ثم دخلت سنة ستّ وثلاثين
تفريق عليّ عمّاله على الأمصار
ولمّا دخلت سنة ستّ وثلاثين فرّق عليّ عمّاله؛ فممّا كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: بعث عليّ عماله على الأمصار، فبعث عثمان بن حنيف على البصرة، وعمارة بن شهاب على الكوفة، وكانت له هجرة؛ وعبيد الله بن عباس على اليمن، وقيس بن سعد على مصر، وسهل بن حنيف على الشأم؛ فأمّا سهل فإنه خرج حتى إذا كان بتبوك لقيته خيل، فقالوا: من أنت؟ قال: أمير، قالوا: على أيّ شيء؟ قال: على الشأم، قالوا: إن كان عثمان بعثك فحيّهلاً بك، وإن كان بعثك غيره فارجع! قال: أوما سمعتم بالذي كان؟ قالوا: بلى؛ فرجع إلى عليّ. وأما قيس بن سعيد فإنه لما انتهى إلى أيلة لقيته خيل، فقالوا: من أنت؟ قال: من فالّة عثمان، فأنا أطلب من آوى إليه وأنتصر به، قالوا: من أنت؟ قال: قيس بن سعد، قالوا: امض؛ فمضى حتى دخل مصر، فافترق أهل مصر فرقاً؛ فرقة دخلت في الجماعة وكانوا معه، وفرقة وقفت واعتزلت إلى خربتا وقالوا: إن قتل قتلة ععثمان فنحن معكم، وإلاّ فنحن على جديلتنا حتى نحرّك أو نصيب حاجتنا؛ وفرقة قالوا: نحن مع عليّ ما لم يقد إخواننا، وهم في ذلك مع الجماعة؛ وكتب قيس إلى أمير المؤمنين بذلك. وأمّا عثمان بن حنيف فسار فلم يردّه أحد عن دخول البصرة ولم يوجد في ذلك لابن عامر رأي ولا حزم ولا استقلال بحرب. وافترق الناس بها، فاتّبعت فرقة القوم، ودخلت فرقة في الجماعة، وفرقة قالت: ننظر ما يصنع أهل المدينة فنصنع كما صنعوا. وأما عمارة فأقبل حتى إذا كان بزبالة لقيه طليحة بن خويلد؛ وقد كان حين بلغهم خبر عثمان خرج يدعو إلى الطلب بدمه ويقول:
لهفي على أمر لم يسبقني ولم أدركه!
يا ليتني فيها جذع أكر فيها وأضع
فخرج حين رجع القعقاع من إغاثة عثمان فيمن أجابه حتى دخل الكوفة، فطلع عليه عمارة قادماً على الكوفة، فقال له: ارجع فإنّ القوم لا يريدون بأميرهم بدلاً، وإن أبيت ضربت عنقك. فرجع عمارة وهو يقول: احذر الخطر ما يماسّك، الشر خير من شرّ منه.
فرجع إلى عليّ بالخبر. وغلب على عمارة بن شهاب هذا المثل من لدن اعتاصت عليه الأمور إلى أن مات. وانطلق عبيد الله بن عباس إلى اليمن، فجمع يعلى بن أميّة كلّ شيء من الجباية وتركه وخرج بذلك وهو سائر على حاميته إلى مكة فقدمها بالمال. ولما رجع سهل بن حنيف من طريق الشأم وأتته الأخبار ورجع من رجع، دعا عليّ طلحة والزّبير، فقال: إنّ الذّي كنت أحذّركم قد وقع يا قوم، وإنّ الأمر الذي وقع لا يدرك إلا بإماتته، وإنها فتنة كالنار؛ كلّما سعّرت ازدادت واستنارت. فقالا له: فأذن لنا أن نخرج من المدينة، فإمّا أن نكابر وإما أن تدعنا، فقال: سأمسك الأمر ما استمسك؛ فإذا لم أجد بدّاً فآخر الدواء الكيّ.
وكتب إلى معاوية وإلى أبي موسى. وكتب إليه أبو موسى بطاعة أهل الكوفة وبيعتهم، وبيّن الكاره منهم للّذي كان، والرّاضي بالذي قد كان، ومن بين ذلك حتى كأن عليّاً على المواجهة من أمر أهل الكوفة. وكان رسول عليّ إلى أبي موسى معبد الأسلميّ؛ وكان رسول أمير المؤمنين إلى معاوية سبرة الجهنيّ، فقدم عليه فلم يكتب معاوية بشيء ولم يجبه وردّ رسوله، وجعل كلما تنجّز جوابه لم يزد على قوله:
أدم إدامة حـصـن أو خـداً بــيدي
حرباً ضروساً تشبّ عالجزل والضّرما
في جاركم وابنكم إذ كان مـقـتـلـه
شنعاء شيّبت الأصداغ والـلّـمـمـا
أعيا المسود بهـا والـسّـيّدون فـلـم
يوجد لها غيرنا مولىً ولا حـكـمـا
وجعل الجهنيّ كلما تنجّز الكتاب لم يزده على هذه الأبيات؛ حتى إذا كان الشّهر الثالث من مقتل عثمان في صفر، دعا معاوية برجل من بني عبس، ثم أحد بني رواحة يدعى قبيصة، فدفع إليه طوماراً مختوماً، عنوانه: من معاوية إلى عليّ. فقال: إذا دخلت المدينة فاقبض على أسفل الطّومار، ثمّ أوصاه بما يقول وسرّح رسول عليّ. وخرجا فقدما المدينة في ربيع الأوّل لغرّته، فلما دخلا المدينة رفع العبسيّ الطّومار، ففضّ خاتمه فلم يجد في جوفه كتابةً، فقال للرّسول: ما وراءك؟ قال: آمن أنا؟ قال: نعم، إنّ الرّسل آمنة لا تقتل؛ قال: ورائي أني تركت قوماً لا يرضون إلا بالقود، قال: ممن؟ قال: من خيط نفسك، وتركت ستين ألف شيخ يبكي تحت قميص عثمان وهو منصوب لهم، قد ألبسوه منبر دمشق. فقال: منّي يطلبون دم عثمان! ألست موتوراً كترة عثمان! اللهمّ إني أبرأ إليك من دم عثمان؛ نجا والله قتلة عثمان إلاّ أن يشاء الله، فإنّه إذا أراد أمراً أصابه؛ اخرج؛ قال: وأنا آمن؟ قال: وأنت آمن. فخرج العبسيّ وصاحت السّبئيّة قالوا: هذا الكلب، هذا وافد الكلاب، اقتلوه! فنادى: يا آل مضر، يا آل قيس، الخيل والنّبل، إني أحلف بالله جلّ اسمه ليردّنّها عليكم أربعة آلاف خصيّ، فانظروا كم الفحولة والرّكاب! وتعاووا عليه ومنعنه مضر، وجعلوا يقولون له: اسكت، فيقول: لا والله، لا يفلح هؤلاء أبداً، فلقد أتاهم ما يوعدون. فيقولون له: اسكت، فيقول: لقد حلّ بهم ما يحذرون، انتهت والله أعمالهم، وذهبت ريحهم، فوالله ما أمسوا حتى عرف الذلّ فيهم.
استئذان طلحة والزبير عليّاً
كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: استأذن طلحة والزّبير عليّاً في العمرة، فأذن لهما، فلحقا بمكة؛ وأحبّ أهل المدينة أن يعلموا ما رأى عليّ في معاوية وانتقاضه، ليعرفوا بذلك رأيه في قتال أهل القبلة؛ أيجسر عليه أو ينكل عنه! وقد بلغهم أنّ الحسن بن عليّ دخل عليه ودعاه إلى القعود وترك النّاس، فدسّوا إليه زياد بن حنظلة التميميّ - وكان منقطعاً إلى عليّ - فدخل عليه فجلس إليه ساعةً ثمّ قال له عليّ: يا زياد، تيسّر؛ فقال: لأيّ شيء؟ فقال: تغزو الشأم، فقال زياد: الأناة والرفق أمثل، فقال:
ومن لا يصانع في أمور كثيرة يضرّس بأنياب ويوطأ بمنسـم
فتمثّل عليّ وكأنه لا يريده:
متى تجممع القلب الذّكيّ وصارماً وأنفاً حميّاً تجتنبك الـمـظـالـم
فخرج زياد على النّاس والناس ينتظرونه، فقالوا: ما وراءك؟ فقال: السّيف يا قوم، فعرفوا ما هو فاعل. ودعا عليٌّ محمد بن الحنفيّة فدفع إليه اللواء، وولّى عبد الله بن عباس ميمنته، وعمر بن أبي سلمة - أو عمرو بن سفيان بن عبد الأسد - ولاّه ميسرته، ودعا أبا ليلى بن عمر بن الجرّاح؛ ابن أخي أبي عبيدة بن الجرّاح، فجعله على مقدّمته، واستخلف على المدينة قثم بن عبّاس، ولم يولّ ممن خرج على عثمان أحداً، وكتب إلى قيس بن سعد أن يندب الناس إلى الشأم، وإلى عثمان بن حنيف وإلى أبي موسى مثل ذلك، وأقبل على التهيّؤ والتجهّز، وخطب أهل المدينة فدعاهم إلى النهوض في قتال أهل الفرقة، وقال: إنّ الله عزّ وجلّ بعث رسولاً هادياً مهديّاً بكتاب ناطق وأمر قائم واضح؛ لا يهلك عنه إلا هالك، وإنّ المبتدعات والشبهات هنّ المهلكات إلاّ من حفظ الله، وإنّ في سلطان الله عصمة أمركم، فأعطوه طاعتكم غير ملويّة ولا مستكره بها، والله لتفعلنّ أو لينقلنّ الله عنكم سلطان الإسلام ثمّ لا ينقله إليكم أبداً حتى يأرز الأمر إليها، انهضوا إلى هؤلاء القوم الذين يريدون يفرّقون جماعتكم، لعلّ الله يصلح بكم ما أفسد أهل الآفاق، وتقضون الذي عليكم. فبينا هم كذلك إذ جاء الخبر عن أهل مكة بنحو آخر وتمام على خلاف، فقام فيهم بذلك؛ فقال: إنّ الله عزّ وجلّ جعل لظالم هذه الأمة العفو والمغفرة، وجعل لمن لزم الأمر واستقام الفوز والنّجاة، فمن لم يسعه الحقّ أخذ بالباطل. ألا وإنّ طلحة والزّبير وأمّ المؤمنين قد تمالئوا على سخط إمارتي، ودعوا النّاس إلى الإصلاح، وسأصبر ما لم أخف على جماعتكم، وأكفّ إن كفّوا، وأقتصر على ما بلغني عنهم.
ثمّ أتاه أنهم يريدون البصرة لمشاهدة النّاس والإصلاح، فتعبّى للخروج إليهم، وقال: إن فعلوا هذا فقد انقطع نظام المسلمين وما كان عليهم في المقام فينا مؤونة ولا إكراه. فاشتدّ على أهل المدينة الأمر، فتثاقلوا، فبعث إلى عبد الله بن عمر كميلا النّخعيّ، فجاء به فقال: انهض معي، فقال: أنا مع أهل المدينة، إنما أنا رجل منهم وقد دخلوا في هذا الأمر فدخلت معهم لا أفارقهم، فإن يخرجوا أخرج وإن يقعدوا أقعد. قال: فأعطني زعيماً بألاّ تخرج، قال: ولا أعطيك زعيماً، قال: لولا ما أعرف من سوء خلقك صغيراً وكبيراً لأنكرتني، دعوه فأنا به زعيم. فرجع عبد الله بن عمر إلى المدينة وهم يقولون: لا والله ما ندري كيف نصنع، فإنّ هذا الأمر لمشتبه علينا، ونحن مقيمون حتى يضيء لنا ويسفر.
فخرج من تحت ليلته وأخبر أمّ كلثوم بنت عليّ بالذي سمع من أهل المدينة، وأنه يخرج معتمراً مقيماً على طاعة عليّ ما خلا النهوض؛ وكان صدوقاً فاستقرّ عندها؛ وأصبح عليّ فقيل له: حدث البارحة حدث هو أشدّ عليك من طلحة والزبير وأمّ المؤمنين ومعاوية. قال: وما ذلك؟ قال: خرج ابن عمر إلى الشّأم؛ فأتى عليّ السوق ودعا بالظّهر فحمل الرّجال وأعدّ لكل طريق طلاّباً. وماج أهل المدينة، وسمعت أمّ كلثوم بالذي هو فيه، فدعت ببغلتها فركبتها في رحل ثمّ أتت علياً وهو واقف في السوف يفرّق الرّجال في طلبه، فقالت: مالك لا تزنّد من هذا الرّجل؟ إنّ الأمر على خلاف ما بلّغته وحدّثته. قالت: أنا ضامنة له، فطابت نفسه وقال: انصرفوا، لا والله ما كذبت ولا كذب، وإنه عندي ثقة فانصرفوا.
كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: ولما رأى عليّ من أهل المدينة ما رأى لم يرض طاعتهم حتى يكون معها نصرته، قام فيهم وجمع إليه وجوه أهل المدينة، وقال: إنّ آخر هذا الأمر لا يصلح إلاّ بما صلح أوّله، فقد رأيتم عواقب قضاء الله عزّ وجلّ على من مضى منكم، فانصروا الله ينصركم ويصلح لكم أمركم. فأجابه رجلان من أعلام الأنصار؛ أبو الهيثم بن التّيّهان - وهو بدريّ - وخزيمة بن ثابت؛ وليس بذي الشهادتين؛ مات ذو الشهادتين في زمن عثمان رضي الله عنه.
كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن
محمد، عن عبيد الله، عن الحكم، قال: قيل له: أشهد خزيمة بن ثابت ذو
الشّهادتين الجمل؟ فقال: ليس به، ولكنّه غيره من الأنصار؛ مات ذو الشهادتين
في زمان عثمان بن عفان رضي الله عنه.
كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن مجالد، عن الشعبيّ، قال: بالله الذّي
لا إله إلاّ هو؛ ما نهض في تلك الفتنة إلاّ ستّة بدريّين ما لهم سابع، أو
سبعة ما لهم ثامن.
كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو بن محمد، عن الشعبيّ، قال: بالله الذّي لا إله إلاّ هو ما نهض في ذلك الأمر إلاّ ستة بدرّيين ما لهم سابع. فقلت: اختلفتما. قال: لم نختلف، إنّ الشّعبيّ شكّ في أبي أيوب: أخرج حيث أرسلته أمّ سلمة إلى عليّ بعد صفين، أم لم يخرجّ إلاّ أنه قدم عليه فمضى إليه، وعليّ يومئذ بالنّهروان.
كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن عبد الله بن سعيد ابن ثابت، عن رجل، عن سعيد بن زيد، قال: ما اجتمع أربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم ففازوا على الناس بخير يحوزونه إلاّ وعليّ بن أبي طالب أحدهم.
ثم إنّ زياد بن حنظلة لما رأى تثاقل الناس عن عليّ ابتدر إليه وقال: من تثاقل عنك فإنا نخفّ معك ونقاتل دونك. وبينما عليٌّ يمشي في المدينة إذ سمع زينب ابنة أبي سفيان وهي تقول: ظلامتنا عند مدمّم وعند مكحلة، فقال: إنها لتعلم ما همّا لها بثأر.
كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة؛ أن عثمان قتل في ذي الحجة لثمان عشرة خلت منه، وكان على مكة عبد الله بن عامر الحضرميّ. وعلى الموسم يومئذ عبد الله بن عباس، بعثه عثمان وهو محصور، فتعجّل أناس في يومين فأدركوا مع ابن عباس، فقدموا لامدينة بعد ما قتل وقبل أن يبايع عليّ، وهرب بنو أميّة فلحقوا بمكة، وبويع عليّ لخمس بقين من ذي الحجّة يوم الجمعة؛ وتساقط الهرّاب استخبرتهم فأخبروها أن قد قتل عثمان رضي الله عنه ولم يجبهم إلى التأمير أحد؛ فقالت عائشة رضي الله عنها: ولكن أكياس، هذا غبّ ما كان يدور بينكم من عتاب الاستصلاح؛ حتى إذا قضت عمرتها وخرجت فانتهت إلى سرف لقيها رجل من أخوالها من بني ليث - وكانت واصلة لهم، رفيقة عليهم - يقال له عبيد بن أبي سلمة يعرف بأمّه أمّ كلاب، فقالت: مهيم! فأصمّ ودمدم، فقالت: ويحك! علينا أو لنا؟ فقال: لا تدري، قتل عثمان وبقوا ثمانياً، قالت: ثمّ صنعوا ماذا؟ فقال: أخذوا أهل المدينة بالاجتماع على عليّ، والقوم الغالبون على المدينة. فرجعت إلى مكة وهي لاتقول شيئاً ولا يخرج منها شيء، حتى نزلت على باب المسجد وقصدت للحجر فستّرت فيه، واجتمع الناس إليها فقالت: يأيّها الناس، إنّ الغوغاء من أهل الأمصار وأهل المياه وعبيد أهل المدينة اجتمعوا أن عاب الغوغاء على هذا المقتول بالأمس الإرب واستعمال من حدثت سنّه، وقد استعمل أسنانهم قبله، ومواضع من مواضع الحمى حماها لهم، وهي أمور قد سبق بها لا يصلح غيرها، فتابعهم ونزع لهم عنها استصلاحاً لهم، فلما لم يجدوا حجّةً ولا عذراً خلجوا وبادوا بالعدوان ونبا فعلهم عن قولهم؛ فسفكوا الدّم الحرام واستحلّوا البلد الحرام وأخذوا المال الحرام، واستحلّوا الشهر الحرام. والله لإصبع عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم. فنجاة من اجتماعكم عليهم حتى ينكل بهم غيرهم ويشرّد من بعدهم، ووالله لو أن الّذي اعتدّوا به عليه كان ذنباً لخلّص منه كما يخلص الذّهب من خبثه أو الثّوب من درنه إذ ماصوه كما يماص الثوب بالماء. فقال عبد الله بن عامر الحضرميّ: هأنذا لها أوّل طالب - وكان أوّل مجيب ومنتدب.
حدّثني عمر بن شبّة، قال: حدّثنا أبو
الحسن المدائنيّ، قال: حدّثنا سحيم مولى وبرة التميميّ، عن عبيد بن عمرو
القرشيّ، قال: خرجت عائشة رضي الله عنها وعثمان محصور، فقدم عليها مكّة رجل
يقال له أخضر، فقالت: ما صنع الناس؟: فقال: قتل عثمان المصريين، قالت: إنا
لله وإنا إليه راجعون! أيقتل قوماً جاءوا يطلبون الحقّ وينكرون الظلم!
والله لا نرضى بهذا. ثمّ قدم آخر فقالت: ما صنع الناس؟ قال: قتل المصرّيون
عثمان، قالت: العجب لأخضر، زعم أنّ المقتول هو القاتل!. فكان يضرب به
المثل: "أكذب من أخضر".
كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو بن محمد، عن الشعبيّ، قال: خرجت
عائشة رضي الله عنها نحو المدينة من مكّة بعد مقتل عثمان، فلقيها رجل من
أخوالها، فقالت: ما وراءك؟ قال: قتل عثمان واجتمع الناس على عليّ، والأمر
أمر الغوغاء. فقالت: ما أظنّ ذلك تامّاً ردّوني. فانصرفت راجعة إلى مكة،
حتى إذ دخلتها أتاها عبد الله ابن عامر الحضرميّ - وكان أمير عثمان عليها -
فقال: ما ردّك يا أمّ المؤمنين؟ قالت: ردّني أنّ عثمان قتل مظلوماً، وأنّ
الأمر لا يستقيم ولهذه الغوغاء أمر، فاطلبوا بدم عثمان تعزّوا الإسلام.
فكان أوّل من أجابها عبد الله بن عامر الحضرميّ، وذلك أوّل ما تكلمت بنو
أميّة بالحجاز ورفعوا رءوسهم، وقام معهم سعيد بن العاص، والوليد بن عقبة،
وسائر بني أميّة. وقد قدم عليهم عبد الله بن عامر من البصرة؛ ويعلى بن
أميّة من اليمن، وطلحة والزّبير من المدينة، واجتمع ملؤهم بعد نظر طويل في
أمرهم على البصرة، وقالت: أيّها الناس، إنّ هذا حدث عظيم وأمر منكر،
فانهضوا فيه إلى إخوانكم من أهل البصرة فأنكروه، فقد كفاكم أهل الشأم ما
عندهم، لعلّ الله عزّ وجلّ يدرك لعثمان وللمسلمين بثأرهم.
كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: كان أوّل من أجاب إلى ذلك عبد الله بن عامر وبنو أميّة؛ وقد كانوا سقطوا إليها بعد مقتل عثمان، ثم قدم عبد الله بن عامر، ثمّ قدم يعلى بن أميّة، فاتّفقا بمكة، ومع يعلى ستمائة بعير وستمائة ألف، فأناخ بالأبطح معسكراً؛ وقدم معهما طلحة والزّبير، فلقيا عائشة رضي الله عنها، فقالت: ما وراءكما؟ فقالا: وراءنا أنا تحملنا بقلّيّتنا هرّاباً من المدينة من غوغاء وأعراب، وفارقنا قوماً حيارى لا يعرفون حقّاً ولا ينكرون باطلاً ولا يمنعون أنفسهم. قالت: فائتمروا أمراً؛ ثمّ انضهوا إلى هذه الغوغاء. وتمثّلت:
ولو أنّ قومي طاوعتني سراتهم لأنقذتهم من الحبال أو الخبـل
وقال القوم فيما ائتمروا به: الشأم. فقال عبد الله بن عامر: قد كفاكم الشأم من يستمرّ في حوزته، فقال له طلحة والزّبير: فأين؟ قال: البصرة، فإنّ لي بها صنائع ولهم في طلحة هولاً، قالوا: قبحك الله! فوالله ما كنت بالمسالم ولا بالمحارب، فهلاّ أقمت كما أقام معاوية فنكتفي بك، ونأتي الكوفة فنسدّ على هؤلاء القوم المذاهب! فلم يجدوا عنده جواباً مقبولاً، حتى إذا استقام لهم الرّأي على البصرة قالوا: يا أمّ المؤمنين، دعي المدينة فإنّ من معنا لا يقرنون لتلك الغوغاء التي بها، واشخصي معنا إلى البصرة، فإنّا نأتي بلداَ مضيّعاً، وسيحتجةن علينا فيه ببيعة عليّ بن أبي طالب فتنهضينهم كما أنهضت أهل مكّة ثم تقعدين، فإن أصلح الله الأمر كان الذي تريدين، وإلاّ احتسبنا ودفعنا عن هذا الأمر بجهدنا حتى يقضي الله ما أراد.
فلما قالوا ذلك لها - ولم يكن ذلك مستقيماً إلاّ بها - قالت: نعم؛ وقد كان أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلّم معها على قصد المدينة، فلمّا تحوّل رأيها إلى البصرة تركن ذلك؛ وانطلق القوم بعدها إلى حفصة، فقالت: رأيي تبعٌ لرأي عائشة؛ حتى إذا لم يبق إلاّ الخروج قالوا: كيف نستقلّ وليس معنا مال نجهّز به الناس! فقال يعلى بن أميّة: معي ستمائة ألف وستمائة بعير فاركبوها؛ وقال ابن عامر: معي كذا وكذا فتجهّزوا به. فنادى المنادي: إنّ أمّ المؤمنين وطلحة والزّبير شاخصون إلى البصرة، فمن كان يريد إعزاز الإسلام وقتال المحلّين والطلب بثأر عثمان ومن لم يكن عنده مركب ولم يكن له جهاز فهذا جهاز وهذه نفقة، فحملوا ستمائة رجل على ستمائة ناقة سوى من كان له مركب - وكانوا جميعاً ألفا - وتجهّزوا بالمال، ونادوا بالرّحيل واستقلّوا ذاهبين. وأرادت حفصة الخروج فأتاها عبد الله بن عمر فطلب إليها أن تقعد، فقعدت وبعثت إلى عائشة: أن عبد الله حال بيني وبين الخروج، فقالت: يغفر الله لعبد الله! وبعثت أمّ الفضل بنت الحارث رجلاً من جهينة يدعى ظفراً، فاستأجرته على أن يطوي ويأتي عليّاً بكتابها، فقدم على عليّ بكتاب أمّ الفضل بالخبر.حدّثني عمر بن شبّة، قال: حدّثنا عليّ، عن أبي مخنف، قال: حدّثنا عبد الله بن عبد الرّحمن بن أبي عمرة، عن أبيه، قال: قال أبو قتادة لعليّ: يا أمير المؤمنين، إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قلّدني هذا السيف وقد شمته فطال شيمه، وقد أنَى تجريده على هؤلاء القوم الظالمين الذين لم يألوا الأمّة غشّاً، فإن أحببت أن تقدّمني، فقدّمني. وقامت أمّ سلمة فقال: يا أمير المؤمنين، لولا أن أعصي الله عزّ وجلّ وأنك لا تقبله منّي لخرجت معك؛ وهذا ابني عمر - والله لهو أعزّ عليّ من نفسي - يخرج معك فيشهد مشاهدك. فخرج لم يزل معه، واستعمله على البحرين ثم عزله، واستعمل النّعمان بن عجلان الزّرقيّ.
حدّثني عمر، قال: حدّثنا أبو الحسن، قال: حدّثنا مسلمة، عن عوف، قال: أعان يعلى بن أميّة الزّبير بأربعمائة ألف، وحمل سبعين رجلاً من قريش، وحمل عائشة رضي الله عنها على جمل يقال له عسكر، أخذه بثمانين ديناراً، وخرجوا. فنظر عبد الله بن الزّبير إلى البيت؛ فقال: ما رأيت مثلك بركة طالب خير، ولا هارب من شرّ.
كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمّد وطلحة، قالا: خرج المغيرة وسعيد بن العاص معهم مرحلةً من مكّة، فقال سعيد للمغيرة: ما الرّأي؟ قال: الرّأي والله الاعتزال، فإنّهم ما يفلح أمرهم، فإن أظفره الله أتيناه، فقلنا: كان هوانا وصغونا معك؛ فاعتزلا فجلسا، فجاء سعيد مكة فأقام بها، ورجع معهما عبد الله بن خالد بن أسيد.
حدّثني أحمد بن زهير، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا وهب بن جرير بن حازم، قال: سمعت أبي، قال: سمعت يونس بن يزيد الأيلي، عن الزّهريّ، قال: ثمّ ظهرا - يعني طلحة والزّبير - إلى مكة بعد قتل عثمان رضي الله عنه بأربعة أشهر وابن عامر بها يجرّ الدّنيا، وقدم يعلى بن أميّة معه بمال كثير، وزيادة على أربعمائة بعير، فاجتمعوا في بيت عائشة رضي الله عنها فأرادوا الرّأي، فقالوا: نسير إلى عليّ فنقاتله، فقال بعضهم: ليس لكم طاقة بأهل المدينة، ولكنّا نسير حتى ندخل البصرة والكوفة، ولطلحة بالكوفة شيعةٌ وهوىً، وللزّبير بالبصرة هوىً ومعونة. فاجتمع رأيهم على أن يسيروا إلى ابصرة وإلى الكوفة، فأعطاهم عبد الله بن عامر مالاً كثيراً وإبلا، فخرجوا في سبعمائة رجل من أهل المدينة ومكة، ولحقهم الناس حتى كانوا ثلاثة آلاف رجل، فبلغ عليّاً مسيرهم، فأمّر على المدينة سهل ابن حنيف الأنصاريّ، وخرج فسار حتى نزل ذاقار، وكان مسيره إليها ثمان ليال، ومعه جماعة من أهل المدينة.
حدّثني أحمد بن منصور، قال: حدّثني يحيى بن معين، قال: حدّثنا هشام بن يوسف قاضي صنعاء، عن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزّبير، عن موسى بن عقبة، عن علقمة بن وقّاص الليثيّ، قال: لما خرج طلحة والزّبير وعائشة رضي الله عنههم عرضوا الناس بذات عرق، واستصغروا عروة بن الزّبير وأبا بكر بن عبد الرّحمن بن الحارث بن هشام فردّوهما.
حدّثني عمر بن شبّة، قال: حدّثنا أبو الحسن، قال: أخبرنا أبو عمرو، عن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، قال: لقي سعيد بن العاص مروان بن الحكم وأصحابه بذات عرق، فقال: أين تذهبون وثأركم على أعجاز الإبل! اقتلوهم ثمّ ارجعوا إلى منازلكم لا تقتلوا أنفسكم؛ قالوا: بل نسير فلعلّنا نقتل قتلة عثمان جميعاً. فخلا سعيد بطلحة والزّبير، فقال: إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟ أصدقاني؛ قالا: لأحدنا أيّنا اختاره الناس. قال: بل اجعلوه لولد عثمان فإنكم خرجتم تطلبون بدمه، قالا: ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم! قال: أفلا أراني أسعى لأخرجها من بني عبد مناف. فرجع ورجع عبد الله بن خالد بن أسيد، فقال المغيرة بن شعبة: الرّأي ما رأى سعيد، من كان ها هنا من ثقيف فليرجع؛ فرجع ومضى القوم، معهم أبان بن عثمان والوليد بن عثمان، فاختلفوا في الطريق فقالوا: من ندعو لهذا الأمر؟ فخلا الزّبير بابنه عبد الله، وخلا طلحة بعلقمة بن وقّاص الليثيّ - وكان يؤثره على ولده - فقال أحدهما: ائت الشأم، وقال الآخر: ائت العراق، وحاور كلّ واحد منهما صاحبه ثم اتّفقا على البصرة.
كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن قيس، عن الأغرّ، قال: لما اجتمع إلى مكّة بنو أميّة ويعلى بن منية وطلحة والزّبير، ائتمروا أمرهم، وأجمع ملؤهم على الطلب بدم عثمان وقتال السبئيّة حتى يثأروا وينتقموا؛ فأمّرتهم عائشة رضي الله عنها بالخروج إلى المدينة، واجتمع القوم على البصرة وردّوها عن رأيها، وقال لها طلحة والزّبير: إنا نأتي أرضاً قد أضيعت وصارت إلى عليّ، وقد أجبرنا عليّ على بيعته، وهم محتجّون علينا بذلك وتاركو أمرنا إلاّ أن تخرجي فتأمري بمثل ما أمرت بمكة، ثمّ ترجعي. فنادى المنادي: إن عائشة تريد البصرة وليس في ستمائة بعير ما تغنون به غوغاء وجلبة الأعراب وعبيداً قد انتشروا وافترشوا أذرعهم مسعدين لأوّل واعية. وبعثت إلى حفصة، فأرادت الخروج، فعزم عليها ابن عمر فأقامت؛ فخرجت عائشة ومعها طلحة والزّبير، وأمّرت على الصّلاة عبد الرحمن بن عتّاب بن أسيد، فكان يصلّي بهم في الطريق وبالبصرة حتى قتل، وخرج معها مروان وسائر بني أميّة إلاّ من خشع، وتيامنت عن أوطاس؛ وهم ستمائة راكب سوى من كانت له مطيّة، فتركت الطّريق ليلةً وتيامنت عنها كأنهم سيّارة ونجعة، مساحلين لم يدن من المنكدر ولا واسط ولا فلج منهم أحد، حتّى أتوا البصرة في عام خصيب. وتمثّلت:
دعي بلاد جموع الظّلم إذ صلحت
فيها
المياه وسيري سير مذعور
تخيّري النّبت فارعي ثمّ ظاهـرة
وبطن واد من الضّمّار ممطور
حدّثني عمر، قال: حدّثنا أبو الحسن، عن عمر بن راشد اليماميّ، عن أبي كثير السّحيميّ، عن ابن عباس، قال: خرجد أصحاب الجمل في ستمائة، معهم عبد الرّحمن بن أبي بكرة وعبد الله بن صفوان الجمحيّ، فلما جاوزا بئر ميمون إذا هم بجزور قد نحرت ونحرها ينثعب، فتطيّروا. وأذّن مروان حين فصل من مكة ثمّ جاء حتى وقف عليهما، فقال: أيّكما أسلّم بالإمرة وأؤذّن بالصّلاة؟ فقال عبد الله بن الزّبير: على أبي عبد الله، وقال محمد بن طلحة: على أبي محمد. فأرسلت عائشة رضي الله عنها إلى مروان فقالت: مالك؟ أتريد أن تفرّق أمرنا! ليصلّ ابن أختي، فكان يصلّي بهم عبد الله بن الزّبير حتى قدم البصرة، فكان معاذ بن عبيد الله يقول: والله لو ظفرنا لافتتنّا ما خلّى الزّبير بين طلحة والأمر، ولا خلّى طلحة بين الزّبير والأمر.
خروج عليّ إلى الرّبذة يريد البصرة
كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن سهل بن يوسف، عن القاسم بن محمد، قال: جاء عليّاً الخبر عن طلحة والزّبير وأمّ المؤمنين، فأمّر على المدينة تمّام بن العباس، وبعث إلى مكّة قثم بن العباس، وخرج وهو يرجو أن يأخذهم بالطريق وأراد أن يعترضهم، فاستبان له بالرّبذة أن قد فاتوه، وجاءه بالخبر عطاء بن رئاب مولى الحارث بن حزن.
كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: بلغ عليّاً الخبر - وهو بالمدينة - باجتماعهم على الخروج إلى البصرة وبالّذي اجتمع عليه ملؤهم؛ طلحة والزّبير وعائشة ومن تبعهم، وبلغه قول عائشة، وخرج عليّ يبادرهم في تعبيته التي كان تعبّى بها إلى الشام، وخرج معه من نشط من الكوفيّين والبصريّين متخفّفين في سبعمائة رجل، وهو يرجو أن يدركهم فيحول بينهم وبين الخروج، فلقيه عبد الله بن سلام فأخذ بعنانه، وقال: يا أمير المؤمنين، لا تخرج منها؛ فوالله لئن خرجت منها لا ترجع إليها ولا يعود إليها سلطان المسلمين أبداً. فسبّوه، فقال: دعو الرّجل؛ فنعم الرّجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلّم! وسار حتى انتهى إلى الرّبذة فبلغه ممرّهم، فأقام حين فاتوه يأتمر بالرّبذة.
كتب إليّ السريّ، عن شعيب، عن سيف، عن خالد بن مهران البجليّ، عن مروان بن عبد الرحمن الخميسيّ، عن طارق بن شهاب، قال: خرجنا من الكوفة معتمرين حين أتانا قتل عثمان رضي الله عنه، فلما انتهينا إلى الرّبذة - وذلك في وجه الصّبح - إذا الرّفاق وإذا بعضهم يحدو بعضاً، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: أمير المؤمنين، فقلت: ما له؟ قالوا: غلبة طلحة والزّبير، فخرج يعترض لهم ليردّهما، فبلغه أنهما قد فاتاه، فهو يريد أن يخرج في آثارهما، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون! آتي عليّاً فأقاتل معه هذين الرّجلين وأمّ المؤمنين أو أخالفه! إنّ هذا لشديد. فخرجت فأتيته، فأقيمت الصّلاة بغلس، فتقدّم فصلّى، فلما انصرف أتاه ابنه الحسن فجلس فقال: قد أمرتك فعصيتني، فتقتل غداً بمضيعة لا ناصر لك، فقال عليّ: إنك لا تزال تخنّ خنين الجارية! وما الّذي أمرتني فعصيتك؟ قال: أمرتك يوم أحيط بعثمان رضي الله عنه أن تخرج من المدينة فيقتل ولست بها، ثمّ أمرتك يوم قتل ألا تبايع حتى يأتيك وفود أهل الأمممصار والعرب وبيعة كلّ مصر، ثمّ أمرتك حين فعل هذان الرّجلان مما فعلا أن تجلس في بيتك حتى يصطلحوا، فإن كان الفساد كان على يدي غيرك؛ فعصيتني في ذلك كله. قال: أي بنيّ، أمّا قولك: لو خرجت من الممدينة حين أحيط بعثمان؛ فولله لقد أحيط بنا كما أحيط به. وأما قولك: لا تبايع حتى تأتي بيعة الأمصار، فإنّ الأمر أمر أهل المدينة، وكرهنا أن يضيع هذا الأمر. وأما قولك حين خرج طلحة والزّبير، فإنّ ذلك كان وهناً على أهل الإسلام، ووالله ما زلت مقهوراً مذ وليت، منقوصاً لا أصل إلى شيء مما ينبغي. وأما قولك: اجلس في بيتك، فكيف لي بما قد لزمني! أو من تريدني؟ أتريد أن أكون مثل الضبع التي يحاطب ها ويقال: دباب دباب! ليست ها هنا حتى يحلّ عرقوباها ثم تخرج؛ وإذا لم أنظر فيما لزمني من هذا الأمر ويعنيني فمن ينظر فيه! فكفّ عنك أي بنيّ.