المجلد التاسع - ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين ومائتين: ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث

ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين ومائتين

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث

فمن ذلك ما كان من عقد المعتزّ في اليوم الرابع من رجب لموسى بن بغا الكبير على الجبل، ومعه من الجيش يومئذ من الأتراك ومن يجري مجراهم ألفان وأربعمائة وثلاثة وأربعون رجلاً، منهم مع مفلح ألف ومائة وثلاثون رجلاً.

ذكر خبر أخذ الكرج من ابن أبي دلف

وفيها أوقع مفلح وهو على مقدّمة موسى بن بغا بعبد العزيز بن أبي دلف لثمان ليل بقين من رجب من هذه السنة وعبد العزيز في زهاء عشرين ألفاً من الصعاليك وغيرهم؛ وكانت ابلوقعة بينهما - فيما قيل - خارج همذان على نحو من ميل فهزمه مفلح ثلاثة فراسخ يقتلون ويأسرون، ثم رجع مفلح ومن معه سالمين؛ وكتب بالفتح في ذلك اليوم. فلما كان في شهر رمضان عبأ مفلح خيله نحو الكرج، وجعل لهم كمنين، ووجّه عبد العزيز عسكراً فيه أربعة آلاف فقاتلهم مفلح، وخرج كمين مفلح على أصحاب عبد العزيز فانهزموا، ووضع أصحاب مفلح فيهم السّيف، فقتلوا وأسروا، وأقبل عبد العزيز معيناً لأصحابه؛ فانهزم بانهزام أصحابه، وترك الكرج، ومضى إلى قلعة له في الكرج يقال له زز، متحصناً بها، ودخل مفلح الكرج، فأخذ جماعة من آل أبي دلف أراً، وأخذ نساءً من نسائهم؛ يقال إنه كان فيهم أمّ عبد العزيز؛ فأوثقتهم.

وذكر أنه وجّه سبعين حملاً من الروءس إلى سامرّا وأعلاماً كثيرة.

وشخص فيها موسى بن بغا من سامرّا إلى همذان فنزلها.وفيها خلع المعتزّ على بغا الشرابيّ في شهر رمضان، وألبسه التاج والوشاحين، فخرج فيهما إلى منزله.

ذكر الخبر عن قتل وصيف

وفيها قتل وصيف التركيّ؛ وذلك لثلاث بقين من شوّال منها؛ وكان السبب في ذلك - فيما ذكر- أنّ الأتراك والفراعنة والشروسنيّة شغبّوا وطلبوا أرزاقهم لأربعة أشهر؛ فخرج إليهم بغا ووصيف وسيما الشرابيّ في نحو من مائة إنسان من أصحابهم؛ فكلّمهم وصيف، وقال: ما تريدون؟ قالوا: أرزاقنا، فقال: خذوا تراباً؛ وهل عندنا مال! وقال بغا: نعم، نسأل أمير المؤمنين في ذلك؛ ونتناظر في دار أشناس، وينصرف عنكم من ليس منكم، فدخلوا دار أشناس، ومضى سيما الشرابيّ منصرفاً إلى سامرّا، ثم تبعه بغا لاستثمار الخليفة في إعطائهم؛ وكان وصيف في أيديهم؛ فوثب عليه بعضهم، فضربه بالسيف ضربتين، ووجأه آخر بسكين فاحتمله نوشري بن طاجبك - وهو أحد قواده - إلى منزله؛ فلما أبطأ عليهم بغا ظنوا أنهم في التعبية عليهم؛ فاستخرجوه من منزل نوشرى؛ فضربوه بالطبرزينات حتى كسروا عضديه، ثم ضربوا عنقه، ونصبوا رأسه على محراك تنور، وقصدت العامة بسامراً الانتهاب لمنازل وصيف وولده، فرجع بنو وصيف، فمنعوا منازلهم، ثم جعل المعتز ما كان إلى وصيف من الأمور إلى بغا الشرابي .

ذكر الخبر عن قتل بندار الطبري

وفي يوم الفطر من هذه السنة قتل بندار الطبري ذكر سبب قتله فكان سبب ذلك أنه حكم بالبواريخ محكم يدعى مسارو بن عبد الحميد، في رجب من هذه السنة، فوجه المعتز إليه في شهر رمضان ساكتين، فمال إلى ناحية طريق خراسان، فوجه محمد بن عبد الله إليه؛ وذلك أن طريق خراسان كان إليه بندار ومظفر بن سيسل مسلحة، فلما صارا بدسكرة الملك أقاما؛ فذكر أن بندار خرج في آخر يوم من شهر رمضان متصيداً، فبعد في طلب الصيد حتى جاوز دور الدسكرة بنحو فرسخ، فبينا هو كذلك؛ إذ نظر إلى علمين مقبلين معهما جماعة مقبلة نحو الدسكرة، فوجه بعض أصحابه لينظر ما الأعلام؛ فأخبره صاحب الجماعة أنه عامل كرخ جدان، وأنه انتهى إليه رجلاً يقال له مساور بن عبد الحميد من الدهاقين من أهل البواريخ شرى، وأنه بلغه أنه يصير إلى كرخ جدان؛ فلما بلغه ذلك خرج هاراً إلى الدسكرة ليأنس بقرب بندار ومظفر؛ فانصرف بندار من ساعته إلى المظفر فقال له، إن الشاري يقصد كرخ جدان، ويريدنا؛ فامض بنا نتلقاه، فقال له المظفر: قد أمسينا ونريد أن نصلي الجمعة وغداً العيد، فإذا انقضى العيد قصدناه. فأبى بندار ومضى من ساعته طمعاً بالمظفر الشاري وحده دون مظفر، فأقام مظفر ولم يبرح من الدسكرة - وبين الدسكرة وتل عكبراء ثمانية فراسخ، وبين تل عكبراء وموضع الوقعة أربعة فراسخ - فصار بندار إلى تل عكبراء، فوافاها عند العتمة ليلة الفطر، فعلف دوابه شيئاً، ثم ركب، فسار حتى أشرف على عسكر الشاري ليلاً وهم يصلون ويقرءون القرآن، فأشار عليه بعض أصحابه وخاصته أن يبيتهم وهم غارون، فأبى وقال: لا؛ حتى أنظر إليهم وينظروا إلي. فوجه فارسين أو ثلاثة ليأتوه بخبرهم؛ فلما قربوا من عسكرهم نذروا بهم، فصاحوا: السلاح! وركبوا فتوافقوا إلى أن أصبحوا، ثم اقتتلوا، فلم يمكن أصحاب بندار أن يرموا بسهم واحد، وكان زهاء ثلثمائة فارس وراجل فعباهم ميمنة وميسرة وساقة، وأقام هو في القلب، فحمل عليهم مساور وأصحابه، فثبت لهم بندار وأصحابه؛ ثم انحدر لهم الشراة عن موضع عسكرهم ومبيتهم؛ ليطمع بندار وأصحابه في النهب، فلم يعرض بندار وأصحابه لعسكرهم. ثم كر الشراة عليهم بالسيوف والرماح، وهم زهاء سبعمائة؛ فصير الفريقان ، فصار الشراة إلى السيوف دون الرماح، فقتل من الشّراة نحو من خمسين رجلاً، ومن أصحاب بندار مثلهم، ثم حمل الشراة حملةً، قاقتطعوا من أصحاب بندار نحواً من مائة رجل، فصبر لهم المائة ساعة، ثم قتلوا جميعاً، وانهزم بندار وأصحابه، فجعلوا يقتطعونهم قطعة بعد قطعة فيقتلونهم. وأمعن بندار في الهرب، فطلبوه فلحقوه بقرب تلّ عكبراء على قدر أربعة فراسخ من موضع الوقعة؛ فقتلوه ونصبوا رأسه، ونجا من أصحاب بندار نحو من خمسين رجلاً - وقيل مائة رجل - انحازوا عن الوقعة عند اشتغال الخوارج بمن كانوا يقتطعون منهم، وانتهى خبره إلى مظفّر وهو مقيم بالدسّكرة، فتنّحى من الدّسكرة إلى ما قرب من بغداد، ووصل خبر مقتله إلى محمد بن عبد اللّه بغد الفطر، فذكر أنه لم يشرب ولم يله كما كان يفعل؛ غمّاً بما ورد عليه من مقتله. ثم مضى مساور من فوره إلى حلوان؛ فخرج إليه أهلها فقاتلوه، فقتل منهم أربعمائة إنسان، وقتلوا جماعة من أصحاب الشاري، وقتل عدّة من حجّاج خراسان كانوا بحلوان، فأعانوا هل حلوان، ثم انصرفوا عنهم.

ذكر خبر موت محمد بن عبد اللّه بن طاهر

وليلة أربع عشرة من ذي القعدة منها، انخسف القمر؛ فغرق كله أو غاب أكثره؛ ومات محمد بن عبد اللّه بن طاهر مع انتهاء خسوفه - فيما ذكر - وكانت علّته التي مات فيها قروحاً أصابته في حلقه ورأسه فذبحته. وذكلار أن القروح التي كانت في حلقه ورأسه كانت تدخل فيها التائل، فلما مات تنازع الصلاة عليه أخوه عبيد اللّه وابنه طاهر؛ فصلّى عليه ابنه. وكان أوصى بذلك - فيما قيل.

ثم وقع بين عبيد اللّه تنازعٌ حتى سلوا السيوف عليه، ورمي بالحجارة، ومالت الغوغاء والعامة وموالي إسحاق بن إبراهيم مع طاهر بن محمد بن عبد اللّه بن طاهر، ىثم صاحوا: طاهر يا منصور؛ فعبر عبيد اللّه إلى ناحية الشرقية إلى داره، ومال معه القّواد لاستخلاف محمد بن عبد اللّه كان إياه على أعماله ووصيّته بذلك وكتابه بذلك إلى عمّاله ثم وجّه المعتزّ الخلع ولاية غداد إلى عبيد اللّه، وأمر عبيد اللّه للذي أتاه بالخلع من قبل المعتزّ فيما قيل بخمسين ألف درهم.

نسخة الكتاب الذي كتبه محمد بن عبد اللّه إلى عمّاله باستخلافه أخاه عبيد اللّه بعده: أما بعد فإنّ اللّه عز وجل جعل الموت حتماً مقتضياً جارياً على الباقين من خلقه، حسبما جرى على الماضيين؛ وحقيق على من أعطى حظّاً من توفيق اللّه، أن يكون على استعداد لحلول ما لا بدّ منه ولا محيص عنه في كلّ الأحوال. وكتابي هذا وأنا في علّة قد اشتد الإشفاق منها، وكاد الإياس يغلب على الرّجاء فيها؛ فإن يبل اللّه ويدفع فبقدرته وكريم عادته؛ وإن يحدث بي الحدث الذي هو سبيل الأولين والآخرين؛ فقد استخلفت عبيد اللّه بن عبد اللّه مولى أمير المؤمنين أخي الموثق باقتفائه أثري، وأخذه بسدّ ما أنا بسيله من سلطان أمير المؤمنين إلى أن يأتيه من أمره ما يعمل بحسبه؛ فاعلم ذلك وائتمر فيما تتولاه بما يرد كتب عبيد الله وأمره إن شاء الله.

وكتب يوم الخميس لثلاث عشرة خلت من ذي العقدة سنة ثلاث وخمسين ومائتين.

وفيها نفي المعتز أبا أحمد بن المتوكل إلى واسط، ثم إلى البصرة، ثم رد إلى بغداد، وأنزل إلى الجانب الشرقي في قصر دينار بن عبد الله.

وفيها نفي أيضاً علي بن المعتصم إلى واسط ثم رد إلى بغداد فيها.

وفيها مات مزاحم بن خاقان بمصر في ذي الحجة.

وحج بالناس في هذه السنة عبد الله بن محمد بن سليمان الزينبي.

وفيها غزا محمد بن معاذ بالمسلمين في ذي العقدة من ناحية ملطية، فهزموا وأسر محمد بن معاذ.

وفيها التقى موسى بن بغا والكوكبي الطالبي على فرسخ من قزوين يوم الاثنين سلخ ذي القعد منها، فهزم موسى الكوكبي، فلحق بالديلم، ودخل موسى بن بغا قزوين.

وذكر لي بعض من شهد الوقعة، أن أصحاب الكوكبي من الديلم لما التقوا بموسى وأصحابه صفوا صفوفاً، وأقاموا ترستهم في وجوههم يتقون بذلك سهام أصحاب موسى؛ فلما رأى موسى أن سهام أصحابه لا تصل إليهم مع ما قد فعلوا، أمر بما معه من النفط أن يصيب في الأرض التي التقى هو وهم فيها؛ ثم أمر أصحابه بالاستطراد لهم، وإظهار هزيمة منهم؛ ففعل ذلك أصحابه؛ فلما فعلوا ذلك ظن الكوكبي وأصحابه أنهم انهزموا؛ فتبعوهم، فلما علم موسى أن أصحاب الكوكبي قد توسطوا النفط أمر بالنار فأشعلت فيه، فأخذت فيه النار، وخرجت من تحت أصحاب الكوكبي، فجعلت تحرقهم؛ وهرب الآخرون. وكان هزيمة القوم عند ذلك ودخول موسى قزوين.

وفيها لقى خطارمش مساور الشاري بناحية جلولاء في ذي الحجة، فهزمه مساور.