المجلد السادس - ثم دخلت سنة ثلاث ومائة: ذكر الخبر عما كان فيا من الأحداث

ثم دخلت سنة ثلاث ومائة

ذكر الخبر عما كان فيا من الأحداث

عزل سعيد خذينة عن خراسان فمما كان فيها من ذلك عزل عمر بن هبيرة سعيد خذينة عن خراسان، وكان سبب عزله عنها- فيما ذكر علي بن محمد عن أشياخه أن المجشر بن مزاحم السلمى وعبد الله بن عمير الليثي قدما على عمر بن هبيرة، فشكواه فعزله، واستعمل سعيد بن عمرو بن الأسود بن مالك بن كعب بن وقدان بن الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وخذينة غاز بباب سمرقند، فبلغ الناس عزله، فقفل خذينة، وخلف بسمرقند ألف فارس، فقال نهار بن توسعة:

فمن ذاك مبلغ فتيان قـومـي             بأن النبل ريشـت كـل ريش
بأن اللـه أبـدل مـن سـعـيد                سعيداص لا المخنث من قريش

قال: ولم يعرض سعيد الحرشي لأحد من عمال خذينة، فقرأ رجل عهده فلحن فيه، فقال سعيد: صه مهما سمعتم فهو من الكاتب، والأمير منه بريء، فقال الشاعر يضعف الحرشي في هذا الكلام:

تبدلنا سعيداً من سـعـيد       لجد السوء والقدر المتاح

قال الطبري: وفي هذه السنة غزا العباس بن الوليد الروم ففتح مدينة يقال لها رسلة. وفيها أغارت الترك عن اللان. وفيها ضمت مكة إلى عبد الرحمن بن الضحاك الفهري، فجمعت له مع المدينة. وفيها ولى عبد الواحد بن عبد الله النضري، الطائف وعزل عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد عن مكة وفيها أمر عبد الرحمن بن الضحاك أن يجمع بين أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وعثمان بن حيان النوري، وكان من أمره وأمرهما ما قد مضى ذكره. وحج بالناس في هذه السنة عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري كذلك قال أبو معشر والواقدي. وكان عمل يزيد بن عاتكة في هده السنة على مكة والمدينة عبد الرحمن بن الضحاك، وعلى الطائف عبد الواحد بن عبد الله النضري. وعلى العراق وخراسان عمر بن هبيرة، وعلى خراسان سعيد بن عمرو الحرشي من قبل عمر بن هبيرة، وعلى قضاء الكوفة القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود وعلى قضاء البصرة عبد الملك بن يعلى.

استعمال ابن هبيرة سعيداً الحرشي على خراسان وفيها استعمل عمر بن هبيرة سعيد بن عمرو الحرشي على خراسان.

ذكر الخبر عن سبب استعماله الحرشي على خراسان

ذكر علي بن محمد عن أصحابه عن ابن هبيرة لما ولى العراق، كتب إلى يزيد بن عبد الملك بأسماء من أبلى يوم العقر، ولم يذكر الحرشي، فقال يزيد بن عبد الملك: لما لم يذكر الحرشي؟ فكتب إلى ابن هبيرة: ول الحرشي خراسان. فولاه، فقدم الحرشي على مقدمته المجشر بن مزاحم السلمى سنة ثلاث ومائة، ثم قدم الحرشي خراسان، والناس بإيزاء العدو، وقد كانوا نكبوا، فخطبهم وحثهم على الجهاد، فقال: أنكم لا تقاتلون عدو الإسلام بكثرة ولا بعدة، ولكن بنصر الله وعز الإسلام فقولوا لاحول ولا قوة إلا بالله. وقال:

فلست لعامر إن لم تـرونـي        أما الخيل أطعن بالعـوالـي
فأضرب هامة الجبار منـهـم         بغضب الحد حودث بالصقال
فما أنا في الحروب بمستكـين     وأخشى مصاولة الـرجـال
أبى لي والدي من كـل ذنـب       وخالي في الحوادث خير خال
إذا خطرت أماي حي كعـب          وزافت الجبال بنـو هـلال

ارتحال أهل السغد عن بلادهم إلى فرغانة وفي هذه السنة ارتحل أهل السغد عن بلادهم عند مقدم سعيد بن عمرو الحرشي فلحقوا بفرغانة فسألوا ملكها معونتهم على المسلمين.

ذكر الخبر عما كان منهم ومن صاحب فرغانة

ذكر علي بن محمد عن أصحابه أن السغد كانوا قد أعانوا الترك أيام خذينة، فلما وليهم الحرشي خافوا على أنفسهم، فأجمع عظمائهم على الخروج من بلادهم، فقال لهم ملكهم لا تفعلوا أقيموا واحملوا إليه خراج مامضى، واضمنوا له خراج ما تستقبلون، واضمنوا له عمارة أرضيكم والغزو معه إن أراد ذلك . واعتذروا مما كان منكم، وأعطوه رهائن يكونون في يديه.

قالوا: نخاف ألا يرضى ولا يقبل منا، ولكنا نأتي خجنده، فنستجير ملكها، ونرسل إلى الأمير فنسأله الصفح كما كان منا ونوثق له ألا يرى أمراً يكرهه، فقال: أنا رجل منكم، وما أشرت به عليكم كان خيراً لكم، فأبوا فخرجوا إلى خجندة، وخرج كارزنج وكشين وبياركث وثابت بأهل إشتيخاً، فأرسلوا إلى ملك فرغانة الطار يسألونه أن يمنعهم وينزلهم مدينته. فهم أن يفعل، فقالت له أمه: لا تدخل هؤلاء الشياطين مدينتك، ولكن فرغ لهم رستاقاً يكونون فبه، فأرسل إليهم: سموا لي رستاقاً أفرغه لكم، وأجلوني أربعين يوماً - ويقال: عشرين يوماً - وإن شئتم فرغت لكم شعب عصام بن عبد الله الباهلي - وكان قتيبة خلفه فيهم - فقبلوا شعب عصام. فأرسلوا إليه : فرغه لنا، قال: نعم، وليس لكم علي عقد ولا جوار حتى تدخلوه؛ وإن أتتكم العرب قبل أن تدخلوه لم أمنعكم، فرضوا؛ ففرغ لهم الشعب. وقد قيل: إن ابن هبيرة بعث إليهم قبل أن يخرجوا من بلادهم يسألهم أن يقيموا، ويستعمل عليهم من أحبوا، فأبوا وخرجوا إلى خجندة وشعب عصام بن رستاق أسفرة - وأسفرة يومئذ ولي عهد ملك فرغانا بلاذا، وبيلاذا أنوجور ملكها. وقيل: قال لهم كارزنج: أخيركم ثلاث خصال، إن تركتموها هلكتم: إن سعيداً فارس العرب، وقد توجه على مقدمته عبد الرحمن بن عبد الله القشيري في حماة أصحابه، فبيتوه فاقتلوه؛ فإن الحرشي إذا أتاه خبره لم يغزكم، فأبوا عليه، قال: فاقطعوا نهر الشاش، فسلوهم ماذا تريدون؟ فإن أجابوكم وإلا مضيتم إلى سوياب، قالوا: لا قال: فأعطوهم. قال: فارتحل كارزنج وجلنج بأهل قي، وأباربن ماخنون وثابت بأهل إشتيخن، وارتحل أهل بياكرث وأهل سسكث بألف رجل عليهم مناطق الذهب مع دهاقين بزماجن، فارتحل الديواشني بأهل بنجيكث إلى حصن أبغر، ولحق كارزنج وأهل السغد بخجندة.