه إلينا رسولاً، فنحن بيت النبوّة، ومعدن الحكمة؛ وأمان أهل الأرض، ونجاة لمن طلب، لنا حقّ إن نعطه نأخذه؛ وإن نمنعه نركب إعجاز الإبل ولو طال السُّرى؛ لو عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم عهداً لأنفدنا عهده؛ ولو قال لنا قولاً لجادلنا عليه حتى نموت. لن يسرع أحد قبلي إلى دعوة حقّ وصلة رحم، ولا حول ولا قوة إلا بالله سامعوا كلامي، وعوا منطقي؛ عسى أن تروا هذا الأمر من بعد هذا المجمع تنتضي فيه السيوف، وتخان فيه العهود؛ حتى تكونوا جماعة، ويكون بعضكم أئمة لأهل الضلالة، وشيعةً لأهل الجهالة، ثم أنشأ يقول:
فإن تك جاسم هلكت فإنِّي
بما فعلت بنوعبد بن ضخم
مطيع في الهوادر كلّ عيّ
بصير بالنوى من كلِّ نجم
فقال عبد الرحمن: أيكم بطيب نفساً أن يخرج نفسه من هذا مالأمر ويولّيه غيره؟ قال: فأمسكوا عنه، قال: فإني أخرج نفسي وابن عمتي، فقلده القوم الأمر، وأحلفهم عند المنبر؛ فحلفوا ليبايعنّ من بايع، وإن بايع بإحدى يديه الأخرى. فأقام ثلاثاً في داره التي عند المسجد التي يقال لها اليوم رحبة القضاء - وبذلك سمّيت رحبة القضاء - فأقام ثلاثاً يصلِّي بالناس صهيب.
قال: وبعث عبد الرحمن إلى عليّ، فقال له: إن لم أبايعك فأشر علي"؛ فقال: عثمان، ثم بعث إلى عثمان، فقال: إن لم أبايعك، فمن تشير عليّ؟ قال: عليّ، ثم قال لهما: انصرفا. فدعا الزبير، فقال: إن لم أبايعك؛ فمن تشير عليّ، قال: عثمان، ثم دعا سعداً، فقال: من تشيرعليّ فأمّا أنا وأنت فلا نريدها، فمن تشير عليّ؟ قال: عثمان. فلمَّأ كانت الليلة الثالثة، قال: يا مسور، قلت: لبيّك، قال: إنك لنائم؛ والله ما اكتحلت يغماض منذ ثلاث. اذهب فادع لي عليّاً وعثمان؛ قال: قلت: يا خال، بأيّهما أبدأ؟ قال: بأيّهما شئت، قال: فخرجت فأتيت عليّاً - وكان هواي فيه - فقلت: أجب خالي، فقال: بعثك معي إلى غيري؟ قلت: نعم، قال: إلي من؟ قلت: إلى عثمان، قال: فأيّنا أمرك أن تبدأ به؟ قلت: قثد سألته فقال: بأيّهما شئت، فبدأت بك، وكان هواي فيك. قال: فخرج معي حتى أتينا المقاععد، فجلس معليها عليّ، ودخلت على عثمان فوجدته يوتر مع الفجر، فقلت: أجب خالي، فقال: بعثك معي إلى غيري؟ قلت: نعم، إلى عليّ، قال: بأيّنا أمرك أن تبدأ؟ قلت: سألته فقال: بأيّهما شئت؛ وهذا عليّ على المقاعد، فخرج معي حتى دخلنا جميعاً على خالي وهو في القبلة قائم يصلّي، فانصرف لمَّا رآنا، ثم التفت إلى عليّ وعثمان، فقال: إنّي قد سألت عنكما وعن غيركما، فلم أجد الناس يعدلون بكما؛ هل أنت علي يا عليّ مبايعي على كتاب الله وسنّة نبيّه وفعل أبي بكر وعمر؟ فقال: اللهمّ لا، ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي. فالتفت إلى عثمان، فقال: هل أنت مبايعي على كتب الله وسنّة نبيّه وفعل أبي كبر وعمر؟ قال: اللهمّ نعم، فأشار بيده إلى كتفيه، وقال: إذا شئتما! فنهضنا حتى دخلنا المسجد، وصاح صائح: الصلاة جامعة - قال عثمان: فتأخّرت والله حياء لما رأيت من إسراعه إلى عليّ؛ فكنت فيىخر المسجد - قال: وخرج عبد الرحم بن عوف وعليه عمامته التي عمَّمه بها رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، متقلّداً سيفه؛ حتى ركب المنبر، فوقف وقوفاً طويلاً، ثم دعا بما لم يسمعه الناس.
ثم تكلّم، فقال أيّها الناس؛ إني قد سأتلكم سرّاً وجهراً عن إمامكم؛ فلم أجدكم تعدلون بأحد هذين الرجلين: إما عليّ وإما عثمان؛ فقم غلي" يا عليّ، فقام إلي عليّ، فوقف تحت المنبر؛ فأخذ عبد الرحمن بيده، فقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيّه وفعل أبي بكر وعمر؟ قال: اللهم لا؛ ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي؛ قال: فأرسل يده ثم نادى: قم إليّ يا عثمان؛ فأخذ بيده - هو في موقف عليّ الذي كان فيه - فقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنّة منبيّه وفعل أبي بكر وعمر؟ قال: اللهمّ نعم؛ قال: فرفع رأسه إلى سقف المسجد، ويده في يد عثمان، ثم قال: اللهمّ اسمع واشهد؛ اللهمّ إنِّي قد جعلت ما في رقبتي من ذاك في رقبة عثمان. قال: وازدحم الناس يبايعون عثمان حتى غشوه عند المنبر، فقعد عبد الرحمن مقعدالنبي صلى الله عليه وسلّم من المنبر، وأقعد عثمان على الدرجة الثانية، فجعل الناس يبايعون، وتلكأ عليّ، فقال عبد الرحمن: "فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً"؛ فرجع عليّ يشقّ الناس؛ حتى بايع وهو يقول: خدعة وأيَّما خدعة! قال عبد العزيز: وإنما سبب قول عليّ خدعة؛ أن عمرو بن العاص كان قال لقي عليّاً في ليالي الشورى، فقال: إنّ عبد الرحمن رجل مجتهد، وإنّه متى أعطيته العزيمة ان أزهد له فيك؛ ولكن الجهد والطاقة؛ فإنه أرغب له فيك. قال:ثم لقى عثمان، فقال: إنّ عبد الرحمن رجل مجتهد، وليس والله يبايعك إلاّ بالعزيمة، فاقبل؛ فلذلك قال عليّ: خدعة.
قال: ثم انصرف بعثمان إلى بيت فاطمة ابنة قيس، فجلس والناس معه، فقام المغيرة بن شعبة خطيباً، فقال: يا أبا محمد، الحمد لله الذي وفقك؛ والله ما كان لها غير عثمان - وعليّ جالس - فقال عبد الرحمن: يا بن الدّباغ؛ ما أنت وذاك! والله ما كنت أبايع أحداً إلاّ قلت فيه هذه المقالة! قال: ثم جلس عثمان في جانب المسجد؛ ودعا بعبيد الله بن عمر - وكان محبوساً في دار سعد بن أبي وقاص، وهو الذي نزع السيف من يده بعد قتله جفينة والهرمزان وبانة أبي لؤلؤة، وكان يوقل: والله لأقتلنّ رجالاً ممن شرك في دم أبي - يعرّض بالمهاجرين والأنصار - فقام إليه سعد، فنزعالسيف من يده؛ وجذب شعره حتى أضجعه إلى الأرض، وحبسه في داره حتى أخرجه عثمان إليه؛ فقال عثمان لجماعة من المهاجرين والأنصار: أشيروا عليّ في هذا الذي فتق في الإسلام ما فتق، فقال عليّ: أرى أن تقتله، فقال بعض المهاجرين: قتل عمر أمس ويقتل ابنة اليوم! فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين؛ إنّ الله قد أعافك أن يكون هذا الحدث كان ولك على المسلمين سلطان؛ إنما كان هذا الحدث ولا سلطان لك؛ قال عثمان: أنا وليّهم، وقد جعلتها ديةً، واحتملتها في مالي.
قال: وكان رجل من الأنصار يقال له زياد بن لبيد البيّاضيّ إذا رأى عبيد الله بن عمر، قال:
ألا يا عـبـيد الـلـه مـالـــك مـــهـــرب
ولا مـجـلـجـأ مـن ابـن أروى ولا خـفـــر
أصـبـت دمـاً والـلـه فـي غـير حـــلّـــه
حرامـاً وقـتـل الـهـرمـزان لـه خـطـــر
علـى غـير شـيء غــير أ، قـــال قـــائل
أتـتـهـمـون الـهـرمـزان عـلـى عـمــر
فقال سفيه والحوادث جمَّةنعم اتَّهمه قد أشار وقد أمر
وكان سلاح العبد في جوف بيته يقـلـبـهـا والأمـر بـالأمـر يعـتـــبـــر
قال: فشكا عبيد الله بن عمر إلى عثمان زياد بن لبيد وشعره، فدعا عثمان زياد بن لبيد، فنهاه. قال: فأنشأ زياد يوقل في عثمان:
أبا عمرو عبيد اللـه رهـن
فلا تشكك بقتل الهرمزان
فإنك إن غفرت الجرم عنه
وأسباب الخطا فرسا رهان
أتعفو إذ عفوت بغير حـقّ
فما لك بالذي تحـي يدان!
فدعا عثمان زياد بن لبيد فنهاه وشدّ به
كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب،أن عبد الرحمن بن أبي بكر قال غداة طعن عمر: مررت على أبي لؤلؤة عشيّ أمس؛ ومعه جفينة والهرمزان، وهم نجيّ، فلما رهقتهم ثاروا، وسقط منهم خنجر له رأسان، نصابه في سوطه؛ فانظروا بأي شيء قتل؛ وقد تخلل أهل المسجد، وخرج في طلبه رجل من بني تميم، فرجع إليهم التميميّ، وقد كان ألظَّ بأبي لؤلؤة منصرفه عن عمر، حتى أخذه فقتله؛ وجاء بالخنجر الذي وصفه عبد الرحمن بن أبي بكر، فسمع بذلك عبيد الله بن عمر؛ فأمسك حتى مات عمر؛ ثمّ اشتمل على السيف؛ فأتى الهرمزان فقتله؛ فلما عضّه السيف قال: لا إله إلا الله. ثمّ مضى حتى أتى جفينة - وكان نصرنيّاً من أهل الحيرة ظئراً لسعد بن مالك، أقدمه إلى المدينة للصلح الذي بينه وبينهم، وليعلّم بالمدينة الكتابة - فلما علاه بالسيف صلب بين عينيه. وبلغ لك صهيباً، فبعث إليه عمرو بن العاص، فلم يزل به وعنه، ويقول: السيف بأبي وأميّ! حتىناوله إياه، وثاروه سعيد فأخذ بشعره، وجاءوا إلى صهيب.
عمّال عمر رضي الله عنه على الأمصار وكان عامل عمر بن الخطاب رضي الله عنه - في السنة التي قتل فيها؛ وهي سنة ثلاث وعشرين - على مكّة نافع بن عبد الحارث الخزاعيّ، وعلى الطائف سفيان بن عبد الله الثَّقفيّ، وعلى صنعاء يعلى بن منية؛ حليف بني نوفل ابن عبد مناف، وعلى الجند عبد الله بن أبي ربيعة، وعلى الكوفة المغيرة بن شعبة؛ وعلى البصرة أبو موسى الأشعريّ، وعلى مصر عمرو بن العاص؛ وعلى حمص عمير بن سعد، وعلى دمشق معاوية بن أبي سفيان؛ وعلى البحرين وما والاهما عثمان بن أبي العاص الثقفيّ.
وفي هذه السنة - أعني سنة ثلاث وعشرين - توفي، فيما زعم الواقديّ - قتادة ابن النّعمان الظفريّ وصلى عليه عمر بن الخطّاب.
وفيها غزا معاوية الصائفة حتى بلغعمّورية؛ ومعه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم معبادة بن الصامت وأبو أيّوب خالد بن زيد وأبو ذرّ وشدّاد بن أوس.
وفيها فتح معاوية عسقلان على صلح.
وقيل: كان على قضاء الكوفة في السنة التي توفى فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه شريح، وعلى البصرة كعب بن سور؛ وأما مصعب بن عبد الله فإنه ذكر أنّ مالك بن أنس روى عن ابن شهاب؛ أن أبا بكر وعمر رضي الله عنه عنهما لم يكن لهما قاض.