المجلد الثامن - ثم دخلت سنة ثمان عشرة ومائتين: ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث

ثم دخلت سنة ثمان عشرة ومائتين

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث

فمن ذلك ما كان من شخوص المأمون من سلغوس إلى الرقة، وقتله بها ابن أخت الداري.

وفيها أمر بتفريغ الرافقة لينزلها حشمه، فضج من ذلك أهلها فأعفاهم.

وفيها وجه المأمون ابنه العباس إلى أرض الروم، وأمره بنزول الطوانة وبنائها، وكان قد وجه الفعلة والفروض، فابتدأ البناء، وبناها ميلاً في ميل، وجعل سورها على ثلاثة فراسخ، وجعل لها أربعة أبواب، وبنى على كل باب حصناً؛ وكان توجيهه ابنه العباس في ذلك في أول يوم من جمادى.

وكتب إلى أخيه أبي إسحاق بن الرشيد؛ إنه قد فرض على جند دمشق وحمص والأردن وفلسطين أربعة آلاف رجل، وأنه يجري على الفارس مائة درهم، وعلى الراجل أربعين درهماً، وفرض على مصر فرضاً، وكتب على أهل بغداد وهم ألفا رجل، وخرج بعضهم حتى وافى طوانة ونزلها مع العباس.

ذكر خبر المحنة بالقرآن

وفي هذه السنة كتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم في امتحان القضاة والمحدثين، وأمر بإشخاص جماعة منهم إليه إلى الرقة؛ وكان ذلك أول كتاب كتب في ذلك، ونسختة كتابه إليه: أما بعد؛ فإن حق الله على أئمة المسلمين وخلفائهم الاجتهاد في إقامة دين الله الذي استحفظهم، ومواريث النبوة التي أورثهم، وأثر العلم الذي استودعهم، والعمل بالحق في رعيتهم والتشمير لطاعة الله فيهم، والله يسأل أمير المؤمنين أن يوفقه لعزيمة الرشد وصريمته والإقساط فيما ولاه الله من رعيته برحمته ومنته. وقد عرف أمير المؤمنين أن الجمهور الأعظم والسواد الأكبر من حشو الرعية وسفلة العامة ممن لا نظر له ولا روية ولا استدلال له بدلالة الله وهدايته والاستضاءة بنور العلم وبرهانه في جميع الأقطار والآفاق أهل جهالة بالله، وعمىً عنه، وضلالة عن حقيقة دينه وتوحيده والإيمان به. ونكوبٍ عن واضحات أعلامه وواجب سبيله، وقصورٍ أن يقدروا الله حق قدره، ويعرفوه كنه معرفته، ويفرقوا بينه وبين خلقه، لضعف آرائهم ونقص عقولهم وجفائهم عن التفكير والتذكر؛ وذلك أنهم ساووا بين الله تبارك وتعالى وبين ما أنزل من القرآن، فأطبقوا مجتمعين، واتفقوا غير متعاجمين، على أنه قديم أول لم يخلقه الله ويحدثه يخترعه، وقد قال الله عز وجل في محكم كتابه الذي جعله لما في الصدور شفاءً، وللمؤمنين رحمةً وهدىً: " إنا جعلناه قرآناً عربياً"، فكل ما جعله الله فقد خلقه، وقال: " الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور"، وقال عز وجل: " كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق"، فأخبر أنه قصص لأمور أحدثه بها وتلا به متقدمها، وقال: " آلر، كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير"، وكل محكمٍ مفصل فله محكم مفصل، والله محكم كتابه ومفصله؛ فهو خالقه ومبتدعه.

ثم هم الذين جادلوا بالباطل فدعوا إلى قولهم، ونسبوا أنفسهم إلى السنة، وفي كل فصل من كتاب الله قصص من تلاوته مبطل قولهم، ومكذب دعواهم، يرد عليهم قولهم ونحلتهم. ثم أظهروا مع ذلك أنهم أهل الحق والدين والجماعة، وأن من سواهم من أهل الباطل والكفر والفرقة، فاستطالوا بذلك على الناس، وغروا به الجهال حتى مال قوم من أهل السمت الكاذب، والتخشع لغير الله، والتقشف لغير الدين إلى موافقتهم عليه، ومواطأتهم على سيء آرائهم، تزيناً بذلك عندهم وتصنعاً للرياسة والعدالة فيهم، فتركوا الحق إلى باطلهم، واتخذوا دون الله وليجة إلى ضلالتهم، فقبلت بتزكيتهم لهم شهادتهم، ونفذت أحكام الكتاب بهم على دغل دينهم، ونغل أديمهم، وفساد نياتهم ويقينهم. وكان ذلك غايتهم التي إليها أجروا، وإياها طلبوا في متابعتهم والكذب على مولاهم، وقد أخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق، ودرسوا ما فيه، أولئك الذين أصمهم الله وأعمى أبصارهم، " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها".

فرأى أمير المؤمنين أن أولئك شر الأمة ورءوس الضلالة، والمنقوصون من التوحيد حظاً، والمخسوسون من الإيمان نصيباً، وأوعية الجهالة وأعلام الكذب ولسان إبليس الناطق في أوليائه، والهائل على أعدائه؛ من أهل دين الله، وأحق من يتهم في صدقه، وتطرح شهادته، لا يوثق بقوله ولا عمله؛ فإنه لا عمل له إلا بعد يقين، ولا يقين إلا بعد استكمال حقيقة الإسلام، وإخلاص التوحيد، ومن عمي عن رشده وحظه من الإيمان بالله وبتوحيده؛ كان عما سوى ذلك من عمله والقصد في شهادته أعمى وأضل سبيلاً. ولعمر أمير المؤمنين إن أحجى الناس بالكذب في قوله، وتخرص الباطل في شهادته، من كذب على الله ووحيه، ولم يعرف الله حقيقة معرفته، وإن أولاهم برد شهادته في حكم الله ودينه من رد شهادة الله على كتابه، وبهت حق الله بباطله.

فاجمع من بحضرتك من القضاة، واقرأ عليم كتاب أمير المؤمنين هذا إليك، فابدأ بامتحانهم فيما يقولون وتكشيفهم عما يعتقدون، في خلق الله القرآن وإحداثه، وأعلمهم أن أمير المؤمنين غير مستعين في عمله، ولا واثق فيما قلده الله، واستحفظه من أمور رعيته بمن لا يوثق بدينه وخلوص توحيده ويقينه؛ فإذا أقروا بذلك ووافقوا أمير المؤمنين فيه، وكانوا على سبيل الهدى والنجاة. فمرهم بنص من يحضرهم من الشهود على الناس ومسألتهم عن علمهم في القرآن، وترك إثبات شهادة من لم يقر أنه مخلوق محدث ولم يره، والامتناع من توقيعها عنده. واكتب إلى أمير المؤمنين بما يأتيك عن قضاة أهل عملك في مسألتهم؛ والأمر لهم بمثل ذلك؛ ثم أشرف عليهم وتفقد آثارهم حتى لا تنفذ أحكام الله إلا بشهادة أهل البصائر في الدين والإخلاص للتوحيد، واكتب إلى أمير المؤمنين بما يكون في ذلك. إن شاء الله.

وكتب في شهر ربيع الأول سنة ثمان عشرة ومائتين.

وكتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم في إشخاص سبعة نفر، منهم محمد بن سعد كاتب الواقدي، وأبو سليم مستملي يزيد بن هارون، ويحيى بن معين وزهير بن حرب أبو خيثمة، وإسماعيل بن داود، وإسماعيل بن أبي مسعود، وأحمد بن الدورقي؛ فأشخصوا إليه، فامتحنهم وسألهم عن خلق القرآن، فأجابوا جميعاً إن القرآن مخلوق، فأشخصهم إلى مدينة السلام وأحضرهم إسحاق بن إبراهيم داره، فشهر أمرهم وقولهم بحضرة الفقهاء والمشايخ من أهل الحديث، فأقروا بمثل ما أجابوا به المأمون، فخلى سبيلهم. وكان ما فعل من ذلك إسحاق بن إبراهيم بأمر المأمون.

وكتب المأمون بعد ذلك إلى إسحاق بن إبراهيم: أما بعد، فإن من حق الله على خلفائه في أرضه، وأمنائه على عباده، الذين ارتضاهم لإقامة دينه، وحملهم رعاية خلقه وإمضاء حكمه وسننه والائتمام بعدله في بريته، أن يجهدوا لله أنفسهم، وينصحوا له فيما استحفظهم وقلدهم، ويدلوا عليه - تبارك اسمه وتعالى - بفضل العلم الذي أودعهم، والمعرفة التي جعلها فيهم، ويهدوا إليه من زاغ عنه، ويردوا من أدبر عن أمره، وينهجوا لرعاياهم سمت نجاحهم، ويقفوهم على حدود إيمانهم وسبيل فوزهم وعصمتهم ويكشفوا لهم مغطيات أمورهم ومشتبهاتها عليهم، بما يدفعون الريب عنهم، ويعود بالضياء والبينة على كافتهم، وأن يؤثروا ذلك من إرشادهم وتبصيرهم، إذ كان جامعاً لفنون مصانعهم، ومنتظماً لحظوظ عاجلتهم وآجلتهم، ويتذكروا ما الله مرصد من مساءلتهم عما حملوه، ومجازاتهم بما أسلفوه وقدموا عنده، وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله وحده، وحسبه الله وكفى به. ومما بينه أمير المؤمنين برويته، وطالعه بفكره، فتبين عظيم خطره،وجليل ما يرجع في الدين من وكفه وضرره، وما ينال المسلمين بينهم من القول في القرآن الذي جعله الله إماماً لهم، وأثراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفيه محمد صلى الله عليه وسلم باقياً لهم، واشتباهه على كثير منهم؛ حتى حسن عندهم، وتزين في عقولهم ألا يكون مخلوقاً، فتعرضوا بذلك لدفع خلق الله الذي بان به عن خلقه، وتفرد بجلالته؛ من ابتداع الأشياء كلها بحكمته وإنشائها بقدرته، والتقدم عليها بأوليته التي لا يبلغ أولاها، ولا يدرك مداها؛ وكان كل شيء دونه خلقاً من خلقه، وحدثاً هو المحدث له؛ وإن كان القرآن ناطقاً به ودالاً عليه، وقاطعاً للإختلاف فيه، وضاهوا به قول النصارى في دعائهم في عيسى بن مريم: إنه ليس بمخلوق؛ إذ كان كلمة الله، والله عز وجل يقول: " إنا جعلناه قرآناً عربياً"، وتأويل ذلك أنا خلقناه كما قال جل جلاله: "وجعل منها زوجها ليسكن إليها" وقال: "وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً"، "وجعلنا من الماء كل شيء حي" فسوى عز وجل بين القرآن وبين هذه الخلائق التي ذكرها في شية الصنعة، وأخبر أنه جاعله وحده، فقال: "بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ" فدل ذلك على إحاطة اللوح بالقرآن، ولا يحاط إلا بمخلوق، وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: "لا تحرك به لسانك لتعجل به" وقال: "ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث" وقال: "ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته" وأخبر عن قوم ذمهم بكذبهم أنهم قالوا: "ما أنزل الله على بشر من شيء" ثم أكذبهم على لسان رسوله فقال لرسوله: "قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى" ، فسمى الله تعالى القرآن وذكراً وإيماناً ونوراً وهدى ومباركاً وعربياً وقصصاً، فقال: " نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن" ،وقال: "قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن بمثله. وقال: "قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات". وقال: "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه" فجعل له أولاً وآخراً، ودل عليه أنه محدود مخلوق وقد عظم هؤلاء الجهلة بقولهم في القرآن الثلم في دينهم، والحرج في أمانتهم، وسهلوا السبيل لعدو الإسلام، واعترفوا بالتبديل والإلحاد على قلوبهم حتى عرفوا ووصفوا خلق الله وفعله بالصفة التي هي لله وحده، وشبهوه به، والاشتباه أولى بخلقه، وليس يرى أمير المؤمنين لمن قال بهذه المقالة حظاً في الدين، ولا نصيباً من الإيمان واليقين، ولا يرى أن يحل أحداً منهم محل الثقة في أمانة، ولا عدالة ول شهادة ولا صدق في قول ولا حكاية، ولا تولية لشيء من أمر الرعية، وإن ظهر قصد بعضهم، وعرف بالسداد مسدد فيهم؛ فإن الفروع مردودة إلى أصولها، ومحمولة في الحمد والذم عليها؛ ومن كان جاهلاً بأمر دينه الذي أمر الله به من وحدانيته فهو بما سواه أعظم جهلاً، وعن الرشد في غيره أعمى وأضل سبيلا.

فاقرأ على جعفر بن عيسى وعبد الرحمن بن إسحاق القاضي كتاب أمير المؤمنين بما كتب به إليك، وانصصها عن علمهما في القرآن، وأعلمهما أن أمير المؤمنين لا يستعين على شيء من أمور المسلمين إلا بمن وثق بإخلاصه وتوحيده، وأنه لا توحيد لمن لم يقر بأن القرآن مخلوق فإن قالا بقول أمير المؤمنين في ذلك، فتقدم إليهما في امتحان من يحضر مجالسهما بالشهادات على الحقوق، ونصهم عن قولهم في القرآن؛ فمن لم يقل منهم إنه مخلوق أبطلا شهادته، ولم يقطعا حكماً بقوله؛ وإن ثبت عفافه بالقصد والسداد في أمره.

وافعل ذلك بمن في سائر عملك من القضاة، وأشرف عليهم إشرافاً يزيد الله به ذا البصيرة، ويمنع المرتاب من إغفال دينه، واكتب إلى أمير المؤمنين بما يكون منك في ذلك. إن شاء الله.

قال: فأحضر إسحاق بن إبراهيم لذلك جماعة من الفقهاء والحكام والمحدثين، وأحضر أبا حسان الزيادي وبشر بن الوليد الكندي وعلي بن أبي مقاتل والفضل بن غانم والذيال بن الهيثم وسجادة والقواريري وأحمد بن حنبل وقتيبة وسعدويه الواسطي وعلي بن الجعد وإسحاق بن أبي إسرائيل وابن الهرش وابن علية الأكبر ويحيى بن عبد الرحمن العمري وشيخ آخر من ولد عمر بن الخطاب - كان قاضي الرقة - وأبا نصر التمار وأبا معمر القطيعي ومحمد بن حاتم بن ميمون ومحمد بن نوح المضروب وابن الفرخان، وجماعة منهم النضر بن شميل وابن علي بن عاصم وأبو العوام البزاز وابن شجاع وعبد الرحمن بن إسحاق؛ فأدخلوا جميعاً على إسحاق، فقرأ عليهم كتاب المأمون هذا مرتين حتى فهموه، ثم قال لبشر بن الوليد: ما تقول في القرآن؟ فقال: قد عرفت مقالتي لأمير المؤمنين غير مرة؛ قال: فقد تجدد من كاتب أمير المؤمنين ما قد ترى، فقال: أقول: القرآن كلام الله، قال: لم أسألك عن هذا، أمخلوق هو؟ قال: الله خالق كل شيء، قال: ما القرآن شيء؟ قال: هو شيء، قال: فمخلوق؟ قال: ليس بخالق، قال: ليس أسألك عن هذا، أمخلوق هو؟ قال: ما أحسن غير ما قلت لك، وقد استعهدت أمير المؤمنين ألا أتكلم فيه، وليس عندي غير ما قلت لك. فأخذ إسحاق بن إبراهيم رقعة كانت بين يديه، فقرأ عليه، ووقفه عليها، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله أحداً فرداً لم يكن قبله شيء ولا بعده شيء، ولا يشبهه شيء من خلقه في معنىً من المعاني، ولا وجه من الوجوه، قال: نعم؛ وقد كنت أضرب الناس على دون هذا، فقال للكاتب: أكتب ما قال.

ثم قال لعلي بن أبي مقاتل: ما تقول يا علي؟ قال: قد سمعت كلامي لأمير المؤمنين في هذا غير مرة وما عندي غير ما سمع، فامتحنه بالرقعة فأقر بما فيها، ثم قال: القرآن مخلوق؟ قال: القرآن كلام الله، قال: لم أسألك عن هذا، قال: هو كلام الله؛ وإن أمرنا أمير المؤمنين بشيء سمعنا وأطعنا. فقال للكاتب: اكتب مقالته.

ثم قال للذيال نحواً من مقالته لعلي بن أبي مقاتل، فقال له مثل ذلك. ثم قال لأبي حسان الزيادي: ما عندك؟ قال: سل عما شئت، فقرأ عليه الرقعة ووقفه عليها، فأقر بما فيها، ثم قال: من لم يقل هذا القول فهو كافر، فقال: القرآن مخلوق هو؟ قال: القرآن كلام الله والله خالق كل شيء، وما دون الله مخلوق، وأمير المؤمنين إمامنا وبسببه سمعنا عامة العلم، وقد سمع ما لم نسمع، وعلم ما لم نعلم، وقد قلده الله أمرنا، فصار يقيم حجنا وصلاتنا، ونؤدي إليه زكاة أموالنا، ونجاهد معه، ونرى إمامته إمامة،إن أمرنا ائتمرنا، وإن نهانا انتهينا، وإن دعانا أجبنا. قال: القرآن مخلوق هو؟ فأعاد عليه أبا حسان مقالته، قال: إن هذه مقالة أمير المؤمنين، قال: قد تكون مقال أمير المؤمنين ولا يؤمر بها الناس ولا يدعوهم إليها؛ وإن أخبرتني أن أمير المؤمنين أمرك أن أقول، قلت ما أمرتني به؛ فإنك الثقة المأمون فيما أبلغتني عنه من شيء؛ فإن أبلغتني عنه بشيء صرت إليه، قال: ما أمرني أن أبلغك شيءاً. قال علي بن أبي مقاتل: قد يكون قوله كاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفرائض والمواريث، ولم يحملوا الناس عليها، قال له أبو حسان: ما عندي إلا السمع والطاعة، فمرني آتمر، قال: ما أمرني أن آمرك؛ وإنما أن أمتحنك.

ثم عاد إلى أحمد بن حنبل فقال له: ما تقول في القرآن؟ قال: هو كلام الله، قال: أمخلوق هو؟ قال: هو كلام الله لا أزيد عليها، فامتحنه بما في الرقعة، فلما أتى على " ليس كمثله شيء"، قال: " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" وأمسك عن لا يشبهه شيء من خلقه في معنى من المعاني، ولا وجه من الوجوه، فاعترض عليه ابن البكاء الأصغر، فقال: أصلحك الله! إنه يقول: سميع من أذن بصير من عين، فقال إسحاق لأحمد بن حنبل: ما معنى قوله: "سميع بصير"؟ قال: هو كما وصف نفسه، قال: فما معناه؟ قال: لا أدري، هو كما وصف نفسه.

ثم دعا بهم رجلاً رجلاً، كلهم يقول: القرآن كلام الله، إلا هؤلاء النفر: قتيبة وعبيد الله بن محمد بن الحسن وابن علية الأكبر وابن البكاء وعبد المنعم بن إدريس بن بنت وهب بن منبه والمظفر بن مرجأ، ورجلاً ضريراً ليس من أهل الفقه، ولا يعرف بشيء منه، إلا أنه دس في ذلك الموضع، ورجلاً من ولد عمر بن الخطاب قاضي الرقة وابن الأحمر؛ فأما ابن البكاء الأكبر فإنه قال: القرآن مجعول لقول الله تعالى: "إنا جعلناه قرآناً عربيا" والقرآن محدث لقوله: " ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث" قال له إسحاق: فالمجعول مخلوق؟ قال: نعم، قال: فالقرآن مخلوق؟ قال: لا أقول مخلوق، ولكنه مجعول؛ فكتب مقالته.

فلما فرغ من امتحان القوم، وكتب مقالاتهم اعترض ابن البكاء الأصغر، فقال: أصلحك الله! إن هذين القاضيين أئمة فلو أمرتهما فأعادوا الكلام! قال له إسحاق: هما ممن يقوم بحجة أمير المؤمنين، فلو أمرتهما أن يسمعانا مقالتهما، لنحكي ذلك عنهما! قال له إسحاق: إن شهدت عندهما بشهادة، فستعلم مقالتهما إن شاء الله.

فكتب مقالة القوم رجلاً رجلاً، ووجهت إلى المأمون، فمكث القوم تسعة أيام؛ ثم دعا بهم وقد ورد كتاب المأمون جواب كتاب إسحاق بن إبراهيم في أمرهم، ونسخته: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد؛ فقد بلغ أمير المؤمنين كتابك جواب كتابه كان إليك فيما ذهب إليه متصنعه أهل القبلة وملتمسو الرئاسة، فيما ليسوا له بأهل من أهل الملة من القول في القرآن، وأمرك به أمير المؤمنين من امتحانهم، وتكشيف أحوالهم وإحلالهم محالهم. تذكر إحضارك جعفر بن عيسى وعبد الرحمن بن إسحاق عند ورود كتاب أمير المؤمنين مع من أحضرت ممن كان ينسب إلى الفقه، ويعرف بالجلوس للحديث، وينسب نفسه للفتيان بمدينة السلام، وقراءتك عليهم جميعاً كتاب أمير المؤمنين، ومسألتك إياهم عن اعتقادهم في القرآن، وللدلالة لهم على حظهم، وإطباقهم على نفي التشبيه واختلافهم في القرآن، وأمرك من لم يقل منهم إنه مخلوق بالإمساك عن الحديث والفتوى في السر والعلانية، وتقدمك إلى السندي وعباس مولى أمير المؤمنين بما تقدمت به فيهم إلى القاضيين بمثل ما مثل لك أمير المؤمنين من امتحان من يحضر مجالسهما من الشهود، وبث الكتب إلى القضاة في النواحي من عملك بالقدوم عليك، لتحملهم وتمنحهم على ما حده أمير المؤمنين، وتثبيتك في آخر الكتاب أسماء من حضر ومقالاتهم، وفهم أمير المؤمنين ما اقتصصت.

وأمير المؤمنين يحمد الله كثيراً كما هو أهله ويسأله أن يصلي على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ويرغب إلى الله في التوفيق لطاعته، وحسن المعونة على صالح نيته برحمته. وقد تدبر أمير المؤمنين ما كتبت به من أسماء من سألت عن القرآن، وما رجع إليك فيه كل امرئٍ منهم، وما شرحت من مقالتهم.

فأما ما قال المغرور بشر بن الوليد في نفي التشبيه، وما أمسك عنه من أن القرآن مخلوق، وأدعى من تركه الكلام في ذلك واستعهاده أمير المؤمنين؛ فقد كذب بشر في ذلك وكفر، وقال الزور والمنكر، ولم يكن جرى بين أمير المؤمنين وبينه في ذلك ولا في غيره عهد ولا نظر أكثر من إخباره أمير المؤمنين من اعتقاده كلمة الإخلاص، والقول بأن القرآن مخلوق، فادع به إليك، وأعلمه ما أعلمك به أمير المؤمنين من ذلك، وأنصصه عن قوله في القرآن، واستتبه منه؛ فإن أمير المؤمنين يرى أن تستتيب من قال بمقالته؛ إذ كانت تلك المقالة الكفر الصراح، والشرك المحض عند أمير المؤمنين؛ فإن تاب منها فأشهر أمره، وأمسك عنه؛ وإن أصر على شركه، ودفع أن يكون القرآن مخلوقاً بكفره وإلحاده، فاضرب عنقه، وابعث إلى أمير المؤمنين برأسه؛ إن شاء الله.

وكذلك إبراهيم بن المهدي فامتحنه بمثل ما تمتحن به بشراً؛ فإنهكان يقول بقوله. وقد بلغت أمير المؤمنين عنه بوالغ؛ فإن قال: إن القرآن مخلوق فأشهر أمره واكشفه؛ وإلا فاضرب عنقه وابعث إلى أمير المؤمنين برأسه؛ إن شاء الله.

وأما علي بن أبي مقاتل، فقل له: ألست القائل لأمير المؤمنين: إنك تحلل وتحرم، والمكلم له بمثل ما كلمته به؛ مما لم يذهب عنه ذكره! وأما الذيال بن الهيثم؛ فأعلمه أنه كان في الطعام الذي كان يسرقه في الأنبار وفيما يستولي عليه من أمر مدينة أمير المؤمنين أبي العباس ما يشغله؛ وأنه لو كان مقتفياً آثار سلفه، وسالكاً مناهجهم، ومحتذياً سبيلهم لما خرج إلى الشرك بعد إيمانه.

وأما أحمد بن يزيد المعروف بأبي العوام، وقوله إنه لا يحسن الجواب في القرآن، فأعلمه أنه صبي في عقله لا في سنه، جاهل، وأنه إن كان لا يحسن الجواب في القرآن فسيحسنه إذا أخذه التأديب، ثم إن لم يفعل كان السيف من وراء ذلك؛ إن شاء الله.

وأما أحمد بن حنبل وما تكتب عنه؛ فأعلمه أن أمير المؤمنين قد عرف فحوى تلك المقالة وسبيله فيها، واستدل على جهله وآفته بها.
وأما الفضل بن غانم؛ فأعلمه أنه لم يخف على أمير المؤمنين ما كان منه بمصر، وما اكتسب من الأموال في أقل من سنة، وما شجر بينه وبين المطلب بن عبد الله في ذلك؛ فإنه من كان شأنه شأنه، وكانت رغبته في الدينار والدرهم رغبته، فليس بمستنكر أن يبيع إيمانه طمعاً فيهما، وإيثاراً لعاجل نفعهما، وأنه مع ذلك القائل لعلي بن هشام ما قال، والمخالف له فيما خالفه فيه؛ فما الذي حال به عن ذلك ونقله إلى غيره! وأما الزيادي، فأعلمه أنه كان منتحلاً، ولا كأول دعي كان في الإسلام خولف فيه حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان جديراً أن يسلك مسلكه، فأنكر أبو حسان أن يكون مولى لزياد أو يكون مولى لأحد من الناس؛ وذكر أنه إنما نسب إلى زياد لأمر من الأمور.

وأما المعروف بأبي نصر التمار؛ فإن أمير المؤمنين شبه خساسة عقله بخساسة متجره.

وأما الفضل بن الفرخان، فأعلمه أنه حاول بالقول الذي قاله في القرآن أخذ الودائع التي أودعها إياه عبد الرحمن بن إسحاق وغيره تربصاً بمن استودعه، وطمعاً في الاستكثار لما صار في يده، ولا سبيل عليه عن تقادم عهده وتطاول الأيام به، فقل لعبد الرحمن بن إسحاق: لا جزاك الله خيراً عن تقويتك مثل هذا واتمانك إياه، وهو معتقد للشرك منسلخ من التوحيد.

وأما محمد بن حاتم وابن نوح والمعروف بأبي معمر؛ فأعلمهم أنهم مشاغيل بأكل الربا عن الوقوف على التوحيد، وأن أمير المؤمنين لو لم يستحل محاربتهم في الله ومجاهدتهم إلا لأربائهم، وما نزل به كتاب الله في أمثالهم، لاستحل ذلك، فكيف بهم قد جمعوا مع الإرباء شركاً، وصار للنصارى مثلاً! وأما أحمد بن شجاع؛ فأعلمه أنك صاحبه بالأمس، والمستخرج منه ما استخرجته من المال الذي كان استحله من مال علي بن هشام؛ وأنه ممن الدينار والدرهم دينه.

وأما سعدويه الواسطي، فقل له : قبح الله رجلاً بلغ به التصنع للحديث، والتزين به، الحرص على طلب الرئاسة فيه؛ أن يتمنى وقت المحنة، فيقول بالتقرب بها متى يمتحن، فيجلس للحديث! وأما المعروف بسجادة، وإنكاره أن يكون سمع ممن كان يجالس من أهل الحديث وأهل الفقه القول بأن القرآن مخلوق، فأعلمه أنه في شغله بإعداد النوى وحكه لإصلاح سجادته وبالودائع التي دفعها إليه علي بن يحيى وغيره ما أذهله عن التوحيد وألهاه، ثم سله عما كان يوسف بن أبي يوسف ومحمد بن الحسن يقولانه؛ إن كان شاهدهما وجالسهما.

وأما القواريري؛ ففيما تكشف من أحواله وقبوله الرشا والمصانعات، ما أبان عن مذهبه وسوء طريقته وسخافة عقله ودينه؛ وقد انتهى إلى أمير المؤمنين أنه يتولى لجعفر بن عيسى الحسني مسائله، فتقدم إلى جعفر بن عيسى في رفضه،وترك الثقة به والاستنامة إليه.

وأما يحيى بن عبد الرحمن العمري؛ فإن كان من ولد عمر بن الخطاب، فجوابه معروف.

وأما محمد بن الحسن بن علي بن عاصم، فإنه لو كان مقتدياً بمن مضى من سلفه، لم ينتحل النحلة التي حكيت عنه، وإنه بعد صبي يحتاج إلى تعلم.

وقد كان أمير المؤمنين وجه إليك المعروف بأبي مسهر بعد أن نصه أمير المؤمنين عن محنته بالقرآن، فحجم عنها ولجلج فيها، حتى دعا له أمير المؤمنين بالسيف، فأقر ذميماً، فأنصصه عن إقراره؛ فإن كان مقيماً عليه فأشهر ذلك وأظهره؛ إن شاء الله.

ومن لم يرجع عن شركه سميت لأمير المؤمنين في كتابك، وذكره أمير المؤمنين لك، أو أمسك عن ذكره في كتابه هذا؛ ولم يقل إن القرآن مخلوق، بعد بشر بن الوليد وإبراهيم بن المهدي فاحملهم أجمعين موثقين إلى عسكر أمير المؤمنين، مع من يقوم بحفظهم وحراستهم في طريقهم؛ حتى يؤديهم إلى عسكر أمير المؤمنين، ويسلمهم إلى من يؤمن بتسليمهم إليه، لينصهم أمير المؤمنين؛ فإن لم يرجعوا ويتوبوا حملهم جميعاً على السيف، إن شاء الله، ولا قوة إلا بالله.

وقد أنفذ أمير المؤمنين كتابه هذا في خريطة بندارية؛ ولم ينظر به اجتماع الكتب الخرائطية، معجلاً به، تقرباً إلى الله عز وجل بما أصدر من الحكم ورجاء ما اعتمد، وإدراك ما أمل من جزيل ثواب الله عليه؛ فأنفذ لما أتاك من أمير المؤمنين، وعجل إجابة أمير المؤمنين بما يكون منك في خريطة بندارية مفردة عن سائر الخرائط، لتعرف أمير المؤمنين ما يعلمونه إن شاء الله.

وكتب سنة ثمان عشرة ومائتين.

فأجاب القوم كلهم حين أعاد القول عليهم إلى أن القرآن مخلوق، إلا أربعة نفر؛ منهم أحمد بن حنبل وسجادة والقواريري ومحمد بن نوح المضروب. فأمر بهم إسحاق بن إبراهيم فشدوا في الحديد؛ فلما كان من الغد دعا بهم جميعاً يساقون في الحديد، فأعاد عليهم المحنة، فأجابه سجادة إلى أن القرآن مخلوق، فأمر بإطلاق قيده وخلى سبيله، وأصر الآخرون على قولهم؛ فلما كان من الغد عاودهم أيضاً، فأعاد عليهم القول، فأجاب القواريري إلى أن القرآن مخلوق، فأمر بإطلاق قيده، وخلى سبيله، وأصر أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح على قولهما، ولم يرجعا، فشدا جميعاً في الحديد، ووجها إلى طرسوس، وكتب معهما كتاباً بإشخاصهما، وكتب كتاباً مفرداً بتأويل القوم فيما أجابوا إليه فمكثوا أياماً، ثم دعا بهم فإذا كتاب قد ورد من المأمون على إسحاق بن إبراهيم، أن قد فهم أمير المؤمنين ما أجاب القوم إليه، وذكر سليمان بن يعقوب صاحب الخبر أن بشر بن الوليد تأول الآية التي أنزلها الله تعالى في عمار بن ياسر: " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان" وقد أخطأ التأويل؛ إنما عنى الله عز وجل بهذه الآية من كان معتقد الإيمان، مظهر الشرك، فأما من كان معتقد الشرك مظهر الإيمان؛ فليس هذه له. فأشخصهم جميعاً إلى طرسوس؛ ليقيموا بها إلى خروج أمير المؤمنين من بلاد الروم.

فأخذ إسحاق بن إبراهيم من القوم الكفلاء ليوافوا العسكر بطرسوس؛ فأشخص أبا حسان وبشر بن الوليد والفضل بن غانم وعلي بن أبي مقاتل والذيال بن الهيثم ويحيى بن عبد الرحمن العمري وعلي بن الجعد وأبا العوام وسجادة والقواريري وابن الحسن بن علي بن عاصم وإسحاق بن أبي إسرائيل والنضر بنشميل وأبا نصر التمار وسعدويه الواسطي ومحمد بن حاتم بن ميمون وأبا معمر وابن الهرش وابن الفرخان وأحمد بن شجاع وأبا هارون بن البكاء. فلما صاروا إلى الرقة بلغتهم وفاة المأمون؛ فأمر بهم عنبسة بن إسحاق - وهو والي الرقة، ثم أشخصهم إلى إسحاق بن إبراهيم بمدينة السلام مع الرسول المتوجه بهم إلى أمير المؤمنين، فأمرهم إسحاق بلزوم منازلهم، ثم رخص لهم بعد ذلك في الخروج، فأما بشر بن الوليد والذيال وأبو العوام وعلي بن أبي مقاتل؛ فإنهم شخصوا من غير أن يؤذن لهم حتى قدموا بغداد، فلقوا إسحاق بن إبراهيم في ذلك أذى، وقدم الآخرون مع رسول إسحاق بن إبراهيم؛ فخلى سبيلهم.

كتب المأمون إلى عماله ووصيته في كتبه

وفي هذه السنة نفذت كتب المأمون إلى عماله في البلدان: من عبد الله عبد الله الإمام المأمون أمير المؤمنين وأخيه الخليفة من بعده أبي إسحاق بن أمير المؤمنين الرشيد. وقيل إن ذلك لم يكتبه المأمون كذلك؛ وإنما كتب في حال إفاقة من غشية أصابته في مرضه بالبدندون، عن أمر المأمون إلى العباس بن المأمون وإلى إسحاق وعبد الله بن طاهر؛ أنه إن حدث به حدث الموت في مرضه هذا، فالخليفة من بعده أبو إسحاق بن أمير المؤمنين الرشيد. فكتب بذلك محمد بن داود، وختم الكتب وأنفذها.

فكتب أبو إسحاق إلى عماله: من أبي إسحاق أخي أمير المؤمنين والخليفة من بعد أمير المؤمنين.

فورد كتاب من أبي إسحاق محمد بن هارون الرشيد إلى إسحاق بن يحيى بن معاذ عامله على جند دمشق يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب، عنوانه: من عبد الله عبد الله الإمام المأمون أمير المؤمنين والخليفة من بعد أمير المؤمنين أبي إسحاق ابن أمير المؤمنين الرشيد: أما بعد؛ فإن أمير المؤمنين أمر بالكتاب إليك في التقدم إلى عمالك في حسن السيرة وتخفيف المئونة وكف الأذى عن أهل عمالك، في ذلك أشد التقدمة، واكتب إلى عمال الخراج بمثل ذلك.

وكتب إلى جميع عماله في أجناد الشام؛ جند حمص والأردن وفلسطين بمثل ذلك؛ فلما كان يوم الجمعة لإحدى عشرة بقيت من رجب صلى الجمعة إسحاق بن يحيى بن معاذ في مسجد دمشق، فقال في خطبته بعد دعائه لأمير المؤمنين: اللهم أصلح الأمير أخا المؤمنين والخليفة من بعد أمير المؤمنين أبا إسحاق بن أمير المؤمنين الرشيد.