المجلد الثامن - ثم دخلت سنة سبع عشرة ومائتين: ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث

ثم دخلت سنة سبع عشرة ومائتين

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث

فمن ذلك ظفر الأفشين فيها بالبيما؛ وهي من أرض مصر، ونزل أهلها بأمان على حكم المأمون، قرئ كتاب فتحها لليلة بقيت من شهر ربيع الآخر.

وورد المأمون فيها مصرفي المحرم، فأتى بعبدوس الفهري فضرب عنقه، وانصرف إلى الشام

ذكر الخبر عن قتل علي وحسين ابني هشام

وفيها قتل المأمون ابني هشام علياً وحسيناً بأذنة في جمادى الأولى.

ذكر الخبر عن سبب قتله علياً وكان السبب ذلك، أن المأمون للذي بلغه من سوء سيرته في أهل عمله الذيكان المأمون ولاه - وكان ولاه كور الجبال - وقتله الرجال، وأخذه الأموال؛ فوجه إليه عجيف، فأراد أن يفتك به ويلحق ببابك، فظفر به عجيف، فقدم به على المأمون، فأمر بضرب عنقه فتولى قتله ابن الجليل. وتولى ضرب عنق الحسين محمد بن يوسف ابن أخيه بأذنة، يوم الأربعاء لأربع عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى، ثم بعث رأس علي بن هشام إلى بغداد وخراسان، فطيف به، ثم رد إلى الشام والجزيرة فطيف به كورة كورة، فقدم به دمشق في ذي الحجة، ثم ذهب به إلى مصر، ثم ألقي بعد ذلك في البحر.

وذكر أن المأمون لما قتل علي بن هشام، أمر أن يكتب رقعة وتعلق على رأسه ليقرأها؛ فكتب: أما بعد، فإن أمير المؤمنين كان دعا علي بن هشام فيمن دعا من أهل خراسان أيام المخلوع، إلى معاونته والقيام بحقه، وكان فيمن أجاب وأسرع الإجابة، وعاون فأحسن المعاونة. فرعى أمير المؤمنين ذلك له واصطنعه، وهو يظن به تقوى الله وطاعته والانتهاء إلى أمر أمير المؤمنين في عمل إن أسند إليه في حسن السيرة وعفاف الطعمة، وبدأه أمير المؤمنين بالافضال عليه، فولاه الأعمال السنية، ووصله بالصلات الجزيلة التي أمر أمير المؤمنين بالنظر في قدرها، فوجدها اكثر من خمسين ألف ألف درهم، فمد يده إلى الخيانة والتضييع لما استرعاه من الأمانة، فباعده عنه وأقصاه، ثم استقال أمير المؤمنين عثرته فأقاله إياها، وولاه الجبل وأذربيجان وكور أرمينية، ومحاربة أعداء الله الخرمية، على ألا يعود لماكان منه؛ فعاود أكثر ما كان بتقديمه الدينار والدرهم على العمل لله ودينه، وأساء السيرة وعسف الرعية وسفك الدماء المحرمة، فوجه أمير المؤمنين عجيف بن عنفسة مباشراً لأمره، وداعياً إلى تلافي ما كان منه؛ فوثب بعجيف يريد قتله، فقوى الله عجيفاً بنيته الصادقة في طاعة أمير المؤمنين؛ حتى دفعه عن نفسه، واو تم ما أراد بعجيف لكان في ذلك ما لا يستدرك ولا يستقال؛ ولكن الله إذا أراد أمراً كان مفعولأ. فلما أمضى أمير المؤمنين حكم الله في علي بن هشام، رأى ألا يؤاخذ من خلفه بذنبه، فأمر أن يجري لولده ولعياله ولمن اتصل بهم ومن كان يجري عليهم مثل الذي كان جارياً لهم في حياته؛ ولو لا أن علي بن هشام أراد العظمى بعجيف، لكان في عداد من كان في عسكره ممن خالف وخان، كعيسى بن منصور ونظرائه.والسلام: وفي هذه السنة دخل المأمون أرض الروم، فأناخ على لؤلؤة مائة يوم، ثم رحل عنها وخلف عليها عجيفاً، فاختدعه أهلها وأسروه ؛ فمكث أسيراً في أيديهم ثمانية أيام، ثم أخرجوه، وصار توفيل إلى لؤلؤة ،فأحاط بعجيف، فصرف المأمون الجنود إليه، فارتحل توفيل قبل موافاتهم، وخرج أهل لؤلؤة إلى عجيف بأمان.

كتاب توفيل إلى المأمون ورد المأمون عليه

وفيها كتب توفيل صاحب الروم إلى المأمون يسأله الصلح، وبدأ بنفسه في كتابه، وقدم بالكتاب الفضل وزير توفيل يطلب الصلح، وعرض الفدية. وكانت نسخة كتاب توفيل إلى المأمون: أما بعد ، فإن اجتماع المختلفين على حظهما أولى بهما في الرأي مما عاد بالضرر عليهما؛ ولست حرياً أن تدع الحظ يصل إلى غيرك حظاً تحوزه إلى نفسك، وفي علمك كاف عن إخبارك؛ وقد كنت كتبت إليك داعياً إلى المسالمة، راغباًفي فضيلة المهادنة، لتضع أوزار الحرب عنا، ونكون كل واحد لكل واحد ولياً وحزبا؛ مع اتصال المرافق والفسح في المتاجر، وفك المستأسر، وأمن الطرق والبيضة؛ فإن أبيت فلا أدب لك في الخمر، ولا أزخرف لك في القول؛ فغني لخائض إليك غمارها، آخذ عليك أسدادها؛ شان خيلها ورجالها، وإن أفعل فبعد أن قدمت المعذرة، وأقمت بيني وبينك علم الحجة. والسلام. فكتب إليه المأمون: أما بعد؛ فقد بلغني كتابك فيما سألت من الهدنة، ودعوت إليه من الموادعة، وخلطت فيه من اللين والشدة؛ مما استعطفت به؛ من شرح المتاجر واتصال المرافق، وفك الأسارى، ورفع القتل والقتال، فلولا ما رجعت إليه من أعمال التؤدة والأخذ بالحظ في تقليب الفكرة، وألا أعتقد الرأي في مستقبله إلا في استصلاح ما أوثره في معتقبه، لجعلت جواب كتابك خيلاً تحمل رجالاً من أهل البأس والنجدة والبصيرة ينازعونكم عن ثكلكم ويتقربون إلى الله بدمائكم، ويستقلون في ذات الله ما نالهم من ألم شوكتكم، ثم أوصل إليهم من الإمداد، وأبلغ لهم كافياً من العدة والعتاد، هم أظمأ إلى موارد المنايا منكم إلى السلامة من مخوف معرتهم عليكم؛ موعدهم إحدى الحسنيين: عاجل غلبة، أو كريم منقلب؛ غير أني رأيت لأن أتقدم إليك بالموعظة التي يثبت الله بها عليك الحجة؛ من الدعاء لك ولمن معك إلى الوحدانية والشريعة الحنيفية؛ فإن أبيت ففدية توجب ذمة، وتثبت نظرة، وإن تركت ذلك، ففي يقين المعاينة لنعوتنا ما يغني عن الإبلاغ في القول الإغراق في الصفة. والسلام على من اتبع الهدى.

وفيها صار المأمون إلى سلغوس.

وفيها بعث علي بن عيسى القمي جعفر بن داود القمي فضرب أبو إسحاق بن الرشيد عنقه.

وحج بالناس في هذه السنة سليمان بن عبد الله بن سليمان بن علي.