المجلد الثامن - ثم دخلت سنة سبعين ومائة: ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث

ثم دخلت سنة سبعين ومائة

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث

فمن ذلك وفاة يزيد بن حاتم بإفريقية فيها، ووليها بعده روح بن حاتم.

وفيها مات عبد الله بن مروان بن محمد في المطبق.

ذكر الخبر عن وفاة موسى الهادي

وفيها توفي موسى الهادي بعيساباذ. واختلف في السبب الذي كان بعد وفاته، فقال بعضهم: كانت وفاته من قرحة كانت في جوفه. وقال آخرون: كانت وفاته من قبل جوارٍ لأمه الخيزران؛ كانت أمرتهن بقتله لأسباب نذكر بعضها.

ذكر الخبر عن السبب الذي من أجله كانت أمرتهن بقتله

ذكر يحيى بن الحسن أن الهادي نابذ أمه ونافرها؛ لما صارت إليه الخلافة، فصارت خالصة إليه يوماً، فقالت: إن أمك تستكسيك، فأمر لها بخزانة مملوءة كسوة. قال: ووجد للخيزران في منزلها من قراقر الوشي ثمانية عشر ألف قرقر. قال: وكانت الخيزران في أول خلافة موسى تفتات عليه في أموره، وتسلك به مسلك أبيه من قبله في الاستبداد بالأمر والنهي، فأرسل إليها ألا تخرجي من خفر الكفاية إلى بذاذة التبذل؛ فإنه ليس من قدر النياء الاعتراض في أمر الملك؛ وعليك بصلاتك وتسبيحك وتبتلك؛ ولك بعد هذا طاعة مثلك فيما يجب لك. قال: وكانت الخيزران في خلافة موسى كثيراً ما تكلمه في الحوائج؛ فكان يجيبها إلى كل ما تسأله حتى مضى لذلك أربعة أشهر من خلافته، وانثال الناس عليها، وطمعوا فيها؛ فكانت المواكب تغدو إلى بابها؛ قال: فكلمته يوماً في أمر لم يجد إلى إجابتها إليه سبيلا، فاعتل بعلة، فقالت: لا بد من إجابتي، قال: لا أفعل، قالت: فإني قد تضمنت هذه الحاجة لعبد الله بن مالك. قال: فغضب موسى وقال: ويل على بن الفاعلة! قد علمت أنه صاحبها؛ والله لا قضيتها لك، قالت: إذاً والله لا سألتك حاجة أبداً، قال: إذاً والله لا أبالي. وحمي وغضب. فقامت مغضبة، فقال: مكانك تستوعي كلامي والله، وإلا فأنا نفي من قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن بلغني أنه وقف ببابك أحد من قوادي أو أحد من خاصتي أو خدمي لأضربن عنقه؛ ولأقبضن ماله؛ فمن شاء فليلزم ذلك. ما هذه المواكب التي تغدو وتروح إلى بابك في كل يوم! أما لك مغزل يشغلك، أو مصحف يذكرك، أو بيت يصونك! إياك ثم إياك؛ ما فتحت بابك لملي أو لذمي. فانصرفت ما تعقل ما تطأ؛ فلم تنطق عنده بحلوة ولا مرة بعدها.

قال يحيى بن الحسن: وحدثني أبي، قال: سمعت خالصة تقول للعباس بن الفضل بن الربيع: بعث موسى إلى أمه الخيزران بأرزةٍ، وقال: استطبتها فأكلت منها، فكلي منها. قالت خالصة: فقلت لها: أمسكي حتى تنظري؛ فإني أخاف أن يكون فيها شيء تكرهينه، فجاءوا بكلب فأكل منها، فتساقط لحمه؛ فأرسل إليها بعد ذلك: كيف رأيت الأرزة؟ فقالت: وجدتها طيبة، فقال: لم تأكلي؛ ولو أكلت لكنت استرحت منك، متى أفلح خليفة له أم! قال وحدثني بعض الهاشميين، أن سبب موت الهادي كان أنه لما جد في خلع هارون والبيعة لابنه جعفر، وخافت الخيزران على هارون منه، دست إليه من جواريها لما مرض من قتله بالغم والجلوس على وجهه، ووجهت إلى يحيى بن خالد: إن الرجل قد توفي، فاجدد في أمرك ولا تقصر.

وذكر محمد بن عبد الرحمن بن بشار أن الفضل بن سعيد حدثه، عن أبيه، قال: كان يتصل بموسى وصول القواد إلى أمه الخيزران، يؤملون بكلامها في قضاء حوائجهم عنده، قال: وكانت تريد أن تغلب على أمره كما غلبت على أمر المهدي؛ فكان يمنعها من ذلك ويقول: ما للنساء والكلام في أمر الرجال! فلما كثر عليه مصير من يصير إليها من قواده، قال يوماً وقد جمعهم: أيما خير؟ أنا أو أنتم؟ قالوا: بل أنت يا أمير المؤمنين؛ قال: فأيما خير؛ أمي أو أمهاتكم؟ قالوا: بل أمك يا أمير المؤمنين، قال: فأيكم يحب أن يتحدث الرجال بخبر أمه، فيقولوا: فعلت أم فلان، وصنعت أم فلان، وقالت أم فلان؟ قالوا: ما أحد منا يحب ذلك، قال: فما بال الرجال يأتون أمي فيتحدثون بحديثها! فلما سمعوا ذلك انقطعوا عنها البتة، فشق ذلك عليها فاعتزلته، وحلفت ألا تكلمه؛ فما دخلت عليه حتى حضرته الوفاة.

ذكر الخبر عما كان من خلع الهادي للرشيد

وكان السبب في إرادة موسى الهادي خلع أخيه هارون حتى اشتد عليه في ذلك وجد - فيما ذكر صالح بن سليمان - أن الهادي لما أفضت إليه الخلافة أقر يحيى بن خالد على ما كان يلي هارون من عمل المغرب؛ فأراد الهادي خلع هارون الرشيد والبيعة لابنه جعفر بن موسى الهادي، وتابعه على ذلك القواد؛ منهم يزيد بن مزيد وعبد الله بم مالك وعلي بن عيسى ومن أشبههم؛ فخلعوا هارون، وبايعوا لجعفر بن موسى، ودسوا إلى الشيعة؛ فتكلموا في أمره، وتنقصوه في مجلس الجماعة، وقالوا: لا نرضى به، وصعب أمرهم حتى ظهر؛ وأمر الهادي ألا يسار قدام الرشيد بحربة، فاجتنبه الناس وتركوه؛ فلم يكن أحد يجترئ أن يسلم عليه ولا يقربه.

وكان يحيى بن خالد يقوم بإنزال الرشيد ولا يفارقه هو وولده - فيما ذكر. قال صالح: وكان إسماعيل بن صبيح كاتب يحيى بن خالد، فأحب أن يضعه موضعاً يستعلم له فيه الأخبار، وكان إبراهيم الحراني في موضع الوزارة لموسى، فاستكتب إسماعيل، ورفع الخبر إلى الهادي؛ وبلغ ذلك يحيى بن خالد، فأمر إسماعيل أن يشخص إلى حران، فسار إليها؛ فلما كان بعد أشهر سأل الهادي إبراهيم الحراني: من كاتبك؟ قال: فلان كاتب، وسماه، فقال: أليس بلغني أن إسماعيل بن صبيح كاتبك؟ قال: باطل يا أمير المؤمنين؛ إسماعيل بحران.

قال: وسعى إلى الهادي بيحيى بن خالد، وقيل له: إنه ليس عليك من هارون خلاف؛ وإنما يفسده يحيى بن خالد، فابعث إلى يحيى، وتهدده بالقتل؛ وارمه بالكفر؛ فأغضب ذلك موسى الهادي على يحيى بن خالد.

وذكر أبو حفص الكرماني أن محمد بن يحيى بن خالد حدثه، قال: بعث الهادي إلى يحيى ليلاً، فأيس من نفسه، وودع أهله، وتحنط وجدد ثيابه، ولم يشك أنه يقتله؛ فلما أدخل عليه، قال: يا يحيى، ما لي ولك! قال: أنا عبدك يا أمير المؤمنين؛ فما يكون من العبد إلى مولاه إلا طاعته. قال: فلم تدخل بيني وبين أخي وتفسده علي! قال: يا أمير المؤمنين، من أنا حتى أدخل بينكما! إنما صيرني المهدي معه، وأمرني بالقيام بأمره؛ فقمت بما أمرني به، ثم أمرتني بذلك فانتهيت إلى أمرك. قال: فما الذي صنع هارون؟ قال: ما صنع شيئاً، ولا ذلك فيه ولا عنده. قال: فسكن غضبه. وقد كان هارون طاب نفساً بالخلع، فقال له يحيى: لا تفعل، فقال: أليس يترك لي الهنيء والمريء، فهما يسعانني وأعيش مع ابنة عمي! وكان هارون يجد بأم جعفر وجداً شديداً، فقال له يحيى: وأين ذلك من الخلافة! ولعلك ألا يترك هذا في يدك حتى يخرج أجمع؛ ومنعه من الإجابة.

قال الكرماني: فحدثني صالح بن سليمان، قال: بعث الهادي إلى يحيى بن خالد وهو بعيساباذ ليلاً، فراعه ذلك، فدخل عليه وهو في خلوة، فأمر بطلب رجل كان أخافه، فتغيب عنه؛ وكان الهادي يريد أن ينادمه ويمنعه مكانه من هارون، فنادمه وكلمه يحيى فيه، فآمنه وأعطاه خاتم ياقوت أحمر في يده، وقال: هذا أمانه، وخرج يحيى فطلب الرجل، وأتى الهادي به فسر بذلك.

قال: وحدثني غير واحد أن الرجل الذي طلبه كان إبراهيم الموصلي.

قال صالح بن سليمان: قال الهادي يوماً للربيع: لا يدخل علي يحيى بن خالد إلا آخر الناس. قال: فبعث إليه الربيع، وتفرغ له. قال: فلما جلس من غد أذن حتى لم يبق أحد، ودخل عليه يحيى، وعنده عبد الصمد بن علي والعباس بن محمد وجلة أهله وقواده، فما زال يدنيه حتى أجلسه بين يديه، وقال له: إني كنت أظلمك وأكفرك، فاجعلني في حل، فتعجب الناس من إكرامه إياه وقوله؛ فقبل يحيى يده وشكر له، فقال له الهادي: من الذي يقول فيك يا يحيى:

لو يمس البخيل راحة يحيى           لسخت نفسه ببذل النـوال

قال: تلك راحتك يا أمير المؤمنين لا راحة عبدك! قال: وقال يحيى للهادي في خلع الرشيد لما كلمه فيه: يا أمير المؤمنين؛ إنك إن حملت الناس على نكث الأيمان هانت عليهم أيمانهم؛ وإن تركتهم على بيعة أخيك ثم بايعت لجعفر من بعده كان ذلك أوكد لبيعته، فقال: صدقت ونصحت؛ ولي في هذا تدبير.

قال الكرماني: وحدثني خزيمة بن عبد الله، أمر الهادي بحبس يحيى بن خالد على ما أراده عليه من خلع الرشيد، فرفع إليه يحيى رقعة: إن عندي نصيحة، فدعا به، فقال: يا أمير المؤمنين، أخلني، فأخلاه، فقال: يا أمير المؤمنين؛ أرأيت إن كان الأمر - أسأل الله ألا نبلغه، وأن يقدمنا قبله - أتظن أن الناس يسلمون الخلافة لجعفر؛ وهو لم يبلغ الحلم، ويرضون به لصلاتهم وحجهم وغزوهم! قال: والله ما أظن ذلك، قال: يا أمير المؤمنين، أفتأمن أن يسمو إليها أهلك وجلتهم مثل فلان وفلان، ويطمع فيها غيرهم، فتخرج من ولد أبيك؟ فقال له: نبهتني يا يحيى - قال: وكان يقول: ما كلمت أحداً من الخلفاء كان أعقل من موسى - قال: وقال له:

لو أن هذا الأمر لم يعقد لأخيك، أما كان ينبغي أن تعقده له، فكيف بأن تحله عنه، وقد عقده المهدي له! ولكن أرى أن تقر هذا الأمر يا أمير المؤمنين على حاله؛ فإذا بلغ جعفر، وبلغ الله به، أتيته بالرشيد فخلع نفسه، وكان أول من يبايعه ويعطيه صفقة يده. قال: فقبل الهادي قوله ورأيه، وأمر بإطلاقه. وذكر الموصلي عن محمد بن يحيى، قال: عزم الهادي بعد كلام أبي له على خلع الرشيد، وحمله عليه جماعة من مواليه وقواده؛ وأجابه إلى الخلع أو لم يجبه، واشتد غضبه منه، وضيق عليه. وقال يحيى لهارون: استأذنه في الخروج إلى الصيد، فإذا خرجت فاستبعد ودافع الأيام، فرفع هارون رقعة يستأذن فيها، فأذن له؛ فمضى إلى قصر مقاتل، فأقام به أربعين يوماً حتى أنكر الهادي أمره وغمه احتباسه، وجعل يكتب إليه ويصرفه، فتعلل عليه حتى تفاقم الأمر، وأظهر شتمه، وبسط مواليه وقواده ألسنتهم فيه؛ والفضل بن يحيى إذ ذاك خليفة أبيه، والرشيد بالباب، فكان يكتب إليه بذلك، وانصرف وطال الأمر.

قال الكرماني: فحدثني يزيد مولى يحيى بن خالد، قال: بعثت الخيزران عاتكة - ظئراً كان لهارون - إلى يحيى، فشقت جيبها بين يديه، وتبكي إليه وتقول له: قالت لك السيدة: الله الله في ابني لا تقتله، ودعه يجيب أخاه إلى ما يسأله ويريده منه، فبقاؤه أحب إلي من الدنيا بجمع ما فيها. قال: فصاح بها وقال لها: وما أنت وهذا! إن يكن ما تقولين فإني وولدي وأهلي سنقتل قبله، فإن اتهمت عليه فلست بمتهم على نفسي ولا عليهم. قال: ولما لم ير الهادي يحيى بن خالد يرجع عما كان عليه لهارون بما بذل له من إكرام وإقطاع وصلة، بعث إليه يتهدده بالقتل إن لم يكف عنه. قال: فلم تزل تلك الحال من الخوف والخطر، وماتت أم يحيى وهو في الخلد ببغداد؛ لأن هارون كان ينزل الخلد، ويحيى معه، وهو ولي العهد، نازل في داره يلقاه في ليله ونهاره.

وذكر محمد بن القاسم بن الربيع، قال: أخبرني محمد بن عمرو الرومي، قال: حدثني أبي، قال: جلس موسى الهادي بعد ما ملك في أول خلافته جلوساً خاصاً، ودعا بإبراهيم بن جعفر بن أبي جعفر وإبراهيم بن سلم بن قتيبة الحراني، فجلسوا عن يساره، ومعهم خادم أسود يقال له أسلم، ويكنى أبا سليمان؛ وكان يثق به ويقدمه؛ فبينا هو كذلك، إذ دخل صالح صاحب المصلى، فقال: هارون بن المهدي، فقال: ائذن له، فدخل فسلم عليه، وقبل يده، وجلس عن يمينه بعيداً من ناحية، فأطرق موسى ينظر إليه، وأدمن ذلك، ثم التفت إليه، فقال: يا هارون، كأني بك تحدث نفسك بتمام الرؤيا، وتؤمل ما أنت من بعيد، ودون ذلك خرط القتاد؛ تؤمل الخلافة! قال: فبرك هارون على ركبتيه، وقال: يا موسى؛ إنك إن تجبرت وضعت، وإن تواضعت رفعت، وإن ظلمت ختلت؛ وإني لأرجو أن يفضي الأمر إلي؛ فأنصف من ظلمت، وأصل من قطعت،وأصير أولادك أعلى من أولادي، وأزوجهم بناتي، وأبلغ ما يجب من حق الإمام المهدي. قال: فقال له موسى: ذلك الظن بك يا أبا جعفر؛ ادن مني، فدنا منه، فقبل يده، ثم ذهب يعود إلى مجلسه، فقال له: لا والشيخ الجليل، والملك النبيل - أعني أباك المنصور - لا جلست إلا معي، وأجلسه في صدر المجلس معه، ثم قال: يا حراني، احمل إلى أخي ألف ألف دينار؛ وإذا افتتح الخراج فاحمل إليه النصف منه، واعرض عليه ما في الخزائن من مالنا، وما أخذ من أهل بيت اللعنة؛ فيأخذ جميع ما أراد. قال: ففعل ذلك. ولما قام قال لصالح: أدن دابته إلى البساط. قال عمر الرومي: وكان هارون يأنس بي، فقمت إليه فقلت: يا سيدي، ما الرؤيا التي ما الرؤيا التي قال لك أمير المؤمنين؟ قال: قال الهادي: أريت في منامي كأني دفعت إلى موسى قضيباً وإلى هارون قضيباً، فأورق من قضيب موسى أعلاه قليلاً؛ فأما هارون فأورق قضيبه من أوله إلى آخره. فدعا المهدي الحكم بن موسى الضمري - وكان يكنى أبا سفيان - فقال له: عبر هذه الرؤيا، فقال: يملكان جميعاً، فأما موسى فتقل أيامه، وأما هارون فيبلغ مدى ما عاش خليفة؛ وتكون أيامه أحسن أيام. قال: ولم يلبث إلا أياماً يسيرة، ثم اعتل موسى ومات، وكانت علته ثلاثة أيام.

قال عمرو الرومي: أفضت الخلافة إلى هارون، فزوج حمدونة من جعفر ابن موسى، وفاطمة من إسماعيل بن موسى؛ ووفى بكل ما قال؛ وكان دهره أحسن الدهور.

وذكر أن الهادي كان قد خرج إلى الحديثة؛ حديثة الموصل؛ فمرض بها، واشتد مرضه، فانصرف. فذكر عمرو اليشكري - وكان في الخدم - قال: انصرف الهادي من الحديثة بعد ما كتب إلى جميع عماله شرقاً وغرباً بالقدوم عليه؛ فلما ثقل اجتمع القوم الذين كانوا بايعوا لجعفر ابنه، فقالوا: إن صار الأمر إلى يحيى قتلنا ولم يستبقنا، فتآمروا على أن يذهب بعضهم إلى يحيى بأمر الهادي، فيضرب عنقه. ثم قالوا: لعل أمير المؤمنين يفيق من مرضه، فما عذرنا عنده! فأمسكوا. ثم بعثت الخيزران إلى يحيى تعلمه أن الرجل لمآبه، وتأمره بالاستعداد لما ينبغي؛ وكانت المستولية على أمر الرشيد وتدبير الخلافة إلى أن هلك؛ فأحضر الكتاب وجمعوا في منزل الفضل بن يحيى، فكتبوا لليلتهم كتباً إلى الرشيد إلى العمال بوفاة الهادي، وأنهم قد ولاهم الرشيد ما كانوا يلون؛ فلما مات الهادي أنفذوها على البرد.

وذكر الفضل بن سعيد، أن أباه حدثه أن الخيزران كانت قد حلفت ألا تكلم موسى الهادي، وانتقلت عنه، فلما حضرته الوفاة ، وأتاها الرسول فأخبرها بذلك، فقالت: وما أصنع به؟ فقالت لها خالصة: قومي إلى ابنك أيتها الحرة؛ فليس هذا وقت تعتب ولا تغضب. فقالت: أعطوني ماء أتوضأ للصلاة، ثم قالت: أما إنا كنا نتحدث أنه يموت في هذه الليلة خليفة، ويملك خليفة، ويولد خليفة؛ قال: فمات موسى، وملك هارون، وولد المأمون.

قال الفضل: فحدثت بهذا الحديث عبد الله بن عبيد الله، فساقه لي مثل ما حدثنيه أبي، فقلت: فمن أين كان للخيزران هذا العلم؟ قال: إنها كانت قد سمعت من الأوزاعي.

ذكر يحيى بن الحسن أن محمد بن سليمان بن علي حدثه، قال: حدثتني عمتي زينب ابنة سليمان، قالت: لما مات موسى بعيساباذ، أخبرتنا الخيزران الخبر، ونحن أربع نسوة؛أنا وأختي وأم الحسن وعائشة، بنيات سليمان، ومعنا ريطة أم علي، فجاءت خالصة، فقالت لها: ما فعل الناس؟ قالت: يا سيدتي، مات موسى ودفنوه؛ قالت: إن كان موت موسى، فقد بقي هارون، هات لي سويقا، فجاءت بسويق، فشربت وسقتنا، ثم قالت: هات لسادتي أربع مائة ألف دينار، ثم قالت: ما فعل ابني هارون؟ قالت: حلف ألا يصلي الظهر إلا ببغداد. قالت هاتوا الرحائل، فما جلوسي ها هنا؛ وقد مضى! فلحقته ببغداد.

ذكر الخبر عن وقت وفاته ومبلغ سنه وقدر ولايته ومن صلى عليه قال أبو معشر: توفي موسى الهادي ليلة الجمعة للنصف من شهر ربيع الأول؛ حدثنا بذلك أحمد بن ثابت، عمن ذكره، عن إسحاق. وقال الواقدي: مات موسى بعيساباذ للنصف من شهر ربيع الأول. وقال هشام بن محمد: هلك موسى الهادي لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول ليلة الجمعة في سنة سبعين ومائة. وقال بعضهم: توفي ليلة الجمعة لستة عشر يوماً منه؛ وكانت خلافته سنة وثلاثة أشهر. وقال هشام: ملك أربعة عشر شهراً، وتوفي وهو ابن ست وعشرين سنة. وقال الواقدي: كانت ولايته سنة وشهراً واثنين وعشرين يوماً. وقال غيرهم: توفي يوم السبت، لعشر خلت من ربيع الأول - أو ليلة الجمعة - وهو ابن ثلاث وعشرين سنة، وكانت خلافته سنة وشهراً وثلاثة وعشرين يوماً، وصلى عليه أخوه هارون بن محمد الرشيد. وكان كنيتة أبو محمد، وأمه الخيرزان أم ولد، ودفن بعيساباذ الكبرى في بستانه.

وذكر الفضل بن إسحاق أنه كان طويلاً جسيماً جميلاً أبيض، مشباً حمرة؛ وكان بشفته العليا تقلص، وكان يلقب موسى أطبقن وكان قد ولد بالسيروان من الري.

ذكر أولاده وكان له من الأولاد تسعة؛ سبعة ذكور وابنتان، أما الذكور فأحدهم جعفر - وهو الذي يرشحه للخلافة - والعباس وعبد الله وإسحاق وإسماعيل وسليمان وموسى بن موسى الأعمى كلهم من أمهات أولاد. وكان الأعمى - وهو موسى - ولد بعد موت أبيه. والابنتان؛ إحداهما أم عيسى كانت عند المأمون، والأخرى أم العباس بنت موسى، تلقب نوتة.

ذكر بعض أخباره وسيرته ذكر إبراهيم بن عبد السلام، ابن أخي الندي أبو طوطة، قال: حدثني السندي بن شاهك، قال: كنت مع موسى بجرجان، فأتاه نعي المهدي والخلافة، وركب البريد إلى بغداد؛ ومعه سعيد بن سلم، ووجهي إلى خراسان؛ فحدثني سعيد بن سلم، قال: سرنا بين أبات جرجان وبساتينها، قال: فسمع صوتاً من بعض تلك البساتين من رجل يتغنى، فقال لصاحب شرطتة: علي بالرجل الساعة، قال: فقلت يا أمير المؤمنين، ما أشبه قصة هذا الخائن بقصة سليمان بن عبد الملك! قال: وكيف؟ قال: قلت له: كان سليمان بن عبد الملك في منتزه له ومعه حرمه؛ فسمع من بستان آخر صوت رجل يتغنى، فدعا صاحب شرطته، فقال: علي بصاحب الصوت؛ فأتى به؛ فلما مثل بين يديه، قال له: ما حملك على الغناء وأنت إلى جنبي ومعي حرمي! أما علمت أن الرماك إذا سمعت صوت الفحل حنت إليه! يا غلام جبه، فجب الرجل.فلما كان في العام المقبل رجع سليمان إلى ذلك المنتزه، فجلس مجلس الذي فيه، فذكر الرجل وما صنع به، فقال لصاحب شرطته: علي بالرجل الذي كنا جببناه، فأحضره، فلما مثل بين يديه، قال له: إما بعت فوفيناك، وإما وهبت فكافأناك، قال: فوالله ما دعاه بالخلافة، ولكنه قال له: يا سليمان؛ الله الله! إنك قطعت نسلي، فذهبت بماء وجهي، وحرمتني لذتي، ثم تقول: إما وهبت فكافأناك، وإما بعت فوفيناك! لا والله حتى أقف بين يدي الله. قال: فقال يا موسى: يا غلام، رد صاحب الشرطة، فرده فقال: لا تعرض للرجل.

وذكر أبو موسى هارون بن محمد بن إسماعيل بن موسى المهدي؛ أن على ابن صالح حدثه؛ أنه كان يوماً على رأس الهادي وهو غلام - وقد كان جفا المظالم عامة ثلاثة أيام - فدخل عليه الحراني، فقال له: يا أمير المؤمنين؛ إن العامة لا تنقاد على ما أنت عليه، لم تنظر في المظالم منذ ثلاثة أيام؛ فالتفت إلي، وقال: يا علي ، ائذن للناس، علي بالجفلي لا بالنقري، فخرجت من عنده أطير على وجهي. ثم وقفت فلم أدري ما قال لي، فقلت: أراجع أمير المؤمنين، فيقول: أتحجبني ولا تعلم كلامي! ثم أدركني ذهني؛ قبعثت إلى أعرابي كان قد وفد، وسألته عن الجفلى النقري، فقال: الجفلى جفالة، والنقري ينقر خواصتهم. فأمرت بالستور فرفعت وبالأبواب ففتحت، فدخل الناس على بكرة أبيهم؛ فلم يزل ينظر في المظالم إلى الليل؛ فلما تقوض المجلس مثلت بين يديه، فقال: كأنك تريد أن تذكر شيئاً يا علي، قلت: نعم يا أمير المؤمنين؛ كلمتني بكلام لم أسمعه قبل يومي هذا، وخفت مراجعتك، فتقول: أتحجبني وأنت لم تعلم كلامي! فبعثت إلى أعرابي كان عندنا، ففسر لي الكلام؛ فكافئه عني يا أمير المؤمنين، قال: نعم مائة ألف درهم تحمل إليه، فقلت له: يا أمير المؤمنين، إنه أعرابي جلف، وفي عشرة آلاف درهم ما أغناه وكفاه، فقال: ويلك يا علي! أجود وتبخل! قال: وحدثني علي بن صالح، قال: ركب الهادي يوماً يريد عيادة أمه الخيزران من علة كانت وجدتها، فاعرضه عمر بن بزيغ، فقال له: يا أمير المؤمنين؛ ألا أدلك على وجه هو أعود عليك من هذا؟ فقال: وما هو يا عمر؟ قال: الظالم لم تنظر فيها منذ ثلاث، قال: فأومأ إلى المطرقة أن يميلوا إلى دار المظالم، ثم بعث إلى الخيزران بخادم من خدمه يعتذر إليها من تخلفه، وقال: قل لها أن عمر بن بزيع أخبرنا من حق الله بما هو أوجب علينا من حقك، فملنا إليه ونحن عائدون إليك في غد إن شاء الله.

وذكر عن عبد الله بن مالك، أنه قال: كنت أتولى الشرطة للمهدي، وكان المهدي يبعث إلى ندماء الهادي ومغنيه، ويأمرني بضرهم؛ وكان الهادي يسألني الرفق بهم والترفيه لهم؛ ولا ألتفت إلى ذلك، وأمضي لما أمرني به المهدي. قال: فلما ولى الهادي الخلافة أيقنت بالتلف؛ فبعث إلي يوماً، فدخلت عليه متكفناً متحنطاً؛ وإذا هو على كرسي، والسيف والنطع بين يديه، فسلمت، فقال: لا سلم الله على الآخر! تذكر يوماً بعثت إليك في أمر الحراني، وما أمر أمير المؤمنين به من ضربه وحبسه فلم تجبني؛ وفي فلان وفلان - وعل يعدد ندماءه - فلم تلتفت إلى قولي، ولا أمري! قلت: نعم يا أمير المؤمنين، أفتأذن لي في استيفاء الحجة؟ قال: نعم، قلت: ناشدتك بالله يا أمير المؤمنين، أيسرك أنك ما ولاني أبوك، فأمرتني بأمر، فبعث إلي بعض بنيك بأمر يخالف به أمرك، فاتبعت أمره وعصيت أمرك؟ قال: لا، قلت: فكذلك أنا لك، وكذا كنت لأبيك. فاستدناني، فقبلت يديه، فأمر بخلع فصبت علي، وقال: قد وليتك ما كنت تتولاه، فامض راشداً فخرجت من عنده فصرت إلى منزلي مفكراً في أمري وأمره، وقلت: حدث يشرب، والقوم الذي عصيته في أمرهم ندماؤه ووزراؤه وكتابه؛ فكأني بهم حين يغلب عليهم الشراب قد أزالوا رأيه في ، وحملوه من أمري على ما كنت أكره وأتخوفه. قال: فإني لجالس وبين يديه بنية لي في وقتي ذلك، والكانون بين يدي، ورقاق أشطره بكامخ وأسنخه وأضعه للصبية؛ وإذا ضجة عظيمة، حتى توهمت أن الدنيا قد اقتلعت وتزلزلت بوقع الحوافر وكثرة الضوضاء، فقلت: هاه! كان والله ما ظننت، ووافاني من أمره ما تخوفت؛ فإذا الباب قد فتح، وإذا الخدم قد دخلوا، وإذا أمير المؤمنين الهادي على حمار في وسطهم؛ فلما رأيته وثبت عن مجلس مبادراً، فقبلت يده ورجله وحافر حماره، فقال لي: يا عبد الله، إني فكرت في أمرك، فقلت: يسبق إلى قلبك إني إذا شربت وحولي أعداؤك، أزالوا ما حسن من رأيي فيك، فأقلقك وأوحشك، فصرت إلى منزلك لأونسك وأعلمك أن السخيمة قد زالت عن قلبي لك، فهات فأطعمني مما كنت تأكل، وافعل فيه ما كنت تفعل؛ لتعلم أني قد تحرمت والسكرجة التي فيها الكامخ، فأكل منها ثم قال: هاتوا الزلة التي أزللتها لعبد الله من مجلسي. فأدخلت إلي أربعمائة بغل موقرة دراهم، وقال: هذه زلتك، فاستعن بها على أمرك، واحفظ لي هذه البغال؛ لعلي أحتاج إليها يوماً لبعض أسفاري، ثم قال: أظلك الله بخير، وانصرف راجعاً.

فذكر موسى بن عبد الله أن أباه أعطاه بستانه الذي كان وسط داره، ثم بنى حوله معالف لتلك البغال؛ وكان هو يتولى النظر إليها والقيام عليها أيام حياة الهادي كلها.

وذكر محمد بن عبد الله بن يعقوب بن داود بن طهمان السلمي. قال: أخبرنيأبي، قال: كان علي بن عيسى بن ماهان يغضب غضب الخليفة، ويرضى رضا الخليفة؛ وكان أبي يقول: ما لعربي ولا لعجمي عندي ما لعلي بن عيسى؛ فإنه دخل إلى الحبس وفي يده سوط، فقال: أمرني أمير المؤمنين موسى الهادي أن أضربك مائة سوط، قال: فأقبل يضعه على يدي ومنكبي؛ يمسني به مساً إلى أن عد مائة، وخرج. فقال له: ما صنعت بالرجل؟ قال: صنعت به ما أمرت. قال: فما حاله؟ قال: مات، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون! ويلك! فضحتني والله عند الناس؛ هذا رجل صالح، يقول الناس: قتل يعقوب بن داود! قال: فلما رأى شدة جزعه، قال: هو حي يا أمير المؤمنين لم يمت، الحمد لله على ذلك.

قال: وكان الهادي قد استخلف على حجابته بعد الربيع ابنه الفضل، فقال له: لا تحجب عني الناس؛ فإن ذلك يزيل عني البركة، ولا تلق إلي أمراً إذا كشفته أصبته باطلا؛ فإن ذلك يوقع الملك، ويضر الرعية.

وقال موسى بن عبد الله: أتى موسى برجل، فجعل يقرعه بذنوبه ويتهدده، فقال له الرجل: يا أمير المؤمنين، اعتذاري مما تقرعني به رد عليك، وإقراري يوجب علي ذنباً؛ ولكني أقول:

فإن كنت ترجو في العقوبة رحمةً           فلا تزهدن عند المعافاة في الأجر
قال: فأمر بإطلاقه.

وذكر عمر بن شبة أن سعيد بن سلم كان عند موسى الهادي، فدخل عليه وفد الروم وعلى سعيد بن سلم قلنسوة - وكان قد صلع وهو حدث - فقال له موسى: ضع قلنسوتك حتى تتشايخ بصلعتك.

وذكر يحيى بن الحسن بن عبد الخالق أن أباه حدثه، قال: خرجت إلى عيساباذ أريد الفضل بن الربيع، فلقيت موسى أمير المؤمنين وهو خليفة؛ وأنا لا أعرفه؛ فإذا هو في غلالة على فرس، وبيده قناة لا يدرك أحداً إلا طعنه. فقال لي: يا بن الفاعلة! قال: فرأيت إنساناً كأنه صم، وكنت رأيته بالشام، وكان فخذاه كفخذي بعير، فضربت يدي إلى قائم السيف، فقال لي رجل: ويلك! أمير المؤمنين، فحركت دابتي - وكان شهرياً حملني عليه الفضل بن الربيع، وكان اشتراه بأربعة آلاف درهم - فدخلت دار محمد بن القاسم صاحب الحرس، فوقف على الباب، وبيده القناة، وقال: اخرج يا بن الفاعلة ! فلم أخرج، ومر فمضى. قلت للفضل: فإني رأيت أمير المؤمنين؛ وكان من القصة كذا وكذا، فقال: لا أرى لك وجهاً إلا ببغداد؛ إذا جئت أصلي الجمعة فالقني، قال: فما دخلت عيساباذ حتى هلك الهادي.

وذكر الهيثم بن عروة الأنصاري أن الحسين بن معاذ بن مسلم - وكان رضيع موسى الهادي - قال:

لقد رأيتني أخلو مع موسى، فلا أجد له هيبةً في قلبي عند الخلوة، لما كان يبسطني. وربما صارعني فأصرعه غير هائب له، وأضرب به الأرض، فإذا تلبس لبسة الخلافة ثم جلس مجلس الأمر والنهي قمت على رأسه؛ فوالله ما أملك نفسي من الرعدة والهيبة له.

وذكر يحيى بن الحسن بن عبد الخالق أن محمد بن سعيد بن عمر بن مهران، حدثه عن أبيه، عن جده، قال: كانت المرتبة لإبراهيم بن سلم بن قتيبة عند الهادي، فمات ابن لإبراهيم يقال له سلم، فأتاه موسى الهادي يعزيه عنه على حمار أشهب، لا يمنع مقبل ولا يرد عنه مسلم؛ حتى نزل في رواقه، فقال له: يا إبراهيم، سرك هو عدو وفتنة، وحزنك وهو صلاة ورحمة. فقال: يا أمير المؤمنين، ما بقي مني جزء كان فيه حزن إلا وقد امتلأ عزاء. قال: فلما مات إبراهيم صارت المرتبة لسعيد بن سلم بعده.

وذكر عمر بن شبة أن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب كان يلقب بالجرزي، تزوج رقية بنت عمرو العثمانية - وكانت تحت المهدي - فبلغ ذلك موسى الهادي في أول خلافته، فأرسل إليه فجهله وقال: أعياك النساء إلا امرأة أمير المؤمنين، فقال: ما حرم الله على خلقه إلا نساء جدي صلى الله عليه وسلم؛ فأما غيرهن فلا ولا كرامة. فشجه بمخصرة كانت في يده، وأمر بضربه خمسمائة سوط، فضرب، وأراده أن يطلقها فلم يفعل، فحمل من بين يديه في نطع فألقى ناحية؛ وكان في يده خاتم سري فرآه بعض الخدم وقد غشي عليه من الضرب، فأهوى إلى الخاتم، فقبض على يد الخادم فدقها، فصاح. وأتى موسى فأراه يده، فاستشاط وقال: يفعل هذا بخادمي، مع استخفافه بأبي، وقوله لي! وبعث إليه: ما حملك على ما فعلت؟ قال: قل له وسله، ومره أن يضع يده على رأسك وليصدقك. ففعل ذلك موسى، فصدقه الخادم، فقال: أحسن والله، أنا أشهد أنه ابن عمي؛ لو لم يفعل لانتفيت منه. وأمر بإطلاقه.

وذكر أبو إبراهيم المؤذن، أن الهادي كان يثب على الدابة وعليه درعان، وكان النهدي يسميه ريحاني.

وذكر محمد بن عطاء بن الواسطي، أن أباه حدثه أن المهدي قال لموسى يوماً - وقد قدم إليه زنديق، فاستتابه، فأبى أن يتوب، فضرب عنقه وأمر بصلبه: يا بني إن صار لك هذا الآمر فتجرد لهذه العصابة - يعني أصحاب ماني - فإنها فرقة تدعو الناس إلى ظاهر حسن، كاجتناب الفواحش والزهد في الدنيا والعمل للآخرة، ثم تخرجها إلى تحريم اللحم ومس الماء الطهور وترك قتل الهوام تحرجاً وتحوباً، ثم تخرجها من هذه إلى عبادة اثنين: أحدهما النور والآخر الظلمة، ثم تبيح بعد هذا نكاح الأخوات والبنات والاغتسال بالبول وسرقة الأطفال من الطرق، لتنقذهم من ضلال الظلمة إلى هداية النور؛ فارفع فيها الخشب، وجرد فيها السيف، وتقرب بأمرها إلى الله لا شريك له؛فإني رأيت جدك العباس في المنام قلدني بسيفين، وأمرني بقتل أصحاب الإثنين. قال: فقال موسى بعد أن مضت من أيامه عشرة أشهر: أما والله لئن عشت لأقتلن هذه الفرقة كلها حتى لا أترك منها عيناً تطرف.

ويقال: إنه أمر أن يهيأ له ألف جدع، فقال: هذا في شهر كذا، ومات بعد شهرين.

وذكر أيوب بن عنابة أن موسى بن صالح بن شيخ، حدثه أن عيسى بن دأب كان أكثر أهل الحجاز أدباً وأعذبهم ألفاظاً؛ وكان قد حظي عند الهادي حظوة لم تكن عنده لأحد؛ وكان يدعو له بمتكأ، وما كان يفعل ذلك بأحد غيره في مجلسه. وكان يقول: ما استطلت بك يوماً ولا ليلة، ولا غبت عن عيني إلا تمنيت ألا أرى غيرك. وكان لذيذ المفاكهة طيب المسامرة، كثير النادرة، جيد الشعر حسن الانتزاع له. قال: فأمر له ذات ليلة بثلاثين ألف دينار؛ فلما أصبح ابن دأب وجه قهرمانة إلى باب موسى، وقال له: الق الحاجب، وقل له: يوجه إلينا بهذا المال، فلقي الحاجب، فأبلغه رسالته؛ فتبسم وقال: هذا ليس إلي، فانطلق إلى صاحب التوقيع ليخرج له كتاباً إلى الديوان، فتدبره هناك ثم تفعل فيه كذا وكذا. فرجع إلى ابن دأب فأخبره، فقال: دعها ولا تعرض لها، ولا تسأل عنها. قال: فبينا موسى في مستشرف له ببغداد، إذ نظر إلى دأب قد أقبل وليس معه إلا غلام واحد! فقال لإبراهيم الحراني: أما ترى ابن دأب؛ ما غير من حاله، ولا تزين لنا؛ وقد بررناه بالأمس ليرى أثرنا عليه! فقال له إبراهيم: فإن أمرني أمير المؤمنين عرضت له بشيء من هذا؛ قال: لا، هو أعلم بأمره؛ ودخل ابن دأب، فأخذ في حديثه إلى أن عرض له موسى بشيء من أمره، فقال: أرى ثوبك غسيلاً، وهذا شتاء يحتاج فيه إلى الجديد اللين، فقال: يا أمير المؤمنين، باعي قصير عما أحتاج إليه، قال: وكيف وقد صرفنا إليك من برنا ما ظننا أن فيه صلاح شأنك! قال: ما وصل إلي ولا قبضته، فدعا صاحب بيت مال الخاصة، فقال: عجل له الساعة ثلاثين ألف دينار، فأحضرت وحملت بين يديه.

وذكر علي بن محمد، أن أباه حدثه عن علي بن يقطين، قال: إني لعند موسى ليلة مع جماعة من أصحابه؛ إذ أتاه خادم فسار بشيء، فنهض سريعاً، وقال: لا تبرحوا، ومضى فأبطأ، ثم جاء وهو يتنفس، فألقى بنفسه على فراشه يتنفس ساعة حتى استراح، ومعه خادم يحمل طبقاً مغطى بمنديل، فقام بين يديه، فأقبل يرعد، فعجبنا من ذلك. ثم جلس وقال للخادم: ضع ما معك، فوضع الطبق، وقال: ارفع المنديل، فرفعه فإذا في الطبق رأساً جاريتين؛ لم أراد والله أحسن من وجوههما قط ولا من شعورهما، وإذا على رءوسهما الجوهر منظوم على الشعر، وإذا رائحة طيبة تفوح، فأعظمنا ذلك، فقال: أتدرون ما شأنهما؟ قلنا: لا، قال: بلغنا أنهما تتحابان قد اجتمعتا على الفاحشة، فوكلت هذا الخادم بهما ينهي إلي أخبارهما، فجاءني فأخبرني أنهما قد اجتمعتا، فجئت فوجدتهما في لحاف واحد على الفاحشة فقتلتهما، ثم قال: يا غلام، ارفع الرأسين قال: ثم رجع في حديثه كأنه لم يصنع شيئاً.

وذكر أبو العباس بن أبي مالك اليمامي أن عبد الله بن محمد البواب، قال: كنت أحجب الهادي خليفةً للفضل بن الربيع، قال: فإنه ذات يوم جالس وأنا في داره، وقد تغدى ودعا بالنبيذ، وقد كان قبل ذلك دخل على أمه الخيزران، فسألته أن يولي خاله الغطريف اليمن، فقال: أذكريني به قبل أن أشرب، قال: فلما عزم على الشرب وجهت إليه منيرة - أو زهرة - تذكره، فقال: اختاري له طلاق ابنته عبيدة أو ولاية اليمن، فلم تفهم إلا قوله: اختاري له فمرت، فقالت: قد اخترت له ولاية اليمن، فطلق ابنته عبيدة، فسمع الصياح، فقال: ما لكم؟ فأعلمته الخبر، فقال: أنت اخترت له، فقالت: ما هكذا أديت إلي الرسالة عنك. قال: فأمر صالحاً صاحب المصلى أن يقف بالسيف على رءوس الندماء ليطلقوا نساءهم،فخرج إلي بذلك الخدم ليعلموني ألا آذن لأحد. قال: وعلى الباب رجل واقف متلفع بطيلسانه، يراوح بين قدميه، فعن لي بيتان، فأنشدتهما وهما:

خليلي من سعد ألما فسلـمـا           على مريم، لا يبعد الله مريما
وقولا لها : هذا الفراق عزمته             فهل من نوالٍ بعد ذلك فيعلما!

قال: فقال لي الرجل المتلفع بطيلسانه: فنعلما، فقلت: ما الفرق بين يعلما ونعلما؟ فقال: أنا أعلم بالشعر منك، قال: فلمن الشعر؟ قلت: للأسود بن عمارة النوفلي، فقال لي: فأنا هو؛ فدنوت منه فأخبرته خبر موسى، واعتذرت إليه من مراجعتي إياه. قال: فصرف دابته، وقال: هذا أحق منزل بأن يترك. قال مصعب الزبيري: قال أبو المعافي: أنشدت العباس بن محمد مديحاً في موسى وهارون:

يا خيزران هناك ثم هناك              إن العباد يسوسهم إبناك

قال: فقال لي: إني أنصحك، قال اليماني: لا تذكر أمي بخير ولا بشر.

وذكر أحمد بن صالح بن أبي فنن، قال: حدثني يوسف الصقيل الشاعر الواسطي، قال: كنا عند الهادي بجرجان قبل الخلافة ودخوله بغداد، فصعد مستشرفا له حسناً؛ فغنى بهذا الشعر:

واستقلت رجالهم      بالرديني شرعا

فقال: كيف هذا الشعر؟ فأنشدوه، فقال: كنت أشتهي أن يكون هذا الغناء في شعر أرق من هذا، اذهبوا إلى يوسف الصقيل حتى يقول فيه، قال: فأتوني فأخبروني الخبر، فقلت:

لا تلمني أن اجزعا        سيدس قد تمنـعـا
وابلائي إن كان ما         بيننا قد تقـطـعـا
إن موسى بفضلـه        جمع الفضل أجمعا

قال: فنظر فإذا أمامه، فقال: أوقروا هذا دراهم ودنانير، واذهبوا بها إليه. قال: فأتوني بالبعير موقراً.

وذكر محمد بن سعد، قال: حدثني أبو زهير، قال: كان ابن دأب أحظى الناس عند الهادي، فخرج الفضل بن الربيع يوماً، فقال:

إن أمير المؤمنين يأمر من بابه بالانصراف؛ فأما أنت يا بن دأب فادخل، قال ابن دأب: فدخلت عليه وهو منبطح على فراشه؛ وإن عينيه لحمراوان من السهر وشرب الليل، فقال لي: حدثني بحديث في الشراب، فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، خرجت رجله من كنانة ينتجعون الخمر من الشأم، فمات أخ لأحدهم، فجلسوا عند قبره يشربون، فقال أحدهم:

لا تصرد هامةً من شربها             أسقه الخمر وإن كان قبر
أسق أوصالاً وهاماً وصدى            قاشعاً يقشع قشع المبتكر
كان حراً فهوى فيمن هوى           كل عود وفنون منكسـر

قال: فدعا بدواة فكتبها، ثم كتب إلى الحراني بأربعين ألف درهم، وقال: عشرة آلاف لك، وثلاثون ألفاً للثلاثة الأبيات. قال: فأتيت الحراني، فقال: صالحنا على عشرة آلاف، على أنك تحلف لنا ألا تذكرها لأمير المؤمنين، فحلفت ألا أذكرها لأمير المؤمنين، حتى يبدأني، فمات ولم يذكرها حتى أفضت الخلافة إلى الرشيد.

وذكر أبو دعامة أن سلم بن عمرو الخاسر مدح موسى الهادي، فقال:

بعيساباذ حر مـن قـريش                 على جنباته الشرب الرواء
يعوذ المسلمون بحقـوتـيه               إذا ما كان خوف أو رجاء
وبالميدان دور مشـرفـات                  شيدهـن قـوم أدعـياء
وكم من قائلٍ إني صحـيح                 وتأبه الخـلائق والـرواء
له حسب يضن به ليبقـى                وليس لما يضن به بقـاء
على الضبي لؤم ليس يخفي            يغطيه فينكشف الغطـاء
لعمري لو أقام أبو خـديج                    بناء الدار ما انهدم البنـاء

قال: وقال سلم الخاسر لما تولى الهادي الخلافة بعد المهدي:

لقد فاز موسى بالخلافة والهدى             ومات أمير المؤمنين محمـد
فمات الذي عم البرية فـقـده                   وقام الذي يكفيك من يتفـقـد

وقال أيضاً:

تخفى الملوك لموسى عند طلعته         مثل النجوم لقرن الشمس إذ طلعا
وليس خلق يرى بدراً وطلعـتـه                من البرية إلا ذل أو خـضـعـا

وقال أيضاً:

لولا الخليفة موسى بعد والـده            ما كان للناس من مهديهم خلف
ألا تـرى أمة الأمــى واردةً                    كأنها من نواحي البحر تغترف
من راحتي ملك قد عم نـائلـه              كأنه نائله من جـوده سـرف

وذكر إدريس بن أبي حفصة أن مروان بن أبي حفصة حدثه، قال: لما ملك موسى الهادي دخلت عليه فأنشدته:

إن خلدت بعد الاٍمام محـمـد            نفسي لما فرحت بطول بقائها

قال: ومدحت فقلت فيه:

بسبعين ألفاً شد ظهري وراشني         أبوك وقد عاينت من ذاك مشهدا
وإني أمير المؤمنـين لـواثـق                 بألا يرى شربي لديك مصـردا

فلما أنشدته قال: ومن يبلغ مدى المهدي! ولكنا سنبلغ رضاك. قال: وعاجلته المنية فلم يعطني شيئاً، ولا أخذت من أحد درهماً حتى قام الرشيد.

وذكر هارون بن موسى الفروي، قال: حدثني أبو غزية، عن الضحاك بن معن السلمي، قال: دخلت على موسى فأنشدته:

يا منزلي شجو الفؤاد تكلمـا              فلقد أرى بكما الرباب وكلثما
ما منزلان على التقادم والبلى           أبكي لما تحت الجوانح منكما
ردا السلام على كبير شـاقة              طللان قد درسا فهاج فسلما

قال: ومدحته فيها، فلما بلغت:

سبط الأنامل بالفعـال أخـالـه         أن ليس يتركفي الخزائن درهماً

التفت إلى أحمد الخازن ، فقال: ويحك يا أحمد! كأنه نظر إلينا البارحة، قال: وكان قد أخرج تلك الليلة مالاً كثيراً ففرقه.

وذكر عن إسحاق الموصلي - أو غيره - عن إبراهيم، قال: كنا يوما عند موسى، وعنده ابن جامع ومعاذ بن الطيب - وكان أول يوم دخل علينا معاذ؛ حاذقاً بالأغاني، عارفاً بقديمها - فقال: من أطربني منكم فله حكمه؛ فغناه ابن جامع غناءً فلم يحركه، وفهمت غرضه في الأغاني، فقال هات يا إبراهيم، فغنيته:

سليمى أجمعت بينا    فأين تقولها أينـا!

فطرب حتى قام من مجلسه، ورفع صوته، وقال: أعد، فأعدت، فقال:

هذا غرضي فاحتكم، فقلت يا أمير المؤمنين، حائط عبد الملك وعينه الخرارة، فدارت عيناه في رأسه حتى صارتا كأنهما جمرتان، ثم قال: يا بن اللخناء، أردت أن تسمع العامة أنك أطربتني وأني حكمتك فأقطعتك! أما والله لولا بادرة جهلك التي غلبت على صحيح عقلك لضربت الذي فيه عيناك. ثم أطرق هنيهة، فرأيت ملك الموت بيني وبينه ينتظر أكره. ثم دعا إبراهيم الحراني فقال: خذ بيد هذا الجاهل فأدخله بيت المال، فليأخذ منه ما شاء، فأدخلني الحراني بيت المال، فقال: كم تأخذ؟ قلت: ماءة بدرة، قال: دعني أؤامره، قال: قلت: فثمانين، قال: حتى أؤامره، فعملت ما أراد، فقلت: سبعين بدرة لي، وثلاثين لك، قال: الآن جئت بالحق، فشأنك. فانصرفت بسبعمائة ألف وانصرف ملك الموت عن وجهي.

وذكر علي بن محمد، قال: حدثني صالح بن علي بن عطية الأضخم عن حكم الوادي، قال كان الهادي يشتهي من الغناء الوسط الذي يقل ترجيعه، ولا يبلغ أن يستخف به جداً. قال: فبينا نحن ليلة عنده، وعنده ابن جامع والموصلي والزبير بن دحمان والغنوي إذ دعا بثلاث بدور وأمر بهن فوضعن في وسط المجلس، ثم ضم بعضهن إلى بعض، وقال: من غنائي صوتاً في الطريق الذي أشتهيه، فهن له كلهن. قال: وكان فيه خلق حسن؛ كان إذا كره شيئاً لم يوقف عليه، وأعرض عنه. فغناه ابن الجامع، فأعرض عنه، وغنى القوم كلهم؛ فأقبل يعرض حتى تغنيت، فوافقت ما يشتهي فصاح أحسنت أحسنت! اسقوني، فشرب وطرب، فقمت فجلست على البدور، وعلمت أني قد حويتها، فحضر ابن جامع، فأحسن المحضر، وقال: يا أمير المؤمنين، هو والله كما قلت، وما منا أحد إلا وقد ذهب عن طريقك غيره، قال: هي لك، وشرب حتى بلغ حاجته على الصوت، ونهض، فقال: مروا ثلاثة من الفراشين يحملونها معه، فدخل وخرجنا نمشي في الصحن منصرفين، فلحقني ابن جامع، فقلت: جعلت فداك يا أبا القاسم! فعلت ما يفعل مثلك في نسبك؛فانظر فيها بما شئت. فقال: هنأك الله، ووددنا أنا زدناك. ولحقنا الموصلي، فقال: أجزنا، فقلت: ولم لم تحسن محضرك! لا والله ولا درهماً واحداً.

وذكر محمد بن عبد الله، قال: قال لي سعيد القارئ العلاف - وكان صاحب أبان القارئ - : إنه كان عند موسى جلساؤه، فيهم الحراني وسعيد بن سلم وغيرهما؛ وكانت جارية لموسى تسقيهم؛ وكانت ماجنةً، فكانت تقول لهذا: يا جلفي؛ وتعبث بهذا وهذا؛ ودخل يزيد بن مزيد فسمع ما تقول لهم، فقال لها: والله الكبير؛ لئن قلت لي مثل ما تقولين لهم لأضربنك ضربة بالسيف، فقال لها موسى: ويلك! إنه والله يفعل ما يقول؛ فإياك. قال: فأمسكت عنه ولم تعابثه قط. قال: وكان سعيد العلاف وأبان القارئ إباضيين.

وذكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن داود الكاتب، قال: حدثني ابن القداح، قال: كانت للربيع جارية يقال لها أمة العزيز، فائقة الجمال، ناهدة الثديين، حسنة القوام، فأهداها لإلى المهدي، فلما رأى جمالها وهيئتها، قال: هذه لموسى أصلح، فوهبها له؛ فكانت أحب الخلق إليه، وولدت له بنيه الأكابر. ثم إن بعض أعداء الربيع قال لموسى: إنه سمع الربيع يقول: ما وضعت بيني وبين الأرض مثل أمة العزيز، فغار موسى من ذلك غيرة شديدة، وحلف ليقتلن الربيع، فلما استخلف دعا الربيع في بعض الأيام، فتغدى معه وأكرمه، وناوله كأساً فيها شراب عسل؛ قال: فقال الربيع: فعلمت أن نفسي فيها، وأني إن رددت الكأس ضرب عنقي؛ مع ما قد علمت أن في قلبه علي من دخولي على أمه، وما بلغه عني، ولم يسمع مني عذراً. فشربتها. وانصرف الربيع إلى منزله، فجمع ولده، وقال لهم: إني ميت في يومي هذا أو من غد، فقال له ابنه الفضل: ولم تقول هذا جعلت فداك! فقال: إن موسى سقاني شربة سم بيده، فأنا أجد عملها في بدني، ثم أوصى بما أراد، ومات في يومه أو من غده. ثم تزوج الرشيد أمة العزيز بعد موت موسى الهادي، فأولدها علي بن الرشيد.

وزعم الفضل بن سليمان بن إسحاق الهاشمي أن الهادي لما تحول إلى عيساباذ في أول السنة التي ولي الخلافة فيها، عزل الربيع عما كان يتولاه من الوزارة وديوان الرسائل، وولى مكانه عمر بن بزيع، وأقر الربيع على الزمام؛وأوذن بموته فلم يحضر جنازته، وصلى عليه هارون الرشيد؛ وهو يومئذ ولي عهد، وولى موسى مكان الربيع إبراهيم بن ذكوان الحراني، واستخلف على ما تولاه إسماعيل بن صبيح، ثم عزله واستخلف يحيى بن سليم، وولى إسماعيل زمام ديوان الشام وما يليها.

وذكر يحيى بن الحسن بن عبد الخالق، خال الفضل بن الربيع، أن أباه حدثه، أن موسى الهادي قال: أريد قتل الربيع؛ فما أدري كيف أفعل به! فقال له سعيد بن سلم: تأمر رجلاً باتخاذ سكين مسموم، وتأمره بقتله، ثم تأمر بقتل ذلك الرجل. قال: هذا الرأي، فأمر رجلاً فجلس له في الطريق، وأمره بذلك، فخرج بعض خلفاء الربيع، فقال له: إنه قد أمر فيك بكذا وكذا، فأخذ في غير ذلك الطريق، فدخل منزله، فتمارض، فمرض بعد ذلك ثمانية أيام؛ فمات ميتة نفسه.

وكانت وفاته سنة تسع وستين ومائة؛ وهو الربيع بن يونس.