المجلد الرابع - ذكر بعض سير عثمان بن عفان رضي الله عنه

ذكر بعض سير عثمان بن عفان رضي الله عنه

حدّثني زياد بن أيّوب، قال: حدّثنا هشيم، قال: زعم أبو المقدام، عن الحسن بن أبي الحسن، قال: دخلت المسجد؛ فإذا أنا بعثمان بن عفان متّكئاً على ردائه، فأتاه سقّاءان يختصمان، فقضى بينهما.

وفيما كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن عمارة بن القعقاع، عن الحسن البصريّ، قال: كان عمر بن الخطاب قد حجر على أعلام قريش من المهاجرين الخروج في البلدان إلاّ بإذن وأجلٍ، فشكوه فبلغه، فقام فقال: ألا إنّي قد سننت الإسلام سنّ البعير؛ يبدأ فيكون جذعاً، ثم ثنيّاً، ثم رباعيّاً، ثم سديساً، ثم بازلا، ألا فهل ينتظر بالبازل إلا النقصان! ألا فإنّ الإسلام قد بزل. ألا وإنّ قريشاً يريدون أن يتّخذوا مال الله معونات دون عباده، ألا فأما وابن الخطاب حيّ فلا؛ إني قائم دون شعب الحرّة، آخذ بحلاقيم قريش وحجزها أن يتهافتوا في النار.

وكتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: فلما ولي عثمان لم يأخذهم بالذي كان يأخذهم به عمر، فانساحوا في البلاد، فلما رأوها ورأوا الدنيا، ورآهم الناس، انقطع إليهم من لم يكن له طول ولا مزيّة في الإسلام؛ فكان مغموماً في الناس، وصاروا أوزاعاً إليهم وأمّلوهم، وقتدّموا في ذلك فقالوا: يملكون فنكون قد عرفناهم، وتقدّمنا في التقرّب والانقطاع إليهم، فكان ذلك أوّل وهنٍ دخل على الإسلام؛ وأوّل فتنة كانت في العامّة، ليس إلا ذلك.

وكتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو، عن الشعبيّ، قال: لم يمت عمر رضي الله عنه حتى ملّته قريش، وقد كان حصرهم بالمدينة، فامتنع عليهم، وقال: إنّ أخوف ما أخاف على هذه الأمة انتشاركم في البلاد؛ فإن كان الرجل ليستأذنه في الغزو - وهو ممن حبس بالمدينة من المهاجرين؛ ولم يكن فعل ذلك بغيرهم من أهل مكة - فيقول: قد كان في غزوك مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما يبلّغك؛ وخير لك من الغزو اليوم ألاّ ترى الدنيا ولا تراك، فلما ولي عثمان خلّى عنهم، فاضطربوا في البلاد، وانقطع إليهم الناس، فكان أحبّ إليهم من عمر.

كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن مبشر بن الفضيل، عن سالم بن عبد الله، قال: لما ولي عثمان حجّ سنواته كلها إلا آخر حجّة، وحجّ بأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلّم كما كان يصنع عمر؛ فكان عبد الرحمن بن عوف في موضعه؛ وجعل في موضع نفسه سعيد بن زيد؛ هذا في مؤخّر القطار، وهذا في مقدّمه، وأمن الناس؛ وكتب في الأمصار أن يوافيه العمّال في كلّ موسم ومن يشكونهم. وكتب إلى الناس إلى الأمصار؛ أن ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، ولا يذلّ المؤمن نفسه، فإني مع الضعيف على القويّ ما دام مظلوماً إن شاء الله. فكان الناس بذلك، فجرى ذلك إلى أن اتّخذه أقوامٌ وسيلةً إلى تفريق الأمة.

وكتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: لم تمض سنة من إمارة عثمان حتى اتّخذ رجال من قريش أموالاً في الأمصار، وانقطع إليهم الناس، وثبتوا سبع سنين، كلّ قوم يحبّون أن يليَ صاحبهم. ثم إنّ ابن السوداء أسلم، وتكلّم وقد فاضت الدنيا، وطلعت الأحداث على يديه، فاستطالوا عمر عثمان رضي الله عنه.

وكتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن عثمان بن حكيم ابن عبّاد بن حنيف، عن أبيه، قال: أوّل منكر ظهر بالمدينة حين فاضت الدّنيا، وانتهى وسع الناس طيران الحمام والرّمي على الجلاهقات، فاستعمل عليها عثمان رجلاً من بني ليث سنة ثمان، فقصّها وكسر الجلاهقات.

وكتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن عبد الله، عن عمرو بن شعيب، قال: أوّل من منع الحمام الطيّارة والجلاهقات عثمان؛ ظهرت بالمدينة فأمرّ عليها رجلاً، فمنعهم منها.

وكتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن سهل بن يوسف، عن القاسم بن محمد، عن أبيه نحواً منه؛ وزاد: وحدث بين الناس النّشو. قال: فأرسل عثمان طائفاً يطوف عليهم بالعصا، فمنعهم من ذلك، ثم اشتدّ ذلك فأفشى الحدود، ونبّأ ذلك عثمان، وشكاه إلى الناس، فاجتمعوا على أن يجلدوا في النبيذ، فأخذ نفر منهم فجلدوا.

وكتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن مبشّر بن الفضيل، عن سالم بن عبد الله، قال: لما حدثت الأحداث بالمدينة خرج منها رجال إلى الأمصار مجاهدين، وليدنوا من العرب؛ فمنهم من أتى البصرة، ومنهم من أتى الكوفة، ومنهم من أتى الشام، فهجموا جميعاً من أبناء المهاجرين بالأمصار على مثل ما حدث في أبناء المدينة إلاّ ما كان من أبناء الشام، فرجعوا جميعاً إلى المدينة إلاّ من كان بالشام، فأخبروا عثمان بخبرهم؛ فقام عثمان في الناس خطيباً، فقال: يا أهل المدينة؛ أنتم أصل الإسلام؛ وإنّما يفسد الناس بفسادكم، ويصلحون بصلاحكم؛ والله والله والله لا يبلغني عن أحد منكم حدث أحدثه إلاّ سيّرته؛ ألا فلا أعرفنّ أحداً عرض دون أولئك بكلام ولا طلب، فإنّ من كان قبلكم كانت تقطع أعضاؤهم دون أن يتكلم أحد منهم بما عليه ولا له. وجعل عثمان لا يأخذ أحداً منهم على شرّ أو شهر سلاح: عصاً فما فوقها إلاّ سيّره؛ فضجّ آباؤهم من ذلك حتى بلغه أنهم يقولون: ما أحدث التسيير إلاّ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم سيّر الحكم بن أبي العاص، فقال: إنّ الحكم كان مكيّاً، فسيّره رسول الله صلى الله عليه وسلّم منها إلى الطائف، ثم ردّه إلى بلده؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلّم سيّره بذنبه، ورسول الله صلى الله عليه وسلّم ردّه بعفوه. وقد سيّر الخليفة من بعده؛ وعمر رضي الله عنه من بعد الخليفة، وايمُ الله لآخذنّ العفو من أخلاقكم، ولأبذلنّه لكم من خلقي؛ وقد دنت أمور، ولا أحبّ أن تحلّ بنا وبكم؛ وأنا على وجلٍ وحذر، فاحذروا واعتبروا.

كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن عبد الله بن سعيد بن ثابت ويحيى بن سعيد، قالا: سأل سائل سعيد بن المسيّب عن محمد بن أبي حذيفة: ما دعاه إلى الخروج على عثمان؟ فقال: كان يتيماً في حجر عثمان، فكان عثمان والي أيتام أهل بيته؛ ومحتمل كلّهم؛ فسأل عثمان العمل حين وُلّيَ، فقال: يا بنيّ، لو كنت رضاً ثم سألتني العمل لاستعملتك، ولكن لست هناك! قال: فأذن لي فلأخرج فلأطلب ما يقوتني، قال: اذهب حيث شئت؛ وجهّزه من عنده، وحمله وأعطاه، فلما وقع إلى مصر كان فيمن تغيّر عليه أن منعه الولاية. قيل: فعمّار بن ياسر؟ قال: كان بينه وبين عباس بن عتبة بن أبي لهب كلام، فضربهما عثمان، فأورث ذاك بين آل عمّار وآل عتبة شراً حتى اليوم، وكنى عمّا ضربا عليه وفيه.

كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن عبد الله بن سعيد بن ثابت، قال: فسألت ابن سليمان بن أبي حثمة، فأخبرني أنه تقاذف.

كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن مبشّر، قال: سألت سالم بن عبد الله عن محمد بن أبي بكر: ما دعاه إلى ركوب عثمان؟ فقال: الغضب والطمع، قلت: ما الغضب والطمع؟ قال: كان من الإسلام بالمكان الذي هو به، وغرّه أقوام فطمع. وكانت له دالّة فلزمه حقّ، فأخذه عثمان من ظهره، ولم يدهن؛ فاجتمع هذا إلى هذا، فصار مذمّما بعد أن كان محمّدا.

كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن مبشّر، عن سالم بن عبد الله، قال: لما ولّيَ عثمان لان لهم، فانتزع الحقوق انتزاعاً، ولم يعطّل حقّاً، فأحبّوه على لينه، فأسلمهم ذلك إلى أمر الله عزّ وجلّ.

كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن سهل، عن القاسم، قال: كان مما أحدث عثمان فرضي به منه أنه ضرب رجلاً في منازعة استخفّ فيها بالعباس بن عبد المطلب، فقيل له، فقال: نعم، أيفخّم رسول الله صلى الله عليه وسلّم عمّه، وأرخّص في الاستخفاف به! لقد خالف رسول الله صلى الله عليه وسلّم من فعل ذلك، ومن رضي به منه.

كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن رزيق بن عبد الله الرازيّ، عن علقمة بن مرثد، عن حمران بن أبان؛ قال: أرسلني عثمان إلى العباس بعد ما بويع، فدعوته إليه، فقال: مالك تعبّدتني! قال: لم أكن قطّ أحوج إليك مني اليوم، قال: الزم خمساً؛ لا تنازعك الأمة خزائمها ما لزمتها، قال: وما هنّ؟ قال: الصبر عن القتل، والتحبّب، والصفح، والمداراة، وكتمان السرّ.

وذكر محمد بن عمر، قال: حدّثني ابن أبي سبرة، عن عمرو بن أميّة الضّمريّ، قال: إن قريشاً كان من أسنّ منهم مولعاً بأكل الخزيرة؛ وإني كنت أتعشّى مع عثمان خزيراً من طبخ من أجود ما رأيت قطّ، فيها بطون الغنم، وأدمها اللبن والسمن، فقال عثمان: كيف ترى هذا الطعام؟ فقلت: هذا أطيب ما أكلت قطّ، فقال: يرحم الله ابن الخطّاب! أكلت معه هذه الخزيرة قطّ؟ قلت: نعم؛ فكادت اللقمة تفرث في يدي حين أهوي بها إلى فمي؛ وليس فيها لحم؛ وكان أدمها السمن ولا لبن فيها. فقال عثمان: صدقت، إنّ عمر رضي الله عنه أتعب والله من تبع أثره؛ وإنه كان يطلب بثنيه عن هذه الأمور ظلفاً. أما والله ما آكله من مال المسلمين؛ ولكني آكله من مالي؛ أنت تعلم أني كنت أكثر قريش مالاً، وأجدّهم في التجارة؛ ولم أزل آكل من الطعام ما لان منه؛ وقد بلغت سنّاً فأحبّ الطعام إليّ ألينه؛ ولا أعلم لأحد عليّ في ذلك تبعةً.

قال محمد: وحدّثني ابن أبي سبرة، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر، قال: كنت أفطر مع عثمان في شهر رمضان؛ فكان يأتينا بطعام هو ألين من طعام عمر، قد رأيت على مائدة عثمان الدّرمك الجيّد وصغار الضأن كلّ ليلة؛ وما رأيت عمر قطّ أكل من الدقيق منخولا، ولا أكل من الغنم إلاّ مسانّها، فقلت لعثمان في ذلك، فقال: يرحم الله عمر! ومن يطيق ما كان عمر يطيق! قال محمد: وحدّثني عبد الملك بن يزيد بن السائب، عن عبد الله بن السائب، قال: أخبرني أبي، قال: أوّل فسطاط رأيته بمنىً فسطاط لعثمان، وآخر لعبد الله بن عامر بن كريز، وأوّل من زاد النداء الثالث يوم الجمعة على الزّوراء عثمان، وأوّل من نخل له الدقيق من الولاة عثمان رضي الله عنه.كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: بلغ عثمان أنّ ابن ذي الحبكة النّهديّ يعالج نيرنجاً - قال محمد بن سلمة: إنما هو نيرج - فأرسل إلى الوليد بن عقبة ليسأله عن ذلك؛ فإن أقرّ به فأوجعه، فدعا به فسأله، فقال: إنما هو رفق وأمر يعجب منه؛ فأمر به فعزّر، وأخبر الناس خبره، وقرأ عليهم كتاب عثمان: إنه قد جدّ بكم، فعليكم بالجدّ؛ وإياكم والهزّال؛ فكان الناس عليه؛ وتعجّبوا من وقوف عثمان على مثل خبره، فغضب، فنفر في الذين نفروا، فضرب معهم، فكتب إلى عثمان فيه، فلما سيّر إلى الشأم من سيّر، سيّر كعب بن ذي الحبكة ومالك ابن عبد الله - وكان دينه كدينه - إلى دنباوند؛ لأنها أرض سحرة، فقال في ذلك كعب بن ذي الحبكة للوليد:

لعرمي لئن طردتني ما إلـى الـتـي                   طمعت بها من سقطتـي لـسـبـيل
رجوت رجوعي يا بن أروى ورجعتي                   إلى الحقّ دهراً غـال ذلـك غـول
وإنّ اغترابي في البلاد وجـفـوتـي                    وشتمـي فـي ذات الإلـه قـلـيل
وإنّ دعـائي كـــلّ يوم ولـــيلة                           عليك بـدنـبـاونـدكـم لـطـويل

فلما ولي سعيد أقله، وأحسن إليه واستصلحه، فكفره، فلم يزدد إلا فساداً. واستعار ضابىء بن الحارث البرجميّ في زمان الوليد بن عقبة من قوم من الأنصار كلباً يدعى قرحان، يصيد الظباء، فحبسه عنهم، فنافره الأنصاريون، واستغاثوا عليه بقومه فكاثروه، فانتزعوه منه وردّوه على الأنصار، فهجاهم وقال في ذلك:

تحشّم دوني وفد قرحان خطةً                  تضلّ لها الوجناء وهي حسير
فباتوا شباعاً ناعمين كأنـمـا                    حباهم ببيت المرزبان أمـير
فكلبكم لا تتركوا فهو أمّـكـم                     فإنّ عقوق الأمّهات كـبـير

فاستعدوا عليه عثمان، فأرسل إليه، فعزّره وحبسه كما كان يصنع بالمسلمين، فاستثقل ذلك، فما زال في الحبس حتى مات فيه. وقال في الفتك يعتذر إلى أصحابه:

هممت ولم أفعل وكدت وليتنـي                 فعلت وولّيت البكـاء حـلائلـه
وقائلة قد مات في السجن ضابىء              ألا من لخصم لم يجد من يجادله!
وقائلة لا يبعـد الـلـه ضـابـئاً                       فنعم الفتى تخلو به وتحـاولـه
فلذلك صار عمير بن ضابىء سبئياً.
كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن المستنير، عن أخيه، قال: والله ما علمت ولا سمعت بأحد غزا عثمان رضي الله عنه، ولا ركب إليه إلاّ قتل؛ لقد اجتمع بالكوفة نفر، فيهم الأشتر وزيد بن صوحان وكعب ابن ذي الحبكة وأبو زينب وأبو مورّع وكميل بن زياد وعمير بن ضابىء، فقالوا: لا والله لا يرفع رأس مادام عثمان على الناس؛ فقال عمير بن ضابىء وكميل بن زياد: نحن نقتله. فركبا إلى المدينة؛ فأما عمير فإنه نكل عنه، وأما كميل بن زياد فإنه جسر وثاوره؛ وكان جالساً يرصده حتى أتى عليه عثمان، فوجأ عثمان وجهه، فوقع على استه، وقال: أوجعتني يا أمير المؤمنين! قال: أولست بفاتك! قال: لا والله الذي لا إله إلاّ هو؛ فحلف وقد اجتمع عليه الناس، فقالوا: نفتّشه يا أمير المؤمنين، فقال: لا، قد زرق الله العافية، ولا أشتهي أن أطّلع منه على غير ما قال. وقال: إن كان كما قلت يا كميل فاقتدْ منّي - وجثا - فوالله ما حسبتك إلاّ تريدني، وقال: إن كنت صادقاً فأجزل الله، وإن كنت كاذباً فأذلّ الله. وقعد له على قدميه وقال: دونك! قال: قد تركت. فبقيا حتى أكثر الناس في نجائهما، فلمّا قدم الحجّاج قال: من كان من بعث المهلّب فليواف مكتبه؛ ولا يجعل على نفسه سبيلا. فقام إليه عمير، وقال: إني شيخ ضعيف، ولي ابنان قويّان؛ فأخرج أحدهما مكاني أو كليهما، فقال: من أنت؟ قال: أنا عمير بن ضابىء، فقال: والله لقد عصيت الله عزّ وجلّ منذ أربعين سنة؛ ووالله لأنكلّنّ بك المسلمين، غضبت لسارق الكلب ظالماً، إنّ اباك إذ غل لهمّ؛ وإنّك هممت ونكلت، وإني أهمّ ثم لا أنكل. فضربت عنقه.

كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، قال: حدّثنا رجل من بني أسد، قال: كان من حديثه أنه كان قد غزا عثمان رضي الله عنه فيمن غزاه؛ فلما قدم الحجّاج ونادى بما نادى به، عرض رجل عليه ما عوض نفسه، فقبل منه، فلما ولّى قال أسماء بن خارجة: لقد كان شأن عمير مما يهمّني، قال: ومن عمير؟ قال: هذا الشيخ، قال:

ذكّرتني الطعن وكنت ناسياً

أليس فيمن خرج إلى عثمان؟ قال: بلى، قال: فهل بالكوفة أحد غيره؟ قال: نعم، كميل، قال: عليّ بعمير، فضرب عنقه، ودعا بكميل فهرب؛ فأخذ النّخع به، فقال له الأسود بن الهيثم: ما تريد من شيخ قد كفاكه الكبر! فقال: أما والله لتحبسنّ عني لسانك أو لأحسّنّ رأسك بالسيف. قال: أفعل. فلما رأى كميل ما لقي قومه من الخوف وهما ألفا مقاتل، قال: الموت خير من الخوف إذا أخيف ألفان من سبي وحرموا. فخرج حتى أتى الحجّاج، فقال له الحجّاج: أنت الذي أردت ثم لم يكشفك أمير المؤمنين، ولم ترض حتى أقعدته للقصاص إذ دفعك عن نفسه؟ فقال: على أيّ ذلك تقتلني! تقتلني على عفوه أو على عافيتي؟ قال: يا أدهم بن المحرز، اقتله؛ قال: والأجر بيني وبينك؟ قال: نعم، قال أدهم: بل الأجر لك؛ وما كان من إثم فعليّ. وقال مالك بن عبد الله - وكان من المسيّرين:

مضت لابن أروى في كميل ظلامة               عفاها له والـمـسـتـقـيد يلام
وقال له لا أقـبـح الـيوم مـثـلةً                      عليك أبا عـمـرو وأنـت إمـام
رويدك رأسي والذي نسكـت لـه                  قريش بنا على الكـبـير حـرام
وللعفو أمن يعرف الناس فضـلـه                   وليس علينا في القصـاص أثـام
ولو علم الفاروق ما أنت صـانـع                   نهى عنك نهياً لـيس فـيه كـلام

حدّثني عمر بن شبّة، قال: حدّثنا عليّ بن محمد، عن سحيم بن حفص، قال: كان ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب شريك عثمان في الجاهليّة، فقال العباس بن ربيعة لعثمان: اكتب لي إلى ابن عامر يسلفني مائة ألف؛ فكتب، فأعطاه مائة ألف وصله بها، وأقطعه داره؛ دار العباس ابن ربيعة اليوم.

وحدّثني عمر، قال: حدّثنا عليّ، عن إسحاق بن يحيى، عن موسى ابن طلحة، قال: كان لعثمان على طلحة خمسون ألفاً فخرج عثمان يوماً إلى المسجد، فقال له طلحة: قد تهيّأ مالك فاقبضه، قال: هو لك يا أبا محمد معونةً لك على مروءتك..

وحدّثني عمر، قال: حدّثنا عليّ، عن عبد ربّه، عن نافع، عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن حكيم بن جابر، قال: قال عليّ لطلحة: أنشدك الله إلاّ رددت الناس عن عثمان! قال: لا والله حتى تعطي بنو أمية الحقّ من أنفسها.

وحدّثني عمر، قال: حدّثنا عليّ، قال: حدثنا أبو بكر البكريّ، عن هشام بن حسان، عن الحسن؛ أنّ طلحة بن عبيد الله باع أرضاً له من عثمان بسبعمائة ألف، فحملها إليه، فقال طلحة: إنّ رجلا تتّسق هذه عنده وفي بيته لا يدري ما يطرقه من أمر الله عزّ وجلّ لغرير بالله سبحانه! فبات ورسوله يختلف بها في سكك المدينة يقسمها حتى أصبح، فأصبح وما عنده منها درهم. قال الحسن: وجاء هاهنا يطلب الدينار والدرهم - أو قال: الصفراء والبيضاء.

وحجّ بالناس في هذه السنة - أعني سنة خمس وثلاثين - عبد الله بن عباس بأمر عثمان إياه بذلك؛ حدّثني بذلك أحمد بن ثابت الرازيّ، عمّن حدّثه، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر.