المجلد السادس - ثم دخلت سنة أربع وثمانين: ذكر ما كان فيها من الأحداث

ثم دخلت سنة أربع وثمانين

ذكر ما كان فيها من الأحداث

ففيها كانت غزوة عبد الله بن عبد الملك بن مروان الروم، ففتح فيها المصيصة، كذلك ذكر الواقدي. خبر قتل الحجاج أيوب بن القرية وفيها قتل الحجاج أيوب بن القرية، وكان ممن كان مع ابن الأشعث. وكتان سبب قتله إياه- فيما ذكر - أنه كان يدخل على حوشب بن يزيد بعد انصرافه من دير الجماجم -وحوشب على الكوفة عامل للحجاج - فيقول حوشب: انظروا إلى هذا الواقف معي، وغداً أو بعد غد يأتي كتاب من الأمير لا أستطيع إلا نفاذه، فبينا هو ذات يوم واقف إذ آتاه كتاب من الحجاج: اما بعد، فإنك قد صرت كهفاً لمنافقي أهل العراق ومأوى، فإذا نظرت في كتابي هذا فابعث إلي بابن القرية مشدودة يده إلى عنقه، مع ثقة من قبلك. فلما قرأ حوشب الكتاب رمى به إليه، فقرأه فقال: سمعاً وطاعة؛ فبعث به إلى الحجاج موثقاً، فلما دخل الحجاج قال له: يا بن القرية، ما أعددت لهذا الموقف؟ قال: أصلح الله الأمير! ثلاثة حروف كأنهن ركب وقوف، دنيا، وآخرة، ومعروف. قال: إخرج مما قلت، قال: أفعل، أما الدنيا فمال الحاضر، يأكل منه البر والفاجر، وأما الآخرة فميزان عادل ومشهد ليس فيه باطل، وأما المعروف فإن كان علي اعترفت، وإن كان لي إغترفت. قال: إما لا فاعترف بالسيف إذا وقع بك. قال: أصلح الله الأمير! أقلني عشرتي، وأسغني رقيقي؛ فإنه ليس جواد إلا له كبوة، ولا شجاع إلا هبوة. قال الحجاج: كلا والله لأرينك جهنم، قال: فأرحني فإني أجد جرها، قال: قدمه يا حرسي فاضرب عنقه، فلما نظر إليه الحجاج يتشحط في دمه قال: لو كنا تركنا ابن القرية حتى نسمع من كلامه! ثم أمر به فاخرج فرمى به. قال هشام: قال عوانة: حين منع الحجاج من الكلام ابن قرية، قال له ابن القرية: أما والله لو كنت أنا وأنت على السواء لسكنا جميعاً، أو لألفيت منيعاً. فتح يزيد بن المهلب قلعة نيزك بباذغيس وفي هذه السنة فتح يزيد بن المهلب قلعة نيزك بباذغيس. ذكر سبب فتحه إياها: ذكر علي بن محمد، عن المضل بن محمد، قال: كان نيزك ينزل بقلعة باذغيس، فتحين يزيد عزوه، ووضع عليه العيون، فبلغه خروجه، فخالفه يزيد إليها، وبلغ نيزك فرجع، فصالحه على أن يدفع إليه ما في القلعة من الخزائن، ويرتحل عنها بعياله، فقال كعب بن معدان الأشقري:

وباذغيس التي من حـل ذروتـهـا               عز الملوك فإن شا جار أو ظلمـا
منعة لم يكدهـا قـبـلـه مـلـك                   إلا إذا واجهت جيشاً لـه وجـمـا
تخال نيرانها من بعد منـظـرهـا                 بعض النجوم إذا ما ليلها عتـمـا
لما أطاف بها ضاقت صـدورهـم                حتى أقروا له بالحكم فاحتـكـمـا
فذل ساكنها مـن بـعـد عـزتـه                   يعطي الجزية عارفاً بالذل مهتضما
وبـعـد ذلـك أيامـاً نـعـددهـا                       وقبلها ما كشفت الكرب والظلمـا
أعطاك ذاك ولى الرزق يقسـمـه                بين الخلائق والمحروم من حرمـا
يداك إحداهما تسقي العـدو بـهـا               سماً وأخرى نداها لـم يزل ديمـا
فهل كـسـيب يزيد أو كـنـائلـه                    إلا الفرات وإلا النيل حين طـمـا
ليسا بأجود منه حـين مـدهـمـا                إذ يعلوان حداب الأرض والأكمـا

وقال:

ثنائي على حي العتـيك بـأنـهـا                 كرام مقارها، كرام نصـابـهـا
إذا عقدوا للجار حـل بـنـجـوة                     عزيز مراقيها، منيع هضابـهـا
نفى نيزكاً عن باذغـيس ونـيزك                  بمنزلة أعيا الملوك أغتصابـهـا
محلقة دون السـمـاء كـأنـهـا                      غمامة صيف زل عنها سحابهـا
ولا يبلغ الأروى شماريخها العـلا                  ولا الطير إلا نسرها وعقابـهـا
وما خوفت بالذئب ولدان أهلـهـا                   ولا نبحت إلا النجوم كـلابـهـا
تمنيت أن ألقي العتيك ذوي النهـى             مصلة تحمى بملـك ركـابـهـا
كما يتمنى صاحب الحرث أعطشت             مزارعه غيثاً غزيراً ربـابـهـا
فأسقى بعد اليأس حتى تـحـيرت                جداولها رياً وعـب عـبـابـهـا
لقد جمع الله النوى وتـشـعـبـت                   شعوب من الآفاق شتى مآبـهـا

قال: وكان نيزك يعظم القلعة إذا رآها سجد لها. وكتب يزيد بن المهلب إلى الحجاج بالفتح، وكانت كتب يزيد إلى الحجاج يكتبها يحيى بن يعمر العدواني، وكان حليفاً لهذيل، فكتب: إن لقينا العدو فمنحنا الله أكتافهم، فقتلنا طائفة، وأسرنا طائفة، ولحقت طائفة برؤوس الجبال وعراعر الأودية، وأهضام الغيطان وأثناء الأنهار؛ فقال الحجاج: من يكتب ليزيد؟ فقيل: يحيى بن يعمر، فكتب إلى يزيد فحمله على البريد، فقدم عليه أفصح الناس، حفظت كلام أبي وكان فصيحاً. قال: من هناك فأخبرني هل يلحن عنبس ين سعيد؟ قال: نعم كثيراً، قال: ففلان؟ قال: نعم، قال: فأخبرني عنى أألحن؟ قال: نعم تلحن لحنا خفياً؛ تزيد حرفاً وتنقص حرفاً، وتجعل أن في موضع إن، وإن في موضع أن. قال: قد أجلتك ثلاثاً، فإن أجدك بعد ثلاث بأرض العراق قتلتك. فرجع إلى خراسان. وحج بالناس في هذه السنة هشام بن اسماعيل المخزومي، كذلك حدثني أحمد بن ثابت، عمن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر، وكان عمال الأمصار في هذه السنة عمالها الذين سميت قبل في سنة ثلاث وثمانين.