المجلد السابع - خبر الحارث بن سريج مع يزيد

خبر الحارث بن سريج مع يزيد

وفي هذه السنة آمن يزيد بن الوليد الحاررث بن سريج، وكتب له بذلك، فكتب إلى عبد الله بن عمر يأمره بردّ ما كان أخذ منه ماله وولده .

ذكر الخبر عن سبب ذلك

ذكر أن الفتنة لما وقعت بخرسان بين نصر والكرمانيّ، خاف نصر قدوم الحارث بن سريج عليه بأصحابه والترك، فيكون أمره أشد عليه من الكرمانيّوغيره، وطمع أن يناصحه، فأرسل إلليه مقاتل بن حيان النبطيّ وثعلبة بن صفوان البنانيّ وأنس بن بجالة الأعرجيّ هدبة الشعراويّ وربيعة القرشيّ ليردّوه عن بلاد الترك.

فذكر عليّ بن محمد عن شيوخه أن خالد بن زياد البدّيّ من أهل التّرمذ وخالد بن عمر مولى بني عامر، خارجا إلى يزيد بن الوليد يطلبان الأمان للحارث بن سريج، فقما الكوفة، فلقيا سعيد خدينة، فقال لخالد ابن زياد: أتدري لم سمّوني خدينة؟ قال: لا، قال: أرادوني على قتل أهل اليمن فأبيت، وسألا أبا حنيفة أن يكتب لهما إلى الأجلح - وكان من خاصةيزيد بن الوليد - فكتب لهما إليه، فأدخلمها عليه، فقال له خالد بن زياد: يا أمير المؤمنين، قتلت ابن عمك لإقامة كتاب الله ، وعمالك يغشمون ويظلمون! قال : لا أجد أعواناً غيرهم، وإني لأغضهم، قال: يا أمير المؤمنين، ولّ أهل البيوتات، وضمّ إلى كل عامل رجلاً من أهل الخير والفقه يأخذونهم بما في عهدك، قال: أفعل، وسألاه أماناً للحارث بن سريج، فكتب له: أما بعد، فإنا غضبنا الله، إذ عطلت حدود، وبلغ بعباده كل مبلغ، وسفكت الدماء بغير حلها، وأخذت الأموال بغير حقها، فأردنا أن نعمل في هذه الأمة بكتاب الله عز وجلّ وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا قوّة إلا بالله؛ فقد أوضحنا لك عن ذات أنفسنا؛ فأقبل آمناً أنت ومن معك؛ فإنكم إخواننا وأعواننا. وقد كتبت إلى عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بردّ ما كان اصطفى من أموالكم وذراريكم.

فقدما الكوفة فدخلا على ابن عمر، فقال خالد بن زياد: أصلح الله الأمير? ألا تأمر عمالك بسيرة أبيك؟ قال: أوليس سيرة عمر ظاهرة معروفة? قال: فما ينفع النّاس منها ولا يعمل بها? ثم قدما مرو فدفعا كتاب يزيد إلى نصر، فردّ ما كان أخذ لهم مما قدر عليه. ثم نفذا إلى الحارث، فلقيا مقاتل بن حيّان وأصحابه الذين وجهّهم نصر إلى الحارث. وكان ابن عمر كتب إلى نصر: إنك آمنت الحارث بغير إذني ولا إذن الخليفة. فأسقط في يديه، فبعث يزيد بن الأحمر وأمره أن يفتك بالحارث إذا صار معه في السفينة. فلما لقيا مقاتلاً بآمل قطع إليه مقاتل بنفسه، فكفّ عنه يزيد. قال: فأقبل الحارث يريد مرو - وكان مقامه بأرض الشرّك اثنتي عشرة سنة - وقدم معه القاسم الشيبانيّ ومضرس بن عمران قاضيه وعبد الله بن سنان. فقدم سمرقند وعليها منصور بن عمر فلم يتلقّه، وقال: ألحسن بلائه وكتب إلى نصر يستأذنه في الحارث أن يثب به، فأيهما قتل صاحبه فإلى الجنة أو إلى النار. وكتب إليه: لئن قدم الحارث علىالأمير وقد ضرّ ببني أمية في سلطانهم؛ وهو والغ في دم بعد دم، قد طوى كشحاً عن الدنيا بعد أن كان في سلطانهم أقراهم لضيف، وأشدهم بأساً، وأنفذهم غارة في الترك؛ ليفّرقن عليك بني تميم. وكان سردرخداه محبوساً عند منصور بن عمر؛ لأنه قتل بياسان، فاستعدى ابنه جنده منصوراً، فحبسه، فكلم الحارث منصوراً فيه، فخلى سبيله، فلزم الحارث ووفّى له.

كتاب إبراهيم الإمام إلى شيعة بني العباس وفي هذه السنة - فيما زعم بعضهم - وجه إبراهيم بن محمد الإمام أبا هاشم بكير بن ماهان إلى خراسان، وبعث معه بالسيرة والوصيّه. فقدم مرو، وجمع النقباء ومن بها من الدّعاة، فنعى لهم الإمام محمد بن عليّ، ودعاهم إلى إبراهيم، ودفع إليهم كتاب إبراهيم، فقبلوه ودفعوا إليه ما اجتمع عندهم من نفقات الشيعة، فقدم بها بكير على إبراهيم بن محمد.

ذكر بيعة إبرهيم بن الوليد بالعهد

وفي هذه السنة أخذ يزيد بن الوليد لأخيه إبراهيم بن الوليد على الناس البيعة، وجعله وليّ عهده، ولعبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك بعد إبراهيم ابن الوليد؛ وكان السبب في ذلك - فيما حدثني أحمد بن زهير، عن عليّ ابن محمد - أن يزيد بن الوليد مرض في ذي الحجة سنة ست وعشرين ومائة، فقيل له: بايع لأخيك إبراهيم ولعبد العزيز بن الحجاج من بعده. قال: فلم تزل القدرية يحثونه عل البيعة، ويقولون له: إنه لا يحلّ لك أن تهمل أمر الأمة فبايع لأخيك؛ حتى بايع لإبراهيم ولعبد العزيز بن الحجاج من بعده.
وفي هذه السنة عزل يزيد بن الوليد يوسف بن محمد بن يوسف عن المدينة، وولاها عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن عثمان. قال محمد بن عمر: يقال إن يزيد بن الوليد لم يوله، ولكنه افتعل كتاباً بولايته المدينة، فعزله يزيد عنها، وولاها عبد العزيز بن عمر، فقدمها لليلتين بقيتا من ذي القعدة.

ذكر خلاف مروان بن محمد على يزيد وفي هذه السنة أظهر مروان بن محمد الخلاف على يزيد بن الوليد؛ وانصرف من أرمينية إلى الجزيرة، مظهراً أنه طالب بدم الوليد بن يزيد. فلما صار بحرّان بايع يزيد.

ذكر الخبر عما كان منه في ذلك وعن

السبب الذي حمله على الخلاف ثم البيعة

حدثني أحمد بن زهير، قال: حدثنا عبد الوهاب بن إبراهيم بن خالد ابن يزيد بن هريم، قال: حدثنا أبو هاشم مخلد بن صالح مولى عثمان بن عفان - وسألته عما شهد ما حدثنا به فقال: لم أزل في عسكر مروان بن محمد - قال: كان عبد الملك بن مروان بن محمد بن مروان حين انصرف عن غزاته الصائفة مع الغمر بن يزيد بحران، فأتاه قتل الوليد وهو بها، وعلى الجزيرة عبدة بن رباح الغسانيّ عاملا للوليد عليها، فشخص منها - حيث بلغه قتل الوليد - إلى الشأم، ووثب عبد الملك بن مروان بن محمد على حران ومدائن الجزيرة فضبطها، وولاها سليمان بن عبد الله بن علاثة، وكتب إلى أبيه بأرمينية يعلمه بذلك، ويشير عليه بتعجيل السير والقدوم. فتهيأ مروان للمسير، وأظهر أنه يطلب بدم الوليد، وكره أن يدع الثغر معطّلا حتى يحكم أمره؛ فوجّه إلى أهل الباب إسحاق بن مسلم العقيليّ - وهو رأس قيس - وثابت بن نعيم الجذاميّ من أهل فلسطين - وهو رأس اليمن - وكان سبب صحبة ثابت إياه أن مروان كان خلصه من حبس هشام بالرّصافة. وكان مروان يقدم على هشام المرة في السنتين، فيرفع إليه أمر الثغر وحاله ومصلحة من به من جنوده، وما ينبغي أن يعمل به في عدوه. وكان سبب حبس هشام ثابتاً ما قد ذكرنا قبل من أمره مع حنظلة بن صفوان وإفساده عليه الجند الذين كان هشام وجههم معه لحرب البربر وأهل إفريقية؛ إذ قتلوا عامل هشام عليهم، كلثوم بن عياض القسريّ، فشكا ذلك من أمره حنظلة إلى هشام في كتاب كتبه إليه، فأمر هشام حنظلة بتوجيهه إليه في الحديد، فوجّهه حنظلة إليه، فحبسه هشام، فلم يزل في حبسه حتى قدم مروان بن محمد على هشام في بعض وفاداته - وقد ذكرنا بعض أمر كلثوم ابن عياض وأمر إفريقية معه في موضعه فيما مضى من كتابنا هذا - فلما قدم مروان على هشام أتاه رءوس أهل اليمانية؛ ممن كان مع هشام، فطلبوا إليه فيه؛ وكان ممن كلمه فيه كعب بن حامد العبسيّ صاحب شرط هشام وعبد الرحمن بن الضخم وسلمان بن حبيب قاضيه، فاستوهب مروان منه فوهبه له، فشخص إلى أرمينية، فولاه وحباه، فلما وجّه مروان ثابتاً مع إسحاق إلىأهل الباب، كتب إليهم كتاباً يعلمهم فيه حال ثغرهم وما لهم من الأجر في لزوم أمرهم ومراكزهم، وما في ثبوتهم فيه من دفع مكروه العدو عن ذراريّ المسلمين.

قال: وحمل إليهم معهما أعطياتهم، وولى عليهم رجلاً من أهل فلسطين يقال له حميد بن عبد الله اللخميّ - وكان راضياً فيهم وكان وليهم قبل ذلك - فحمدوا ولايته. فقاما فيهم بأمره، وأبلغهم رسالته، وقرآ عليهم كتابه، فأجابوا إلى الثبوت في ثغرهم وازوم مراكزهم ثم بلغه أن ثابتاً قد كان يدس إلى قوادهم بالانصراف من ثغرهم وللحاق بأجنادهم، فلما انصرفا إليه تهيأ للمسير وعرض جنده، ودس ثابت بن نعيم إلى من معه من أهل الشأم بالانخزال عن مروان والانضمام إليه ليسير بهم إلى أجنادهم، ويتولى أمرهم؛ فانخزلوا عن عسكرهم مع من فرّ ليلا وعسكروا على حدة. وبلغ مروان أمرهم فبات ليلته ومن معه في السلاح يتحارسون حتى أصبح؛ ثم خرج إليهم بمن معه ومن مع ثابت يضعفون على من مع مروان، فصافوهم ليقاتلوهم، فأمر مروان منادين فنادوا بين الصّفين من الميمنة والميسرة والقلب، فنادوهم: يا أهل الشأم؛ ما دعاكم إلى الانعزال! وما الذي نقمتم عليّ فيه من سيرى! ألم ألكم بما تحبّون، وأحسن السيرة فيكم والولاية عليكم! ما الذي دعاكم إلى سفك دمائكم! فأجابوه بأنا كنا نطيعك بطاعة خليفتنا وقد قتل خليفتنا وبايع أهل الشأم يزيد بن الوليد، فرضينا بولاية ثابت، ورأسناه ليسير بنا على ألويتنا حتى نردّ إلى أجنادنا. فأمر مناديه فنادى: أن قد كذبتم، وليس تريدون الذي قلتم؛ وإنما أردتم أن تركبوا رءوسكم، فتغصبوا من مررتم به من أهل الذمّة أموالهم وأطعمتهم وأعلافهم؛ وما بيني وبينكم إلا السيف حتى تنقادوا إليّ، فأسير بكم حتى أوردكم الفرات، ثم أخلي عن كل قائد وجنده، فتلحقون بأجنادكم. فلما رأوا الجدّ منه انقادوا إليه ومالوا له، وأمكنوه من ثابت بن نعيم وأولاده؛ وهم أربعة رجال: رفاعة، ونعيم، وبكر، وعمران. قال: فأمر بهم فأنزلوا عن خيولهم، وسلبوا سلاحهم، ووضع في أرجلهم السلاسل. ووكل بهم عدّة من حرسه يحتفظون بهم، وشخص بجماعة من الجند من أهل الشأم والجزيرة، وضمهم إلى عسكره، وضبطهم في مسيره، فلم يقدر أحد منهم على أن يفسد ولا يظلم أحداً من أهل القرى، ولا يرزأه شيئاً إلا بثمن، حتى ورد حرّان. ثم أمرهم باللحاق بأجنادهم، وحبس ثابتاً معه، ودعا أهل الجزيرة إلى الفرض، ففرض لنيّف وعشرين ألفاً من أهل الجلد منهم، وتهيأ للمسير إلى يزيد، وكاتبه يزيد على أن يبايعه ويوليه ما كان عبد الملك بن مروان ولّى أباه محمد بن مروان من الجزرة وأرمينية والموصل وأذربيجان، فبايع له مروان، ووجّه إليه محمد بن عبد الله بن علاثة ونفراً من وجوه الجزيرة.

ذكر خبر وفاة يزيد بن الوليد

وفي هذه السنة مات يزيد بن الوليد، وكانت وفاته سلخ ذي الحجة من سنة ست وعشرين ومائة، قال أبو معشر ما حدثني به أحمد بن ثابت، عمن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عنه: توفي يزيد بن الوليد في ذي الحجة بعد الأضحى سنة ست وعشرين ومائة، وكانت خلافته في قول جميع من ذكرنا ستة أشهر، وقيل كانت خلافته خمسة أشهر وليلتين.

وقال هشام بن محمد: ولي ستة أشهر وأياماً. وقال عليّ بن محمد: كانت ولايته خمسة أشهر واثني عشر يوماً.

وقال عليّ بن محمد: مات يزيد بن الوليد لعشر بقين من ذي الحجة سنة ست وعشرين ومائة، وهو ابن ست وأربعين سنة.

وكانت ولايته فيما زعم ستة أشهر وليلتين، وتوفي بدمشق.

واختلف في مبلغ سنه يوم توفّى فقال هشام توفي وهو ابن ثلاثين سنة.

وقال بعضهم: توفيَ وهو ابن سبع وثلاثين سنة. وكان يكنى أبا خالد وأمه أم ولد اسمها شاه آفريد بنت فيروز بن يزدجرد بن شهريار ابن كسرى. وهو القائل:

أنا بان كسرى وأبي مروان         وقيصر جدّي وجدّ خاقان

وقيل: إنه كان قدرياً. وكان - فيما حدثني أحمد، عن عليّ بن محمد في صفته - أسمر طويلاً، صغير الرأس، بوجهه خال. وكان جميلاً من رجل، في فمه بعض السعة، وليس بالمفرط.

وقيل له يزيد الناقص لنقصه الناس العشرات التي كان الوليد زادها الناس في قول الواقديّ؛ وأما عليّ بن محمد فإنه قال: سبّه مروان بن محمد، فقال: الناقص ابن الوليد، فسمّاه الناس الناقص.

وحجّ بالناس في هذه السنة عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان في قول الواقدّي. وقال بعضهم: حجّ بالناس في هذه السنة عمر بن عبد الله ابن عبد الملك، بعثه يزيد بن الوليد، وخرج معه عبد العزيز وهو على المدينة ومكة والطائف.

وكان عامله على العراق في هذه السنة عبد الله بن عمر بن عبد العزيز، وعلى قضاء الكوفة ابن أبي ليلى، وعلى أحداث البصرة المسوّر بن عمر بن عبّاد. وعلى قضائها عامر بن عبيدة، وعلى خراسان نصر بن سيار الكنانيّ.

خلافة أبي إسحاق إبراهيم بن الوليد ثم كان إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان غير أنه لم يتمّ له أمر. فحدثني أحمد بن زهير، عن عليّ بن محمد، قال: لم يتمّ لإبراهيم أمره، وكان يسلّم عليه جمعة بالخلافة، وجمعة بالإمرة؛ وجمعة لا يسلمون عليه لا بالخلافة ولا بالإمرة؛ فكان على ذلك أمره حتى قدم مروان بن محمد فخلعه وقتل عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك.

وقال هشام بن محمد: استخلف يزيد بن الوليد أبا إسحاق إبراهيم بن الوليد؛ فمكث أربعة أشهر ثم خلع في شهر ربيع الآخر من سنة ست وعشرين ومائة، ثم لم يزل حيّاً حتى أصيب في سنة اثنتين وثلاثين ومائة أمه أمّ ولد.

حدّثني أحمد بن زهير، قال: حدثنا عبد الوهاب بن إبراهيم، قال: حدّثنا أبو هاشم مخلّد بن محمد، قال: كانت ولاية إبراهيم بن الوليد سبعين ليلة.