المجلد السابع - خبر قتل خالد بن عبد الله القسري

خبر قتل خالد بن عبد الله القسريّ

وفي هذه السنة قتل خالد بن عبد الله القسريّ.

ذكر الخبر عن مقتله وسبب ذلك

قد تقدم ذكرنا اللخبر عن عزل هشام إياه عن عماه ووليته العراق وخراسان واستعماله على العراق يوسف بن عمر؛ وكان - فيما ذكر - عمل لهشام على ذلك خمس عسرة سنة غير أشهر؛ وذلك أنه - فيما قيل - ولى العراق لهشام سنة خمس ومائة، وعزل عنها في جمادى الأولى سنة عشرين ومائة. ولما عزله هشام وقدم عليه يوسف واسطاً أخذه وحبسه بها، ثم شخص يوسف بن عمر إلى الحيرة؛ فلم يزل محبوساً بالحيرة تمام. ثمانية عشر شهراً مع أخيه إسماعيل بن عبد الله وابنيه يزيد بن خالد وابن أخيه المنذر بن أسد بن عبد الله. واستأذن يوسف هشاماً في إطلاق يده عليه وتعذيبه، فلم يأذنن له حتى أكثر عليه واعتلّ عليه بانكسار الخراج وذهاب الأموال، فأذن له مرّة واحدة، وبعث حرسيّاً يشهد ذلك؛ وحلف: لئن أتى على خالد أجله وهو في يده ليقتلنّه؛ فدعا به يوسف؛ فجلس على دكان بالحيرة وحضرالناس، وبسط عليه؛ فلم يكلمه واحدة حتى شتمه يوسف فقال: يابن الكاهن - يعني شقّ بن صعب الكاهن - فقال خالد: إنك لأحمق، تعيرني بشرفي! ولكنك يابن السبّاء، إنما كان أبوك سبّاء خمر - يعني يبيع الخمر - ثم ردّه إلى حبسه، ثم كتب إليه هشام يأمره بتخلية سبيله في شوال إحدى وعشرين ومائة، فنزل خالد في قصر إسماعيل بن عبد الله بدوران، خلف جسر الكوفة، وخرج يزيد بن خالد وحده؛ فأخذ على بلاد طيء؛ حتى ورد دمشق، وخرج خالد ومعه إسماعيل والوليد؛ قد جهزهم عبد الرحمن بن عنبسة بن سعيد ابن العاص، وبعث بالأثقال إلى قصر بني مقاتل، وكان يوسف قد بعث خيلا، فأخذت الزاد والأثقال والإبل وموالي خالد كانوا فيها، فضرب وباع ما أخذ لهم، ورد بعض الموالي إلى الرقّ، فقدم خالد قصر بني مقاتل؛ وقد أخذ كل شيء لهم، فسار إلى هيت، ثم تحمّلوا إلىالقرية - وهي بإزاء باب الرُّصافة - فأقام بها بقيّة شوال وذا القعدة وذا الحجة والمحرّم وصفر؛ لا يأذن لهم هشام في القدوم عليه؛ والأبرش يكاتب خالداً. وخرج زيد بن عليّ فقتل.

قال الهيثم بن عديّ - فيما ذكر عنه -: وكتب يوسف إلى هشام: إن أهل هذا البيت من بني هاشم قد كانوا هلكوا جوعاً؛ حتى كانت همَّة أحدهم قوت عاليه؛ فلما ولى خالد العراق أعطاهم الأموال فقووا بها حتى تاقت أنفسهم إلى طلب الخلافة، وما خرج زيد إلا عن رأي خالد؛ والدليل على ذلك نزول خالد بالقرية على مدرجة العراق يستنشي أخبارها.

فسكت هشام حتى فرغ من قراءة الكتاب، ثم قال للحكم بن حزن القينيّ - وكان على الوفد، وقد أمره يوسف بتصديق ما كتب به ففعل - فقال له هشام: كذبت وكذب من أرسلك؛ ومهما اتّهمنا خالداً فلسنا نتّهمه في طاعة؛ وأمر به فوجئت عنقه. وبلغ الخبر خالداً فسار حتى نزل دمشق فأقام حتى حضرت الصائفة، فخرج فيها ومعه يزيد وهشام ابنا خالد بن عبد الله؛ وعلى دمشق يومئذ كلثوم بن عياض القسريّ، وكان متحملا على خالد؛ فلما أدربوا ظهر في دور دمشق حريق؛ كل ليلة يلقيه رجل من أهل العراق يقال له أبو العمرّس وأصحاب له؛ فإذا وقع الحريق أغاروا يسرقون. وكان إسماعيل بن عبد الله والمنذر بن أسد بن عبد الله وسعيد ومحمد ابنا خالد بالساحل لحدث كان من الروم؛ فكتب كلثوم إلى هشام يذكر الحريق، ويخبره أنه لم يكن قطّ؛ وأنه عمل مولى خالد؛ يريدون الوثوب على بيت المال. فكتب إليه هشام يأمره أن يحبس آل خالد؛ الصغير منهم والكبير ومواليهم والنساء؛ فأخذ إسماعيل والمنذر ومحمد وسعيد من الساحل فقدم بهم في الجوامع ومن كان معهم من مواليهم؛ وحبس أمّ جرير بنت خالد والرّائقة وجميع النساء والصبيان؛ ثم ظهر على أبي العمّرس؛ فأخذو من كان معه. فكتب الوليد بن عبد الرحمن عامل خراج دمشق إلى هشام يخبره بأخذ ابن العمّرس ومن كان معه؛ سماهم رجلا رجلا، ونسبهم إلى قبائلهم وأمصارهم، ولم يذكر فيهم أحد من موالي خالد، فكتب هشام إلى كلثوم يشتمه ويعنفه، ويأمره بتخلية سبيل جميع من حبس منهم، فأرسلهم جميعاً واحتبس الموالي رجاء أن يكلمه فيهم خالد إذا قدم من الصائفة. فلما أقبل الناس وخرجوا عن الدّرب بلغ خالداً حبس أهله، ولم يبلغه تخليتهم؛ فدخل يزيد بن خالد في غمار الناس حتى أتى حمص، وأقبل خالد حتى نزل منزله من دمشق، فلما أصبح أتاه الناس، فبعث إلى ابنتيه: زينب وعاتكة؛ فقال: إني قد كبرت وأحببت أن تليا خدمتي؛ فسرّتا بذلك - ودخل عليه إسماعيل أخوه ويزيد وسعيد ابناه، وأمر بالإذن، فقامت ابنتاه لتتنحّيا، فقال: وما لهما تتنحيّان، وهشام في كلّ يوم يسوقهنّ إلى الحبس! فدخل الناس، فقام إسماعيل وابناه دون ابنتيه يسترونهما، فقال خالد: خرجت غازياً في سبيل الله؛ سامعاً مطيعاً، فخلفت في عقبي، وأخذ حرمى وحرم أهل بيتي؛ فحبسوا مع أهل الجرائم كما يفعل بأهل الشرك! فما منع عصابةً منكم أن تقوم فتقول: علام حبس حرم هذا السامع المطيع! أخفتم أن تقتلوا جميعاً! أخافكم الله! ثم قال: مالي ولهشام! ليكفنّ عني هشام أو لأدعونّ إلى عراقيّ الهوى شأميّ الدار حجازيّ الأصل - يعني محمد بن عليّ بن عبد الله ابن عباس - وقد أذنت لكم أن تبلّغوا هشاماً. فلما بلغه ما قال، قال: خرف أبو الهيثم.

وذكر أبو زيد أن أحمد بن معاوية حدثه عن أبي الخطاب، قال: قال خالد: لئن ساء صحاب الرُّصافة - يعني هشاماً - لننصبنّ لنا الشأمّى الحجازيّ العراقيّ، ولو نخر نخرةً تداعت من أقطارها.

فبلغت هشاماً، فكتب إليه: إنك هذّاءة هذرة، أببجيلة القليلة الذليلة تتهددّني! قال: فوالله ما نصره أحد بيد ولا بلسان إلا رجل من عبس فإنه قال:

ألا إنّ بحر الجود أصبـح سـاجـياً                    أسير ثقيف موثقاً في السـلاسـل
فأن تسجنوا القسريّ لا تسجنوا اسمه         ولا تسجنوا معروفه في القـبـائل

فأقام خالد ويزيد وجماعة أهل بيته بدمشق، ويوسف ملح على هشام يسأله أن يوجّه إليه يزيد. وكتب هشام إلى كلثوم بن عياض يأمره بأخذ يزيد والبعثة به إلى يوسف، فوجه كلثوم إلى يزيد خيلاً وهو في منزله، فشدّ عليهم يزيد، فأفرجوا له، ثم مضى على فرسه، وجاءت الخيل إلى كلثوم فأخبروه، فأرسل إلى خالد الغد من يوم تنحّى يزيد خيلا، فدعا خالد بثيابه فلبسها. وتصارخ النساء، فقال رجل منهم: لو أمرت هؤلاء النسوة فسكتن! فقال: ولم؟ أما والله لولا الطاعة لعلم عبد بني قسر أنه لا ينال هذه منى، فأعلموه مقالتي؛ فإن كان عربياً كما يزعم، فليطلب جده مني، ثم مضى معهم فحبس في حبس دمشق. وسار إسماعيل من يومه حتى قدم الرُّصافة على هشام، فدخل على أبي الزبير حاجبه فأخبره بحبس خالد، فدخل أبو الزبير على هاشم فأعلمه، فكتب إلى كاثوم يعنّفه، ويقول: خليت عمن أمرتك بحبسه، وحبست من لم آمرك بحبسه. ويأمره بتخلية سبيل خالد، فخلاه.

وكان هشام إذا أراد أمراً أمر الأبرش فكتب به إلى خالد، فكتب الأبرش: إنه بلغ أمير المؤمنين أن عبد الرحمن بن ثويب الضّني - ضنة سعد إخوة عذرة ابن سعد - قام إليك، فقال: يا خالد إني لأحبك لعشر خصال: إن الله كريم وأنت كريم، والله جواد وأنت جواد، والله رحيم وأنت رحيم، والله حليم وأنت حليم ... حتى عد عشراً؛ وأمير المؤمنين يقسم بالله لئن تحقق عنده ذلك ليستحلنّ دمك؛ فاكتب إليّ بالأمر على وجهه لأخبر به أمير المؤمنين.فكتب إليه خالد: إن ذلك المجلس كان أكثر أهلاً من أن يجوز لأحد من أهل البغي والفجور أن يحرِّف ما كان فيه إلى غيره؛ قام إلى عبد الرحمن ابن ثويب، فقال: يا خال أني لأحبّك لعشر خصال: إن الله كريم يحب كل كريم، والله يحبك وأنا أحبك لحبّ الله إياك؛ حتى عدّد عشر خصال؛ ولكن أعظم من ذلك قيام أبن شقي الحميريّ إلى أمير المؤمنين، وقوله: يا أمير المؤمنين، خليفتك في أهلك أكرم عليك أم رسولك؟ فقال أمير المؤمنين: بل خليفتي في أهلي، فقال ابن شقي: فأنت خليفة الله ومحمد رسوله؛ ولعمري لضلالة رجل من بجيلة إن ضلّ أهون على العامة والخاصّة من ضلال أمير المؤمنين. فأقرأ الأبرش هشاماً كتابه، فقال خرف أبو الهيثم.

فأقام خالد بدمشق خلافة هشام حتى هلك، فلما هلك هشام، وقام الوليد، قدم عليه أشراف الأجناد؛ فيهم خالد؛ فلم يأذن لأحد منهم. واشتكى خالد، فاستاذن له، فرجع إلى دمشق، فأقام أشهراً، ثم كتب إليه الوليد: إنّ أمير المؤمنين قد علم حال الخمسين الألف ألف؛ التي تعلم، فاقدم على أمير المؤمنين مع رسوله؛ فقدم أمره ألاّ يجعلك عن جهاز.

فبعث خالد إلى عدّة من ثقاته؛ منهم عمارة بن أبي كلثم الأزديّ، فأقرأهم الكتاب، وقال: أشيروا عليّ؛ فقالوا: إنّ الوليد ليس بمأمون عليك؛ فالرأي أن تدخل دمشق، فتأخذ بيوت الأموال وتدعو إلى من أحببت؛ فأكثر الناس قومك؛ ولن يختلف عليك رجلان، قال: أو ماذا؟ قالوا: تأخذ بيوت الأموال، وتقيم حتى تتوثّق لنفسك، ققال: أو ماذا؟ قالوا: أو تتوارى. قال: أما قولكم: تدعو إلى من أحببت؛ فإني أكره أن تكون الفرقة والاختلاف على يدي، وأما قولكم: تتوثّق لنفسك، فأنتم لا تأمنون عليّ الوليد؛ ولا ذنب لي، فكيف ترجون وفاءه لي وقد أخذت بيوت الأموال! وأما التوارى؛ فوالله ما قنّعت رأسي خوفاً من أحد قطّ؛ فالآن وقد بلغت من السنّ ما بلغت! لا، ولكن أمضى وأستعين الله.

فخرج حتى قدم على الوليد فلم يدع به، ولم يكلّمه وهو في بيته؛ معه مواليه وخدمه، حتى قدم برأس يحيى بن زيد من خراسان، فجمع الناس في رواق، وجلس الوليد، وجاء الحاجب فوقف، فقال له خالد: إن حالي ما ترى؛ لا أقدر على المشي؛ وإنما أحمل في كرسيّ، فقال الحاجب: لا يدخل عليه أحد يحمل، ثم أذن لثلاثة نفر، ثم قال: قم يا خالد، فقال: حالى ماذكرت لك، ثم أذن لرجل أو رجلين؛ فقال: قم يا خالد، إن حالى ما ذكرت لك؛ حتى أذن لعشرة، ثم قال: قم يا خالد، وأذن للناس كلهم، وأمر بخالد فحمل على كرسيّه؛ فدخل به والوليد جالس على سريره.والموائد موضوعة،والناس بين يديه سماطان،وشبّة بن عقّال - أو عقال بن شبّة - يخطب، ورأس يحيى بن زيد منصوب، فميل بخالد إلى أحد السماطين، فلما فرغ الخطيب قام الوليد وصرف الناس، وحمل خالد إلى أهله؛ فلما نزع ثيابه جاءه رسول الوليد فردّه، فلما صار إلى باب السرادق وقف فخرج إليه رسول الوليد، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: أين يزيد بن خالد؟ فقال: كان أصابه من هشام ظفر، ثم طلبه فهرب منه، وكنا نراه عند أمير المؤمنين حتى استخلفه الله؛ فلما لم يظهر ظننّاه ببلاد قومه من السّراة، وما أوشكه. فرجع إليه الرسول، فقال: لا ولكنك خلفته طلباً للفتنة. فقال خالد للرسول: قد علم أمير المؤمنين أنّا أهل بيت طاعة، أنا وأبي وجدي - قال خالد: وقد كنت أعلم بسرعة رجعة الرسول؛ أنّ الوليد قريب حيث يسمع كلامي - فرجع الرّسول، فقال: يقول لك أمير المؤمنين؛ لتأتينّ به أو لأزهقنّ نفسك. فرفع خالد صوته، وقال: قل له: هذا أردت، وعليه درت؛ والله لو كان تحت قدميّ ما رفعتهما لك عنه؛ فاصنع ما بدا لك! فأمر الوليد غيلان صاحب حرسه بالبسط عليه، وقال له: أسمعني صوته، فذهب به غيلان إلى رحله، فعذّبه بالسلاسل، فلم يتكلم، فرجع غيلان إلى الوليد، فقال: والله ما أعذّب إنساناً؛ والله ما يتكلم ولا يتأوّه، فقال: اكفف عنه واحبسه عندك. فحبسه حتى قدم يوسف بن عمر بمال من العراق، ثم أداروا الأمر بينهم، وجلس الوليد للناس ويوسف عنده؛ فتكلّم أبان بن عبد الرحمن النميريّ في خالد، فقال يوسف: أنا أشتريه بخمسين ألف ألف، فأرسل الوليد إلى خالد: إنّ يوسف يشتريك بخمسين ألف ألف؛ فإن كنت تضمنها وإلاّ دفعتك إليه، فقال خالد: ما عهدت العرب تباع؛ والله لو سألني أن أضمن هذا - ورفع عوداً من الأرض - ما ضمنته، فرَ رأيك.

فدفعه إلى يوسف، فنزع ثيابه ودرّعه عباءة ولحفه بأخرى، وحمله في محمل بغير وطاء، وزميله أبو قحافة المريّ ابن أخي الوليد بن تليد - وكان عامل هشام على الموصل، فانطلق به حتى نزل المحدثة، على مرحلة من عسكر الوليد. ثم دعا به فذكر أمّه، فقال: وما ذكر الأمهات لعنك الله! والله لا أكلمك كلمة أبداً. فبسط عليه، وعذّبه عذاباً شديداً وهو لا يكلّمه كلمة. ثم ارتحل به حتى إذا كان ببعض الطريق بعث إليه زيد بن تميم القينيّ بشربة سويق حبّ رمّان مع مولى له يقال له سالم النفّاط، فبلغ يوسف فضرب زيداً خمسمائة سوط، وضرب سالماً ألف صوط. ثم قدم يوسف الحيرة فدعا به وبإبراهيم ومحمد ابني هشام فبسط على خالد، فلم يكلمه، وصبر إبراهيم ابن هشام وخرع محمد بن هشام. فمكث خالد يوماً في العذاب، ثم وضع على صدره المضرّسة فقتله من الليل، ودفن بناحية الحيرة في عباءته التي كان فيها، وذلك في المحرّم سنة ست وعشرين ومائة في قول الهيثم بن عديّ، فأقبل عامر بن سهلة الأشعريّ فعقر فرسه على قبره، فضربه يوسف سبعمائة سوط.

قال أبو زيد: حدّثني أبو نعيم قال: حدّثني رجل، قال: شهدت خالداً حين أتيَ به يوسف، فدعا بعود فوضع على قدميه، ثم قامت عليه الرّجال حتى كسرت قدماه؛ فوالله ما تكلّم ولا عبس، ثم على ساقيه حتى كسرتا، ثم على فخذيه ثم على حقويه ثم على صدره حتى مات، فوالله ما تكلم ولا عبس، فقال خلف بن خليفة لما قتل الوليد بن يزيد:

لقد سكنت كلب وأسباق مذحـج            صدى كان يزقو ليله غير راقد
تركن أمير المؤمنين بـخـالـد                   مكباً على خيشومه غير ساجد
فإن تقطعوا منّا منـاط قـلادة                   قطعنا به منكم منـاط قـلائد
وإن تشغلونا عن ندانا فـإنـنـا                 شغلنا الوليد عن غناء الـولائد

وإن سافر القسريّ سفرة هالك          فإن أبا العباس ليس بشـاهـد

وقال حسان بن جعدة الجعفريّ يكذّب خلف بن خليفة في قوله هذا:

إن امرأً يدعي قتل الوليد سوى       أعمامه لملىء النفس بالكـذب
ما كان إلا امرأ حانت منـيتـه            سارت إليه بنو مروان بالعرب

وقال أبو محجن مولى خالد:

سائل وليداً وسائل أهل عسكـره            غداة صبّحه شؤبوبنـا الـبـرد
هل جاء من مضر نفس فتمنعـه             والخيل تحت عجاج الموت تطرد
من يهجنا جاهلاً بالشعر ننقضـه            بالبيض إنا بها نهجو ونـفـتـئد

وقال نصر بن سعيد الأنصاريّ:

أبلغ يزيد بني كرز مغـلـفـغـلة           أني شفيت بغيب غـير مـوتـور
قطعت أوصال قنور على حـنـق         بصارم من سيوف الهند مـأثـور
أمست حلائل قـنـور مـجـدعة           لمصرع العبد قنور بـن قـنـور
ظلّت كلاب دمشق وهي تنهـشـه    كأن أعضاءه أعضـاء خـنـزير
غادرن منه بقايا عند مصـرعـه           أنقاض شلو على الأطناب مجرور
حكّمت سيفك إذ لم ترض حكمهـم    والسيف يحكم حكماً غير تعـذير
لا ترض من خالد إن كنت متـئراً         إلا بكل عظيم الملك مـشـهـور
أسعرت ملك نزال ثم رعـتـهـم           بالخيل تركض بالشم المـغـاوير
ما كان في آل قنـور ولا ولـدوا            عدلاً لبدر سماء ساطـع الـنّـور