المجلد السابع - خبر مقتل شيبان بن سلمة الخارجي

خبر مقتل شيبان بن سلمة الخارجيّ

وفي هذه السنة قتل شيبان بن سلمة الحروريّ.

ذكر الخبر عن مقتله وسببه

وكان سبب مقتله - فيما ذكر - أنّ عليّ بن جديع وشيبان كانا مجتمعين على قتال نصر بن سيار لمخالفة شيبان نصراً؛ لأنه من عمال مروان بن محمد وأنّ شيبانيرى رأي الخوارج ومخالفة عليّ بن جديع نصراً، لأنه يمان ونصر مضريّ، وأن نصراً قتل أباه وصلبه، ولما بين الفريقين من العصبية التي كانت بين اليمانية والمضرّية؛ فلما صالح عليّ بن الكرمانيّ أبا مسلم، وفارق شيبان، تنحّى شيبان عن مرو، إذ علم أنه لا طاقة له بحرب أبي مسلم وعليّ ابن جديع مع اجتماعهما على خلافه، وقد هرب نصر من مرو وسار إلى سرخس.

فذكر عليّ بن محمد أن أبا حفص أخبره والحسن بن رشيد وأبا الذيال أن المدة التي كانت بين أبي مسلم وبين شيبان لما انقضت، أرسل أبو مسلم إلى شيبان يدعوه إلى البيعة، فقال شيبان: أنا أدعوك إلى بيعتي؛ فأرسل إليه أبو مسلم: إن لم تدخل في أمرنا فارتحل عن منزلك الذي أنت فيه، فأرسل شيبان إلى ابن الكرمانيّ يستنصره، فأبى. فسار شيبان إلى سرخس، واجتمع إليه جمع كثير من بكر بن وائل. فبعث إليه أبو مسلم تسعةً من الأزد، فيهم المنتجع بن الزبير؛ يدعوه ويسأله أن يكفّ، فأرسل شيبان، فأخذ رسل أبي مسلم فسجنهم، فكتب أبو مسلم إلى بسام بن إبراهيم مولى بني ليث ببيورد، يأمره أن يسير إلى شيبان فيقاتله. ففعل، فهزمه بسّام، واتبعه حتى دخل المدينة، فقتل شيبان وعدّة من بكر بن وائل، فقيل لأبي مسلم: إنّ بساماً ثائر بأبيه؛ وهو يقتل البرىء والسقيم، فكتب إليه أبو مسلم يأمره بالقدوم عليه، فقدم، واستخلف على عسكره رجلاً.

قال عليّ: أخبرنا المفضل، قال: لما قتل شيبان مرّ رجل من بكر بن وائل - يقا له خفاف - برسل أبي مسلم الذين كان أرسلهم إلى شيبان، وهم في بيت، فأخرجهم وقتلهم.

وقيل: إن أبا مسلم وجّه إلى شيبان عسكراً من قبله، عليهم خزيمة ابن خازم وبسام بن إبراهيم.

ذكر خبر قتل عليذ وعثمان ابني جديع

وفي هذه السنة قتل أبو مسلم علياً وعثمان ابني جديع الكرمانيّ.

ذكر سبب قتل أبي مسلم إياهما

وكان السبب في ذلك - فيما قيل - أن أبا مسلم كان وجّه موسى بن كعب إلى أبيورد فافتتحها. وكتب إلى أبي مسلم بذلك، ووجّه أبا داود إلى بلخ وبها زياد بن عبد الرحمن القشيريّ، فلما بلغه قصد أبي داود بلخ خرج في أهل بلخ والترمذ وغيرهما من كورطخارستان إلى الجوزجان، فلما دنا أبو داود منهم، انصرفوا منهزمين إلى الترمذ، ودخل أبو داود مدينة بلخ، فكتب إليه أبو مسلم يأمره بالقدوم عليه، ووجّه مكانه يحيى بن نعيم أبا الميلاء على بلخ. فخرج أبو داود، فلقيه كتاب من أبي مسلم يأمره بالانصراف، فانصرف، وقدم عليه أبو الميلاء؛ فكاتب زياد بن عبد الرحمن يحيى بن نعيم أبو الميلاء أن يصير أيديهم واحدة، فأجابه، فرجع زياد بن عبد الرحمن القشيريّ ومسلم ابن عبد الرحمن بن مسلم الباهليّ وعيسى بن زرعة السلميّ وأهل بلخ والترمذ وملوك طخارستان، وما خلف النهر وما دونه، فنزل زياد وأصحابه على فرسخ من مدينة بلخ، وخرج إليه يحيى بن نعيم بمن معه حتى اجتمعوا، فصارت كلمتهم واحدة، مضريّهم ويمانيهم وربعيهم ومن معهم من الأعاجم على قتال المسوّدة، وجعلوا الولاية عليهم لمقاتل بن حيّان النبطيّ؛ كراهة أن يكون من الفرق الثلاثة، وأمر أبو مسلم أبا داود بالعود، فأقبل أبو داود بمن معه حتى اجتمعوا على نهر السرجنان. وكان زياد بن عبد الرحمن وأصحابه قد وجّهوا أبا سعيد القرشيّ مسلحة فيما بين العود وبين قرية يقال لها أمديان؛ لئلا يأتيهم أصحاب أبي داود من خلفهم. وكانت أعلام أبي سعيد وراياته سوداً، فلما اجتمع أبو داود وزياد وأصحابهما، واصطفوا للقتال، أمر أبو سعيد القرشيّ أصحابه أن يأتوا زياداً وأصحابه من خلفهم، فرجع وخرج عليهم من سكة العود وراياته سود، فظنّ أصحاب زياد أنهم كمين لأبي داود، وقد نشب القتال بين الفريقين، فانهزم زياد ومن معه، وتبعهم أبو داود، فوقع عامة أصحاب زياد في نهر السرجنان، وقتل عامة رجالهم المتخلفين، ونزل أبو داود عسكرهم، وحوى ما فيه، ولم يتبع زياداً ولا أصحابه وأكثر من تبعهم سرعان من سرعان خيل أبي داود إلى مدينة بلخ لم يجاوزها ومضى زياد ويحيى ومن معهما إلى الترمذ، وأقام أبو داود يومه ذلك ومن الغد، ولم يدخل مدينة بلخ واستصفى أموال من قتل بالسرجنان ومن هرب من العرب وغيرهم، واستقامت بلخ لأبي داود.
ثم كتب إليه أبو مسلم يأمره بالقدوم عليه، ووجّه النضر بن صبيح المريّ على بلخ. وقدم أبو داود، واجتمع رأى أبي داود وأبي مسلم على أن يفرّقا بين عليّ وعثمان ابني الكرمانيّ، فبعث أبو مسلم عثمان عاملاً على بلخ، فلما قدمها استخلف الفرافصة بن ظهير العيسي على مدينة بلخ، وأقبلت المضرية من ترمذ، عليهم مسلم بن عبد الرحمن الباهلي، فالتقوا وأصحاب عثمان بن جديع بقرية بين البروقان وبين الدستجرد؛ فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزم أصحاب عثمان بن جديع، وغلب المضرّية ومسلم بن عبد الرحمن على مدينة بلخ، وأخرجوا الفرافصة منها. وبلغ عثمان بن جديع الخبر والنضر ابن صبيح، وهما بمرو الرّوذ، فأقبلا نحوهم، وبلغ أصحاب زياد بن عبد الرحمن فهربوا من تحت ليلتهم، وعتّب النضر في طلبهم، رجاء أن يفوتوا، ولقيهم أصحاب عثمان بن جديع، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزم أصحاب عثمان بن جديع، وأكثروا فيهم القتل، ومضت المضريّة إلى أصحابها، ورجع أبو داود من مرو إلى بلخ، وسار أبو مسلم ومعه عليّ بن جديع إلى نيسابور. واتّفق رأي أبي مسلم ورأي أبي داود على أن يقتل أبو مسلم علياً، ويقتل أبو داود عثمان في يوم واحد. فلما قدم أبو داود بلخ بعث عثمان عاملاً على الختل فيمن معه من يماني أهل مرو وأهل بلخ وربعيّهم. فلما خرج من بلخ خرج أبو داود فاتبع الأثر فلحق عثمان على شاطىء نهر بوخش من أرض الختل، فوثب أبو داود على عثمان وأصحابه، فحبسهم جميعاً ثم ضرب أعناقهم صبراً. وقتل أبو مسلم في ذلك اليوم عليّ بن الكرمانيّ، وقد كان أبو مسلم أمره أن يسمّى له خاصته ليوليهم، ويأمر لهم بجوائز وكساً، فسماهم له فقتلهم جميعاً.

قدوم قحطبة بن شبيب على أبي مسلم

وفي هذه السنة قدم قحطبة بن شبيب على أبي مسلم خراسان منصرفاً من عند إبراهيم بن محمد بن عليّ، ومعه لواؤه الذي عقد له إبراهيم، فوجّهه أبو مسلم حين قدم عليه على مقدّمته، وضمّ إليه الجيوش، وجعل له العزل والاستعمال، وكتب إلى الجنود بالسّمع والطاعة.

وفيها وجّه قحطبة إلى نيسابور للقاء نضر؛ فذكر عليّ بن محمد أن أبا الذّيال والحسن بن رشيد وأبا الحسن الجشميّ أخبروه أن شيبان بن سلمة الحروريّ لما قتل لحق أصحابه بنصر وهو بنيسابور، وكتب إليه النابي بن سويد العجليّ يستغيث، فوجّه إليه نصر ابنه تميم بن نصر في ألفين، وتهيأ نصر على أن يسير إلى طوس، ووجّه أبو مسلم قحطبة بن شبيب في قواد، منهم القاسم ابن مجاشع وجهور بن مرّار، فأخذ القاسم من قبل سرخس، وأخذ جهور من قبل أبيورد، فوجّه تميم عاصم بن عمير السغديّ إلى جهور؛ وكان أدناهم منه، فهزمه عاصم بن عمير، فتحصّن في كبادقان، وأطلّ قحطبة والقاسم على النابي، فأرسل تميم إلى عاصم أن ارحل عن جهور وأقبل؛ فتركه، وأقبل فقاتلهم قحطبة.

قال أبو جعفر: فأما غير الذين روى عنهم عليّ بن محمد ما ذكرنا في أمر قحطبة وتوجيه أبي مسلم إياه إلى نصر وأصحابه، فإنه ذكر أن أبا مسلم لما قتل شيبان الخارجيّ وابني الكرمانيّ، ونفى نصراً عن مرو. وغلب على خراسان، وجّه عماله على بلادها. فاستعمل سباع بن النعمان الأزديّ على سمرقند وأبا داود خالد بن إبراهيم على طخارستان، ووجّه محمد بن الأشعث إلى الطبسين وفارس، وجعل مالك بن الهيثم على شرطته، ووجّه قحطبة إلى طوس، ومعه عدّة من القوّاد؛ منهم أبو عون عبد الملك بن يزيد ومقاتل بن حكيم العكيّ وخالد بن برمك وخازم بن خزيمة والمنذر بن عبد الرحمن وعثمان ابن نهيك وجهور بن مرار العجليّ وأبو العباس الطوسي وعبد الله بن عثمان الطائيّ وسلمة بن محمد وأبو غانم عبد الحميد بن ربعيّ وأبو حميد وأبو الجهم - وجعله أبو مسلم كاتباً لقحطبة على الجند - وعامر بن إسماعيل ومحرز بن إبراهيم، في عدّة من القوّاد، فلقي من بطوس فانهزموا، وكان من مات منهم في الزحام أكثر ممن قتل؛ فبلغ عدّة القتلى يومئذ بضعة عشر ألفاً. ووجه أبو مسلم القاسم بن مجاشع إلى نيسابور على طريق المحجة؛ وكتب إلى قحطبة يأمره بقتال تميم بن نصر بن سيّار والنابي بن سويد، ومن لجأ إليهما من أهل خراسان، وأن يصرف إليه موسى بن كعب من أبيورد. فلما قدم قحطبة أبيورد صرف موسى بن كعب إلى أبي مسلم، وكتب إلى مقاتل بن حكيم يأمره أن يوجّه رجلاً إلى نيسابور، ويصرف منها القاسم بن مجاشع؛ فوجّه أبو مسلم عليّ بن معقل في عشرة آلاف إلى تميم بن نصر، وأمره إذا دخل قحطبة طوس أن يستقبله بمن معه وينضمّ إليه؛ فسار عليّ بن معقل حتى نزل قرية يقال لها حلوان، وبلغ قحطبة مسير عليّ ونزوله حيث نزل، فعجل السير إلى السوذقان، وهو معسكر تميم بن نصر والنابي بن سويد، ووجّه على مقدمته أسيد بن عبد الله الخزاعيّ في ثلاثة آلاف رجل من شيعة أهل نسا وأبيورد، فسار حتى نزل قرية يقال لها حبوسان، فتعبّأ تميم والنابي لقتاله، فكتب أسيد إلى قحطبة يعلمه ما أجمعوا عليه من قتاله، وأنه إن لم يعجل القدوم عليه حاكمهم إلى الله عز وجل، وأخبره أنهما في ثلاثين ألفاً من صناديد أهل خراسان وفرسانهم. فوجّه قحطبة مقاتل بن حكيم العكيّ في ألف وخالد بن برمك في ألف، فقدما على أسيد؛ وبلغ ذلك تميماً والنابي فكسرهما. ثم قدم عليهم قحطبة بمن معه، وتعبّأ لقتال تميم، وجعل على ميمنته مقاتل بن حكيم وأبا عون عبد الملك بن يزيد وخالد بن برمك، وعلى ميسرته أسيد بن عبد الله الخزاعيّ والحسن بن قحطبة والمسيّب بن زهير وعبد الجبار بن عبد الرحمن، وصار هو في القلب، ثم زحف إليهم، فدعاهم إلى كتاب الله عزّ وجلّ وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وسلم فلم يجيبوه، فأمر الميمنة والميسرة أن يحملوا، فاقتتلوا قتالاً شديداً أشدّ ما يكون من القتال، فقتل تميم بن نصر في المعركة، وقتل معه منهم مقتلة عظيمة، واستبيح عسكرهم، وأفلت النابي في عدّة، فتحصّنوا في المدينة، وأحاطت بهم الجنود، فنقبوا الحائط ودخلوا إلى المدينة، فقتلوا النابي ومن كان معه، وهرب عاصم بن عمير السمرقنديّ وسالم بن راوية السعيديّ إلى نصر بن سيّار بنيسابور، فأخبراه بمقتل تميم والنابي ومن كان معهما؛ فلما غلب قحطبة على عسكرهم بما فيه صيّر إلى خالد بن برمك قبض ذلك، ووجّه مقاتل بن حكيم العكيّ على مقدمته إلى نيسابور؛ فبلغ ذلك نصر بن سيار؛ فارتحل هارباً في أثر أهل إبرشهر حتى نزل قومس وتفرّق عنه أصحابه، فسار إلى نباتة بن حنظلة بجرجان، وقدم قحطبة نيسابور بجنوده.

ذكر خبر قتل نباتة بن حنظلة

وفي هذه السنة قتل نباتة بن حنظلة عامل يزيد بن عمر بن هبيرة على جرجان.

ذكر الخبر عن مقتله

ذكر عليّ بن محمد أنّ زهير بن هنيد وأبا الحسن الجشميّ وجبلة بن فرّوخ وأبا عبد الرحمن الأصبهانيّ أخبروه أن يزيد بن عمر بن هبيرة بعث نباتة بن حنظلة الكلابيّ إلى نصر، فأتى فارس وأصبهان، ثم سار إلى الريّ، ومضى إلى جرجان، ولم ينضمّ إلى نصر بن سيار، فقالت القيسيّة لنصر: لا تحملنا قومس، فتحوّلوا إلى جرجان. وخندق نباتة؛ فكان إذا وقع الخندق في دار قوم رشّوه فأخّره، فكان خندقه نحواً من فرسخ.

وأقبل قحطبة إلى جرجان في ذي القعدة من سنة ثلاثين ومائة، ومعه أسيد ابن عبد الله الخزاعيّ وخالد بن برمك وأبو عون عبد الملك بن يزيد وموسى بن كعب المرائيّ والمسيّب بن زهير وعبد الجبار بن عبد الرحمن الأزديّ، وعلى ميمنته موسى بن كعب، وعلى مسيرته أسيد بن عبد الله، وعلى مقدّمته الحسن بن قحطبة، فقال قحطبة: يا أهل خراسان، أتدرون إلى من تسيرون، ومن تقاتلون؟ إنما تقاتلون بقيّة قوم أحرقوا بيت الله عزّ وجلّ. وأقبل الحسن حتى نزل تخوم خراسان، ووجّه الحسن عثمان بن رفيع ونافعاً المروزيّ وأبا خالد المروروزيّ ومسعدة الطائيّ إلى مسلحة نباتة، وعليها رجل يقال له ذؤيب، فبيّتوه، فقتلوا ذؤيباً وسبعين رجلاً من أصحابه، ثم رجعوا إلى عسكر الحسن، وقدم قحطبة فنزلا بإزاء نباة وأهل الشأم في عدّة لم ير الناس مثلها. فلما رآهم أهل خراسان هابوهم حتى تكلّموا بذلك وأظهروه. وبلغ قحطبة. فقام فيهم خطيباً فقال: يا أهل خراسان؛ هذه البلاد كانت لآبائكم الأولين، وكانوا ينصرون على عدوّهم بعدلهم وحسن سيرتهم؛ حتى بدّلوا وظلموا، فسخط الله عزّ وجلّ عليهم، فانتزع سلطانهم، وسلط عليهم أذلّ أمة كانت في الأرض عندهم، فغلبوهم على بلادهم، واستنكحوا نساءهم، واسترقّوا أولادهم؛ فكانوا بذلك يحكمون بالعدل ويوفون بالعهد. وينصرون المظلوم، ثم بدّلوا وغيّروا وجاروا في الحكم، وأخافوا أهل البرّ والتقوى من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلّطكم عليهم لينتقم منهم بكم لتكونوا أشدّ عقوبة؛ لأنكم طلبتموهم بالثأر. وقد عهد إليّ الإمام أنكم تلقونهم في مثل هذه العدّة فينصركم الله عزّ وجلّ عليهم فتهزمونهم وتقتلونهم.

وقد قرىء على قحطبة كتاب أبي مسلم. من أبي مسلم إلى قحطبة: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد. فناهض عدوّك؛ فإنّ الله عزّ وجلّ ناصرك؛ فإذا ظهرت عليهم فأثخن في القتل.

فالتقوا في مستهلّ ذي الحجة سنة ثلاثين ومائة في يوم الجمعة. فقال قحطبة: يا أهل خراسان. إن هذا اليوم قد فضّله الله تبارك وتعالىة على سائر الأيام والعمل فيه مضاعف؛ وهذا شهر عظيم فيه عيد من أعظم أعيادكم عند الله عزّ وجلّ، وقد أخبرنا الإمام أنكم تنصرون في هذا اليوم من هذا الشهر على عدوكم، فالقوه بجدّ وصبر واحتساب؛ فإنّ الله مع الصابرين. ثم ناهضهم وعلى ميمنته الحسن بن قحطبة، وعلى ميسرته خالد بن برمك ومقاتل بن حكيم العكّيّ، فاقتتلوا وصبر بعضهم لبعض، فقتل نباتة، وانهزم أهل الشأم فقتل منهم عشرة آلاف، وبعث قحطبة إلى أبي مسلم برأس نباتة وابنه حيّة.

قال: وأخبرنا شيخ من بني عديّ، عن أبيه، قال: كان سالم بن راوية التميمي ممن هرب من أبي مسلم، وخرج مع نصر، ثم صار مع نباتة، فقاتل قحطبة بجرجان، فانهزم الناس، وبقي يقاتل وحده، فحمل عليه عبد الله الطائيّ - وكان من فرسان قحطبة - فضربه سالم بن راوية على وجهه، فأندر عينه. وقاتلهم حتى اضطر إلى المسجد، فدخله ودخلوا عليه، فكان لا يشدّ من ناحية إلا كشفهم، فجعل ينادي: شربة! فوالله لأنقعنّ لهم شراً يومي هذا. وحرّقوا عليه سقف المسجد، فرموه بالحجارة حتى قتلوه وجاءوا برأسه إلى قحطبة، وليس في رأسه ولا وجهه مصح؛ فقال قحطبة: ما رأيت مثل هذا قط! ذكر وقعة أبي حمزة الخارجيّ بقديد قال أبو جعفر: وفي هذه السنة كانت الوقعة التي كانت بقديد بين أبي حمزة الخارجيّ وأهل المدينة.

ذكر الخبر عن ذلك

حدّثني العباس بن عيسى العقيليّ، قال: حدّثنا هارون بن موسى الفرويّ، قال حدّثني غير واحد من أصحابنا، أنّ عبد الواحد بن سليمان استعمل عبد العزيز بن عبد الله بن عمرو بن عثمان على الناس، فخرجوا، فلما كان بالحرّة لقيتهم جزر منحورة، فمضوا، فلما كان بالعقيق تعلّق لواؤهم بسمرة، فانكسر الرمح، فتشاءم الناس بالخروج؛ ثم ساروا حتى نزلوا قديد، فنزلوها ليلاً - وكانت قرية قديد من ناحية القصر المبنيّ اليوم، وكانت الحياض هنالك، فنزل قوم مغتترّون ليسوا بأصحاب حرب، فلم يرعهم إلا القوم قد خرجوا عليهم من القصر.

وقد زعم بعض الناس أن خزاعة دلت أبا حمزة على عورتهم، وأدخلوهم عليهم فقتلوهم؛ وكانت المقتلة على قريش، هم كانوا أكثر الناس، وبهم كانت الشوكة، وأصيب منهم عدد كثير.

قال العباس: قال هارون: وأخبرني بعض أصحابنا أن رجلاً من قريش نظر إلى رجل من أهل اليمن وهو يقول: اعلحمد لله الذي أقر عيني بمقتل قريش، فقال لابنه: يا بنيّ ابدأ به - وقد كان من أهل المدينة - قال: فدنا منه ابنه فضرب عنقه، ثم قال لابنه: أي بنيّ، تقدم؛ فقاتلا حتى قتلا. ثم ورد فلاّل الناس المدينة، وبكى الناس قتلاهم؛ فكانت المرأة تقيم على حميمها النّواح؛ فما تبرح النساء حتى تأتيهن الأخبار عن رجالهنّ فتخرج النساء امرأة امرأة؛ كل امرأة تذهب إلى حميمها فتنصرف حتى ما تبقى عندها امرأة.

قال: وأنشدني أبو ضمرة هذه الأبيات في قتلي قديد الذين أصيبوا من قومه، رثاهم بعض أصحابهم فقال:

يا لهف نفسي ولهفي غير كـاذبة          على فوارس بالبطحاء أنـجـاد
عمرو وعمرو وعبد الله بينههمـا             وابناهما خامس والحارث السادي