ثم دخلت سنة إحدى وأربعين
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
فمما كان فيها من ذلك تسليم الحسن بن علي رضي الله عنه الأمر إلى معاوية ودخول معاوية الكوفة، وبيعة أهل الكوفة معاوية بالخلافة.
ذكر الخبر بذلك: حدثني عبد الله بن أحمد المروزي، قال: أخبرني أبي، قال: حدثنا سليمان، قال: حدثني عبد الله، عن يونس، عن الزهري، قال: بايع أهل العراق الحسن بن علي بالخلافة، فطفق يشترط عليهم الحسن: إنكم سامعون مطيعون، تسالمون من سالمت، وتحاربون من حاربت، فارتاب أهل العراق في أمرهم حين اشترط عليهم هذا الشرط، وقالوا: ما هذا لكم بصاحب، وما يريد هذا القتال؛ فلم يلبث الحسن رضي الله عنه بعد ما بايعوه إلا قليلاً حتى طعن طعنةً أشوته، فازداد لهم بغضاً، وازداد منهم ذعراً، فكاتب معاوية، وأرسل إليه بشروط، قال: إن أعطيتني هذا فأنا سامع مطيع، وعليك أن تفي لي به. وقعت صحيفة الحسن في يد معاوية، وقد أرسل معاوية قبل هذا إلى الحسن بصحيفة بيضاء، مختوم على أسفلها، وكتب إليه أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت فهو لك.
فلما أتت الحسن اشترط أضعاف الشروط التي سأل معاوية قبل ذلك، وأمسكها عنده، وأمسك معاوية صحيفة الحسن رضي الله عنه التي كتب إليه يسأله ما فيها، فلما التقى معاوية والحسن رضي الله عنه، سأله الحسن أن يعطيه الشروط التي شرط في السجل الذي ختم معاوية في أسفله، فأبى معاوية أن يعطيه ذلك، فقال: لك ما كنت كتبت إلي أو لا تسألني أن أعطيكه، فإني قد أعطيتك حين جاءني كتابك. قال الحسن رضي الله عنه: وأنا قد اشترطت حين جاءني كتابك، وأعطيتني العهد على الوفاء بما فيه. فاختلفا في ذلك، فلم ينفذ للحسن رضي الله عنه من الشروط شيئاً، وكان عمرو بن العاص حين اجتمعوا بالكوفة قد كلم معاوية، وأمره أن يأمر الحسن أن يقوم ويخطب الناس، فكره ذلك معاوية، وقال: ما تريد إلى أن يخطب الناس! فقال عمرو: لكني أريد أن يبدو وعيه للناس؛ فلم يزل عمرو بمعاوية حتى أطاعه، فخرج معاوية فخطب الناس، ثم أمر رجلاً فنادى الحسن بن عليٍّ رضي الله عنه؛ فقال: قم يا حسن فكلم الناس، فتشهد في بديهة أمرٍ لم يرو فيه، ثم قال: أما بعد، يأيها الناس، فإن الله قد هداكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا، وإن لهذا الأمر مدة، والدنيا دول، وإن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: "وإن أدري لعله فتنةٌ لكم ومتاعٌ إلى حين"؛ فلما قالها قال معاوية: اجلس، فلم يزل ضرماً على عمرو، وقال: هذا من رأيك. ولحق الحسن رضي الله عنه بالمدينة.
حدثني عمر، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: سلم الحسن بن علي رضي الله عنه إلى معاوية الكوفة، ودخلها معاوية لخمس بقين من ربيع الأول، ويقال من جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين.
ذكر خبر الصلح بين معاوية وقيس بن سعد وفي
هذه السنة جرى الصلح بين معاوية وقيس بن سعد بعد امتناع قيس من بيعته.
ذكر الخبر بذلك:
حدثني عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني سليمان ابن الفضل، قال: حدثني عبد الله، عن يونس، عن الزهري، قال: لما كتب عبيد الله بن عباس حين علم ما يريد الحسن من معاوية من طلب الأمان لنفسه إلى معاوية يسأله الأمان، ويشترط لنفسه على الأموال التي قد أصاب، فشرط ذلك له معاوية، بعث إليه معاوية ابن عامر في خيلٍ عظيمة، فخرج إليهم عبيد الله ليلاً حتى لحق بهم، ونزل وترك جنده الذي هو عليه لا أمير لهم، فيهم قيس بن سعد، واشترط الحسن رضي الله عنه لنفسه، ثم بايع معاوية، وأمرت شرطة الخميس قيس بن سعد على أنفسهم، وتعاهدوا هو وهم على قتال معاوية حتى يشترط لشيعة علي رضي الله عنه ولمن كان اتبعه على أموالهم ودمائهم. وما أصابوا في الفتنة؛ فخلص معاوية حين فرغ من عبيد الله ابن عباس والحسن رضي الله عنه إلى مكايدة رجل هو أهم الناس عنده مكايدةً، ومعه أربعون ألفاً، وقد نزل معاوية بهم وعمرو وأهل الشأم، وأرسل معاوية إلى قيس بن سعد يذكره الله ويقول: على طاعة من تقاتل، وقد بايعني الذي أعطيته طاعتك؟ فأبى قيس أن يلين له، حتى أرسل إليه معاوية بسجلٍّ قد ختم عليه في أسفله، فقال: اكتب في هذا السجل ما شئت، فهو لك. قال عمرو لمعاوية: لا تعطه هذا، وقاتله، فقال معاوية: على رسلك! فإنا لا نخلص إلى قتل هؤلاء حتى يقتلوا أعدادهم من أهل الشأم، فما خير العيش بعد ذلك! وإني والله لا أقاتله أبداً حتى لا أجد من قتاله بداً. فلما بعث إيه معاوية بذلك السجل اشترط قيس فيه له ولشيعة علي الأمان على ما أصابوا من الدماء والأموال، ولم يسأل معاوية في سجله ذلك مالاً، وأعطاه معاوية ما سأل، فدخل قيس ومن معه في طاعته، وكانوا يعدون دهاة الناس حين ثارت الفتنة خمسة رهط، فقالوا: ذوو رأي العرب ومكيدتهم: معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وقيس بن سعد؛ ومن المهاجرين عبد الله بن بديل الخزاعي؛ وكان قيس وابن بديل مع علي رضي الله عنه، وكان المغيرة بن شعبة وعمرو مع معاوية، إلا أن المغيرة كان معتزلاً بالطائف حتى حكم الحكمان، فاجتمعوا بأذرح.
وقيل: إن الصلح تم بين الحسن رضي الله عنه ومعاوية في هذه السنة في شهر ربيع الآخر، ودخل معاوية الكوفة في غرة جمادى الأولى من هذه السنة، وقيل: دخلها في شهر ربيع الآخر، وهذا قول الواقدي.
دخول الحسن والحسين المدينة منصرفين من الكوفة
وفي هذه السنة دخل الحسن والحسين ابنا علي
رضي الله عنه منصرفين من الكوفة إلى المدينة.
ذكر الخبر بذلك:
ولما وقع الصلح بين الحسن رضي الله عنه
وبين معاوية بمسكن، قام - فيما حدثت عن زياد البكائي، عن عوانة - خطيباً في
الناس فقال: يا أهل العراق، إنه سخي بنفسي عنكم ثلاث: قتلكم أبي، وطعنكم
إياي، وانتهابكم متاعي. قال: ثم إن الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر خرجوا
بحشمهم وأثقالهم حتى أتوا الوفة، فلما قدمها الحسن وبرأ من جراحته، خرج إلى
مسجد الكوفة فقال: يا أهل الكوفة، اتقوا الله في جيرانكم وضيفانكم، وفي أهل
بيت نبيكم صلى الله عليه وسلم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
فجعل الناس يبكون، ثم تحملوا إلى المدينة. قال: وحال أهل البصرة بينه وبين
خراج دارابجرد؛ وقالوا: فيئنا، فلما خرج إلى المدينة تلقاه ناسٌ بالقادسية
فقالوا: يا مذل العرب! ذكر خروج الخوارج على معاوية وفيها خرجت الخوارج
التي اعتزلت أيام علي رضي الله عنه بشهرزور على معاوية.
ذكر خبرهم:
حدثت عن زياد، عن عوانة، قال: قدم معاوية قبل أن يبرح الحسن من الكوفة حتى نزل النخيلة، فقالت الحرورية الخمسمائة التي كانت اعتزلت بشهرزور مع فروة بن نوفل الأشجعي: قد جاء الآن ما لا شك فيه، فسيروا إلى معاوية فجاهدوه. فأقبلوا وعليهم فروة بن نوفل حتى دخلوا الكوفة، فأرسل إليهم معاوية خيلاً من خيل أهل الشأم، فكشفوا أهل الشأم، فقال معاوية لأهل الكوفة: لا أمان لكم والله عندي حتى تكفوا بوائقكم؛ فخرج أهل الكوفة إلى الخوارج فقاتلوهم، فقالت لهم الخوارج: ويلكم! ما تبغون منا! أليس معاوية عدونا وعدوكم! دعونا حتى نقاتله، وإن أصبناه كنا قد كفيناكم عدوكم، وإن أصابنا كنتم قد كفيتمونا، قالوا: لا والله حتى نقاتلكم؛ فقالوا: رحم الله إخواننا من أهل النهر، هم كانوا أعلم بكم يا أهل الكوفة. وأخذت أشجع صاحبهم فروة بن نوفل - وكان سيد القوم - واستعملوا عليهم عبد الله بن أبي الحر - رجلاً من طيىء - فقاتلوهم، فقتلوا، واستعمل معاوية عبد الله بن عمرو بن العاص على الكوفة، فأتاه المغيرة بن شعبة وقال لمعاوية: استعملت عبد الله بن عمرو على الكوفة وعمراً على مصر، فتكون أنت بين لحيى الأسد! فعزل عبد الله، واستعمل المغيرة بن شعبة على الكوفة، وبلغ عمراً ما قال المغيرة لمعاوية، فدخل عمرو على معاوية فقال: استعملت المغيرة على الكوفة؟ فقال: نعم؛ فقال: أجعلته على الخراج؟ فقال: نعم؛ قال: تستعمل المغيرة على الخراج فيغتال المال، فيذهب فلا تستطيع أن تأخذ منه شيئاً؛ استعمل على الخراج فيغتال المال، فيذهب فلا تستطيع أن تأخذ منه شيئاً؛ استعمل على الخراج من يخافك ويهابك ويتقيك. فعزل المغيرة عن الخراج، واستعمله على الصلاة، فلقي المغيرة عمراً فقال: أنت المشير على أمير المؤمنين بما أشرت به في عبد الله؟ قال: نعم؛ قال: هذه بتلك؛ ولم يكن عبد الله بن عمرو بن العاص مضى فيما بلغني إلى الكوفة ولا أتاها.
ذكر ولاية بسر بن أبي أرطاة على البصرة
وفي هذه السنة غلب حمران بن أبان على البصرة، فوجه إليه معاوية بسراً، أمره
بقتل بني زياد.
ذكر الخبر عما كان من أمره في ذلك:
حدثني عمر بن شبة، قال: حدثني علي بن محمد، قال: لما صالح الحسن بن علي رضي الله عنه معاوية أول سنة إحدى وأربعين، وثب حمران ابن أبان على البصرة فأخذها، وغلب عليها، فأراد معاوية أن يبعث رجلاً من بني القين إليها، فكلمه عبيد الله بن عباس ألا يفعل ويبعث غيره، فبعث بسر بن أبي أرطاة، وزعم أنه أمره بقتل بني زياد.
فحدثني مسلمة بن محارب، قال: أخذ بعض بني زياد فحبسه - وزياد يومئذ بفارس، كان علي رضي الله عنه بعثه إليها إلى أكراد خرجوا بها، فظفر بهم زياد، وأقام بإصطخر - قال: فركب أبو بكرة إلى معاوية وهو بالكوفة، فاستأجل بسراً، فأجله أسبوعاً ذاهباً وراجعاً، فسار سبعة أيام، فقتل تحته دابتين، فكلمه، فكتب معاوية بالكف عنهم.
قال: وحدثني بعض علمائنا؛ أن أبا بكرة أقبل في اليوم السابع وقد طلعت الشمس، وأخرج بسر بني زياد ينتظر بهم غروب الشمس ليقتلهم إذا وجبت، فاجتمع الناس لذلك وأعينهم طامحة ينتظرون أبا بكرة، إذ رفع علم على نجيب أو برذون يكده ويجهده، فقام عليه، فنزل عنه، وألاح بثوبه، وكبر وكبر الناس، فأقبل يسعى على رجليه حتى أدرك بسراً قبل أن يقتلهم، فدفع إليه كتاب معاوية، فأطلقهم.
حدثني عمر، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: خطب بسر على منبر البصرة، فشتم علياً رضي الله عنه، ثم قال: نشدت الله رجلاً علم أني صادق إلا صدقني، أو كاذب إلا كذبني! قال: فقال أبو بكرة: اللهم إنا لا نعلمك إلا كاذباً؛ قال: فأمر به فخنق، قال: فقام أبو لؤلؤة الضبي فرمى بنفسه عليه، فمنعه، فأقطعه أبو بكرة بعد ذلك مائة جريب. قال: وقيل لأبي بكرة: ما أردت إلىما صنعت! قال: أيناشدنا بالله ثم لا نصدقه! قال: فأقام بسر بالبصرة ستة أشهر، ثم شخص لا نعلمه ولى شرطته أحداً.
حدثني أحمد بن زهير، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: أخبرني سليمان بن بلال، عن الجارود بن أبي سبرة، قال: صالح الحسن رضي الله عنه معاوية، وشخص إلى المدينة، فبعث معاوية بسر بن أبي أرطاة إلى البصرة في رجب سنة إحدى وأربعين وزياد متحصن بفارس، فكتب معاوية إلى زياد: إن في يديك مالاً من مال الله، وقد وليت ولاية فأد ما عندك من المال. فكتب إليه زياد: إنه لم يبق عندي شيء من المال، وقد صرفت ما كان عندي في وجهه، واستودعت بعضه قوماً لنازلة إن نزلت، وحملت ما فضل إلى أمير المؤمنين رحمة الله عليه. فكتب إليه معاوية: أن أقبل إلي ننظر فيما وليت، وجرى على يديك، فإن استقام بيننا أمرٌ فهو ذاك، وإلا رجعت إلى مأمنك؛ فلم يأته زياد، فأخذ بسر بني زياد الأكابر منهم، فحبسهم: عبد الرحمن، وعبيد الله، وعباداً، وكتب إلى زياد: لتقدمن على أمير المؤمنين أو لأقتلن بنيك. فكتب إليه زياد: لست بارحاً من مكاني الذي أنا به حتى يحكم الله بيني وبين صاحبك، فإن قتلت من في يديك من ولدي فالمصير إلى الله سبحانه، ومن ورائنا وورائكم الحساب، "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون". فهم بقتلهم، فأتاه أبو بكرة فقال: أخذت ولدي وولد أخي غلماناً بلا ذنب، وقد صالح الحسن معاوية على أمان أصحاب علي حيث كانوا، فليس لك على هؤلاء ولا على أبيهم سبيل؛ قال: إن على أخيك أموالاً قد أخذها فامتنع من أدائها؛ قال: ما عليه شيء، فاكفف عن بني أخي حتى آتيك بكتاب من معاوية بتخليتهم. فأجله أياماً، قال له: إن أتيتني بكتاب معاوية بتخليتهم وإلا قتلتهم أو يقبل زيادٌ إلى أمير المؤمنين؛ قال: فأتى أبو بكرة معاوية فكلمه في زياد وبنيه، وكتب معاوية إلى بسر بالكف عنه وتخلية سبيلهم، فخلاهم.
حدثني أحمد بن زهير، قال: حدثنا علي، قال: أخبرني شيخٌ من ثقيف، عن بسر بن عبيد الله، قال: خرج أبو بكرة إلى معاوية بالكوفة فقال له معاوية: يا أبا بكرة، أزائراً جئت أم دعتك إلينا حاجة؟ قال: لا أقول باطلاً، ما أتيت إلا في حاجة! قال: تشفع يا أبا بكرة ونرى لك بذلك فضلاً، وأنت لذلك أهل، فما هو؟ قال: تؤمن أخي زياداً، وتكتب إلى بسر بتخلية ولده وبترك التعرض لهم؛ فقال: أما بنو زياد فنكتب لك فيهم ما سألت؛ وأما زياد ففي يده مالٌ للمسلمين، فإذا أداه فلا سبيل لنا عليه؛ قال: يا أمير المؤمنين، إن يكن عنده شيء فليس يحبسه عنك إن شاء الله. فكتب معاوية لأبي بكرة إلى بسر ألا يتعرض لأحد من ولد زياد، فقال معاوية لأبي بكرة: أتعهد إلينا عهداً يا أبا بكرة؟ قال: نعم، أعهد إليك يا أمير المؤمنين أن تنظر لنفسك ورعيتك، وتعمل صالحاً فإنك قد تقلدت عظيماً، خلافة الله في خلقه، فاتق الله فإن لك غاية لا تعدوها، ومن ولاائك طالب حثيث، فأوشك أن تبلغ المدى، فيلحق الطالب، فتصير إلى من يسألك عما كنت فيه، وهو أعلم به منك، وإنما هي محاسبة وتوقيف، فلا تؤثرن على رضا الله عز وجل شيئاً.
حدثني أحمد، قال: حدثنا علي، عن سلمة بن عثمان، قال: كتب بسر إلى زياد: لئن لم تقدم لأصلبن بنيك. فكتب إليه: إن تفعل فأهل ذلك أنت، إنما بعث بك ابن آكلة الأكباد. فركب أبو بكرة إلى معاوية، فقال: يا معاوية، إن الناس لم يعطوك بيعتهم على قتل الأطفال، قال: وما ذاك يا أبا بكرة؟ قال: بسر يريد قتل أولاد زياد، فكتب معاوية إلى بسر: أن خل من بيدك من ولد زياد.
وكان معاوية قد كتب إلى زياد بعد قتل علي رضي الله عنه يتوعده. فحدثني عمر بن شبة، قال: حدثني علي، عن حبان بن موسى، عن المجالد، عن الشعبي، قال: كتب معاوية حين قتل علي رضي الله عنه إلى زياد يتهدده، فقام خطيباً فقال: العجب من ابن آكلة الأكباد، وكهف النفاق، ورئيس الأحزاب؛ كتب إلي يتهددني وبيني وبينه ابنا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني ابن عباس والحسن بن علي - في تسعين ألفاً، واضعي سيوفهم على عواتقهم، لا ينثنون، لئن خلص إلي الأمر ليجدني أحمز ضراباً بالسيف. فلم يزل زياد بفارس والياً حتى صالح الحسن رضي الله عنه معاوية، وقدم معاوية الكوفة، فتحصن زيادٌ في القلعة التي يقال لها قلعة زياد.
ولاية عبد الله بن عامر البصرة
وحرب سجستان وخراسان
وفي هذه السنة ولى معاوية عبد الله بن عامر البصرة وحرب سجستان وخراسان.
ذكر الخبر عن سبب ولاية ذلك وبعض الكائن في أيام عمله لمعاوية بها حدثني أبو زيد، قال: حدثنا علي قال: أراد معاوية توجيه عتبة ابن أبي سفيان على البصرة، فكلمه ابن عامر وقال: إن لي بها أموالاً وودائع، فإن لم توجهني عليها ذهبت. فولاه البصرة، فقدمها في آخر سنة إحدى وأربعين وإليه خراسان وسجستان، فأراد زيد بن جبلة على ولاية شرطته فأبى، فولى حبيب بن شهاب الشامي شرطته - وقد قيل: قيس ابن الهيثم السلمي - واستقضى عميرة بن يثربي الضبي، أخا عمرو بن يثربي الضبي.
حدثني أبو زيد، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: خرج في ولاية ابن عامر لمعاوية يزيد مالك الباهلي، وهو الخطيم، وإنما سمي الخطيم لضربة أصابته على وجهه - فخرج هو وسهم بن غالب الهجيمي فأصبحوا عند الجسر، فوجدوا عبادة بن قرص الليثي أحد بني بجير - وكانت له صحبة - يصلي عند الجسر، فأنكروه فقتلوه، ثم سألوه الأمان بعد ذلك، فآمنهم ابن عامر، وكتب إلى معاوية: قد جعلت لهم ذمتك. فكتب إليه معاوية: تلك ذمةٌ لو أخفرتها لا سئلت عنها، فلم يزالوا آمنين حتى عزل ابن عامر.
وفي هذه السنة ولد علي بن عبد الله بن عباس - وقيل: ولد في سنة أربعين قبل أن يقتل علي رضي الله عنه، وهذا قول الواقدي.
وحج بالناس في هذه السنة عتبة بن أبي سفيان في قول أبي معشر، حدثني بذلك أحمد بن ثابت عمن حدثه، عن إسحاق بن عيسى، عنه.
وأما الواقدي فإنه ذكر عنه أنه كان يقول: حج بالناس في هذه السنة - أعني سنة إحدى وأربعين - عنبسة بن أبي سفيان.