المجلد السابع - ثم دخلت سنة ثلاثين ومائة: ذكر خبر الأحداث التي كانت فيها

ثم دخلت سنة ثلاثين ومائة

ذكر خبر الأحداث التي كانت فيها

ذكر دخول أبي مسلم مرو والبيعة بها فممّا كان فيها من ذلك دخول أبي مسلم حائط مرو ونزوله دار الإمارة بها، ومطابقة عليّ بن جديع الكرمانيّ إيّاه على حرب نصر بن سيّار.

ذكر الخبر عن ذلك وسببه: ذكر أبو الخطاب أن دخول أبي مسلم حائط مرو ونزوله دار الإمارة التي ينزلها عمّال خراسان كان في سنة ثلاثين ومائة لتسع خلون من جمادى الآخرة يوم الخميس، وأن السبب في مسير عليّ بن جديع مع أبي مسلم كان أن سليمان ابن كثير كان بإزاء عليّ بن الكرماني حين تعاقد هو ونصر على حرب أبي مسلم؛ فقال سليمان بن كثير لعليّ بن الكرماني: يقول لك أبو مسلم: أما تأنف من مصالحة نصر بن سيار، وقد قتل بالأمس أباك وصلبه! ما كنت أحسبك تجامع نصر بن سيار في مسجد تصليان فيه! فأدرك عليّ بن الكرمانيذ الحفيظة، فرجع عن رأيه وانتقض صلح العرب. قال: ولما انتقض صلحهم بعث نصر ابن سيار إلى أبي مسلم يتمس منه أن يدخل مع مضر، وبعثت ربيعة وقحطان إلى أبي مسلم بمثل ذلك، فتراسلوا بذلك أياماً، فأمرهم أبو مسلم أن يقدم عليه وفد الفريقين حتى يختار أحدهما، ففعلوا. وأمر أبو مسلم الشيعة أن يختاروا ربيعة وقحطان؛ فإنّ السلطان في مضر، وهم عمال مروان الجعديّ، وهم قتلة يحيى بن زيد. فقدم الوفدان؛ فكان في وفد مضر عقيل بن معقل بن حسان الليثيّ وعبيد الله بن عبد ربه الليثيّ والخطاب بن محرز السلميّ، في رجال منهم. وكان في وفد قحطان عثمان بن الكرمانيّ ومحمد بن المثنى وسورة بن محمد ابن عزيز الكنديّ، في رجال منهم؛ فأمر أبو مسلم عثمان بن الكرمانيّ وأصحابه فدخلوا بستان المحتفز، وقد بشط لهم فيه؛ فقعدوا وجلس أبو مسلم في بيت في دار المحتفز، وأذن لعقيل بن معقل وأصحابه من وفد مضر، فدخلوا إليه، ومع أبي مسلم في البيت سبعون رجلاً من الشيعة، قرأ على الشيعة كتاباً كتبه أبو مسلم ليختاروا أحد الفريقين؛ فلما فرغ من قراءة الكتاب، قام سليمان ابن كثير، فتكلم - وكان خطيباً مفوّهاً - فاختار عليّ بن الكرمانيّ وأصحابه، وقام أبو منصور طلحة بن رزيق النقيب فيهم - وكان فصيحاً متكلماً - فقال كمقالة سليمان بن كثير، ثم قام مزيد بن شقيق السلميّ، فقال: مضر قتله آل النبي صلى الله عليه وسلم وأعوان بني أمية وشيعة مروان الجعديّ، ودماؤنا في أعناقهم، وأموالنا في أيديهم، والتّباعات قبلهم، ونصر بن سيار عامل مروان على خراسان ينفذ أموره، ويدعو له على منبره، ويسميّه أمير المؤمنين؛ ونحن من ذلك إلى الله برآء وأن يكون مروان أمير المؤمنين، وأن يكون نصر على هدىً وصواب، وقد اخترنا عليّ بن الكرمانيّ وأصحابه من قحطان وربيعة. فقال السبعون الذين جمعوا في البيت بقول مزيد بن شقيق.

فنهض وفد مضر عليهم الذّلة والكآبة؛ ووجّه معهم أبو مسلم القاسم بن مجاشع في خيل حتى بلغوا مأمنهم، ورجع وفد عليّ بن الكرمانيّ مسرورين منصورين. وكان مقام أبي مسلم بآلين تسعة وعشرين يوماً، فرحل عن آلين راجعاً إلى خندقه بالماخوان، وأمر أبو مسلم الشيعة أن يبتنوا المساكن، ويستعدّوا للشتاء فقد أعفاهم الله من اجتماع كلمة العرب، وصيرهم بنا إلى افتراق الكلمة؛ وكان ذلك قدراً من الله مقدوراً.

وكان دخول أبي مسلم الماخوان منصرفاً عن آلين سنة ثلاثين ومائة، للنصف من صفر يوم الخميس، فأقام أبو مسلم في خندقه بالماخوان ثلاثة أشهر؛ تسعين يوماً، ثم دخل حائط مرو يوم الخميس لتسع خلون من جمادى الأولى سنة ثلاثين ومائة.

قال: وكان حائط مرو إذ ذاك في يد نصر بن سيّار لأنّه عامل خراسان، فأرسل عليّ بن الكرمانيّ إلى أبي مسلم أن أدخل الحائط من قبلك، وأدخل أنا وعشيرتي من قبلي، فنغلب على الحائط. فأرسل إليه أبو مسلم أن لست آمن أن يجتمع يدك ويد نصر على محاربتي؛ ولكن ادخل أنت فانشب الحرب بينك وبينه وبين أصحابه؛ فدخل لعيّ بن الكرمانيّ فأنشب الحرب، وبعث أبو مسلم أبا عليّ شبل بن طهمان النقيب في جند، فدخلوا الحائط، فنزل في قصر بخاراخذاه؛ فبعثوا إلى أبي مسلم أن ادخل، فدخل أبو مسلم من خندق الماخوان، وعلى مقدّمته أسيد بن عبد الله الخزاعيّ، وعلى ميمنته مالك بن الهيثم الخزاعيّ، وعلى ميسرته القاسم بن مجاشع التميميّ؛ حتى دخل الحائط؛ والفريقان يقتتلان. فأمرهما بالكفّ وهو يتلو من كتاب الله: "ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه". ومضى أبو مسلم حتى نزل قصر الإمارة بمرو الذي كان ينزله عمال خراسان؛ وكان ذلك لتسع خلون من جمادى الأولى سنة ثلاثين ومائة، يوم الخميس.

وهرب نصر بن سيّار عن مرو الغد من يوم الجمعة لعشر خلون من جمادى الأولى من سنة ثلاثين ومائة، وصفت مرو لأبي مسلم. فلما دخل أبو مسلم حائط مرو أمر أبا منصور طلحة بن رزيق بأخذ البيعة على الجند من الهاشميّة خاصّة - وكان أبو منصور جلاً فصيحاً نبيلاً مفوّهاً عالماً بحجج الهاشمية وغوامض أمورهم؛ وهو أحد النقباء الاثني عشر؛ والنقباء الاثنا عشر هم الذين اختارهم محمد بن عليّ من السبعين الذين كانوا استجابوا له حين بعث رسوله إلى خراسان سنة ثلاث ومائة أو أربع ومائة - وأمره أن يدعو إلى الرّضا، ولا يسمى أحداً، ومثّل له مثالاً ووصف من العدل صفة، فقدمها فدعا سراً، فأجابه ناس، فلما صاروا سبعين أخذ منهم اثني عشر نقيباً. منهم من خزاعة سليمان بن كثير ومالك بن الهيثم وزياد بن صالح وطلحة ابن رزيق وعمرو بن أعين، ومن طيّىء قحطبة - واسمه زياد بن شبيب بن خالد بن معدان - ومن تميم موسى بن كعب أبو عيينة ولاهز بن قريظ والقاسم بن مجاشع، كلهم من بني امرىء القيس، وأسلم بن سلام أبو سلام؛ ومن بكر بن وائل أبو داود خالد بن إبراهيم من بني عمرو بن شيبان أخي سدوس وأبو عليّ الهرويّ.

ويقال: شبل بن طهمان مكان عمرو بن أعين. وعيسى بن كعب وأبو النجم عمران بن إسماعيل مكان أبي عليّ الهرويّ، وهو ختن أبي مسلم.

ولم يكن في النقباء أحد والده حيّ غير أبي منصور طلحة بن رزيق بن أسعد؛ وهو أبو زينب الخزاعيّ، وقد كان شهد حرب عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، وصحب المهلب بن أبس صفرة وغزا معه؛ فكان أبو مسلم يشاوره في الأمور، ويسأله عما شهد من الحروب والمغازي، ويسأله عن الكنية بأبي منصور: يا أبا منصور، ما تقول؟ وما رأيك؟ قال أبو الخطاب: فأخبرنا من شهد أبا منصور بأخذ البيعة على الهاشميّة: أبايعكم على كتاب الله عزّ وجلّ وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والطاعة للرضا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليكم بذلك عهد الله وميثاقه، والطلاق والعتاق، والمشي إلى بيت الله، وعلى ألاّ تسألوا رزقاً ولا طمعاً حتى يبدأكم به ولاتك؛ وإن كان عدوّ أحدكم تحت قدمه فلا تهيجوه إلا بأمر ولاتكم. فلما حبس أبو مسلم سلم بن أحوز ويونس بن عبد ربه، وعقيل ابن معقل ومنصور بن أبي الخرقاء وأصحابه، شاور أبا منصور، فقال: اجعل سوطك السيف، وسجنك القبر؛ فأقدمهم أبو مسلم فقتلهم، وكانت عدّتهم أربعة وعشرين رجلاً.

وأما عليّ بن محمد، فإنه ذكر أن الصباح مولى جبريل، أخبره عن مسلمة ابن يحيى، أن أبا مسلم جعل على حرسه خالد بن عثمان، وعلى شرطه مالك ابن الهيثم، وعلى القضاء القاسم بن مجاشع، وعلى الديوان كامل بن مظفر، فرزق كلّ رجل أربعة آلاف، وأنه أقام في عسكره بالماخوان ثلاثة أشهر، ثم سار من الماخوان ليلاً في جمع كبير يريد عسكر ابن الكرمانيّ؛ وعلى ميمنته لاهز بن قريظ، وعلى ميسرته القاسم بن مجاشع، وعلى مقدّمته أبو نصر مالك بن الهيثم. وخلّف على خندقه أبا عبد الرحمن الماخوانيّ، فأصبح في عسكر شيبان؛ فخاف نصر أن يجتمع أبو مسلم وابن الكرمانيّ على قتاله؛ فأرسل إلى أبي مسلم يعرض عليه أن يدخل مدينة مرو ويوادعه، فأجابه، فوادع أبا مسلم نصر، فراسل نصر بن أحوز يومه ذلك كله، وأبو مسلم في عسكر شيبان، فأصبح نصر وابن الكرمانيّ، فغدوا إلى القتال، وأقبل أبو مسلم ليدخل مدينة مرو، فردّ خيل نصر وخيل ابن الكرمانيّ، ودخل المدينة لسبع - أو لتسع - خلون من شهر ربيع الآخر سنة ثلاثين ومائة، وهو يتلو: "ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته...." إلى آخر الآية.

قال عليّ: وأخبرنا أبو الذّيال والمفضل الضبيّ، قالا: لما دخل أبو مسلم مدينة مرو، قال نصر لأصحابه: أرى هذا الرجل قد قوي أمره، وقد سارع إليه الناس، وقد وادعته وسيتمّ له ما يريد؛ فاخرجوا بنا عن هذه البلدة وخلّوه، فاختلفوا عليه، فقال بعضهم: نعم، وقال بعضهم: لا، فقال: أما إنكم ستذكرون قولي. وقال لخاصته من مضر: انطلقوا إلى أبي مسلم فالقوه، وخذوا بحظّكم منه، وأرسل أبو مسلم إلى نصر لاهز بن قريظ يدعوه فقال لاهز: "إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك"، وقرأ قبلها آيات، ففطن نصر، فقال لغلامه: ضع لي وضوءاً؛ فقام كأنه يريد الوضوء، فدخل بستاناً وخرج منه، فركب وهرب.

قال عليّ: وأخبرنا أبو الذّيال، قال: أخبرني إياس بن طلحة بن طلحة قال: كنت مع أبي وقد ذهب عمّي إلى أبي مسلم يبايعه؛ فأبطأ حتى صلّيت العصر والنهار قصير؛ فنحن ننتظره؛ وقد هيّأنا له الغداء؛ فإني لقاعد مع أبي إذ مرّ نصر على برذون؛ لا أعلم في داره برذوناً اسرى منه، ومعه حاجبه والحكم بن نميلة النميريّ. قال أبي: إنه لهارب ليس معه أحد، وليس بين يديه حربة ولا راية، فمرّ بنا، فسلم تسليماً خفياً، فلما جازنا ضرب برذونه، ونادى الحكم بن نميلة غلمانه، فركبوا واتبعوه.

قال عليّ: قال أبو الّيال: قال إياس: كان بين منزلنا وبين مرو أربعة فراسخ، فمرّ بنا نصر بعد العتمة، فضجّ أهل القرية وهربوا، فقال لي أهلي وأخواني: اخرج لا تقتل؛ وبكوا؛ فخرجت أنا وعمّي المهلب بن إياس فلحقنا نصراً بعد هدء الليل؛ وهو في أربعين، قد قام برذونه، فنزل عنه، فحمله بشر بن بسطام بن عمران بن الفضل البرجميّ على برذونه، فقال نصر: إني لا آمن الطلب، فمن يسوق بنا؟ قال عبد الله بن عرعرة الضبّيّ: أنا أسوق بكم، قال: أنت لها، فطرد بنا ليلته حتى أصبحنا في بئر في المفازة على عشرين فرسخاً أو أقل، ونحن ستمائة؛ فسرنا يومنا فنزلنا العصر، ونحن ننظر إلى أبيات سرخس وقصورها ونحن ألف وخمسمائة، فانطلقت أنا وعمي إلى صديق لنا من بني حنيفة يقال له مسكين، فبيتنا نحن عنده لم نطعم شيئاً، فأصبحنا، فجاءنا بثريدة فأكلنا منها ونحن جياع لم نأكل يومنا وليلتنا؛ واجتمع الناس فصاروا ثلاثة آلاف، وأقمنا بسرخس يومين؛ فلمّا لم يأتنا أحد صار نصر إلى طوس، فأخبرهم خبر أبي مسلم، وأقام خمسة عشر يوماً، ثم سار وسرنا إلى نيسابور فأقام بها، ونزل أبو مسلم؛ين هرب نصر دار الإمارة، وأقبل ابن الكرمانيّ، فدخل مسرو مع أبي مسلم، فقال أبو مسلم حين هرب نصر: يزعم نصر أني ساحر؛ هو والله ساحر! وقال غير من ذكرت قوله في أمر نصر وابن الكمانيّ وشيبان الحروريّ: انتهى أبو مسلم في سنة ثلاثين ومائة من معسكره بقرية سليمان بن كثير إلى قرية تدعى الماخوان فنزلها، وأجمع على الاستظهار بعليّ بن جديع ومن معه من اليمن، وعلى دعاء نصر بن سيار ومن معه إلى معاونته، فأرسل إلى الفريقين جميعاً، وعرض على كلّ فريق منهم المسالمة واجتماع الكلمة والدخول في الطاعة، فقبل ذلك عليّ بن جديع، وتابعه على رأيه، فعاقده عليه، فلما وثق أبو مسلم بمبايعة عليّ بن جديع إياه، كتب إلى نصر بن سيّار أن يبعث إليه وفداً يحضرون مقالته ومقالة أصحابه فيما كان وعده أن يميل معه، وأرسل إلى عليّ بمثل ما أرسل به إلى نصر.

ثم وصف من خبر اختيار قوّاد الشيعة اليمانية على المضرّية نحواً مما وصف من قد ذكرنا الرواية عنه قبل في كتابنا هذا، وذكر أنّ أبا مسلم إذ وجّه شبل ابن طهمان فيمن وجّهه إلى مدينة مرو وأنزله قصر بخاراخذاه؛ إنما وجهه مدداً لعليّ بن الكرمانيّ.

قال: وسار أبو مسلم من خندقة بالماخوان بجميع من معه إلى عليّ ابن جديع، ومع عليّ عثمان وأخوه وأشراف اليمن معهم وحلفاؤهم من ربيعة، فلما حاذى أبو مسلم مدينة مرو استقبله عثمان بن جديع في خيل عظيمة، ومعه أشراف اليمن ومن معه من ربيعة؛ حتى دخل عسكر عليّ بن الكرمانيّ وشيبان بن سلمة الحروريّ ومن معه من النقباء، ووقف على حجرة عليّ بن جديع، فدخل عليه وأعطاه الرضا، وآمنه على نفسه وأصحابه، وخرجا إلى حجرة شيبان، وهو يسلّم عليه يومئذ بالخلافة، فأمر أبو مسلم علياً بالجلوس إلى جنب شيبان، وأعلمه أنه لا يحلّ له التسليم عليه. وأراد أبو مسلم أن يسلم على عليّ بالإمرة، فيظنّ شيبان أنه يسلم عليه. ففعل ذلك عليّ، ودخل عليه أبو مسلم، فسلّم عليه بالإمارة، وألطف لشيبان وعظمه، ثم خرج من عنده فنزل قصر محمد بن الحسن الأزديّ، فأقام به ليلتين، ثم انصرف إلى خندقه بالماخوان، فأقام به ثلاثة أشهر، ثم ارتحل من خندقه بالماخوان إلى مرو لسبع خلون من ربيع الآخر؛ وخلّف على جنده أبا عبد الرحمن الماخوانيّ، وجعل أبو مسلم على ميمته لاهز بن قريظ، وعلى ميسرته القاسم ابن مجاشع، وعلى مقدّمته مالك بن الهيثم، وكان مسيره ليلاً، فأصبح على باب مدينة مرو، وبعث إلى عليّ بن جديع أن يبعث خيله حتى وقف على باب قصر الإمارة، فوجد الفريقين يقتتلان أشدّ القتال في حائط مرو، فأرسل إلى الفريقين أن كفّوا، وليتفرق كلّ قوم إلى معسكرهم، ففعلوا. وأرسل أبو مسلم لاهز بن قريظ وقريش بن شقيق وعبد الله بن البختريّ، وداود بن كرّاز إلى نصر يدعوه إلى كتاب الله والطاعة للرّضا من آل محمد صلى الله عليه وسلم.

فلما رأى نصر ما جاءه من اليمانية والربعية والعجم، وأنه لا طاقة له بهم؛ ولا بد إن أظهر قبول ما بعث به إليه أن يأتيه فيبايعه، وجعل يرثيهم لما همّ به من الغدر والهرب إلى أن أمسى، فأمر أصحابه أن يخرجوا من ليلتهم إلى ما يأمنون فيه؛ فما تيسّر لأصحاب نصر الخروج في تلك الليلة. وقال له سلم بن أحوز: إنه لا يتيسّر لنا الخروج الليلة؛ ولكنا نخرج القابلة، فلما كان صبح تلك الليلة عبأ أبو مسلم كتائبه، فلم يزل في تعبيتها إلى بعد الظهر، وأرسل إلى نصر لاهز بن قريظ وقريش بن شقيق وعبد الله بن البختريّ وداود بن كرّاز وعدّة من أعاجم الشيعة، فدخلوا على نصر، فقال لهم: لشرّ ما عدتم، فقال له لاهز: لا بدّ لك من ذلك؛ فقال نصر: أما إذ كان لا بدّ منه؛ فإني أتوضأ وأخرج إليه، وأرسل إلى أبي مسلم؛ فإن كان هذا رأيه وأمره أتيته ونعمى لعينه، وأتهيأ إلى أن يجىء رسولي، وقام نصر، فلما قام قرأ لاهز هذه الآية: "إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من النّاصحين"، فدخل نصر منزله، وأعلمهم أنه ينتظر انصراف رسوله من عند أبي مسلم، فلما جنّه الليل، خرج من خلف حجرته، ومعه تميم ابنه والحكم بن نميلة النميريّ وحاجبه وامرأته؛ فانطلقوا هراباً، فلما استبطأه لاهز وأصحابه دخلوا منزله، فوجدوه قد هرب؛ فلما بلغ ذلك أبا مسلم سار إلى معسكر نصر، وأخذ ثقات أصحابه وصناديدهم فكتفهم؛ وكان فيهم سلم بن أحوز صاحب شرطة نصر والبختريّ كاتبه، وابنان له ويونس بن عبد ربّه ومحمد بن قطن ومجاهد بن يحيى بن حضين والنضر بن إدريس ومنصور بن عمر بن أبي الحرقاء وعقيل بن معقل الليثيّ، وسيار بن عمر السلميّ، مع رجال من رؤساء مضر فاستوثق منهم بالحديد، ووكل بهم عيسى بن أعين، وكانوا في الحبس عنده حتى أمر بقتلهم جميعاً، ونزل نصر سرخس فيمن اتّبعه من المضرّية، وكانوا ثلاثة آلاف، ومضى أبو مسلم وعليّ بن جديع في طلبه، فطلباه ليلتهما حتى أصبحا في قرية تدعى نصرانيّة؛ فوجدا نصراً قد خلف امرأته المرزبانة فيها، ونجا بنفسه.

ورجع أبو مسلم وعليّ بن جديع إلى مرو، فقال أبو مسلم لمن كان وجّه إلى نصر: ما الذي ارتاب به منكم؟ قالوا: لا ندري، قال: فهل تكلم أحد منكم؟ قالوا: لاهز تلا هذه الآية: "إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك" قال: هذا الذي دعاه إلى الهرب، ثم قال: يا لاهز؛ أتدغل في الدين! فضرب عنقه.