المجلد الثامن - ثم دخلت سنة سبع وأربعين ومائة: ذكر الإخبار عن الأحداث التي كانت فيها

الجزء الثامن

بسم الله الرحمن الرحيم

ثم دخلت سنة سبع وأربعين ومائة

ذكر الإخبار عن الأحداث التي كانت فيها

فما كان فيها من ذلك إغارة إسترخان الخوارزمي في جمع من الترك على المسلمين بناحية إرمينية وسبيه من المسلمين وأهل الذمة خلقاً كثيراً، ودخولهم تفليس، وقتلهم حرب بن عبد الله الراوندي الذي تنسب إليه الحربية ببغداد، وكان حرب هذا - فيما ذكر - مقيماً بالموصل في ألفين من الجند، لمكان الخوارج الذين بالجزيرة . وكان أبو جعفر حين بلغه تحزب الترك فيما هناك وجه إليهم لحربهم جبرئيل بن يحيى، وكتب إلى حرب يأمره بالمسير معه؛ فسار معه حرب، فقتل حرب وهزم جبرئيل، وأصيب من المسلمين من ذكرت .

ذكر الخبر عن مهلك عبد الله بن علي بن عباس

وفي هذه السنة كان مهلك عبد الله بن علي بن عباس. واختلفوا في سبب هلاكه، فقال بعضهم ما ذكره علي بن محمد النوفلي عن أبيه أن أبا جعفر حج سنة سبع وأربعين ومائة بعد تقدمته المهدي على عيسى بن موسى بأشهر، وقد كان عزل عيسى بن موسى عن الكوفة وأرضها، وولى مكانه محمد بن سليمان ابن علي، وأوفده إلى مدينة السلام، فدعا به، فدفع إليه عبد الله ابن علي سراً في جوف الليل. ثم قال له: يا عيسى؛ إن هذا أراد أن يزيل النعمة عني وعنك، وأنت ولي عهدي بعد المهدي، والخلافة صائرة إليك؛ فخذه إليك فاضرب عنقه، وإياك أن تخور أو تضعف، فتنقض علي أمري الذي دبرت.ثم مضى لوجهه، وكتب إليه من طريقه ثلاث مرات يسأله :ما فعل في الأمر الذي أوعز إليه فيه ؟ فكتب إليه: قد أنفذت ما أمرت به؛ فلم يشك أبو جعفر في أنه قد فعل ما أمره به، وأنه قد قتل عبد الله بن علي؛ وكان عيسى حين دفعه إليه ستره ؛ ودعا كاتبه يونس ابن فروة، فقال له: إن هذا الرجل دفع إلي عمه؛ وأمرني فيه بكذا وكذا. فقال له: أراد أن يقتلك و يقتله، أمرك بقتله سراً، ثم يدعيه عليك علانية ثم يقيدك به. قال: فما الرأي؟ قال: الرأي أن تستره في منزلك، فلا تطلع على أمره أحداً، فإن طلبه منك علانيةً دفعته إليه علانيةً، و لا تدفعه إليه سراً أبداً، فإنه وإن كان أسره إليك؛ فإن أمره سيظهر. ففعل ذلك عيسى.

وقدم المنصور ودسّ إلى عمومته من يحركهم على مسألته هبة عبد الله بن علي لهم، ويطمعهم في أنه سيفعل . فجاءوا إليه وكلموه ورققوه، وذكروا له الرحم وأظهروا له رقة، فقال : نعم، علي بعيسى بن موسى؛ فأتاه فقال له: يا عيسى؛ قد علمت أني دفعت إليك عمي وعمك عبد الله بن علي قبل خروجي إلى الحج، وأمرتك أن يكون في منزلك، قال: قد فعلت ذلك يا أمير المؤمنين، قال: فقد كلمني عمومتك فيه فرأيت الصفح عنه وتخلية سبيله؛ فأتنا به. فقال: يا أمير المؤمنين، ألم تأمرني بقتله فقتلته! قال: ما أمرتك بقتله إنما أمرتك بحبسه في منزلك. قال: قد أمرتني بقتله، قال له المنصور: كذبت، ما أمرتك بقتله. قال لعمومته: إن هذا قد أقر لكم بقتل أخيكم، وادعى أني أمرته بذلك، وقد كذب، قالوا: فادفعه إلينا نقتله به، قال: شأنكم به، فأخرجوه إلى الرحبة، واجتمع الناس، وشهر الأمر، فقام أحدهم فشهر سيفه، وتقدم إلى عيسى ليضربه، فقال له عيسى: أفاعل أنت؟ قال: إي والله، قال: لا تعجلوا، ردوني إلى أمير المؤمنين، فردوه إليه، فقال: إنما أردت بقتله أن تقتلني؛ هذا عمك حي سوي، إن أمرتني بدفعه إليك دفعته. قال: ائتنا به، فأتاه به، فقال له عيسى: دبرت علي أمراً فخشيته؛ فكان كما خشيت؛ شأنك وعمك. قال: يدخل حتى أرى رأيي. ثم انصرفوا، ثم أمر به فجعل في بيت أساسه ملح، وأجري في أساسه الماء، فسقط عليه فمات؛ فكان من أمره ما كان. وتوفي عبد الله بن علي في هذه السنة ودفن في مقابر باب الشأم؛ وكان أول من دفن فيها.

وذكر عن ابراهيم بن عيسى بن المنصور بن بريه أنه قال: كانت وفاة عبد الله بن علي في الحبس سنة سبع وأربعون ومائة، وهو ابن اثنين وخمسين سنة.

قال إبراهيم بن عيسى: لما توفي عبد الله بن علي ركب المنصور يوماً ومعه عبد الله بن عياش، فقال له وهو يجاريه: أتعرف ثلاثة خلفاء، أسماؤهم على العين مبدؤها، قتلوا ثلاثة خوارج مبدأ أسمائهم العين؟ قال: لا أعرف إلا ما تقول العامة؛ إن علياً قتل عثمان وكذبوا وعبد الملك بن مروان قتل عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، وعبد الله بن الزبير وعمرو بن سعيد وعبد الله بن علي سقط عليه البيت، فقال له المنصور: فسقط على عبد الله البيت، فأنا ما ذنبي؟ قال: ما قلت إن لك ذنباً.