المجلد الثامن - ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين ومائة: ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث

ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين ومائة

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث

ذكر الخبر عن وفاة سليمان فمن ذلك وفاة محمد بن سليمان بالبصرة، لليال بقين من جمادى الآخرة منها.

وذكر أنه لما مات محمد بن سليمان وجه الرشيد إلى كل ما خلفه رجلاً أمره باصطفائه، فأرسل إلى ما خلف من الصامت من قبل صاحب بيت ماله رجلاً، وإلى الكسوة بمثل ذلك، وإلى الفرش والرقيق والدواب من الخيل والإبل، وإلى الطيب والجوهر وكل آلة برجلٍ من قبل الذي يتولى كل صنف من الأصناف، فقدموا البصرة، فأخذوا جميع ما كان لمحمد مما يصلح للخلافة، ولميتركوا شيئاً إلا الحرثي الذي لا يصلح للخلفاء، وأصابوا له ستين ألف ألف فحملوها مع ما حمل، فلما صارت في السفن أخبر الرشيد بمكان السفن التي حملت ذلك؛ فأمر أن يدخل جميع ذلك خزائنه إلا المال؛ فإنه أمر بصكاك فكتب للندماء، وكتب للمغنين صكاك صغار لم تدر في الديوان، ثم دفع إلى كل رجل صكاً بما رأى أن يهب له، فأرسلوا وكلاءهم إلى السفن، فأخذوا المال على ما أمر لهم به في الصكاك أجمع؛ لم يدخل منه بيت ماله دينار ولا درهم، واصطفى ضياعه؛ وفيها ضيعة يقال لها برشيد بالأهواز لها غلة كثيرة.

وذكر علي بن محمد، عن أبيه، قال: لما مات محمد بن سليمان أصيب في خزانة لباسه مذ كان صبياً في الكتاب إلى أن مات مقادير السنين؛ فكان من ذلك ما عليه آثار النقش. قال: وأخرج من خزائنه ما كان يهدى له من بلاد السند ومكران وكرمان وفارس والأهواز واليمامة والري وعمان؛ من الألطاف والأدهان والسمك والحبوب والجبن، وما أشبه ذلك، ووجد أكثره فاسداً. وكان من ذلك خمسمائة كنعدة ألقيت من دار جعفر ومحمد في الطريق؛ فكانت بلاء. قال: فمكثنا حيناً لا نستطيع أن نمر بالمربد من نتنها.

ذكر وفاة الخيزران أم الهادي والرشيد

وفيها توفيت الخيزران أم هارون الرشيد وموسى الهادي.

ذكر الخبر عن وقت وفاتها

ذكر يحيى بن الحسن أن أباه حدثه، قال: رأيت الرشيد يوم ماتت الخيزران، وذلك في سنة ثلاث وسبعين ومائة، وعليه جبة سعيدية وطيلسان خرق أزرق، قد شد به وسطه، وهو آخذ بقائمة السرير حافياً يعدو في الطين؛ حتى أتى مقابر قريش فغسل رجليه، ثم دعا بخف وصلى عليها، ودخل قبرها، فلما خرج من المقبرة وضع له كرسي فجلس عليه، ودعا الفضل بن الربيع، فقال له: وحق المهدي - وكان لا يحلف بها إلا إذا اجتهد - إني لأهم لك من الليل بالشيء من التولية وغيرها، فتمنعني أمي فأطيع أمرها، فخذ الخاتم من جعفر. فقال الفضل بن الربيع لإسماعيل بن صبيح: أنا أجل أبا الفضل عن ذلك؛ بأن أكتب إليه وآخذه؛ ولكن إن رأى أن يبعث به! قال وولى الفضل نفقات العامة والخاصة وباد وريا والكوفة، وهي خمسة طساسيج، فأقبلت حاله تنمي إلى سنة سبع وثمانين ومائة.

وقيا إن وفاة محمد بن سليمان والخيزران كانت في يوم واحد.

وفيها أقدم الرشيد جعفر بن محمد بن الأشعث من خراسان، وولاها ابنه العباس بن جعفر بن محمد بن الأشعث.

وحج بالناس فيها هارون؛ وذكر أنه خرج محرماً من مدينة السلام.