المجلد السادس - ثم دخلت سنة ثمان وسبعين: ذكر الخبر عن الكائن في هذه المدينة

ثم دخلت سنة ثمان وسبعين

ذكر الخبر عن الكائن في هذه المدينة

من الأحداث الجليلة

في ذلك عزل عبد الملك بن مروان أمية بن عبد الله عن خراسان وضمه خراسان وسجستان إلى الحجاج بن يوسف. فلم ضم ذلك إليه فرق فيه عماله. ذكر الخبر عن العمال الذين ولاهم الحجاج خراسان وسجستان وذكر سبب في توليته من ولاه ذلك وشيئاً منه ذكر أن الحجاج لما فرغ من شبيب ومطرف شخص من الكوفة إلى البصرة، واستخلف على الكوفة المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل - وقد قيل: إنه استخلف عبد الرحمن بن عبد الله بن عامر الحضرمي، ثم عزله، وجعل مكانه المغيرة بن عبد الله - فقدم عليه المهلب بها، وقد فرغ من أمر الأزارقة. فقال هشام: حدثني أبو مخنف عن أبي المخارق الراسبي، أن المهلب بن أبي صفرة لما فرغ من الأزارقة قدم على الحجاج - وذلك سنة ثمان وسبعين - فأجلسه معه، ودعا بأصحاب البلاء من أصحاب المهلب، فأخذ الحجاج لا يذكر له المهلب رجلاً من أصحابه ببلاء حسن إلا صدقه الحجاج بذلك، فحملهم الحجاج وأحسن عطاياهم، وزاد في أعطياتهم، ثم قال: هؤلاء أصحاب الفعال، وأحق بالأموال، هؤلاء حماة الثغور، وغيظ الأعداء. قال هشام عن أبي مخنف: قال يونس بن أبي إسحاق: وقد كان الحجاج ولى المهلب سجستان مع خراسان، فقال له المهلب: إلا أدلك على رجل هو أعلم بسجستان مني، وقد كان ولي كابا وزابل، وجباهم وقاتلهم وصالحهم؟ قال له: بلى، فمن هو؟ قال عبيد الله بن أبي بكرة. ثم إنه بعث المهلب على خراسان وعبيد الله بن أبي بكرة على سجستان، وكان العامل هناك أمية بن هبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية، وكان عاملاً لعبد الملك بن مروان، لم يكن للحجاج شيء من أمره حين بعث على العراق حتى كانت تلك السنة، فعزله عبد الملك وجمع سلطانه للحجاج، فمضى المهلب إلى خراسان، وعبيد الله بن أبي بكرة إلى سجستان، فمكث عبيد الله بن أبي يكرة بقية سنته. فهذه رواية أبي مخنف عن أبي المخارق، وأما علي بن محمد فإنه ذكر عن المفضل بن محمد أن خراسان وسجستان جمعتا للحجاج مع العراق في أول سنو ثمان وسبعين بعد ما قتل الخوارج، فاستعمل عبيد الله بن أبي بكرة على خراسان، والمهلب بن أبي صفرة على سجستان، فكره المهلب سجستان، فلقي عبد الرحمن بن عبيد طارق العبشمي - وكان على شرطة الحجاج - فقال: إن الأمير ولاني سجستان، وولى ابن أبي بكرة خراسان، وأنا أعرف بخراسان منه، قد عرفتها أيام الحكم بن عمرو الغفاري، وابن أبي بكرة أقوى على سجستان مني، فكلم الأمير يحولني إلى خراسان، وابن أبي بكرة إلى سجستان؛ قال: نعم، وكلم زاذان فروخ يعينني؛ فكلمه، فقال: نعم، فقال عبد الرحمن بن عبيد للحجاج: وليت المهلب سجستان وابن أبي بكرة أقوى عليها منه، فقال زاذان فروخ: صدق، قال: إنا قد كتبنا عهده؛ قال زاذان فروخ: ما أهون تحويل عهده! فحول ابن أبي بكرة إلى سجستان، والمهلب إلى خراسان، وأخذ المهلب بألف ألف من خراج الأهواز، وكان ولاها إياه خالد بن عبد الله، فقال المهلب لابنه المغيرة: إن خالداً ولاني الأهواز، وولاك إصطخر، وقد أخذني الحجاج بألف ألف، فنصف علي ونصف عليك، ولم يكن عند المهلب مال، كان إذا عزل استقرض؛ قال: فكلم أبا معاوية مولى عبد الله بن عامر - وكان أبو ماوية على بيت مال عبد الله بن عامر- فأسلف المهلب ثلثمائة ألف، فقالت خيرة القشيرية امرأة المهلب: هذا لا يفي بما عليك؛ فباعت حلياً لها ومتاعاً، فأكمل خمسمائة ألف، وحمل المغيرة إلى أبيه خمسمائة ألف فحملها إلى الحجاج، ووجه المهلب ابنه حبيباً على مقدمته، فأتى الحجاج فودعه، فأمر الحجاج له بعشرة آلاف وبغلة خضراء، قال: فسار حبيب على تلك البغلة حتى قدم خراسان هو وأصحابه على البريد، فسار عشرين يوماً، فتلقاهم حين دخلوا حمل حطب، فنفرت البغلة فتعجبوا منها ومن نفارها بعدذلك التعب وشدة السير. فلم يعرض لأمية ولا لعماله، وأقام عشرة أشهر حتى قدم عليه المهلب سنة تسع وسبعين. وحج بالناس في هذه السنة الوليد بن عبد الملك، حدثني بذلك أحمد ابن ثابت عمن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر. وكان أمير المدينة في هذه السنة أبان بن عثمان، وامير الكوفة والبصرة وخراسان وسجستان وكرمان الحجاج بن يوسف، وخليفته بخراسان المهلب، وبسجستان عبيد الله ابن أبي بكرة، وعلى فضاء الكوفة شريح، وعلى قضاء البصرة - فيما قيل- موسى بن أنس. وأغزى عبد الملك في هذه السنة يحيى بن الحكم.