ذكر حمل ولد حسن بن حسن إلى العراق
وفي هذه السنة حمل ولد حسن بن حسن بن عليّ
من المدينة إلى العراق.
ذكر الخبر عن سبب حملهم إلى العراق
وما كان من أمرهم إذ حملوا
ذكر عمر، قال: حدّثني موسى بن عبد الله، قال: حدّثني أبي عن أبيه، قال: لما حجّ أبو جعفر أرسل محمد بن عمران بن إبراهيم بن محمد بن طلحة ومالك بن أنس إلى أصحابنا، فسألهم أن يدفعوا محمداً وإبراهيم ابني عبد الله، قال: فدخل علينا الرجلان وأبي قائم يصلّي، فأبلغاهم رسالته، فقال حسن بن حسن: هذا عمل ابني المشئومة، أما والله ما هذا برأينا، ولا عن ملأ منا؛ ولا لنا فيه حيلة. قال: فأقبل عليه إبراهيم، فقال: علام تؤذي أخاك في ابنيه وتؤذي ابن أخيك في أمه؟ قال: وانصرف أبي من صلاته؛ فأبلغاه، فقال: لا والله لا أردّ عليكما حرفاً؛ إن أحب أن يأذن لي فألقاه فليفعل؛ فانصرف الرجلان فأبلغه، فقال: أراد أن يسخّرني؛ لا والله لا ترى عينه عيني حتى يأتيني بابنيه.
قال: وحدّثني ابن زبالة، قال: سمعت بعض علمائنا يقول: ما سارّ عبد الله بن حسن أحداً قطّ إلا فتله عن رأيه.
قال: وحدثني موسى بن عبد الله، عن أبيه عن جده، قال: ثم سار أمير المؤمنين أبو جعفر لوجهه حاجاً، ثم رجع فلم يدخل المدينة؛ ومضى إلى الرّبذة حتى أتى ثنى رهوتها.
قال عمر: وحدثني محمد بن يحيى، قال: حدّثني الحارث بن إسحاق، قال: لم يزل بنو حسن محبوسين عند رياح حتى حجّ أبو جعفر سنة أربع وأربعين ومائة، فتلقّاه رياح بالرّبذة، فردّه إلى المدينة، وأمره بإشخاص بني حسن إليه، وبإشخاص محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان - وهو أخو بني حسن لأمهم. أمهم جميعاً فاطمة بنت حسين بن عليّ بن أبي طالب - فأرسل إليه رياح - وكان بماله ببدر - فحدرهم إلى المدينة، ثم خرج رياح ببني حسن ومحمد بن عبد الله بن عمرو إلى الرّبذة، فلما صار بقصر نفيس على ثلاثة أميال من المدينة، دعا بالحدّادين والقيود والأغلال، فألقى كلّ رجل منهم في كبل وغلّ، فضاقت حلقتا قيد عبد الله بن حسن بن حسن، فعضّتاه فتأوّه؛ فأقسم عليه أخوه عليّ بن حسن ليحوّلنّ حلقتيه عليه إن كانتا أوسع، فحوّلنا عليه، فمضى بهم رياح إلى الرّبذة.
قال: وحدّثني إبراهيم بن خالد، ابن أخت سعيد بن عامر، عن جويرية بن أسماء - وهو خال أمه - قال: لما حمل بنو حسن إلى أبي جعفر أتى بأقياد يقيدون بها، وعليّ بن حسن بن حسن قائم يصلي. قال: وكان في الأقياد قيد ثقيل، فكلّما قرب إلى رجل منهم تفادى منه واستعفى. قال: فانقتل عليّ من صلاته، فقال: لشدّ ما جزعتم، شرعه هذا، ثم مدّ رجليه فقيّد به.
قال: وحدّثني عيسى، قال: حدّثني عبد الله بن عمران، قال: الذي حدّرهم إلى الربّذة أبو الأزهر.
قال عمر: حدّثني ابن زبالة، قال: حدّثني حسين بن زيد بن عليّ ابن حسين، قال: غدوت إلى المسجد، فرأيت بني حسن يخرج بهم من دار مروان مع أبي الأزهر يراد بهم الرّبذة، فانصرفت، فأرسل إليّ جعفر ابن محمد فجئته، فقال: ما وراءك؟ فقلت: رأيت بني حسن يخرج بهم في محامل، قال: اجلس، فجلست، فدعا غلاماً له، ثم دعا ربه دعاء كثيراً، ثم قال لغلامه: اذهب؛ فإذا حملوا فأت فأخبرني، فأتاه الرّسول، فقال: قد أقبل بهم. قال: فقام جعفر بن محمد، فوقف من وراء ستر شعر يبصر من وراءه ولا يبصره أحد؛ فطلع بعبد الله بن حسن في محمل معادله مسود، وجميع أهل بيته كذلك. قال: فلما نظر إليهم جعفر هملت عيناه حتى جرت دموعه على لحيته، ثم أقبل عليّ فقال: يا أبا عبد الله؛ والله لا يحفظ لله حرمة بعد هؤلاء.
قال: وحدّثني محمد بن الحسن بن زبالة، قال: حدّثني مصعب بن عثمان، قال: لما ذهب ببني حسن لقيهم الحارث بن عامر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بالرّبذة، فقال: الحمد لله الذي أخرجكم من بلادنا، قال: فاشرأبّ له حسن بن حسن، فقال له عبد الله: عزمت عليك إلا سكتّ! قال: وحدّثني عيسى، قال: حدّثني ابن أبرود حاجب محمد بن عبد الله قال: لما حمل بنو حسن، كان محمد وإبراهيم يأتيان معتمّين كهيئة الأعراب، فيسايران أباهما ويسائلانه ويستأذنانه في الخروج؛ فيقول: لا تعجلا حتى يمكنكما ذلك؛ ويقول: إن منعكما أبو جعفر أن تعيشا كريمين؛ فلا يمنعكما أن تموتا كريمين.
قال عمر: وحدّثني محمد بن يحيى، قال: حدّثني الحارث بن إسحاق، قال: لما صار بنو حسن إلى الربّذة دخل محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان على أبي جعفر، وعليه قميص وساج وإزار رقيق تحت قميصه؛ فلما وقف بين يديه، قال: إيهاً يا ديّوث! قال محمد: سبحان الله! والله لقد عرفتني بغير ذلك صغيراً وكبيراً، قال: فممّ حملت ابنتك؟ وكانت تحت إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن الحسن - وقد أعطيتني الأيمان بالطلاق والعتاق ألا تغشني ولا تمالىء عليّ عدواً، ثم أنت تدخل على ابنتك متخضبّة متعطّرة، ثم تراها حاملاً فلا يروعك حملها! فأنت بين أن تكون حانثاً أو ديوثاً؛ وأيم الله إني لأهمّ برجمها، فقال محمد: أما أيماني فهي عليّ إن كنت دخلت لك في أمر غشّ علمته، وأما ما رميت به هذه الجارية، فإن الله قد أكرمها عليه السلام ذلك بولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها؛ ولكني قد ظننت حين ظهر حملها أنّ زوجها ألمّ بها على حين غفلة منا، فاحتفظ أبو جعفر من كلامه، وأمر بشق ثيابه، فشق قميصه عن إزاره، فأشفّ عن عورته، ثم أمر به فضرب خمسين ومائة سوط؛ فبلغت منه كلّ مبلغ، وأبو جعفر يفتري عليه ولا يكنى؛ فأصاب سوط منها وجهه. فقال له: ويحك! اكفف عن وجهي فإنّ له حرمةً من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: فأغرى أبو جعفر، فقال للجلاد: الرأس الرأس. قال: فضرب على رأسه نحواً من ثلاثين سوطاً، ثم دعا بساجور من خشب شبيه به في طوله - وكان طويلاً - فشدّ في عنقه، وشدّت به يده؛ ثم أخرج به ملبّباً، فلما طلع به من حجرة أبي جعفر؛ وثب إليه مولى له، فقال: بأبي أنت وأمي ألا ألوثك بردائي! قال: بلى جزيت خيراً؛ فوالله لشفوف إزاري أشدّ عليّ من الضرب الذي نالني؛ فألقى عليه المولى الثوب، ومضى به إلى أصحابه المحبّسين.
قال: وحدّثني الوليد بن هشام، قال: حدّثني عبد الله بن عثمان، عن محمد بن هاشم بن البريد، مولى معاوية، قال: كنت بالرّبذة، فأتيَ ببني حسن مغلولين، معهم العثمانيّ كأنه خلق من فضّة، فأقعدوا، فلم يلبثوا حتى خرج رجل من عند أبي جعفر، فقال: أين محمد بن عبد الله العثماني؟ فقام فدخل، فلم يلبث أن سمعنا وقع السياط، فقال أيوب بن سلمة المخزومىّ لبنيه: يا بنىّ؛ إني لأرى رجلاً ليس لأحد عنده هوادة، فانظروا لأنفسكم؛ لا تسقطوا بشىء. قال: فأخرج كأنه زنجى قد غيّرت السياط لونه، وأسالت دمه، وأصاب سوط منها إحدى عينيه فسالت، فأقعد إلى جنب أخيه عبد الله بن حسن بن حسن، فعطش فاستسقّى ماء، فقال عبد الله بن حسن: يا معشر الناس، من يسقي ابن رسول الله شربة ماء؟ فتحاماه الناس فما سقوه حتى جاء خراسانيّ بماء، فسلّه إليه فشرب، ثم لبثنا هنيهةً، فخرج أبو جعفر في يشقّ محمل، معادله الربيع في شقّه الأيمن، على بغلة شقراء، فناداه عبد الله: يا أبا جعفر؛ والله ما هكذا فعلنا بأسرائكم يوم بدر! قال: فأخسأه أبو جعفر؛ وتفل عليه، ومضى ولم يعرّج.
وذكر أن أبا جعفر لما دخل عليه محمد بن عبد الله العثمانيّ سأله عن إبراهيم، فقال: ما لي به علم، فدقّ أبو جعفر وجهه بالجرز.
وذكر عمر عن محمد بن أبي حرب، قال: لم يزل أبو جعفر جميل الرأي في محمد حتى قال له رياح: يا أمير المؤمنين؛ أمّا أهل خراسان فشيعتك وأنصارك، وأما أهل العراق فشيعة آل أبي طالب، وأما أهل الشأم فوالله ما عليّ عندهم إلا كافر، وما يعتدّون بأحد من ولده؛ ولكنّ أخاهم محمد بن عبد الله ابن عمرو، ولو دعا أهل الشأم ما تخلف عنه منهم رجل. قال: فوقعت في نفس أبي جعفر، فلما حجّ دخل عليه محمد، فقال: يا محمد، أليس ابنتك تحت إبراهيم بن عبد الله بن حسن؟ قال: بلى؛ ولا عهد لي به إلا بمنىً في سنة كذا وكذا، قال: فهل رأيت ابنتك تختضب وتمتشط؟ قال: نعم، قال: فهي إذاً زانية، قال: مَهْ يا أمير المؤمنين! أتقول هذا لابنة عمّك! قال: يا بن اللخناء، قال: أيّ أمهاتي تلخّن! قال: يا بن الفاعلة، ثم ضرب وجهه بالجرز وحدده؛ وكانت رقية ابنة محمد تحت إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن، ولها يقول:
خلـيلـيّ مـن قـيس دعـا الـلــوم
واقـــعـــدا
يســـرّكـــمـــا ألاّ أنـــام وتـــرقـــدا
أبيت كأنّي مسعرٌ من تذكري رقية جمراً من غضاً متوقداً
قال: وحدثني عيسى بن عبد الله بن محمد،
قال: حدّثني سليمان بن داود بن حسن؛ قال: ما رأيت عبد الله بن حسن جزع من
شيء مما ناله إلاّ يوماً واحداً؛ فإنّ بعير محمد بن عبد الله بن عمرو بن
عثمان انبعث وهو غافل، لم يتأهّب له، وفي رجليه سلسلة، وفي عنقه زمّارة،
فهوى، وعلقت الزّمارة بالمحمل، فرأيته منوطاً بعنقه يضطرب؛ فرأيت عبد الله
بن حسن قد بكى بكاء شديداً.
قال: وحدّثني موسى بن عبد الله بن موسى، قال: حدّثني أبي عن أبيه، قال: لما
صرنا بالرّبذة، أرسل أبو جعفر إلى أبي أن أرسل إليّ أحدكم؛ واعلم أنه غير
عائد إليك أبداً، فابتدره بنو إخوته يعرضون أنفسهم عليه، فجزاهم خيراً،
وقال: أنا أكره أن أفجعهم بكم؛ ولكن اذهب أنت يا موسى، قال: فذهبت وأنا
يومئذ حديث السنّ، فلما نظر إليّ قال: لا أنعم الله بك عيناً؛ السياط يا
غلام قال: فضربت والله حتى غشيَ عليّ، فما أدرى بالضرب، فرفعت السياط عني،
ودعاني فقرّبت منه واستقربني. فقال: أتدري ما هذا؟ هذا فيض فاض مني، فأفرغت
منه سجلاً لم أستطع ردّه؛ ومن ورائه الموت أو تفتدي منه. قال: فقلت: يا
أمير المؤمنين؛ والله إن ما لي ذنب؛ وإني لبمعزل عن هذا الأمر. قال: فانطلق
فأتني بأخويك، قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، تبعثني إلى رياح بن عثمان فيضع
عليّ العيون والرّصد، فلا أسلك طريقاً إلا تبعني له رسول، ويعلم ذلك أخواي
فيهربان مني! قال: فكتب إلى رياح: لا سلطان لك على موسى، قال: وأرسل معي
حرساً أمرهم أن يكتبوا إليه بخبري، قال: فقدمت المدينة، فنزلت دار ابن هشام
بالبلاط، فأقمت بها أشهراً، فكتب إليه رياح: إنّ موسى مقيم بمنزله يتربّص
بأمير المؤمنين الدوائر؛ فكتب إليه: إذا قرأت كتابي هذا فاحدره إليّ،
فحدرني.
قال: وحدّثني محمد بن إسماعيل، قال: حدّثني موسى، قال: أرسل أبي إلى أبي جعفر: إني كاتب إلى محمد وإبراهيم؛ فأرسل موسى عسى أن يلقاهما؛ وكتب إليهما أن يأتياه، وقال لي: أبلغهما عنّي فلا يأتياه أبداً. قال: وإنما أراد أن يفلتني من يده - وكان أرقّ الناس عليّ، وكنت أصغر ولد هند - وأرسل إليهما:
يا بني أميّة إني عنكـمـا غـان
وما
الغنى غير أني مرعش فان
يا بني أمية إلاّ ترحما كـبـري
فإنما أنتما والثـكـل مـثـلان
قال: فأقمت بالمدينة مع رسل أبي جعفر إلى أن استبطأني رياح، فكتب إلى أبي جعفر بذلك، فحدرني إليه.
قال: وحدّثني يعقوب بن القاسم بن محمد، قال: أخبرني عمران بن محرز من بني البكّاء، قال: خرج ببني حسن إلى الرّبذة، فيهم عليّ وعبد الله ابنا حسن بن حسن بن حسن، وأمّهما حبابة ابنة عامر بن عبد الله بن عامر ابن بشر بن عامر ملاعب الأسنة؛ فمات في السجن حسن بن حسن وعباس ابن حسن، وأمّه عائشة بنت طلحة بن عمر بن عبيد الله وعبد الله بن حسن وإبراهيم بن حسن.
قال عمر: حدّثني المدائنيّ، قال: لما خرج ببني حسن، قال إبراهيم ابن عبد الله بن حسن، قال عمر: وقد أنشدني غير أبي الحسن هذا الشعر لغالب الهمدانيّ:
ما ذكرك الدّمنة القـفـار وأه
ل الدار إمّا نأوك أو قـربـوا
إلاّ سفاهاً وقد تفرّعـك الـشّ
يب بلونٍ كأنّـه الـعـطـب
ومر خمسون من سنيك كمـا
عدّ لك الحاسبون إذا حسبـوا
فعد ذكر الشباب لـسـت لـه
ولا إليك الشباب منـقـلـب
إني عرتني الهموم فاحتضر ال
همّ وسادى فالقلب منشـعـب
واستخرج الناس للشقاء وخـل
فت لدهر بظـهـره حـدب
أعوج يستعـذب الـلـئام بـه
ويحتويه الكرام إن سـربـوا
نفسي فدت شيبةً هناك وظـن
بوباً بـه مـن قـيوده نـدب
والسادة الغر من بنـيه فـمـا
روقب فيه الإله والـنـسـب
يا حلق القيد ما تضمّـن مـن
حلم وبرّ يشـوبـه حـسـب
وأمهات من الـعـواتـك أخ
لصنك بيض عقـائل عـرب
كيف اعتذاري إلى الإله ولـم
يشهرن فيك المأثورة القضب!
ولم أقد غـارة مـلـمـلـمة
فيها بنات الصّريح تنتـحـب
والسابقات الجياد والأسـل الـذّ
بّل فـيهـيا أســـنة ذرب
حتى نوفّى بني نـتـيلة بـال
قسط بكيل الصاع الذي احتلبوا
بالقتل قتلاً وبـالأسـير الـذي
في القد أسرى مصفودة سلب
أصبح آل الرّسول أحمد في الن
اس كذي عـرّة بـه جـرب
بؤساً لهم ما جنـت أكـفـهـم
وأيّ حبل من أمّة قضـبـوا!
وأي حبل خانوا المـلـيك بـه
شد بميثاق عـقـده الـكـذب
وذكر عبد الله بن راشد بن يزيد، قال: سمعت الجرّاح بن عمر وخاقان ابن زيد وغيرهما من أصحابنا يقولون: لما قدم بعبد الله بن حسن وأهله مقيّدين فأشرف بهم على النّجف، قال لأهله: أما ترون في هذه القرية من يمنعنا من هذا الطاغية؟ قال: فلقيه ابنا أخي الحسن وعليّ مشتملين على سيفين، فقالا له: قد جئناك يا بن رسول الله، فمرنا بالذي تريد، قال: قد قضيتما، ولن تغنيا في هؤلاء شيئاً فانصرفا.
قال: وحدّثني عيسى، قال: حدّثني عبد الله بن عمران بن أبي فروة، قال: أمر أبو جعفر أبا الأزهر فحبس بني حسن بالهاشميّة.
قال: وحدّثني محمد بن الحسن، قال: حدّثني محمد بن إبراهيم، قال: أتى بهم أبو جعفر، فنظر إلى محمد بن إبراهيم بن حسن، فقال: أنت الديباج الأصفر؟ قال: نعم، قال: أما والله لأقتلنّك قتلة ما قتلتها أحداً من أهل بيتك، ثم أمر بأسطوانة مبنيّة ففرقت، ثم أدخل فيها فبنى عليه وهو حيّ.
قال محمد بن الحسن: وحدّثني الزبير بن بلال، قال: كان الناس يختلفون إلى محمد ينظرون إلى حسنه.
قال عمر: وحدّثني عيسى، قال: حدّثني عبد الله بن عمران، قال: أخبرني أبو الأزهر، قال: قال لي عبد الله بن حسن: ابغني حجّاماً، فقد احتجت إليه، فاستأذنت أمير المؤمنين، فقال: آتيه بحجام مجيد.
قال: وحدّثني الفضل بن دكين أبو نعيم، قال: حبس من بني حسن ثلاثة عشر رجلاً، وحبس معهم العثمانيّ وابنان له في قصر ابن هبيرة؛ وكان في شرقيّ الكوفة مما يلي بغداد؛ فكان أوّل من مات منهم إبراهيم ابن حسن، ثم عبد الله بن حسن، فدفن قريباً من حيث مات؛ وإلا يكن بالقبر الذي يزعم الناس أنه قبره؛ فهو قريب منه.
وحدّثني محمد بن أبي حرب، قال: كان محمد بن عبد الله بن عمرو محبوساً عند أبي جعفر، وهو يعلم براءته؛ حتى كتب إليه أبو عون من خراسان: أخبر أمير المؤمنين أنّ أهل خراسان قد تقاعسوا عنّي، وطال عليهم أمر محمد بن عبد الله؛ فأمر أبو جعفر عند ذلك بمحمّد بن عبد الله بن عمرو، فضربت عنقه، وأرسل برأسه إلى خراسان؛ وأقسم لهم أنه رأس محمد بن عبد الله، وأنّ أمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عمر: فحدّثني الوليد بن هشام، قال: حدّثني أبي، قال: لما صار أبو جعفر بالكوفة، قال: ما أشتفي من هذا الفاسق من أهل بيت فسق، فدعا به، فقال: أزوّجت ابنتك ابن عبد الله؟ قال: لا، قال: أفليست بامرأته؟ قال: بلى زوّجها إيّاه عمّها وأبوه عبد الله بن حسن فأجزت نكاحه، قال: فأين عهودك التي أعطيتني؟ قال: هي عليّ، قال: أفلم تعلم بخضاب! ألم تجد ريح طيب! قال: لا علم لي؛ قد علم القوم ما لك عليّ من المواثيق فكتموني ذلك كله، قال: هل لك أن تستقيلني فأقيلك، وتحدث لي أيماناً مستقبلة؟ قال: ما حنثت بأيماني فتجدّدها عليّ، ولا أحدثت ما أستقيلك منه فتقيلني؛ فأمر به فضرب حتى مات، ثم احتزّ رأسه؛ فبعث به إلى خراسان؛ فلما بلغ ذلك عبد الله بن حسن، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون! والله إن كنّا لنأمن به في سلطانهم، ثم قد قتل بنا في سلطاننا.
قال: وحدّثني عيسى بن عبد الله، قال: حدّثني مسكين بن عمرو، قال: لما ظهر محمد بن عبد الله بن حسن، أمر أبو جعفر بضرب عنق محمد ابن عبد الله بن عمرو، ثم بعث به إلى خراسان؛ وبعث معه الرّجال يحلفون بالله إنه لمحمد بن عبد الله بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عمر: فسألت محمد بن جعفر بن إبراهيم، في أيّ سبب قتل محمد بن عمرو؟ قال: احتيج إلى رأسه.
قال عمر: وحدّثني محمد بن أبي حرب، قال: كان عون بن أبي عون خليفة أبيه بباب أمير المؤمنين؛ فلما قتل محمد بن عبد الله بن حسن وجّه أبو جعفر برأسه إلى خراسان، إلى أبي عون مع محمد بن عبد الله بن أبي الكرام وعون بن أبي عون؛ فلما قدم به ارتاب أهل خراسان، وقالوا: أليس قد قتل مرّة وأتينا برأسه! قال: ثم تكشّف لهم الخبر حتى علموا حقيقته؛ فكانوا يقولون: لم يطّلَع من أبي جعفر على كذبةٍ غيرها.
قال: وحدّثني عيسى بن عبد الله، قال: حدّثني عبد الله بن عمران بن أبي فروة، قال: كنا نأتي أبا الأزهر ونحن بالهاشميّة أنا والشعبانيّ، فكان أبو جعفر يكتب إليه: من عبد الله عبد الله أمير المؤمنين إلى أبي الأزهر مولاه، ويكتب أبو الأزهر إلى أبي جعفر: من أبي الأزهر مولاه وعبده؛ فلما كان ذات يوم ونحن عنده - وكان أبو جعفر قد ترك له ثلاثة أيام لا ينوبها؛ فكنّا نخلو معه في تلك الأيام - فأتاه كتاب من أبي جعفر، فقرأه ثم رمى به، ودخل إلى بني حسن وهم محبوسون.. قال: فتناولت الكتاب وقرأته؛ فإذا فيه: انظر يا أبا الأزهر ما أمرتك به في مدلّهٍ فعجّله وأنفذه. قال: وقرأ الشعبانيّ الكتاب فقال: تدري من مدلّه؟ قلت: لا، قال: هو والله عبد الله بن حسن، فانظر ما هو صانع. قال: فلم نلبث أن جاء أبو الأزهر، فجلس فقال: قد والله هلك عبد الله بن حسن، ثم لبث قليلاً ثم دخل وخرج مكتئباً، فقال: أخبرني عن عليّ بن حسن، أيُّ رجل هو؟ قلت: أمصدّقٌ أنا عندك؟ قال: نعم، وفوق ذلك؛ قال: قلت: هو والله خير من تقلّه هذه وتظلّه هذه! قال: فقد والله ذهب.
قال: وحدّثني محمد بن إسماعيل، قال: سمعت جدّي موسى بن عبد الله يقول: ما كنّا نعرف أوقات الصلاة في الحبس إلا بأحزاب كان يقرؤها عليّ بن حسن.
قال عمر: وحدّثني ابن عائشة، قال: سمعت
مولىً لبني دارم، قال: قلت لبشير الرّحال ما يسرعك إلى الخروج على هذا
الرجل؟ قال: إنه أرسل إليّ بعد أخذه عبد الله بن حسن فأتيته، فأمرني يوماً
بدخول بيت فدخلته، فإذا بعبد الله بن حسن مقتولاً، فسقطت مغشياً عليّ، فلما
أفقت أعطيت الله عهداً ألاّ يختلف في أمره سيفان إلا كنت مع الذي عليه
منهما. وقلت للرسول الذي معي من قبله: لا تخبره بما لقيت؛ فإنه إن علم
قتلني. قال عمر: فحدّثت به هشام بن إبراهيم بن هشام بن راشد من أهل همذان.
وهو العباسيّ أن أبا جعفر أمر بقتله، فحلف بالله ما فعل ذلك؛ ولكنّه دسّ
إليه من أخبره أن محمداً قد ظهر فقتل، فانصدع قلبه، فمات.
قال: وحدّثني عيسى بن عبد الله، قال: قال من بقي منهم: إنهم كانوا يسقون؛
فماتوا جميعاً إلا سليمان وعبد الله ابني داود بن حسن بن حسن وإسحاق
وإسماعيل ابني إبراهيم بن حسن بن حسن، وجعفر بن حسن، فكان من قتل منهم إنما
قتل بعد خروج محمد.
قال عيسى: فنظرت مولاة لآل حسن إلى جعفر بن حسن، فقالت: بنفسي أبو جعفر! ما أبصره بالرجال حيث يطلقك وقتل عبد الله بن حسن! ذكر بقية الخبر عن الأحداث التي كانت في سنة أربع وأربعين ومائة فمن ذلك ما كان من حمل أبي جعفر المنصور بني حسن بن حسن بن عليّ من المدينة إلى العراق.
ذكر الخبر عن سبب حمله إياهم إلى العراق: حدّثني الحارث بن محمد، قال: حدّثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: لما ولّى أبو جعفر رياح بن عثمان بن حيّان المريّ المدينة، أمره بالجدّ في طلب محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن وقلة الغفلة عنهما.
قال محمد بن عمر: فأخبرني عبد الرحمن بن أبي الموالي؛ قال: فجدّ رياح في طلبهما ولم يداهن، واشتدّ في ذلك كلّ الشدّة حتى خافا؛ وجعلا ينتقلان من موضع إلى موضع، واغتمّ أبو جعفر من بغّيهما؛ وكتب إلى رياح ابن عثمان: أن يأخذ أباهما عبد الله بن حسن وإخوته: حسن بن حسن وداود ابن حسن وإبراهيم بن حسن، ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان - وهو أخوهم لأمهم فاطمة بنت حسين - في عدّة منهم، ويشدّهم وثاقاً، ويبعث بهم إليه حتى يوافوه بالرّبذة. وكان أبو جعفر قد حجّ تلك السنة وكتب إليه أن يأخذني معهم فيبعث بي إليه أيضاً. قال: فأدركت وقد أهللت بالحجّ، فأخذت فطرحت في الحديد، وعورض بي الطريق حتى وافيتهم بالرّبذة.
قال محمد بن عمر: أنا رأيت عبد الله بن حسن وأهل بيته يخرجون من دار مروان بعد العصر وهم في الحديد؛ فيحملون في المحامل؛ ليس تحتهم وطاء؛ وأنا يومئذ قد راهقت الاحتلام، أحفظ ما أرى.
قال محمد بن عمر: قال عبد الرحمن بن أبي الموالي: وأخذ معهم نحو من أربعمائة، من جهينة ومزينة وغيرهم من القبائل؛ فأراهم بالرّبذة مكتّفين في الشمس. قال: وسجنت مع عبد الله بن حسن وأهل بيته. ووافى أبو جعفر الرّبذة منصرفاً من الحجّ، فسأل عبد الله بن حسن أبا جعفر أن يأذن له في الدّخول عليه، فأبى أبو جعفر؛ فلم يره حتى فارق الدنيا. قال: ثم دعاني أبو جعفر من بينهم، فأقعدت حتى أدخلت - وعنده عيسى بن عليّ - فلما رآني عيسى، قال: نعم؛ هو هو يا أمير المؤمنين؛ وإنْ أنت شددت عليه أخبرك بمكانهم. فسلّمت، فقال أبو جعفر: لا سلّم الله عليك! أين الفاسقان ابنا الفاسق الكذابان ابنا الكذاب؟ قال: قلت: هل ينفعني الصدق يا أمير المؤمنين عندك؟ قال: وما ذاك؟ قال: امرأته طالق، وعليّ وعليّ ، إن كنت أعرف مكانهما! قال: فلم يقبل ذلك مني، وقال: السياط! وأقمت بين العقابين، فضربني أربعمائة سوط؛ فما عقلت بها حتى رفع عني، ثم حملت إلى أصحابي على تلك الحال، ثم بعث إلى الدّيباج محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ابن عفان؛ وكانت ابنته تحت إبراهيم بن عبد الله بن حسن، فلما أدخل عليه قال: أخبرني عن الكذّابين ما فعلا؟ وأين هما؟ قال: والله يا أمير المؤمنين ما لي بهما علم، قال: لتخبرنّي، قال: قد قلت لك وإني والله لصادق؛ ولقد كنت أعلم علمهما قبل اليوم؛ وأما اليوم فمالي والله بهما علم. قال: جرّدوه، فجُرّد فضربه مائة سوط، وعليه جامعة حديد في يده إلى عنقه؛ فلمّا فرغ من ضربه أخرج فألبس قميصاً له قوهيّاً على الضرب، وأتيَ به إلينا؛ فوالله ما قدروا على نزع القميص من لصوقه بالدم، حتى حلبوا عليه شاة، ثم انتزع القميص ثم داووه. فقال أبو جعفر: احدروا بهم إلى العراق، فقدم بنا إلى الهاشميّة، فحبسنا بها؛ فكان أوّل من مات في الحبس عبد الله ابن حسن؛ فجاء السجان فقال: ليخرج أقربكم به فليصلّ عليه؛ فخرج أخوه حسن بن حسن بن حسن بن عليّ عليهم السلام، فصلّى عليه. ثم مات محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، فأخذ رأسه، فبعث به مع جماعة من الشّيعة إلى خراسان؛ فطافوا في كورخراسان، وجعلوا يحلفون بالله أنّ هذا رأس محمد بن عبد الله بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يوهمون الناس أنه رأس محمد بن عبد الله بن حسن؛ الذي كانوا يجدون خروجه على أبي جعفر في الرواية.
وكان والي مكة في هذه السنة السريّ بن عبد الله، ووالي المدينة رياح ابن عثمان المرّيّ، ووالي الكوفة عيسى بن موسى، ووالي البصرة سفيان بن معاوية.
وعلى قضائها سوّار بن عبد الله، وعلى مصر يزيد بن حاتم.