ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين ومائة
ذكر ما كان فيها من الأحداث
فما كان فيها من ذلك دخول قسطنطين طاغية
الروم ملطية عنوة وقهراً لأهلها وهدمه سورها، وعفوه عمّن فيها من المقاتلة
والذّريّة.
ومنها غزو العباس بن محمد بن عليّ بن عبد الله بن العباس - في قول الواقديّ
- الصائفة، مع صالح بن عليّ بن عبد الله، فوصله صالح بأربعين ألف دينار،
وخرج معهم عيسى بن عليّ بن عبد الله، فوصله أيضاً بأربعين ألف دينار، فبنى
صالح بن عليّ ما كان صاحب الروم هدمه من ملطية.
وقد قيل: إن خروج صالح والعباس إلى ملطية للغزو كان في سنة تسع وثلاثين ومائة.
وفي هذه السنة بايع عبد الله بن عليّ لأبي
جعفر وهو مقيم بالبصرة مع أخيه سليمان بن عليّ.
ذكر خلع جهور بن مرّار المنصور
وفيها خلع جهور بن مرّار العجليّ المنصور.
ذكر الخبر عن سبب خلعه إياه: وكان سبب ذلك
- فيما ذكر - أن جهور لما هزم سنباذ حوى ما في عسكره، وكان فيه خزائن أبي
مسلم التي كان خلفها بالرّيّ، فلم يوجّهها إلى أبي جعفر، وخاف فخلع، فوجّه
إليه أبو جعفر محمد بن الأشعث الخزاعيّ في جيش عظيم، فلقيه محمد، فاقتتلوا
قتالا شديداً، ومع جهور نخب فرسان العجم؛ زياد والأشتاخنج، فهزم جهور
وأصحابه، وقتل من أصحابه خلق كثير، وأسر زياد والأشتاخنج، وهرب جهور فلحق
بأذربيجان فأخذ بعد ذلك باسباذر وفقتل.
ذكر خبر قتل ملبّد الخارجيّ
وفي هذه السنة قتل الملبّد الخارجيّ.
ذكر الخبر عن مقتله
ذكر أن أبا جعفر لما هزم الملبّد حميد بن قحطبة، وتحصّن منه حميد، وجّه إليه عبد العزيز بن عبد الرحمن أخا عبد الجبار بن عبد الرحمن، وضمّ إليه زياد بن مشكان، فأكمن له الملبّد مائة فارس، فلما لقيه عبد العزيز خرج عليه الكمين؛ فهزموه، وقتلوا عامّة أصحابه. فوجّه أبو جعفر إليه خازم بن خزيمة في نحو من ثمانية آلاف من المروروذيّة. فسار خازم حتى نزل الموصل وبعث إلى الملبّد بعض أصحابه وبعث معهم الفعلة، فسار إلى بلد فخندقوا، وأقاموا له الأسواق؛ وبلغ ذلك الملبد، وخرج حتى نزل ببلدٍ في خندق خازم؛ فلما بلغ ذلك خازم خرج إلى مكان من أطراف الموصل حريز فعسكر به، فلما بلغ ذلك الملبّد عبر دجلة من بلد، وتوجه إلى خازم من ذلك الجانب يريد الموصل فلما بلغ خازماً ذلك، وبلغ إسماعيل ابن علي - وهو على الموصل - أمر إسماعيل خازماً أن يرجع من معسكره حتى يعبر من جسر الموصل؛ فلم يفعل، وعقد جسراً من موضع معسكره، وعبر إلىالملبد، وعلى مقدمته وطلائعقه نضلة بن نعيم بن خازم بن عبد الله النهشليّ، وعلى ميمنته زهير بن محمد العامريّ، وعلى ميسرته أبو حماد الأبرص مولى بني سليم. وسار خازم في القلب، فلم يزل يساير الملبّد وأصحابه حتى غشيهم الليل ثم تواقفوا ليلتهم، وأصبحوا يوم الأربعاء، فمضى الملبّد وأصحابه متوجّهين إلى كورة حزّة، وخازم وأصحابه يسايرونهم حتى غشيهم الليل، وأصبحوا يوم الخميس، وسار الملبّد وأصحابه، كأنه يريد الهرب من خازم، فخرج خازم وأصحابه في أثرهم، وتركوا خندقهم، وكان خازم تخندق عليه وعلى أصحابه بالحسك، فلما خرجوا من خندقهم كرّ عليهم الملبّد وأصحابه؛ فلما رأى ذلك خازم ألقى الحسك بين يديه وبين يدي أصحابه، فحملوا على ميمنة خازم وطووها، ثم حملوا على الميسرة وطووها، ثم انتهوا إلى القلب، وفيه خازم، فلما رأى ذلك خازم نادى في أصحابه: الأرض، فنزلوا ونزل الملبد وأصحابه، وعقروا عامة دوابّهم، ثم اضطربوا بالسيوف حتى تقطعت، وأمر خازم نضلة بن نعيم أن إذا سطع الغبار ولم يبصر بغضنا بعضاً فارجع إلى خيلك وخيل أصحابك فاركبوها، ثم ارموا بالنشاب. ففعل ذلك، وتراجع أصحاب خازم من الميمنة إلى الميسرة، ثم رشقوا الملبّد وأصحابه بالنشاب، فقتل الملبّد في ثمانمائة رجل ممن ترجّل، وقتل منهم قبل أن يترجلوا زهاء ثلثمائة، وهرب الباقون، وتبعهم نضلة فقتل منهم مائة وخمسين رجلاً.
وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن صالح بن عليّ بن عبد الله بن عباس، كذلك قال الواقدي وغيره. وذكر أنه كان خرج من عند أبيه من الشأم حاجاً، فأدركته ولايته على الموسم والحجّ بالناس في الطريق، فمرّ بالمدينة فأحرم منها.
وزياد بن عبيد الله على المدينة ومكة والطائف، وعلى الكوفة وسوادها عيسى بن موسى، وعلى البصرة وأعمالها سليمان بن عليّ، وعلى قضائها سوّار بن عبد الله، وأبو داود خالد بن إبراهيم على خراسان، وعلى مصر صالح بن عليّ.