المجلد السادس - ذكر الخبر عن أمر المختار مع قتلة الحسين بالكوفة

ذكر الخبر عن أمر المختار مع قتلة الحسين بالكوفة

قال أبو جعفر: وفي هذه السنة وثب المختار بمن كان بالكوفة من قتلةالحسين و المشايعين على قتله، فقتل من قدر عليه منهم، وهرب من الكوفةبعضهم، فلم يقدر عليه.

ذكر الخبر عن سبب وثوبه بهم وتسمية من قتل منهم ومن هرب فلم يقدر عليه منهم: وكان سبب ذلك - فيما ذكره هشام بن محمد، عن عوانة بن الحكم- أن مروان بن الحكم لما استوسقت له الشأم بالطاعة، بعث جيشين أحدهما إلى الحجاز عليه حبيش بن دلجة القيني- وقد ذكرنا أمره وخبر مهلكه قبل -والآخر منهما إلى العراق عليهم عبيد الله بن زياد- وقد ذكرنا ما كان من أمره وأمر التوابين من الشيعة بعين الوردة- وكان مروان جعل لعبيد الله بن زياد إذ وجهه إلى العراق ما غلب عليه، وأمره أن ينهب الكوفة إذا هوظفر بأهلها ثلاثاً. قال عوانة: فمر بأرض الجزيرة فاحتبس بها وبها قيس عيلان علىطاعة ابن الزبير، وقد كان مروان أصاب قيساً يوم مرج راهط وهم مع الضحاك بن قيس مخالفين على مروان، وعلى ابنه عبد الملك من بعده،فلم يزل عبيد الله مشغلا بهم عن العراق نحواً من سنة. ثم إنه أقبل إلى الموصل، فكتب عبد الرحمن بن سعيد بن قيس عامل المختار على الموصل إلى المختار: أما بعد، فإني أخبرك أيها الأمير أن عبيد الله بن زياد قد دخل أرض الموصلن وقد وجه قبلي خيله ورجاله. وأني انحزت إلى تكريت حتىيأتيني رأيك وأمرك، والسلام عليك. فكتب إليه المختار: أما بعد، فقد بلغني كتابك، وفهمت كل ما ذكرت فيه، فقد أصبت بانحيازك إلى تكريت، فلا تبرحن مكانك الذي أنت به حتى يأتيك أمري إن شاء الله، والسلام عليك. قال هشام. عن أبي مخنف: حدثني موسى بن عامر، أن كتاب عبد الرحمن بن سعيد لما ورد على المختار بعث إلى يزيد بن أنس فدعاه، فقال له: يا يزيد بن أنس، إن العلم ليس كالجاهل، وإن الحق ليس كالباطل، وإني أخبرك خبر من لم يكذب ولم يكذب، ولم يخالف ولم يرتب، وإنا المؤمنون الميامين، الغالبون المساليم، وإنك صاحب الخيل التي تجر جعبها، وتضفر أذنابها، حتى توردها منابت الزيتون، غائرة عيونها،لاحقة بطونها. اخرج إلى الموصل حتى تنزل أدانيها، فإني ممدك بالرجال بعد الرجال. فقال له يزيد بن أنس: سرح معي ثلاثة آلاف فارس أنتخبهم، وخلني والفرج الذي توجهنا إليه، فإن احتجت إلى الرجال فسأكتب إليك؛ قال له المختار: فاخرج فانتخب على اسم الله من أحببت فخرج فانتخب ثلاثة آلاف فارس، فجعل على ربع المدينة النعمان بن عوف بن أبي جابر الأزدي، وعلى ربع تميم وهمدان عاصم بن قيس بن حبيب الهمداني، وعلى مذحج وأسد ورقاء بن عازب الأسدي، وعلى ربع ربيعة وكندة سعر بن أبي سعر الحنفي. ثم إنه فصل من الكوفة، فخرج وخرج معه المختار والناس يشيعونه، فلما بلغ دير أبي موسى ودعه المختار وانصرف، ثم قال له: إذا لقيت عدوك فلا تناظرهم، وإذا أمكنتك الفرصة فلا تؤخرها، وليكن خبرك في كل يوم عندي، وإن احتجت إلى مدد فاكتب إلى؛ مع أني ممدك ولو لم تستمدد، فإنه أشد لعضدك، وأعز لجندك، وأرعب لعدوك. فقال له يزيد بن أنس: لا تمدني إلى بدعائك، فكفى به مدداً. وقال له الناس: صحبك الله وأداك وأيدك. وودعوه فقال لهم يزيد: سلوا الله لي الشهادة وايم الله لئن لقيتهم ففاتني النصر لا تفتني الشهادة إن شاء الله. فكتب المختار إلى عبد الرحمن بن سعيد بن قيس: أما بعد، فخل بين يزيد وبين البلاد إن شاء الله، والسلام عليك. فخرج يزيد بن أنس بالناس حتى بات بسوراً، ثم غدا بهم سائراً حتى بات بهم بالمدائن؛ فشكا الناس إليه ما دخلهم من شدة السير عليهم، فأقام بها يوماً وليلة. ثم إنه اعترض بهم أرض جوخى حتى خرج بهم في الراذانات، حتى قطع بهم إلى أرض الموصل، فنزلت ببنا تلى، وبلغ مكانه ومنزله الذي نزل به عبيد الله بن زياد،فسأل عن عدتهم، فأخبرته عيونه أنه خرج معه من الكوفة ثلاثة آلاف فارس، فقال عبيد الله: فأنا أبعث إلى كل ألف ألفين. ودعا ربيعة بن المخارق الغنوي وعبد الله بن حملة الخثعمي، فبعثهما في ثلاثة آلاف ثلاثة آلاف، وبعث ربيعة بن المخارق أولا، ثم مكث يوماً، ثم بعث خلفه عبد الله بن حملة، ثم كتب إليهما: أيكما سبق فهو أمير على صاحبه،وإن انتهيتما جميعاً فأكبركما سنا أمير على صاحبه والجماعة. قال: فسبق ربيعة بن المخارق فنزل بيزيد بن أنس وهو ببنات تلى، فخرج إليه يزيد بن أنس وهو مريض مضنى. قال أبو مخنف: فحدثني أبو الصلت، عن أبي سعيد الصيقل، قال: خرج علينا يزيد بن أنس وهو مريض على حمار يمشي معه الرجال يمسكونه عن يمينه وعن شماله، بفخذيه وعضديه وجنبيه، فجعل يقف على الأرباع:ربع ربع ويقول: يا شرطة الله، اصبروا تؤجروا، وصابروا عدوكم تظفروا، وقاتلوا أولياء الشيطان. إن كيد الشيطان كان ضعيفاً، إن هلكت فأميركم ورقاء بن عازب الأسدي، فإن هلك فأميركم عبد الله بن ضمرة العذري، فإن هلك فأميركم سعر بن أبي سعر الحنفي. قال: و أنا والله فيمن يمشي معه ويمسك يعضده، وإني لأعرف في وجهه أن الموت قد نزل به. قال: فجعل يزيد بن أنس عبد الله بن ضمرة العذري على ميمنته، وسعر بن أبي سعر على ميسرته، وجعل ورقاء بن عازب الأسدي على الخيل، ونزل هو فوضع بين الرجال على السرير، ثم قال لهم: ابرزوا لهم بالعراء، وقد موني في الرجال، ثم إن شئتم فقاتلوا عن أميركم،وإن شئتم ففروا عنه. قال: فأخرجناه في ذي الحجة يوم عرفة سنة ست وستين، فأخذنا نمسك أحياناً بظهره فيقول: اصنعوا كذا ، اصنعوا كذا،وافعلوا كذا، فيأمر بأمره، ثم لا يكون بأسرع من أن يغلبه الوجع فيوضع هنيهة ويقتتل الناس، وذلك عند شفق الصبح قبل شروق الشمس . قال: فحملت ميسرتهم على ميمنتنا، فاشتد قتالهم، وتحمل ميسرتنا على ميمنتهم فتهمزمها، ويحمل ورقاء بن عازب الاسدي في الخيل فهزمهم، فلم يرتفع الضحى حتى هزمناهم، وحوينا عسكرهم.

قال أبو مخنف: وحدثني موسى بن عامر العدوي، قال: انتهينا إلى ربيعة ابن المخارق صاحبهم، وقد انهزم عنه أصحابه وهو نازل ينادي: يا أولياءالحق، ويا أهل السمع والطاعة، إلى أنا ابن المخارق؛ قال موسى: فأما أنا فكنت غلاماً حدثاً، فهبته ووقفت، ويحمل عليه عبد الله بن ورقاء الأسدي وعبد الله بن ضمرة العذري، فقتلاه. قال أبو مخنف: وحدثني عمرو بي مالك أبو كبشة القيني؛ قال: كنت غلاماً حين راهقت مع أحد عمومي في ذلك العسكر، فلما نزلنا بعسكر الكوفيين عبأنا ربيعة بن المخارق فأحسن التعبئة، وجعل على ميمنته ابن أخيه، وعلى ميسرته عبد ربه السلمي، وخرج هو في الخيل و الرجال وقال: ياأهل الشأم، إنكم إنما تقاتلون العبيد الأباق، وقوماً قد تركوا الإسلام وخرجوا منه. ليست لهم تقية، ولا ينطقون بالعربية؛ قال: فو الله إن كنت لأحسب أن ذلك كذلك حتى قاتلناهم؛ قال: فو الله ما هو إلى أن اقتتل الناس إذا رجل من أهل العراق يعترض الناس بسيفه وهو يقول:

برئت من دين المحكمينا       وذاك فينا شر دين دينا

ثم إن قتالنا وقتالهم اشتد ساعة من النهار، ثم إنهم هزمونا حين ارتفع الضحى فقتلوا صاحبنا. وحووا عسكرنا؛ فخرجنا منهزمين حتى تلقانا عبد الله بن حملة على مسيرة ساعة من تلك القرية التي يقال لها بنات تلى، فردنا، فأقبلنا معه حتى نزل بيزيد بن أنس، فبتنا متحارسين حتى أصبحنا فصلينا الغداة، ثم خرجنا على تعبئة حسنة، فجعل على ميمنته الزبير بن خزيمة؛ من خثعم، وعلى ميسرته ابن أقيصر القحافي من خثعم، وتقدم في الخيل والرجال، وذلك يوم الاضحى، فاقتتلنا قتالاً شديداً، ثم إنهم هزمونا هزيمة قبيحة، وقتلونا قتالاً ذريعاً، وحووا عسكرنا، وأقبلناحتى انتهينا إلى عبيد الله بن زياد فحدثناه بما لقينا. قال أيو مخنف: وحدثني موسى بن عامر، قال: أقبل إلينا عبد الله بن حملة الخثعمي؛ فاستقبل فل ربيعة بن المخارق الغنوي فردهم، ثم جاء حتى نزل ببنات تلى، فلما أصبح غادوا غادينا، فتطاردت الخيلان من أول النهار، ثم انصرفوا وانصرفنا؛ حتى إذا صلينا الظهر خرجنا فاقتتلنا، ثم هزمناهم.

قال: ونزل عبد الله بن حملة فأخذ ينادي أصحابه: الكرة بعد الفرة، ياأهل السمع والطاعة؛ فحمل عليه عبد الله بن قراد الخثعمي فقتله، وحوينا عسكرهم وما فيه، وأتى يزيد بن أنس بثلثمائة أسير وهو في السوق، فأخذ يومئ بيده أن اضربوا أعناقهم، فقتلوا من عند آخرهم.

وقال يزيد بن أنس: إن هلكت فأميركم ورقاء بن عازب الأسدي، فما أمسى حتى مات، فصلى عليه ورقاء بن عازب ودفنه، فلما رأى ذلك أصحابه أسقط في أيديهم، وكسر موته قلوب أصحابه، وأخذوا في دفنه، فقال لهم ورقاء: ياقوم. ماذا ترون؟ إنه قد بلغني أن عبيد الله بن زياد قد أقبل إلينا في ثمانين ألفاً من أهل الشأم، فأخذوا يتسللون ويرجعون. ثم إن ورقاء دعا رءوس الأرباع وفرسان أصحابه فقال لهم: ياهؤلاء، ماذا ترون فيما أخبرتكم؟ إنما أنا رجل منكم، ولست بأفضلكم رأباً. فأشيروا على. فإن ابن زياد قد جاءكم في جند أهل الشأم الأعظم، وبجلتهم فرسانهم وأشرافهم. ولا أرى لنا ولكم بهم طاقة على هذه الحال، وقد هلك يزيد بن أنس أميرنا، وتفرقت عنا طائفة منا، فلو انصرفنا اليوم من تلقاء أنفسنا قبل أن نلقاهم، وقبل أن نبلغهم، فيعلموا أنا إنما ردنا عنهم هلاك صاحبنا، فلا يزالوا لنا هائبين لقتلنا منهم أميرهم! ولأنا إنما نعتل لانصرافنا بموت صاحبنا. وإنا لقيناهم اليوم كنا مخاطرين، فإن هزمنا اليوم لم تنفعنا هزيمتنا إياهم من قبل اليوم. قالوا: فإنك نعماً رأيت، انصرف رحمك الله. فانصرف، فبلغ منصرفهم ذلك المختار وأهل الكوفة، فأرجف الناس، ولم يعلموا كيف كان الأمر أن يزيد بن أنس هلك، وأن الناس هزموا، فبعث إلى المختار عامله على المدائن عيناً له من أنباط السواد فأخبره الخبر، فدعا المختار إبراهيم بن الأشتر فعقد له على سبعة آلاف رجل، ثم قال له: سر حتى إذا أنت لقيت جيش ابن أنس فارددهم معك، ثم سر حتى تلقى عدوك فتناجزهم. فخرج إبراهيم فوضع عسكره بحمام أعين. قال أبو مخنف: فحدثني أبو زهير النضر بن صالح، قال: لما مات يزيد أنس التقى أشراف الناس بالكوفة فارجفوا بالمختار وقالوا: قتل يزيد بن أنس، ولم يصدقوا أنه مات، وأخذوا يقولون: والله لقد بأمر علينا هذا الرجل بغير رضاً منا، ولقد أدنى موالينا، فحملهم على الدواب، وأعطاهم وأطعمهم فيئنا، ولقد عصتنا عبيدنا، فحرب بذلك أيتامنا وأراملنا. فاتعدوا منزل شبث بن ربعي وقالوا: نجتمع في منزل شيخنا-وكان شبث جاهلياً إسلامياً- فاجتمعوا فأتوا منزله، فصلى بأصحابه، ثم تذاكروا هذا النحو من الحديث قال: ولم يكن فيما أحدث المختار عليهم شئ هو أعظم من أن جعل للموالي الفئ نصيباً- فقال لهم شبث: دعوني حتى ألقاه؛ فذهب فلقيه، فلم يدع شيئاً مما أنكره أصحابه إلى وقد ذاكره إياه، فأخذ لا يذكر خصلة إلا قال له المختار: أرضيهم في هذه الخصلة، وآتى كل شئ أحبوا؛ قال: فذكر المماليك؛ قال: فأنا أرد عليهم عبيدهم، فذكر له الموالي، فقال: عمدت إلى موالينا، وهم فئ أفاءه الله علينا وهذه البلاد جميعاً فأعتقنا رقابهم، نأمل الأجر في ذلك و الثواب و الشكر، فلم ترض لهم بذلك حتى جعلتهم شركاءنا في فيئنا، فقال لهم المختار: إن أنا تركت لكم موالينا، وجعلت فيئكم فيكم، أتقاتلون معي بني أمية وابن الزبير، وتعطون على الوفاء بذلك عهد الله وميثاقه، وما أطمئن إليه من الأيمان؟ فقال شبث: ما أدري حتى أخرج إلى أصحابي فأذاكرهم ذلك، فخرج فلم يرجع إلى المختار.قال: وأجمع رأى أشراف أهل الكوفة على قتال المختار.

قال أبو مخنف: فحدثني قدامة بن حوشب، قال: جاء شبث ابن ربعي وشمر بن ذي الجوشن ومحمد بن الأشعث وعبد الرحمن بن سعيد بي قيس حتى دخلوا على كعب بن أبي الخثعمي، فتكلم شبث، فحمد الله وأثنى عليه، ثم أخبره باجتماع رأيهم على قتال المختار، وسأله أن يجيبهم إلى ذلك، وقال فيما يعيب به المختار: إنه تأمر علينا بغير رضاً منا، وزعم أن ابن الحنفية بعثه إلينا، وقد علمنا أن ابن الحنفية لم يفعل، وأطعم موالينا فيئنا. وأخذ عبيدنا، فحرب بهم يتامانا وأراملنا، وأظهر هو وسبئيته البراءة من أسلافنا الصالحين. قال: فرحب بهم كعب بن أبي كعب، وأجابهم إلى ما دعوه إليه. قال أبو مخنف: حدثني أبي يحيى بن سعيد أن أشراف أهل الكوفة قد كانوا دخلوا على عبد الرحمن بن مخنف، فدعوه إلى أن يجيبهم إلى قتال المختار، فقال لهم: ياهؤلاء، إنكم إن أبيتم إلا أن تخرجوا لم أخذلكم، وإن أنتم أطعتموني لم تخرجوا. فقالوا: لم؟ قال: لأني أخاف أن تتفرقوا وتختلفوا وتتخاذلوا؛ ومع الرجل والله شجعاؤكم وفرسانكم من أنفسكم؛ أليس معه فلان وفلان! ثم معه عبيد كم ومواليكم، وكلمة هؤلاء واحدة، وعبيدكم و مواليكم أشد حنقاً عليكم من عدوكم، فهو مقاتلكم بشجاعة العرب، وعداوة العجم، وإن انتظرتموه قليلا كفيتموه بقدوم أهل الشأم، أو بمجئ أهل البصرة، فتكونوا قد كفيتموه بغيركم، ولم تجعلوا بأسكم بينكم؛ قالوا: ننشدك الله أن تخالفنا، وأن تفسد علينا رأينا وما قد اجتمعت عليه جماعتنا. قال: فأنا رجل منكم، فإذا شئتم فاخرجوا.فسار بعضهم إلى بعض وقالوا: انتظروا حتى يذهب عنه إبراهيم بن الأشتر؛ قال: فأمهلوا حتى إذا بلغ ابن الأشتر ساباط، وثبوا بالمختار. قال: فخرج عبد الرحمن ابن سعيد بن قيس الهمداني في همدان في جبانة السبيع، وخرج زحر بن قيس الجعفي وإسحاق بن محمد بن الأشعث في جبانة كندة.

قال هشام: فحدثني سليمان بن محمد الحضرمي، قال: خرج إليهما جبير الحضرمي فقال لهما: أخرجا عن جبانتنا، فإنا نكره أن نعرى بشر؛ فقال له إسحاق بن محمد: وجبانتكم هي؟ قال: نعم، فانصرفوا عنه؛ وخرج كعب بن أبي كعب الخثعمي في جبانة بشر، وسار بشير بن جرير بن عبد الله إليهم في بمجيلة، وخرج عبد الرحمن بن مخنف في جبانة مخنف، وسار إسحاق بن محمد وزحر بن قيس إلى عبد الرحمن ابن سعيد بن قيس بجبانة السبيع، وسارت بجيلة وخشعم إلى عبد الرحمن ابن مخنف وهو بالأزد. وبلغ الذين في جبانة السبيع أن المختار قد عبأ لهم خيلا ليسير إليهم فبعثوا الرسل يتلو بعضها بعضاً إلى الأزد وبجيلةو ثعم، يسألونهم بالله والرحم لما عجلوا إليهم. فساروا إليهم واجتمعوا جميعاً في جبانة السبيع، ولما أن بلغ ذلك المختار سره اجتماعهم في مكان واحد، وخرج شمر بن ذي الجوشن حتى نزل بجبانة بني سلول في قيس، ونزل شبث بن ربعي وحسان بن فائد العبسي وربيعة بن ثروان الضبي في مضر بالكناسة، ونزل حجار بن أبحر ويزيد بن الحارث بن رؤيم في ربيعة فيما بي التمارين والسبخة، ونزل عمرو بن الحجاج الزبيدي في جبانة مراد بمن تبعه من مذحج، فبعث إليه أهل اليمن: أن ائتنا، فأبى أن يأتيهم وقال لهم: جدوا، فكأني قد أتيتكم. قال: وبعث المختار رسولا من يومه يقال له عمرو بن توبة بالركض إلى إبراهيم بن الأشتر وهو بساباط ألا تضع كتابي من يدك حتى تقبل بجميع من معك إلى قال: وبعث إليهم المختار في ذلك اليوم: أخبروني ما تريدون؟ فإني صانع كل ما أحببتم، فقالوا: فإنا نريد أن تعتزلنا، فإنك زعمت أن ابن الحنفية بعثك ولم يبعثك. فأرسل إليهم المختار أن ابعثوا إليه من قبلكم وفداً، وأبعث إليه من قبلي وفداً، ثم انظروا في ذلك حتى تتبينوه؛ وهو يريد أن يريثهم بهذه المقالة ليقدم عليه إبراهيم بن الأشتر، وقد أمر أصحابه فكفوا أيديهم، وقد أخذ أهل الكوفة عليهم بأفواه السكك، فليس شئ يصل إلى المختار ولا إلى أصحابه من الماء إلا القليل الوتح، يجيئهم إذا غفلوا عنه. قال: وخرج عبد الله بن سبيع في الميدان، فقاتلته شاكر قتالاً شديداً، فجاءه عقبة بن طارق الجشمي فقاتل معه ساعة حتى رد عاديتهم عنه، ثم أقبلا على حاميتهما يسيران حتى نزل عقبة بن طارق مع قيس في جبانة بني سلول، وجاء عبد الله بن سبيع حتى نزل مع أهل اليمن في جبانة السبيع. قال أبو مخنف: حدثني يونس بن أبي إسحاق، أن شمر بن ذي الجوشن أتى أهل اليمن فقال لهم: إن اجتمعتم في مكان نجعل فيه مجنبتين ونقاتل من وجه واحد فأنا صاحبكم، وإلا فلا، والله لا أقاتل في مثل هذا المكان في سكك ضيقة، ونقاتل من غير وجه. وانصرف إلى جماعة قومه في جبانة بني سلول. قال: ولما خرج رسول المختار إلى ابن الأشتر بلغه من يومه عشية، فنادى في الناس: أن ارجعوا إلى الكوفة، فسار بقية عشيته تلك، ثم نزل حين أمسى، فتعشى أصحابه، وأراحوا الدواب شيئاً كلا شئ، ثم نادى في الناس، فسار ليلته كلها، ثم صلى الغداة بسورا، ثم سار من يومه فصلى العصر على باب الجسر من الغد، ثم إنه جاء حتى بات ليلته في المسجد ومعه من أصحابه أهل القوة والجلد، حتى إذا كانت صبيحة اليوم الثالث من مخرجهم على المختار، خرج المختار إلى المنبر فصعده. قال أبو مخنف: فحدثني أبو جناب الكلبي أن شبث بن ربعي بعث إليه أبنه عبد المؤمن فقال: إنما نحن عشيرتك، وكف يمينك، لا والله لا نقاتلك، فثق بذلك منا؛ وكان رأيه قتاله، ولكنه كاده. ولما أن اجتمع أهل اليمن بجبانة السبيع حضرت الصلاة. فكره كل رأس من رءوس أهل اليمن أن يتقدمه صاحبه، فقال لهم عبد الرحمن بن مخنف: هذا أول الإختلاف، قدموا الرضا فيكم فإن في عشيرتكم سيد قراء أهل مصر، فيلصل بكم رفاعو بن شداد الفتياني من بجيلة، ففعلوا، فلم يزل يصلي بهم حتى كانت الوقعة. قال أبو مخنف: وحدثني وازع بن السرى أن أنس بن عمرو الأزدي انطلق فدخل في أهل اليمن، وسمعهم وهم يقولون: إن سار المختار إلى إخواننا من مضر سرنا إليهم، وإن سار إلينا ساروا إلينا، فسمعها منهم رجل، وأقبل جواداً حتى صعد إلى المختار على المنبر، فاخبره بمقالتهم، فقال: أما هم فخلقاء لو سرت إلى مضر أن يسيروا إليهم، وأما أهل اليمن فأشهد لئن سرت إليهم لا تسير إليهم مضر، فكان بعد ذلك يدعو ذلك الرجل ويكرمه . ثم إن المختار نزل فعبأ أصحابه في السوق- والسوق إذ ذاك ليس فيها هذا البناء- فقال لإبراهيم بن الأشتر: إلى أي الفريقين أحب إليك أن تسير؟ فقال: إلى أي الفريقين أحببت، فنظر المختار- وكان ذا رأي، فكره أن يسير إلى قومه فلا يبالغ في قتالهم- فقال: سر إلى مضر بالكناسة وعليهم شبث بن ربعي ومحمد بن عمير بن عطارد، وأنا أسير إلى أهل اليمن.

قال: ولم يزل المختار يعرف بشدة النفس، وقلة البقيا على أهل اليمن وغيرهم إذا ظفر، فسار إبراهيم بن الأشتر إلى الكناسة، وسار المختار إلى جبانة السبيع، فوقف المختار عند دار عمر بن سعد بن أبي وقاص، وسرح بين أيديه أحمر بن شميط البجلي ثم الأحمسي، وسرح عبد الله بن كامل الشاكري، وقال لابن شميط: الزم هذه السكة حتى تخرج إلى أهل جبانة السبيع من بين دور قومك . وقال لعبد الله بن كامل: الزم هذه السكة حتى تخرج على جبانة السبيع من دار آل الأخنس بن شريق، ودعاهما فأسر إليهما أن شباماً قد بعثت تخبرني أنهم قد أتوا القوم من ورائهم، فمضيا فسلكا الطريقين اللذين أمرهما بهما، وبلغ أهل اليمن مسير هذين الرجلين إليهم، فاقتسموا تينك السكتين، فأما السكة التي في دبر المسجد أحمس فإنه وقف فيها عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني وإسحاق بن الأشعث وزحر بن قيس، وأما السكة التي تلى الفرات فإنه وقف فيها عبد الرحمن بن مخنف، وبشير بن جرير بن عبد الله، وكعب بن أبي كعب. ثم إن القوم اقتتلوا كأشد قتال اقتتله قوم. ثم إن أصحاب أحمر بن شميط انكشفوا وأصحاب عبد الله بن كامل أيضاً، فلم يرع المختار إلا وقد جاءه الفل قد أقبل؛ فقال: ما وراءكم؟ قالوا: هزمنا؛ قال: فما فعل أحمر بن شميط؟ قالوا: تركناه قد نزل عند مسجد القصاص-يعنون مسجد ألي دواد في وادعة، وكان يعتاده رجال أهل ذلك الزمان يقصون فيه، وقد نزل معه أناس من أصحابه- وقال أصحاب عبد الله: ما ندري ما فعل ابن كامل! فصاح بهم: أن انصرفوا. ثم أقبل بهم حتى انتهى إلى دار أبي عبد الله الجدلي، وبعث عبد الله بن قراد الخثعمي- وكان على أربعمائة رجل من أصحابه- فقال: سر في أصحابك إلى ابن كامل، فإن يك هلك فأنت مكانه، فقاتل القوم بأصحابك وأصحابه، وإن تجده حياً صالحاً فسر في مائة من أصحابك كلهم فارس، وادفع إليه بقية أصحابك ومر بالجد معه والمناصحة له، فغنهم إنما يناصحونني، ومن ناصحني فليبشر، ثم امض في المائة حتى تأتي أهل جبانة السبيع مما يلي حمام قطن ابن عبد الله. فمضى فوجد ابن كامل واقفاً عند حمام عمرو بن حريث معه أناس من أصحابه قد صبروا وهو يقاتل القوم. فدفع إليه ثلثمائة من أصحابه ثم مضى حتى نزل إلى جبانة السبيع. ثم أخذ في تلك السكك حتى انتهى إلى مسجد عبد القيس، فوقف عنده وقال لأصحابه: ماترون؟ قالوا: أمرنا لأمرك تبع وكل من كان معه من حاشد من قومه وهم مئة؛ فقال لهم: والله إني لأحب أن يظهر المختار. ووالله إني لكاره أن يهلك أشراف عشيرتي اليوم، ووالله لأن أموت أحب إلى من أن يحل بهم الهلاك على يدي، ولكن قفوا قليلا فإني قد سمعت شباماً يزعمون أنهم سيأتونهم من ورائهم، فلعل شباماً تكون هي تفعل ذلك، ونعافى نحن منه. قال له أصحابه: فرأيك. فثبت كما هو عند مسجد عبد القيس، وبعث المختار مالك بن عمرو النهدي في مائتي رجل- وكان من أشد الناس بأساً- وبعث عبد الله بن شريك النهدي في مائتي فارس إلى أحمر بن شميط، وثبت مكانه، فانتهوا إليه وقد علاه القوم وكشروه، فاقتتلوا عند ذلك كأشد القتال، ومضى ابن الأشتر حتى لقي شبث بن ربعي، وأناساً معه من مضر كثيراً ، وفيهم حسان بن فائد العبسي، فقال لهم إبراهيم : ويحكم! انصرفوا، فو الله ما أحب أن يصاب أحد من مضر على يدي، فلا تهلكوا أنفسكم، فأبوا، فقاتلوه فهزمهم، واحتمل حسان بن فائد إلى أهله، فمات حين أدخل إليهم، وقد كان وهو على فراشه قبل موته أفاق إفاقة فقال: أما والله ما كنت أحب أن أعيش من جراحتي هذه، وما كنت أحب أن تكون منيتي إلا بطعنة رمح، أو بضربة بالسيف؛ فلم يتكلم بعدها كلمة حتى مات. وجاءت البشرى إلى المختار من قبل إبراهيم بهزيمة مضر، فبعث المختار البشرى من قبله إلى أحمر بن شميط وإلى ابن كامل، فالناس على أحوالهم كل أهل سكة منهم قد أغنت ما يليها. قال: فاجتمعت شبام وقد رأسو عليهم أبا القلوص، وقد أجمعوا واجتمعوا بأن يأتوا أهل اليمن من ورائهم، فقال بعضهم لبعض: أما والله لو جعلتم جدكم هذا على من خالفكم من غيركم لكان أصوب، فسيروا إلى مضر أو إلى ربيعة فقاتلوهم-وشيخهم أبو القلوص ساكت لا يتكلم- فقالوا: يا أبا القلوص، مارأيك؟ فقال: قال الله جل ثناؤه: "قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة" قوموا؛ فقاموا؛ فمشى بهم قيس رمحين أو ثلاثة ثم قال لهم: اجلسوا فجلسوا. ثم مشى بهم أنفس من ذلك شيئاً، ثم قعد بهم، ثم قال لهم: قوموا، ثم مشى بهم الثالثة أنفس من ذلك شيئاً، ثم قعد بهم، فقالوا له: يا أبا القلوص، و الله إنك عندنا لأشجع العرب، فما يحملك على الذي تصنع! قال: إن المجرب ليس كمن لم يجرب، إني أردت أن ترجع إليكم أفئدتكم، وأن توطنوا على القتال أنفسكم، وكرهت أن أقحمكم على القتال وأنتم على حال دهش؛ قالوا: أنت أبصر بما صنعت. فلما خرجوا إلى جبانة السبيع استقبلهم على فم السكة الأعسر الشاكري، فحمل عليه الجندعي وأبو الزبير بن كريب فصرعاه، ودخلا الجبانة، ودخل الناس الجبانة في آثارهم، وهم ينادون: يالثارات الحسين! فأجابهم أصحاب ابن شميط يالثارات الحسين! فسمعها يزيد بن عمير بن ذي مران من همدان فقال: يالثارات عثمان! فقال لهم رفاعة بن شداد: مالنا ولعثمان! لاأقاتل مع قوم يبغون دم عثمان، فقال له أناس من قومه: جئت بنا وأطعناك. حتى إذا رأينا قومنا تأخذهم السيوف قلت: انصرفوا ودعوهم! فعطف عليهم وهو يقول:

أنا ابن شداد على دين علـي        لست لعثمان بن أروى بولى
لأصلين اليوم فيمن يصطلي          بحر نار الحرب غير مؤتل

فقاتل حتى قتل، وقتل يزيد بن عمير بن ذي مران، وقتل النعمان ابن صهبان الجرمي ثم الراسي-وكان ناسكاً- ورفاعة بن شداد بن عوسجة الفتياني عند حمام المهبذان الذي بالسبخة -وكان ناسكاً- وقتيل الفرات ابن زحر بن قيس الجعفي، وارتث بن قيس، وقتل عبد الرحمن ابن سعيد بن قيس. وقتل عمر بن مخنف، وقاتل عبد الرحمن بن مخنف حتى أرتث، وحملته الرجال على أيديها يشعر، وقاتل حوله رجال من الأزد، فقال حميد بن مسلم:

لأضربن عن أبي حكـيم      مفارق الأعبد و الصميم
وقال سراقة بن مرداس البارقي:

يا نفس إلا تصبري تليمي      لا تتولى عن أبي حكيم

واستخرج من دور الوادعين خمسمائة أسير، فأتى بهم المختار مكتفين، فأخذ رجل من بني نهد وهو من رؤساء أصحاب المختار يقول له: عبد الله ابن شريك، لا يخلو بعربي إلا خلى سبيله، فرفع ذلك إلى المختار درهم مولى لبني نهد. فقال له المختار: اعرضوهم على، وانظروا كل من شهد منهم قتل الحسين فأعلموني به، فأخذوا لا يمر عليه برجل قد شهد قتل الحسين إلا قيل له: هذا ممن شهد قتله، فيقدمه فيضرب عنقه، حتى قتل منهم قبل أن يخرج مائتين وثمانية وأربعين قتيلاً، وأخذ أصحابه كلما رأوا رجلاً قد كان يؤذيهم أو يماريهم أو يضربهم خلوا به فقتلوه حتى قتل ناس كثير منهم وما يشعر بهم المختار، فأخبر بذلك المختار بعد، فدعا بمن بقي من الأسارى فأعتقهم، وأخذ عليهم المواثيق ألا يجامعوا عليه عدوا، ولا أصحابه غائلة، إلا سراقة بن مرداس البارقي، فإنه أمر أن يساق معه إلى المسجد. قال: ونادى منادي المختار: إنه من أغلق بابه فهو آمن، إلا رجلاً شرك في دم آل محمد صلى عليه وسلم. قال أبو مخنف: حدثني المجالد بن سعيد، عن عمامر الشعبي.، أن يزيد ابن الحارث بن يزيد بن رؤيم وحجار بن أبجر بعثا رسلا لهما، فقالا لهم: كونوا من أهل اليمن قريباً، فإن أيتموهم قد ظهروا فأيكم سبق إلينا فليقل صرفان، وإن كانوا هزموا فليقل جمزان، فلما عزم أهل اليمن أتتهم رسلهم، فقال لهم أول من انتهى إليهم: جمزان، فقام الرجلان فقالا لقومهما: انصرفوا إلى بيوتكم، فانصرفوا، وخرج عمرو بن الحجاج الزبيدي- وكان ممن شهد قتل الحسين - فركب راحلته، ثم ذهب عليها، فأخذ طريق شراف وواقصة، فلم ير حتى الساعة. ولا يدري أرض بخسته، أم سماء حصبته! وأما فرات بن زحر بن قيس فإنه لما قتل بعثت عائشة بنت خليفة بن عبد الله الجعفية- وكانت امرأة الحسين بن علي - إلى المختار تسأله أن يأذن له أن تواري جسده، ففعل؛ فدفنته. وبعث المختار غلاماً له يدعى زريباً في طلب شمر بن ذي الجوشن قال أبو مخنف: فحدثني يونس بن أبي إسحاق، عن مسلم بن عبد الله الضبابي، قال: تبعنا زربي غلام المختار، فلحقنا وقد خرجنا من الكوفة على خيول لنا ضمر، فأقبل يتمطر به فرسه، فلما دنا منا قال لنا شمر: اركضوا وتباعدوا عني لعل العبد يطمع في؛ قال: فركضنا، فأمعنا، وطمع العبد في شمر، وأخذ شمر ما يستطرد له، حتى إذا انقطع من أصحابه حمل عليه شمر فدق ظهره، وأتى المختار فأخبر بذلك، فقال: بؤساً لزربى، أما لو يستشيرني ما أمرته أن يخرج لأبي السابغة. قال أبو مخنف: حدثني أبو محمد الهمداني، عن مسلم بن عبد الله الضبابي، قال: لما خرج شمر بن ذي الجوشن وأنا معه حين هزمنا المختار، وقتل أهل اليمن بجبانة السبيع، ووجه غلامه زربياً في طلب شمر، وكان من قتل شمر إياه ما كان، مضى شمر حتى ينزل ساتيدما، ثم مضى حتى ينزل إلى جانب قرية يقال لها الكلتانية على شاطئ نهر، إلى جانب تل، ثم أرسل إلى تلك القرية فأخذ منها علجاً فضربه، ثم قال: النجاء بكتابي هذا إلى المصعب بن الزبير وكتب عنوانه: للأمير المصعب بن الزبير من شمر بن ذي الجوشن. قال: فمضى العلج حتى يدخل قرية فيها بيوت،وفيها أبو عمرة، وقد كان المختار بعثه في تلك الأيام إلى تلك القرية لتكون مسلحة فيما بينه وبين أهل البصرة، فلقى ذلك العلج علجاً من تلك القرية، فأقبل يشكو إلية ما لفي من شمر، فإنه لقائم معه يكلمه إذ مر به رجل من أصحاب أبي عمرة، فرأى الكتاب مع العلج، وعنوانه: لمصعب من شمر، فسألوا العلج عن مكانه الذي هو به، فأخبرهم، فإذا ليس بينهم وبينه إلا ثلاثة فراسخ. قال: فأقبلوا يسيرون إليه. قال أبو مخنف: فحدثني مسلم بن عبد الله قال: وأنا والله مع شمر تلك الليلة، فقلنا: لو أنك ارتحلت بنا من هذا المكان فإنا نتخوف به! فقال: أو كل هذا فرقاً من الكذاب! والله لا أحول منه ثلاثة أيام، ملأ الله قلوبكم رعباً! قال: وكان بذلك المكان الذي كنا فيه دبى كثير، فو الله إني لبين اليقظان والنائم، إذ سمعت وقع حوافر الخيل، فقلت في نفسي: هذا صوت الدبى، ثم سمعته أشد من ذلك، فانتبهت ومسحت عيني، وقلت: لا والله، ما هذا بالدبي. قال: وذهبت لأقوم، فإذا أنا بهم قد أشرفوا علينا من التل، فكبروا، ثم أحاطوا بأبياتنا، وخرجنا نشتد على أرجلنا، وتركنا خيلنا. قال: فأمر على شمر، وإنه لمتزر ببرد محقق - وكان أبرص - فكأني أنظر إلى بياض كشحيه من فوق البرد، فإنه ليطاعنهم بالرمح، قد أعجلوه أن يلبس سلاحه وثيابه، فمضينا وتركناه قال: فما هو إلا أن أمعنت ساعةً، إذ سمعت: الله أكبر، قتل الله الخبيث! قال أبو مخنف: حدثني المشرقي، عن عبد الرحمن بن عبيد أبي الكنود، قال: أنا والله صاحب للكتاب الذي رأيته مع العلج، وأتيت به أبا عمرة وأنا قتلت شمراً؛ قال: قلت: هل سمعته يقول شيئاً ليلتئذ؟ قال: نعم، خرج علينا فطاعننا برمحه ساعة، ثم ألقى رمحه، ثم دخل بيته فأخذ سيفه، ثم خرج علينا وهو يقول:

نبهتم ليث عرين باسـلا           جهما محياه يدق الكاهلا
لم ير يوماً عن عدو ناكلا           إلا كذا مقاتلاً أو قاتـلا

يبرحهم ضرباً ويروي العاملا قال أبو مخنف، عن يونس بن أبي إسحاق: ولما خرج المختار من جبانة السبيع، وأقبل إلى القصر، أخذ سراقة بن مرداس يناديه بأعلى صوته:

امنن عليّ اليوم يا خير معد         وخير من حل بشحر والجند

وخير من حيا ولبى وسجد فبعث به المختار إلى السجن، فحبسه ليلة، ثم أرسل إليه من الغد فأخرجه، فدعا إلى المختار وهو يقول:

ألا أبلغ أبا إسـحـاق أنـا              نزونا نزوة كانت علـينـا
خرجنا لا نرى الضعفاء شيئاً        وكان خروجنا بطراً وحينا
نراهم في مصافهم قـلـيلاً          وهم مثل الدبي حين التقينا
برزنا إذ رأيناهم فـلـمـا               رأينا القوم قد برزوا إلينـا
لقينا منهم ضرباً طلحـفـاً            وطعناً صائباً حتى انثنـينـا
نصرت على عدوك كل يوم           بكل كتيبة تنعى حـسـينـا
كنصر محمد في يوم بـدر              ويوم الشعب إذ لاقى حنينا
فأسجح إذ ملكت فلو ملكنـا          لجرنا في الحكومة واعتدينا
تقبل توبة مـنـي فـإنـي               سأشكر إن جعلت النقد دينا

قال: فلما انتهى إلى المختار، قال له: أصلحك الله أيها الأمير! سراقة ابن مرداس يحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد رأى الملائكة تقاتل على الخيول البلق بين السماء والأرض؛ فقال له المختار: فاصعد المنبر فأعلم ذلك المسلمين؛ فصعد فأخبرهم بذلك ثم نزل، فخلا به المختار، فقال: فاذهب عني حيث أحببت، لا تفسد علي أصحابي. قال أبو مخنف: الحجاج بن علي البارقي عن سراقة بن مرداس، قال: ما كنت في أيمان حلفت بها قط إجتهاداً ولا مبالغةً في الكذب مني في أيماني هذه التي حلفت لهم بها أني قد رأيت الملائكة معهم تقاتل. فخلوا سبيله. فهرب، فلحق بعبد الرحمن بن مخنف عند المصعب بن الزبير بالبصرة، وخرج أشراف أهل الكوفة و الوجوه. فلحقوا بمصعب بن الزبير بالبصرة، وخرج سراقة بن مرداس من الكوفة وهو يقول:

ألا أبلغ أبا إسـحـاق أنـي              رأيت البلق دهماً مصمتات
كفرت بوحيكم وجعلت نذراً            على قتالكم حتى المـمـات
أرى عيني ما لم تبـصـراه               كلانا عالم بـالـتـرهـات
إذا قالوا أقول لهم كـذبـتـم              وإن خرجوا لبست لهم أداتي

حدثني أبو السائب سلم بن جناده، قال حدثنا محمد بن براد، من ولد أبي موسى الأشعري، عن شيخ، قال: لما أسر سراقة البارقي، قال:وأنتم أسرتموني! ماأسرني إلا قوم على دواب بلق، عليهم ثياب بيض.قال: فقال المختار: أولئك الملائكة. فأطلقه، فقال:

 ألا أبلغ أبا إسحـاق أنـي              رأيت البلق دهماً مصمتات
أرى عيني ما لـم تـرأياه                  كلانا عالم بالـتـرهـات

قال أبو مخنف: حدثني عمير بن زياد أن عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني قال يوم جبانة السبيع: ويحكم! من هؤلاء الذين أتونا من ورائنا؟ قيل له: شبام؛ فقال: ياعجبا! يقاتلني بقومي من لاقوم له. قال أبو مخنف: وحدثني أبو روق أن شرحبيل بن ذي يقلان من الناعطيين قتل يومئذ، وكان من بيوتات همدان، فقال يومئذ قبل أن يقتل: يالها قتلةً، ما أضل مقتولها! قتال مع غير إمام، وقتال على غير نية، وتعجيل فراق الأحبة، ولو قتلناهم إذاً لم نسلم منهم، إنا لله وإنا إليه راجعون! أما والله ما خرجت إلا مواسياً لقومي بنفسي مخافة أن يضطهدوا، وايم الله مانجوت من ذلك ولاأنجوا، ولا أغنيت عنهم ولا أغنوا. قال: ويرميه رجل من الفائشيين من همدان يقال له أحمر بن هديج بسهم فيقتله. قال: واختصم في عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني نفر ثلاثة: سعر ابن أبي سعر الحنفي، وأبو الزبير الشبامي: ورجل آخر، فقال سعر: طعنته طعنة، وقال أبو الزبير: لكن ضربته أنا عشر ضربات أو أكثر، وقال لي ابنه: يا أبا الزبير، أتقتل عبد الرحمن بن سعيد سيد قومك! فقلت: " لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أوعشيرتهم" فقال المختار: كلكم محسن. وانجلت الوقعة عن سبعمائة وثمانين قتيلا من قومه.

قال أبو مخنف: حدثني النصر بن صالح أن القتل إذ ذاك كان استحر في أهل اليمن، وأن مضر أصيب منهم بالكناسة بضعة عشر رجلا، ثم مضو حتى مروا بربيعة، فرجع حجار بن أبجر، ويزيد بن الحارث بن رؤيم وشداد بن المنذر- أخو حضين- وعكرمة بن ربعى، فانصرف جميع هؤلاء إلى رحالهم، وعطف عليهم عكرمة فقاتلهم قتالا شديداً، ثم انصرف عنهم وقد خرج، فجاء حتى دخل منزله، فقيل له: قد مرت خيل في ناحية الحي؛ فخرج فأراد أن يثب من حائط داره إلى دار أخرى إلى جانبه فلم يستطع حتى حمله غلام له. وكانت وقعة جبانة السبيع يوم الأربعاء لست ليال بقين من ذي الحجة سنة ست وستين.

قال: وخرج أشراف الناس فلحقوا بالبصرة. وتجرد المختار لقتلة الحسين فقال: ما من ديننا ترك قوم قتلوا الحسين يمشون أحياء في الدنيا آمنين؛ بئس ناصر آل محمد أنا إذاً في الدنيا! أنا إذاً الكذاب كما سموني، فإنى بالله أستعين عليهم، الحمد لله الذي جعلني سيفاً ضربهم به، ورمحاً طعنهم به، وطالب وترهم، والقائم بحقهم، إنه كان حقاً على الله أن يقتل من قتلهم، وأن يذل من جهل حقهم، فسموهم لى ثم اتبعوهم حتى تفنوهم. قال أبو مخنف: فحدثني موسى بن عامر أن المختار قال لهم: اطلبوا لى قتلة الحسين، فإنه لا يسوغ لى الطعام والشراب حتى أطهر الأرض منهم، وأنفى المصر منهم. قال أبو مخنف: وحدثني مالك بن أعين الجهنى أن عبد الله بن دباس، وهو الذي قتل محمد بن عمار بن ياسر الذي قال الشاعر: قتيل ابن دباس أصاب قذاله هو الذي دل المختار على نفر ممن قتل الحسين، منهم عبد الله بن أسيد بن النزال الجهنى من حرقة، ومالك بن النسير البداى،وحمل بن مالك المحاربي؛ فبعث إليهم المختار أبا نمران مالك بن عمرو النهدي وكان من رؤساء أصحاب المختارفأتاهم وهم بالقادسية، فأخذهم فأقبل بهم حتى أدخلهم عليه عشاء، فقال لهم المختار: يا أعداء الله وأعداء كتابه وأعداء رسوله وآل رسوله، أين الحسين بن علي؟ أدوا إلى الحسين، قتلتم من أمرتم بالصلاة عليه في الصلاة، فقالوا: رحمك الله! بعثنا ونحن كارهون، فامنن علينا واستبقنا، قال المختار: فهلا مننتم على الحسين ابن بنت نبيكم واستبقيتموه وسسقيتموه! ثم قال المختار للبدى: أنت صاحب برنسه؟ فقال له عبد الله بن كامل: نعم، هو هو؛ فقال المختار، اقطعوا يدي هذا ورجليه. ودعوه فليضطرب حتى يموت، ففعل ذلك به وترك، فلم يزل ينزف الدم حتى مات، وأمر بالآخرين فقدما، فقتل عبد الله بن كامل عبد الله الجهني، وقتل سعر بن أبي سعر حمل بن مالك المحاربي. قال أبو مخنف: وحدثني أبو الصلت التيمي، قال حدثني أبو سعيد الصيقل أن المختار دل على رجال من قتلة الحسين، دله عليهم سعر الحنفي؛ قال: فبعث المختار عبد الله بن كامل، خرجنا معه حتى مر ببني ضبيعة، فأخذ منهم رجلا يقال له زياد بن مالك؛ قال: ثم مضى إلى عنزة فأخذ منهم رجلا يقال له عمران بن خالد. قال: ثم بعثني في رجال معه يقال لهم الدبابة إلى دار في الحمراء، فيها عبد الرحمن بن أبي خشكارة البجلي وعبد الله بن قيس الخولاني، فجئنا بهم حتى أدخلناهم عليه، فقال لهم: ياقتلة الصالحين، وقتلة سيد شباب أهل الجنة، ألا ترون الله قد أقاد منكم اليوم! لقد جاءكم الورس، بيوم نحس- وكانوا قد أصابوا من الورس الذي كان مع الحسين-أخرجوهم إلى السوق فضربوا رقابهم. ففعل ذلك بهم، فهؤلاء أربعة نفر. قال أبو مخنف: وحدثني سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم، قال: جاءنا السائب بن مالك الأشعري في خيل المختار، فخرجت نحو عبد القيس، وخرج عبد الله وعبد الرحمن ابنا صلخب في أثري، وشغلوا بالاحتباس عليهما عني، فنجوت وأخذوهما، ثم مضوا بهما حتى مروا على منزل رجل يقال له عبد الله بن وهب بن عمرو ابن عم أعشى همدان من بني عبد، فأخذوه، فانتهوا بهم إلى المختار، فأمر بهم فقتلوا في السوق، فهؤلاء ثلاثة. فقال حميد بن مسلم في ذلك حيث نجا منهم:

ألم ترني على دهش          نجوت ولم أكد أنجو
رجاء الله أنقـذنـي                ولم أك غيره أرجو

قال أبو مخنف: حدثني موسى ين عامر العدوي من جهينة- وقد عرف ذلك الحديث شهم بن عبد الرحمن الجهني- قال: بعث المختار عبد الله ابن كامل إلى عثمان بن خالد بن أسير الدهماني من جهينة، وإلى أبي أسماء بشر بن سوط القابضي- وكانا ممن شهدا قتل الحسين، وكانا اشتركا في دم عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب وفي سلبه- فأحاط عبد الله بن كامل عند العصر بمسجد بني دهمان، ثم قال: على مثل خطايا بني دهمان منذ يوم خلقوا إلى يوم يبعثون إن لم أوت بعثمان بن خالد بن أسير، إن لم أضرب أعناقكم من عند آخركم، فقلنا له: أمهلنا نطلبه، فخرجوا مع الخيل في طلبه، فوجدوهما جالسين في الجبانة- وكانا يريدان أن يخرجا إلى الجزيرة - فأتى بهما عبد الله بن كامل، فقال: الحمد لله الذي كفى المؤمنين القتال، لو لم يجدوا هذا مع هذا عنانا إلى منزله في طلبه، فالحمد لله الذي حينك حتى أمكن منك. فخرج بهما حتى إذا كان في موضع بئر الجعد ضرب أعناقهما، ثم رجع فأخبر المختار خبرهما، فأمره أن يرجع إليهما فيحرقهما بالنار، وقال: لا يدفنان حتى يحرقا. فهذان رجلان، فقال أعشى همدان يرثى عثمان الجهني:

يا عين بكى فتى الفتيان عثمانا           لا يبعدن الفتى من آل دهمانا
واذكر فتى ماجداً حلوا شمائله              ما مثله فارس في آل همدانا

قال موسى بن عامر: وبعث معاذ بن هاني بن عدى الكندي، ابن أخي حجر، وبعث أبا عمرة صاحب حرسه، فساروا حتى أحاطوا بدار خولى بن يزيد الأصبحي وهو صاحب رأس الحسين الذي جاء به، فاختبأ في مخرجه، فأمر معاذ أبا عمرة أن يطلبه في الدار، فخرجت امرأته إليهم، فقالوا لها: أين زوجك؟ فقالت: لا أدري أين هو-وأشارت بيدها إلى المخرج، فدخلوا فوجدوه قد وضع على رأسه قوصرةً، فأخرجوه، وكان المختار يسير بالكوفة. ثم إنه أقبل في أثر أصحابه وقد بعث أبو عمرة إليه رسولا، فاستقبل المختار الرسول عند دار بلال، ومعه ابن كامل، فأخبره الخبر، فأقبل المختار نحوهم، فاستقبل به، فردده حتى قتله إلى جانب أهله. ثم دعا بنار فحرقه بها ثم لم يبرح حتى عاد رماداً، ثم انصرف عنه. وكانت امرأته من حضرموت يقال لها العيوف بنت مالك بن نهار بن عقرب، وكانت نصبت له العداوة حين جاء برأس الحسين. قال أبو مخنف: وحدثني موسى بن عامر أبو الأشعر أن المختار قال ذات يوم وهو يحدث جلساءه: لأقتلن غداً رجلا عظيم القدمين، غائر العينين مشرف الحاجبين، يسر مقتله المؤمنين و الملائكة المقربين. قال: وكان الهيثم بن الأسود النخعي عند المختار حين سمع هذه المقالة. فوقع في نفسه أن الذي يريد عمر بن سعد بن أبي وقاص، فلما رجع إلى منزله دعا ابنه العريان فقال: الق ابن سعد الليلة فخبره بكذا وكذا، وقل له: خذ حذرك، فإنه لا يريد غيرك. قال: فأتاه فاستخلاه، ثم حدثه الحديث، فقال له عمر بن سعد: جزى الله أباك و الإخاء خيراً! كيف يريد هذا بي بعد الذي أعطاني من العهود والمواثيق! وكان المختار أول ماظهر أحسن شئ سيرة وتألفاً للناس، وكان عبد الله بن جعدة بن هبيرة أكرم خلق الله على المختار لقرابته بعلي فكلم عمر بن سعد عبد الله بن جعدة وقال له: إني لا آمن هذا الرجل -يعني المختار- فخذ لي منه آماناً، ففعل؛ قال: فأنا رأيت أمانه وقرأته وهو " بسم الله الرحمن الرحيم " هذا أمان من المختار بن أبي عبيد لعمر بن سعد ابن أبي وقاص، إنك آمن بأمان الله على نفسك ومالك وأهلك وأهل بيتك وولدك، لا تؤاخذ بحدث كان منك قديماً ما سمعت وأطعت ولزمت رحلك وأهلك ومصرك، فمن لقي عمر بن سعد من شرطة الله وشيعة آل محمد ومن غيرهم من الناس، فلا يعرض له إلا بخير. شهد السائب بن مالك وأحمر بن شميط وعبد الله بن شداد وعبد الله بن كامل. وجعل المختار على نفسه عهد الله وميثاقه ليفين لعمر بن سعد بما أعطاه من الأمان، إلا أن يحدث حدثاً، وأشهد الله على نفسه، وكفى بالله شهيداً.

قال: فكان أبو جعفر محمد بن علي يقول: أما أمان المختار لعمر بن سعد: إلا أن يحدث حدثاً، فإنه كان يريد به إذا دخل الخلاء فأحدث. قال: فلما جاءه العريان بهذا خرج من تحت ليلته حتى أتى حمامه، ثم قال في نفسه: أنزل داري، فرجع فعبر الروحاء، ثم أتى داره غدوة، وقد أتى حمامه، فأخبر مولى له بما كان من أمانه وبما أريد به، فقال له مولاه: وأي حدث أعظم مما صنعت! إنك تركت رحلك وأهلك وأقبلت إلى ها هنا، ارجع إلى رحلك، لا تجعن للرجل عليك سبيلا. فرجع إلى منزله، وأتى المختار بانطلاقه، فقال: كلا إن في عنقه سلسلة سترده، لو جهد أن ينطلق ما استطاع. قال: وأصبح المختار فبعث إليه أبا عمرة، وأمره أن يأتيه به، فجاءه حتى دخل عليه فقال: أجب الأمير، فقام عمر: فعثر في جبة له، ويضربه أبو عمرة بسيفه، فقتله، وجاء برأسه في أسفل قبائه حتى وضعه بين يدي المختار، فقال المختار لابنه حفص بن عمر بن سعد وهو جالس عنده: أتعرف هذا الرأس؟ فاسترجع وقال: نعم، ولا خير في العيش بعده، قال له المختار: صدقت، فإنك لاتعيش بعده، فأمر به فقتل، وإذا رأسه مع رأس أبيه. ثم إن المختار قال: هذا بحسين هذا بعلي بن حسين، ولا سواء، والله لوقتلت به ثلاثة أرباع قريش ما وفوا أنملة من أنامله؛ فقالت حميدة بنت عمر بن سعد تبكي أباها:

لو كان غير أخي قـسـي غـره                   أو غير ذي يمن وغير الأعـجـم
سخي بنفسي ذاك شيئاً فاعلـمـوا           عنه وما البطريق مـثـل الألأم
أعطي ابن سعد في الصحيفة وابنه           عهداً يلين لـه جـنـاح الأرقـم

فلما قتل المختار عمر بن سعد وابنه بعث برأسيهما مع مسافر بن سعيد ابن نمران الناعطي وظبيان بن عمارة التميمي، حتى قدما بهما على محمد ابن الحنفية، وكتب إلى ابن الحنفية في ذلك بكتاب. قال أبو مخنف: وحدثني موسى بن عامر، قال: إنما كان هيج المختار على قتل عمر بن سعد أن يزيد بن شارحيل الأنصاري أتى محمد بن الحنفية، فسلم عليه؛ فجرى الحديث إلى أن تذاكروا المختار وخروجه وما يدعو إليه من الطلب بدماء أهل البيت، فقال محمد بن الحنفية: على أهون رسله يزعم أنه لنا شيعة، وقتلة الحسين جلساؤه على الكراسي يحدثونه! قال: فوعاها الآخر منه، فلما قدم الكوفة أتاه فسلم عليه، فسأله المختار: هل لقيت المهدي؟ فقال له: نعم، فقال: ما قال لك وماذاكرك؟ قال: فخبره الخبر. قال: فما لبث المختار عمر بن سعد وابنه أن قتلهما، ثم بعث برأسيهما إلى أبن الحنفية مع الرسولين اللذين سمينا، وكتب معهما إلى ابن الحنفية: " بسم الله الرحمن الرحيم" للمهدي محمد بن على من المختار بن أبي عبيد. سلام عليك يا أيها المهدي، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإن الله بعثني نقمة على أعدائكم، ونصر مؤازريكم. وقد بعثت إليك برأس عمر بن سعد وابنه، وقد قتلنا من شرك في دم الحسين وأهل بيته - رحمة الله عليهم- كل من قدرنا عليه، ولن يعجز الله من بقي، ولست بمنجم عنهم حتى لا يبلغني أن على أديم الأرض منهم أرميا فاكتب إلى أيها المهدي برأيك أتبعه وأكون عليه. والسلام عليك أيها المهدي ورحمة الله وبركاته.

ثم إن المختار بعث عبد الله بن كامل إلى حكيم بن طفيل الطائي السنبسي- وقد كان أصاب صلب العباس بن علي، ورمى حسيناً بسهم، فكان يقول: تعلق سهمي بسرباله وما ضره فأتاه عبد الله ابن كامل، فأخذه ثم أقبل به، وذهب أهله فاستغاثوه بعدى بن حاتم، فلحقهم في الطريق، فكلم عبد الله بن كامل فيه، فقال: ما إلى من أمره شىء، إنما ذلك إلى الأمير المختار. قال: فإني آتيه؛ قال: فأته راشداً. فمضى عدى نحو المختار، وكان المختار قد شفعه في نفر منقومه أصابهم يوم جبانة السبيع، لم يكونوا نطقوا بشىء من أمر الحسين ولا أهل بيته، فقالت الشيعة لابن كامل: إنا نخاف أن يشفع الأمير عدى بن حاتم في هذا الحبيث، وله من الذنب ما قد علمت، فدعنا نقتله. قال: شأنكم به، فلما انتهوا به إلى دار العنزيين وهو مكتوف نصبوه غرضاً، ثم قالوا له: سلبت ابن علي ثيابه، والله لنسلبن ثيابك وأنت حي تنظر!

فنزعوا ثيابه، ثم قالوا له: رميت حسيناً، واتخذته غرضاً لنبلك، وقلت: تعلق شهمي بسرباله ولم يضره، وايم الله لنرمينك كما رميته بنبال ما تعلق بك منها أجزاك. قال: فرموه رشقاً واحداً، فوقعت به منهم نبال كثيرة فخر ميتاً. قال أبو مخنف: فحدثني أ بو الجارود، عمن رآه قتيلاً كأنه قنفذ لما فيه من كثرة النبل: ودخل عدى بن حاتم على المختار فأجلسه معه على مجلسه، فأخبره عدى عما جاء له، فقال له المختار: أتستحل يا أبا طريف أن تطلب في قتلة الحسين! قال: إنه مكذوب عليه أصلحك الله! قال: إذاً ندعه لك قال: فلم يكن بأسرع من أن دخل ابن كامل فقال له المختار: ما فعل الرجل؟ قال: قتلته الشيعة: قال: وما أعجلك إلى قتله قبل أن تأتيني به وهو لايسره أنه لم يقتله وهذا عدى قد جاء فيه، وهو أهل أن يشفع ويؤتي ما سره! قال: غلبتني والله الشيعة، قال له عدى: كذبت يا عدو الله، ولكن ظننت أن من هو خير منك سيشفعني فيه، فبادرتني فقتلته، ولم يكن خطر يدفعك عما صنعت، قال: فاسحنفر إليه ابن كامل بالشتيمة، فوضع المختار إصبعه على فيه، يأمر ابن كامل بالسكوت والكف عن عدى، فقام عدى، راضياًعن المختار ساخطاً على ابن كامل، يشكوه عند من لفى من قومه. وبعث المختار إلى قاتل علي بن الحسين عبد الله ابن كامل. وهو رجل من عبد القيس يقال له مرة بن منقذ بن النعمان العبدي وكان شجاعاً، فأتاه ابن كامل فأحاط بداره، فخرج إليهم وبيده الرمح، وهو على فرس جواد، فطعن عبيد الله بن ناجية الشبامى، فصرعه ولم يضره. قال: ويضربه ابن كامل بالسيف فيتقيه بيده اليسرى، فأسرع فيها السيف، وتمطرت به الفرس، فأفلت ولحق بمصعب، وشلت يده بعد ذلك. قال: وبعث المختار أيضاً عبد الله الشاكري إلى رجل من جنب يقال له زيد بن رقاد. كان يقول: لقد رميت فتى منهم بسهم وإنه لواضع كفه على جبهته يتقى النبل فأثبت كفه في جبهته، فما استطاع أن يزيل كفه عن جبهته. قال أبو مخنف:فحدثني أبو عبد الأعلى الزبيدي أن ذلك الفتى عبد الله ابن مسلم بن عقيل، وأنه قال حيث أثبت كفه في جبهته: اللهم إنهم استقلونا و استذلونا، اللهم فاقتلهم كما قتلونا، وأذلهم كما استذلونا. ثم إنه رمى الغلام بسهم آخر فقتله، فكان يقول: جئته ميتاً فنزعت سهمي الذي قتلته به من جوفه، لم أزل أنضنض السهم من جبهته حتى نزعته، وبقى النصل في جبهته مثبتاً ما قدرت على نزعه.

قال: فلما أتى ابن كامل داره أحاط بها، واقتحم الرجال عليه، فخرج مصلتاً بسيفه - وكان شجاعاً - فقال ابن كامل: لا تضربوه بسيف، ولا تطعنوه برمح، ولكن ارموه بالنبل، وارجموه بالحجارة، ففعلوا ذلك به، فسقط، فقال ابن كامل: إن كان به رمق فأخرجوه؛ فأحرجوه وبه رمق، فدعا بنار فحرقه بها وهو حي لم تخرج روحه. وطلب المختار سنان ابن أنس الذي كان يدعى قتل الحسين، فوجده قد هرب إلى البصرة. فهدم داره. وطلب المختار عبد الله بن عقبة الغنوي فوجده قد هرب، ولحق بالجزيرة، فهدم داره وكان ذلك الغنوي قد قتل منهم غلاماً. وقتل رجل آخر من بني أسد يقال له حرملة بن كاهل رجلاً من آل الحسين، ففيهما يقول ابن أبي عقب الليثي:

وعند غنى قطرة من دمائنا      وفي أسد أخرى تعد وتذكر

وطلب رجلاً من خشعم يقال له عبد الله بن عروة الخثعمي - كان يقول: رميت فيهم باثنى عشر سهماً ضيعة - ففاته ولحق بصعب، فهدم داره. وطلب رجلاً من صداء يقال له عمرو بن صبيح، وكان يقول: لقد طعنت بعضهم وجرحت فيهم وما قتلت منهم أحداً، فأتى ليلاً وهو على سطحه وهو لا يشعر بعد ما هدأت العيون. وسيفه تحت رأسه، فأخذوه أخذاً، وأخذوا سيفه، فقال: قبحك الله سيفاُ، ما أقربك وما أبعدك! فجيء به إلى المختار، فحبسه معه في القصر، فلما أن أصبح أذن لاُصحابه، وقيل: ليدخل من شاء أن يدخل، ودخل الناس، وجيء به مقيداً، ففال: أما والله يا معشر الكفرة الفجرة أن لو بيدي سيفي لعلم أنى بنصل السيف غير رعش ولا رعديد،ما يسرني إذا كانت منيتي قتلاً أنه قتلني من الخلق أحد غيركم. لقد علمت أنكم شرار خلق الله. غير أني وددت أن بيدي سيفاُ أضرب به فيكم ساعة، ثم رفع يده فلطم عين ابن كامل وهو إلى جنبه، فضحك ابن كامل، ثم أخذ بيده وأمسكها، ثم قال: إنه يزعم أنه قد جرح في آل محمد وطعن، فمرنا بأمرك فيه، فقال المختار: علي بالرماح، فأتى بها، فقال: أطعنوه حتى يموت، فطعن بالرماح حتى مات. قال: أبو مخنف: حدثني هشام بن عبد الرحمن وابنه بن هشام أن أصحاب المختار مروا بدار بني أبي زرعة بن مسعود، فرموهم من فوقها، فأقبلوا حتى دخلوا الدار، فقتلوا الهبياط بن عثمان بن أبي زرعة الثقفي وعبد الرحمن بن عثمان بن أبي زرعة الثفقي، وأفلتهم عبد الملك ابن أبي زرعة بضربة في رأسه، فجاء يشتد حتى دخل على المختار، فأمر امرأته أم ثابت ابنة سمرة بن جندب، فداوت شجته، ثم دعاه، فقال: لا ذنب لي، إنكم رميم القوم فأغضبتموهم. وكان محمد بن الشعث بن قيس في قرية الشعث إلى جانب القادسية، فبعث المختار إليه حوشباً سادن الكرسي في مائة، فقال: انطلق إليه فإنك تجده لاهياً متصيداً، أو قائماً متلبداً، أو خائفاً متلدداً، أو كامناً متغمداً، فإن قدرت عليه فأتني برأسه. فخرج حتى أتى قصره فأحاط به، وخرج منه محمد بن الأشعث فلحق بمصعب، وأقاموا على القصر وهم يرون أنه فيه، ثم دخلوا فعلموا أنه قد فاتهم، فانصرفوا ألى المختار، فبعث إلى داره فهدمها، وبنى بلبنها وطينها دار حجر بن عدي الكندي، وكان زياد بن سمية قد هدمها ذكر الخبر عن البيعة للمختار بالبصرة قال أبو جعفر: وفي بهذه السنة دعا المثنى بن مخربة العبدي إلى البيعة للمختار بالبصرة أهلها؛ فحدثني أحمد ين زهير، عن علي بن محمد، عن عبد الله بن عطية الليثي وعامر بن الأسود، أن المثنى بن مخربة العبدي كان ممن شهد عين الوردة مع سليمان بن صرد، ثم رجع مع من رجع ممن بقى من التوابين إلى الكوفة، والمختار محبوس، فأقام حتى خرج المختار من السجن، فبايعه المثنى سراً، وقال له المختار: الحق ببلدك بالبصرة فارع الناس، وأسر أمرك؛ فقدم البصرة فدعا، فأجابه رجال من قومه وغيرهم فلما أخرج المختار ابن مطيع من الكوفة ومنع عمر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام من الكوفة خرج المثنى بن مخربة فاتخذ مسجداً، واجتمع إليه قومه، ودعا إلى المختار، ثم أتى مدينة الرزق فعسكر عندها، وجمعوا الطعام في المدينة، ونحروا الجزر، فوجه إليهم القباع عباد بن حصين وهو على شرطته، وقيس بن الهيثم في الشرط والمقاتلة، فأخذوا في سكة الموالي حتى خرجوا إلى السبخة،فوقفوا، ولزم الناس دورهم، فلم يخرج أحد، فجعل عباد ينظر هل يرى أحداً يسأله! فلم ير أحداً؛ فقال: أما ها هنا رجل من ينس تميم؟ فقال خليفة الأعور مولى بني عدي، عدى الرباب:هذه دار وراد مولى بني عبد شمس؛ قال: دق الباب، فدقه، فخرج إليه وراد، فشتمه عباد وقال: ويحك! أنا واقف ها هنا، لم لم تخرج إلي! قال: لم أدر ما يوافقك، قال: شد عليك سلاحك واركب، ففعل، ووقفوا، وأقبل أصحاب المثنى فوافقوهم،فقال عباد لوراد: قف مكانك مع قيس، فوقف قيس بن الهيثم ووراد، ورجع عباد فأخذ في طريق الذباحين، والناس وقوف في السبخة،حتى أتى الكلاُ، ولمدينة الرزق أربعة أبواب: باب مما يلي البصرة، وباب إلى الخلالين، وباب إلى المسجد، وباب إلى مهيب الشمال، فأتى الباب الذي يلي النهر مما يلي أصحاب السقط، وهو باب صغير، فوقف ودعا بسلم فوضعه مع حائط المدينة، فصعد ثلاثون رجلاً، وقال لهم: إلزموا السطح، فإذا سمعتم التكبير فكسروا على السطوح، ورجع عباد إلى قيس بن الهيثم وقال لوراد: حرش القوم؛ فطاردهم وراد، ثم التبس القتال فقتل أربعون رجلاً من أصحاب المثنى، وقتل رجل من أصحاب عباد، وسمع الذين على السطوح في دار الرزق الضجة والتكبير، فكبروا، فهرب من كان في المدينة، وسمع المثنى وأصحابه التكبير من ورائهم، فانهزموا، وأمر عباد وقيس بن الهيثم الناس بالكف عن أتباعهم وأخذوا مدينة الرزق وما كان فيها، وأتى المثنى وأصحابه عبد القيس ورجع عباد وقيس ومن معهما إلى القباع فوجههما إلى عبد القيس، فأخذ قيس بن الهيثم من ناحية الجسر، وأتاهم عباد من طريق المربد، فالتقوا فأقبل زياد بن عمرو العتكي إلى القباع وهو في المسجد جالس على المنبر، فدخل زياد المسجد على فرسه، فقال: أيها الرجل، لتردن خيلك عن إخواننا أو لنقاتلنها. فأرسل القباع الأحنف بن قيس وعمر بن عبد الرحمن المخزومي ليصلحا أمر الناس، فأتيا عبد القيس، فقال الأحنف لبكر والأسد والعامة: ألستم على بيعة ابن الزبير???????????????????????????????????????????????????? قالوا: بلى، ولكنا لا نسلم إخواننا. قال: فمروهم فليخرجوا إلى أي بلد أحبوا، ولا يفسدوا هذا المصر على أهله، وهم آمنون فليخرجوا حيث شاءوا. فمشى مالك بن مسمع وزياد بن عمرو ووجوه أصحابهم إلى المثنى، فقالوا له ولأصحابه: إنا والله ما نحن على رأيكم، ولكننا كرهنا أن تضاموا، فالحقوا بصاحبكم، فإن من أجابكم إلى رأيكم قليل، وأنتم آمنون. فقبل المثنى قولهما وما أشارا به، وانصرف ورجع الأحنف وقال: ما غبنت رأيي إلا يومي هذا القباع، وشخص المثنى إلى المختار بالكوفة في نغر يسير من أصحابه. وأصيب في تلك الحرب سويد بن رئاب الشنى، وعقبة بن عشيرة الشنى، قتله رجل من بني تميم وقتل التميمي فولغ أخو عقبة بن عشيرة في دم التميمي، وقال: ثأري. وأخبر المختار حين قدم عليه بما كان من أمر مالك بن مسمع وزياد بن عمرو ومسيرهما إليه، وذبهما عنه حتى شخص عن البصرة، فطمع المختار فيهما، فكتب إليهما: أما بعد، فاسمعا وأطيعا أوتيكما من الدنيا ما شئتما، وأضمن لكما الجنة. فقال. مالك لزياد: يا أبا المغيرة، قد أكثر لنا أبو إسحاق إعطاءنا الدنيا والآخرة???????? فقال زياد لمالك مازحاً: يا أبا غسان، أما أنا فلا أقاتل نسيئة، من أعطانا الدراهم نقاتل معه. وكتب المختار إلى الأحنف بن قيس:من المختار إلى الأحنف ومن قبله، فسلم أنتم، أما بعد، فويل أم ربيعة من مضر، فإن الأحنف مورد قومه سقر،حيث لا يستطيع لهم الصدر، وإني لا أملك ما خط في القدر، وقد بلغني أنكم تسمونني كذاباً، وقد كذب الأنبياء من قبلي، ولست بخير من كثير منهم. وكتب إلى الأحنف:

إذا اشتريت فرساً من مالـكـاً          ثم أذت الجوب في شمالـكـا
فاجعل مصاعاً حذما من بالكا

حدثني أو السائب سليم بن جنادة، قال: حدثنا الحسن بن حمادة، عن حبان بن علي، عن المجالد، عن الشعبي، قال: دخلت البصرة فقعدت إلى حلقة فيها الأحنف بن قيس، فقال لي بعض القوم: من أنت؟ قلت: رجل من أهل الكوفة؛ قال: أنتم موال لنا؛ قلت: وكيف؟

قال: قد أنقذناكم من أيدي عبيدكم من أصحاب المختار، قلت: تدري ما قال شيخ همدان فينا وفيكم؟ فقال الأحنف بن قيس: وما قال؟ قلت قال:

أفخرتم أن قتلتم أعـبـداً             وهزمتم مرة آل عـزل
وإذا فاخرتمونا فاذكـروا               ما فعلنا بكم يوم الجمـل
بين شيخ غاضب عثنونـه           وفتى أبيض وضاح رفل
جاءنا يهدج في سـابـغة              فذبحناه ضحى ذبح الحمل
وعفونا فنسيتم عـفـونـا              وكفرتم نعمة الله الأجـل
وقتلتم خشـبـيين بـهـم              بدلاً من قومكم شر بـدل

فعضب الأحنف، فقال: يا غلام، هات تلك النصيحة، فأتى بصحيفة فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم". من المختار بن أبي عبيد إلى الأحنفبن قيس، أما بعد، فويل أم ربيعة ومضر، فإن الأحنف مورد قومه سقر، حيث لا يقدرون على الصدر، وقد بلغني أنكم تكذبوني، وإن كذبت فقد كذب رسل من قبلي، ولست أنا خير منهم، فقالوا: هذا منا أو منكم. وقال هشام بن محمد عن أبي مخنف، قال: حدثني منيع بن العلاء السعدي أن مسكين بم عامر بن أنيف بن شريح بن عمرو بن عدس كان فيمن قاتل المختار، فلما هزم الناس لحق بآذربيجان بمحمد بن عمير بن عطارد. وقال:

عجبت دختنوس لما رأتـنـي          قد علاني من المشيب خمار
فأهلت بصـوتـهـا وأرنـت                 لاتهالى قد شاب منى العذار
إن تريني فقد بان غرب شبابي       وأتى دون مولدي إعـصـار
فابن عامين وابن خمسين عاماً       أى دهر إلا له أدهار????
ليت سيفي لها وجوبتهـا لـي          يوم قالـت ألا كـريم يغـار
ليتنا قبل ذلك الـيوم مـتـنـا              أو فعلنا ما تفعـل الأحـرار
فعل قوم تقاذف الخير عنهـم            لم نقاتل وقاتـل الـعـيزار
??وتوليت عنهم وأصـيبـوا                 ونفاني عنهم شنـار وعـار
لهف نفسي علي شهاب قريش       يوم يؤتى برأسه المخـتـار

وقال المتوكل الليثي:

قتلوا حسيناً ثم هم ينـعـونـه         إن الزمان بأهـلـه أطـوار
لا تبعدن بالطف قتلى ضيعت         وسقى مساكن هامها الأمطار
ما شرطة الجال تحت لـوائه            بأضل ممن غره المخـتـار
أبنى قسى أوثقوا دجـالـكـم           يجل الغبار وأنـتـم أحـرار
لو كان علم الغيب عند أخيكـم         لتوطات لكم بـه الأخـبـار
ولكان أمراً بيناً فيما مـضـى             تأتى به الأنبـاء والأخـبـار
إني لأرجو أن يكذب وحيكـم             طعن يشق عصاكم وحصار
ويجيئكم قوم كأن سـيوفـهـم           بأكفهم تحت العجـاجة نـار
لاينثنـون إذا هـم لاقـوكـم               إلا وهام كماتكـم أعـشـار