المجلد الرابع - ذكر الخبر عن صفة عثمان

ذكر الخبر عن صفة عثمان

حدّثني زياد بن أيُّوب، قال: حدّثنا هشيم، قال: زعم أبو المقدام، عن الحسن بن أبي الحسن، قال: دخلت المسجد؛ فإذا أنا بعثمان رضي الله عنه متكئاً على ردائه، فنظرت إليه؛ فإذا رجل حسن الوجه؛ وإذا بوجهه نكتات من جدريّ؛ وإذا شعره قد كسا ذراعيه.

حدّثني الحارث، قال: حدّثنا ابن سعد، قال: حدّثنا محمد بن عمر، قال: سألت عمرو بن عبد الله بن عنبسة وعروة بن خالد بن عبد الله ابن عمرو بن عثمان وعبد الرحمن بن أبي الزّناد عن صفة عثمان، فلم أر بينهم اختلافاً، قالوا: كان رجلاً ليس بالقصير ولا بالطويل، حسن الوجه، رقيق البشرة، كثّ اللحية عظيمها؛ أسمر اللون، عظيم الكراديس؛ عظيم ما بين المنكبين، كثير شعر الرأس، يصفّر لحيته.

وحدّثني أحمد بن زهير، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا وهب بن جرير بن حازم، قال: سمعت أبي يقول: سمعت يونس بن يزيد الأيليّ، عن الزُّهريّ، قال: كان عثمان رجلاً مربوعاً، حسن الشعر، حسن الوجه، أصلع أروح الرّجلين.

ذكر الخبر عن وقت إسلامه وهجرته

حدّثني الحارث، قال: حدّثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: كان إسلام عثمان قديماً قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلّم دار الأرقم. قال: وكان ممن هاجر من مكة إلى أرض الحبشة الهجرة الأولى والهجرة الثانية، ومعه فيهما جميعاً امرأته رقيّة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلّم.


ذكر الخبر عما كان يكنى به عثمان بن عفان رضي الله عنه

حدّثني الحارث بن محمد، قال: حدّثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد ابن عمر أنّ عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يكنى في الجاهلية أبا عمرو، فلما كان في الإسلام ولد له من رقيّة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلّم غلام فسّماه عبد الله، واكتنى به، فكناه المسلمون أبا عبد الله؛ فبلغ عبد الله ستة سنين، فنقره ديك على عينه، فمرض فمات في جمادى الأولى سنة أربع من الهجرة، فصلّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ونزل في حفرته عثمان رضي الله عنه.

وقال هشام بن محمد: كان يكنى أبا عمرو.

ذكر نسبه

هو عثمان بن عفان بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصيّ. وأمه أروى ابنة كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصيّ، وأمّها أم حكيم بنت عبد المطلب.

ذكر أولاده وأزواجه

رقيّة وأم كلثوم ابنتا رسول الله صلى الله عليه وسلّم؛ ولدت له رقيّة عبد الله.

وفاختة ابنة غزوان بن جابر بن نسيب بن وهيب بن زيد بن مالك ابن عبد بن عوف بن الحارث بن مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر. ولدت له ابناً فسماه عبد الله؛ وهو عبد الله الأصغر، هلك.

وأمّ عمرو بنت جندب بن عمرو بن حممة بن الحارث بن رفاعة بن سعد بن ثعلبة بن لؤيّ بن عامر بن غنم بن دهمان بن منهب بن دوس، من الأزد؛ ولدت له عمراً وخالداً وأباناً وعمر ومريم.

وفاطمة ابنة الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ولدت له الوليد وسعيداً وأمَّ سعيد، بني عثمان.

وأمّ البنين بنتعيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاريّ؛ ولدت له عبد الملك بن عثمان، هلك.

ورملة ابنة شيبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصيّ؛ ولدت له عائشة وأمّ أبان وأمّ عمرو، بنات عثمان

ونائلة ابنة الفرافصة بن الأحوص بن عمرو بن ثعلبة بن الحارث بن حصن بن ضمضم بن عديّ بن جناب بن كلب؛ ولدت له مريم ابنة عثمان.

وقال هشام بن الكلبيّ: ولدت أمّ البنين بنت عيينة بن حصن لعثمان عبد الملك وعتبة. وقال أيضاً: ولدت نائلة عنبسة.

وزعم الواقديّ أن لعثمان ابنة تدعى أمّ البنين بنت عثمان من نائلة، قال: وهي التي كانت عند عبد الله بن يزيد بن أبي سفيان.

وقتل عثمان رضي الله عنه وعنده رملة ابنة شيبة ونائلة وأمّ البنين بنت عيينة وفاختة ابنة غزوان؛ غير أنه - فيما زعم عليّ بن محمد - طلَق أمّ البنين وهو محصور.

فهؤلاء أزواجه اللّواتي كنّ له في الجاهليّة والإسلام وأولاده: رجالهم ونساؤهم.

ذكر أسماء عمَّال عثمان
رضي الله عنه في هذه السنة على البلدان

قال محمد بن عمر: قتل عثمان رضي الله عنه وعمّاله على الأمصار - فيما حدّثني عبد الرحمن بن أبي الزّناد - على مكة عبد الله بن الحضرميّ، وعلى الطائف القاسم بن ربيعة الثَّقفيّ، وعلى صنعاء يعلي بن منية، وعلى الجند عبد الله بن أبي ربيعة، وعلى البصرة عبد الله بن عامر بن كريز - خرج منها فلم يولِّ عليها عثمان أحداً - وعلى الكوفة سعيد بن العاص - أخرج منها فلم يترك يدخلها - وعلى مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح - قدم على عثمان، وغلب محمد بنأبي حذيفة عليها. وكان عبد الله بن سعد استخلف على مصر السائب ابن هشام بن عمرو العامريّ، فأخرجه محمد بن أبي حذيفة - وعلى الشأم معاوية ابن ابي سفيان.

وفيما كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن أبي حارثة وأبي عثمان، قالا: مات عثمان رضي الله عنه وعلى الشأم معاوية، وعامل معاوية على حمص عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وعلى قنَّسرين حبيب بن مسلمة، وعلى الأردنّ أبو الأعور بن سفيان، وعلى فلسطين علقمة بن حكيم الكنانيّ، وعلى البحر عبد الله بن قيس الفزاريّ. وعلى القضاء أبو الدّرداء.

وتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن عطيّة، قال: مات عثمان رضي الله عنه وعلى الكوفة رضي الله عنه وعلى الكوفة، على صلاتها أبو موسى، وعلى خراج السَّواد جابر بن عمرو المزنيّ - وهو صاحب المسنَاة إلى جانب الكوفة - وسماك الأنصاريّ.

وعلى حربها القعقاع بن عمرو، وعلى قرقيسياء جرير بن عبد الله، وعلى أذربيجان الأشعث بن قيس، وعلى حلوان عتيبة بن النَّهَاس، وعلى ماه مالك بن حبيب، وعلى همذان النُّسير، وعلى الرّيّ سعيد بن قيس، وعلى إصبهان السائب بن الأقرع، وعلى ما سبذان حبيش، وعلى بيت المال عقبة ابن عمرو. وكان على قضاء عثمان يومئذ زيد بن ثابت.

ذكر بعض خطب عثمان رضي الله عنه

كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن القاسم بن محمد، عن عون بن عبد الله بن عتبة، قال: خطب عثمان الناس بعدما بويع، فقال: أمَّا مبعد؛ فإني قد حمِّلت وقد قبلت؛ ألا وإني متّبع ولست بمتبتدع؛ ألا وإنّ لكم عليّ بعد كتاب الله عزّ وجلّ وسنَّة نبيه صلى الله عليه وسلّم ثلاثاً: اتّباع من كان قبلي فيما اجتمعتم عليه وسننتم، وسنُّ سنة أهل الخير فيما لم تسنُّوا عن ملإ، والكفّ عنكم إلاّ فيما استوجبتم. ألا وإن الدنيا خضرة قد شهّيت إلى الناس، ومال إليها كثير منهم، فلا تركنوا إلى الدنيا ولا تثقوا بها، فإنها ليست بثقة، واعلموا أنها غير تاركة إلا من تركها.

وكتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن بدر بن عثمان، عن عمّه، قال: آخر خطبة خطبها عثمان رضي الله عنه في جماعة: إن الله عزّ وجلّ إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة، ولم يعطكموها لتركنوا إليها؛ إن الدنيا تفنى والآخرة تبقى، فلا تبطرنَّكم الفانية، ولا تشغلنَّكم عن الباقية، فآثروا ما يبقى على ما يفنى؛ فإنّ الدنيا منقطعة؛ وإنّ المصير إلى الله. اتّقوا الله جلّ وعزّ؛ فإن تقواه جنّة من بأسه، ووسيلة عنده؛ واحذروا من الله الغير، والزموا جماعتكم لا تصيروا أحزابا، "واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألَّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً".

إلى آخر القصّة.

ذكر الخبر عمَّن كان يصلّي بالناس

في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين حضر عثمان

قال محمد بن عمر: حدّثني ربيعة بن عثمان: جاء المؤذن، سعد القرظ إلى عليّ بن أبي طالب في ذلك اليوم، فقال: من يصلّي بالناس؟ فقال عليّ: ناد خالد بن زيد، فنادى خالد بن زيد، فصلّى بالناس - فإنه لأوّل يوم عرف أن أبا أيُّوب خالد بن زيد - فكان يصلّي بهم أياماً، ثم صلى عليّ بعد ذلك بالناس.

قال محمد: وحدّثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، قال: جاء المؤذّن إلى عثمان فآذنه بالصّلاة، فقال: لا أنزل أصلّي؛ اذهب إلى من يصلي. فجاء المؤذن إلى عليّ، فأمر سهل بن حنيف، فصلّى اليوم الذي حصر فيه عثمان الحصر الآخر؛ وهو ليلة رثى هلال ذي الحجّة، فصلى بهم؛ حتى إذا كان يوم العيد صلى عليّ العيد، ثم صلى بهم حتى قتل رضي الله عنه.
قال: وحدثني عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: لما حصر عثمان صلى بالناس أبو أيُّوب أياماً، ثم صلى بهم عليّ الجمعة والعيد، حتى قتل رضي الله عنه.

ذكر مائي به من الأشعار

ونقاول الشعراء بعد مقتله فيه؛ فمن مادح وهاج، فمن مادح وهاج، ومن نائح باك، ومن سار فرح؛ فكان ممّن يمدحه حسّان بن ثابت وكعب بن مالك الأنصاريّان وتميم بن أبيّ بن مقبل في آخرين غيرهم. مما مدحه به وبكاه حسان وهجا به قاتله:

أتركتم غزو الدُّروب وراءكـم               وغزوتمونا عند قبر محمَّـد!
فلبئس هدى المسلمين هديتـم      ولبئس أمر الفاجر المتعمِّـد!
إن تقدموا نجعل قرى سرواتكم         حول المدينة كلَّ لـين مـذود
أو تدبروا فلبئس مما سافرتـم           ولمثل أمر أميركم لم يرشـد
وكأن أصحاب النّبِّي عـشـيَّة             بدن تذبَّح عند باب المسـجـد
أبكى أبا عمرو لحسن بـلائه            أمسى مقيماً في بقيع الغرقد

وقال أيضاً:

إن تمس دار ابن أروى منه خاوية              باب صريع وباب محرق خـرب
فقد يصادف باغي الخير حاجـتـه              فيها ويهوى إليها الذِّكر والحسـب
يأيُّها الناس أبدوا ذات أنفـسـكـم             لا يستوي الصّدق عند الله والكذب
قوموا بحقِّ مليك الناس تعترفـوا             بغارة عصب من خلفها عصـب
فيهم حبيب شهاب الموت يقدمهـم        مستلئماً قال بدا في وجهه الغضب

وله فيه أشعار كثيرة. وقال كعب بن مالك الأنصاريّ:

يا للرِّجال للبِّك المخـطـوف                ولدمعك المترقرق المنزوف
ويح لأمر قـد أتـانـي رائع                   هدَّ الجبال فانقضت برجوف
قتل الخليفة كان أمراً مفظعاً             قامت لذاك بليَّة التـخـويف
قتل الإمام له النجوم خواضع             والشمس بازغة له بكسوف
يا لهف نفسي إذ تولَّوا غـدوة             بالنعش فوق عواتق وكتوف!

ولَّوا ودلَّوا في الضَّريح أخاهـم                ماذا أجنَّ ضريحه المسقـوف!
من نائل أو سـودد وحـمـالة                  سبقت له في الناس أو معروف
كم من يتيم كان جبر عظـمـه                أمسى بمنزله الضَّياع يطـوف
مازال يقبلهم ويرأب ظلمـهـم                حتى سمعت برنَّة التَّلـهـيف
أمسى مقيماً بالبقيع وأصبحـوا              متفرِّقين قد أجمعوا بخـفـوف
النار موعدهم بقتل إمـامـهـم                عثمان ظهرا في البلاد عفيف
النار موعدهم بقتل إمـامـهـم                عثمان ظهراً في البلاد، عفيف
جمع الحمالة بعد حلـم راجـح                والخير فيه مبـيَّن مـعـروف
يا كعب لا تنفك تبكي مالـكـاً                  ما دمت حيّاً في البلاد تطـوف
فأبكى أبا عمرو عتيقاً واصـلاً                  ولواءهم إذ كان غير سخـيف
وليبكه عند الحفاظ لمـعـظـم                  والخيل بين مقانب وصفـوف
قتلوك يا عثمان غير مـدنَّـس                   قتلاً لعمرك واقفاً بـسـقـيف

وقال حسَّان:

من سرَّه الموت صرفاً لا مزاج له                 فليأت مأسدة في دار عثـمـانـا
مستشعري حلق الماذيّ قد شفعت          قبل المخاطيم بيض زان أبـدانـا
صبراً فدىً لكم أميّ ومـا ولـدت                  قد ينفع الصَّبر في المكروه أحياناً
فقد رضينا أهل الـشـأم نـافـرة                   وبالأمير وبـالإخـوان إخـوانـا
إنِّي لمنهم وإن غابوا وإن شهـدوا               ما دمت حيّاً وما مّيت حـسَّـانـا
لتسمعنَّ وشـيكـاً فـي ديارهـم                  الله أكبر يا ثـارات عـثـمـانـا
يا ليت شعري وليت الطير تخبرني               ما كان شأن علي وابن عفـانـا!

وقال الوليد بن عقبة بن أبي معيط يحرّض عمارة بن عقبة:

ألا إنَّ خير الناس بـعـد ثـلاثة              قتيل التُّجيبيّ الذي جاء من مصر
فإن يك ظنِّي بابن أمِّي صـادقـاً          عمارة لا يطلب بذحل ولا وتـر
يبيت وأوتار ابن عفـان عـنـده             مخيمة بين الخورنق والقصـر

فأجابه الفضل بن عباس:

أتطلب ثأراً لـسـت مـنـه ولا لـه            وأين ابن ذكوان الصَّفوريّ من عمرو!
كما اتَّصلت بنت الحـمـار بـأمِّـهـا          وتنسى أباها إذ تسامى أولى الفـخـر
ألا إنَّ خير النـاس بـعـد مـحـمَّـد          وصلىّ النَّبيّ المصطفى عند ذي الذِّكر
وأوَّل من صـلّـى وصـنـو نـبـيّه             وأوَّل من أردى الغـواة لـدى بـدر
فلو رأت الأنصار ظلم ابن عـمِّـكـم         لكانوا له من ظلمه حاضري النَّصـر
كفى ذاك عيباً أن يشيروا بـقـتـلـه         وأن يسلموه للأحابيش مـن مـصـر

وقال الحباب بن يزيد المجاشعيّ، عمّ الفرزدق:

لعمر أبيك فلا تجـز عـن             لقد ذهب الخير إلاّ قـلـيلاً
لقد سفه الناس في دينـهـم     وخلى ابن عفان شرّاً طويلاً
أعاذل كلُّ امرىء هـالـك             فسيرى إلى الله سيراً جميلاً