المجلد الثامن - ثم دخلت سنة خمس وستين ومائة: ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث

ثم دخلت سنة خمس وستين ومائة

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث

غزوة هارون بن المهدي الصائفة ببلاد الروم فمن ذلك غزوة هارون بن المهدي الصائفة، ووجهه أبوه - فيما ذكر - يوم السبت لإحدى عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة غازياً إلى بلاد الروم، وضم إليه الربيع مولاه، فوغل هارون في بلاد الروم، فافتتح ماجدة، ولقيته خيول نقيطا قومس القوامسة، فبادره يزيد بن مزيد، فأرجل يزيد، ثم سقط نقيطا، فضربه يزيد حتى أثخنه، وانهزمت الروم، وغلب يزيد على عسكرهم. وسار إلى الدمستق بنقمودية وهو صاحب المسالح، وسار هارون في خمسة وتسعين ألفاً وسبع مائة وثلاثة وتسعين رجلاً، وحمل لهم من العين مائة ألف دينار وأربعة وتسعين ألفاً وأربع مائة وخمسين ديناراً، ومن الورق أحداً وعشرين ألف ألف وأربع مائة ألف وأربعة عشر ألفاً وثمانمائة درهم. وسار هارون حتى بلغ خليج البحر الذي على القسطنطينية، وصاحب الروم يومئذ أغسطه امرأة أليون؛ وذلك أن ابنها كان صغيراً قد هلك أبوه وهو في حجرها، فجرت بينهما وبين هارون بن المهدي الرسل والسفراء في طلب الصلح والموادعة وإعطائه الفدية، فقبل ذلك منها هارون، وشرط عليها الوفاء بما أعطت له، وأن تقيم له الأدلاء والأسواق في طريقه؛ وذلك أنه دخل مدخلاً صعباً مخوفاً على المسلمين، فأجابته إلى ما سأل، والذي وقع عليه الصلح بينه وبينها تسعون أو سبعون ألف دينار، تؤديها في نيسان الأول في كل سنة، وفي حزيران، فقبل ذلك منها، فأقامت له الأسواق في منصرفه، ووجهت معه رسولاً إلى المهدي بما بذلك على أن تؤدي ما تيسر من الذهب والفضة والعرض، وكتبوا كتاب الهدنة إلى ثلاث سنين، وسلمت الأسارى. وكان الذي أفاء على هارون إلى أن أذعنت الروم بالجزية خمسة آلاف رأس وستمائة وثلاثة وأربعين رأساً، وقتل من الروم في الوقائع أربعة وخمسون ألفاً، وقتل من الأسارى صبراً ألفان وتسعون أسيراً. ومما أفاء الله عليه من الدواب الذلل بأدراتها عشرون ألف دابة، وذبح من البقر والغنم مائة ألف رأس. وكانت المرتزقة سوى المطوعة وأهل الأسواق مائة ألف، وبيع البرذون بدرهم، والبغل بأقل من عشرة دراهم، والدرع بأقل من درهم وعشرين سيفاً بدرهم، فقال مروان بن أبي حفصة في ذلك:

أطفئت بقسطنطينية الروم مسنـداً                  إليها القنا حتى اكتسى الذل سورها
وما رمتها حتى أتتك ملـوكـهـا                        بجزيتها، والحرب تغلي قدورهـا

وفيها عزل خلف بن عبد الله عن الري، وولاها عيسى مولى جعفر.

وحج بالناس في هذه السنة صالح بن أبي جعفر المنصور.

وكانت عمال الأمصار في هذه السنة هم عمالها في السنة الماضية؛ غير أن العامل على أحداث البصرة والصلاة بأهلها كان روح بن حاتم، وعلى كور دجلة والبحرين وعمان وكسكر وكور الأهواز وفارس وكرمان كان المعلى مولى أمير المؤمنين المهدي، وعلى السند الليث مولى المهدي.