المجلد السادس - عزل مسلم عن العراق وخراسان

عزل مسلم عن العراق وخراسان

وفي هذه السنة عزل مسلم بن عبد الملك عن العراق وخراسان وانصرف إلى الشام.

ذكر الخبر عن سبب عزله وكيف كان ذلك

وكان شبب ذلك - فيما ذكر على بني محمد - أن مسلماً لما ولى ما ولى من أرض العراق وخراسان لم يرفع من الخراج شيئاً، وأن يزيد بن عاتكة أرداد عزظله فاستحيا منه، وكتب إليه أن استخلف على عملك وأقبل. وقد قيل أن مسلم عبد العزيز بن حاتم بن النعمان في الشخوص إلى ابن عاتكة ليزوره، فقال له : أمن شوق بك إليه! أنك لطروب، وإن عهدك به لقريب، قال: لا بد من ذلك، قال: إذاً لا تخرج من عملك حتى تلقى الوالي عليه، فشخص؛ فلما بلغ دورين لقيه عمر بن هبيرة على خمس من دواب البريد، فدخل عليه ابن هبيرة، فقال: إلى أين يا ابن هبيرة؟ فقال: وجهني أمير المؤمنين غي حيازة أموال بني المهلب. فلما خرج من عنده أرسل إلى عبد العزيز فجاءه، فقال: هذا ابن هبيرة قد لقيناه كما ترى، قال: قد أنبأتك، قال: فإنه إنما وجهه لحيازة أموال بني المهلب، قال: هذا أعجب من الأول؛ يصرف عن الجزيرة ويوجه في حيازة أموال بني المهلب، قال: فلم يلبث أن جاءه عزل ابن هبيرة عماله والغلظة عليهم فقال الفرزدق:

راحت بمسلمة الركاب مـودعـا        فارعى فزارة لا هناك المـرتـع
عزل ابن بشر وابن عمرو قبـلـه         وأخو هراة لمثـلـهـا يتـوقـع
ولق دعلمت لئن فـزارة أمـرت            أن سوف تطمع في الإمارة أشجع
من خلق ربك ما هم ولمثـلـهـم         في مثل ما نالت فزارة يطـمـع

يعني بابن بشر عبد الملك بن بشر بن مراون، وبابن عمرو محمداً ذا الشامة بن عمرو بن الوليد، وبأخي هارة سعيد خذينة بن عبد العزيز، كان عامل لمسلمة على خراسان. وفي هذه السنة غزا عمر بن هبيرة الرزم بأرمينية، فهزمهم وأسر منهم بشراً كثيراً قيل سبعمائة أسير.

بدء ظهور الدعوة وفيها وجه - فيما ذكر ميسرة- رسله من العراق إلى خراسان وظهر أمر الدعوة بها، فجاء رجل من بني تميم يقال له عمرو بن بحير بن ورقاء السعدي إلى سعيد خذينة، فقال له : إن هاهنا قوماً قد ظهر منهم كلام قبيح، فبعث إليهم سعيد فأتى بهم، فقال: من أنتم؟ قالوا: أناس من التجار؟ قال: فما هذا الذي يحكى عنكم؟ قالوا: لا ندري، قال: جئتم دعاة؟ فقالوا: إن لنا في أنفسنا وتجارتنا شغلا عن هذا، فقال: من يعرف هؤلاء؟ فجاء أناس من أهل خراسان جلهم ربيعة واليمن، قالوا: نحن نعرفهم، وهم علينا إن أتاك منهم شيء تكرهه، فاخلي سبيلهم.

ذكر خبر قتل يزيد بن أبي مسلم بإفريقية

وفيها - أعني سنة اثنتين ومائة - قتل يزيد بن أبي مسلم بإفريقية وهو وال عليها.

ذكر الخبر عن سبب قتله: وكان سبب ذلك أنه كان - فيما ذكر - عزم أن يسير بهم بسيرة الحجاج بن يوسف في أهل الإسلام الذين سكنوا الأمصار ممن كان أصله من السواد من أهل الذمة فأسلم بالعراق ممن ردهم إلى قراهم ورساتيقهم، ووضع الجزية على رقابهم على نحو ماكانت تؤخذ منهم مهم على كفرهم، فلما عزم على ذلك تآمروا في أمره، فأجمع رأيهم - فيما ذكر - على قتله فقتلوه، وولوا على أنفسهم الذي كان عليهم قبل يزيد بن أبي مسلم؛ وهو محمد بن يزيد مولى الأنصار وكان في جيش يزيد بن أبي مسلم، وكتبوا إلى يزيد بن عبد الملك: إنا لم نخلع أيدينا من الطاعة؛ ولكن يزيد بن أبي مسلم سامنا ما لا يرضى الله والمسلمون فقتلناه وأعدنا عاملك. فكتب ألهم يزيد بن عبد الملك إني لم أرض ما صنع يزيد بن أبي مسلم، وأقر محمد بن زيد على إفريقية. وفي هذه السنة استعمل عمر بن هبيرة بن معية بن سكين بن خديج بن مالك بن سعد بن عدي بن فزارة على العراق وخراسان. وحج بالناس في هذه السنة عبد الرحمن بن الضحاك؛ كذلك قال أبو معشر والواقدي. وكان العامل على المدينة عبد الرحمن بن الضحاك وعلى مكة عبد العزيز ابن عبد الله بن خالد بن أسيد. وعلى الكوفة محمد بن عمرو ذو الشامة، وعلى قضائها القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، وعلى البصرة عبد الملك بن بشر بن مروان، وعلى خراسان سعيد خذينة، وعلة مصر أسامة بن زيد.