المجلد التاسع - ثم دخلت سنة أربع وخمسين ومائتين: ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث

ثم دخلت سنة أربع وخمسين ومائتين

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث

فمن ذلك ما كان من مقتل بغا الشرابي.


ذكر خبر مقتل بغا الشرابي

ذكر الخبر عن سبب مقتله ذكر أن السبب في ذلك كان أنه كان يحض المعتز على المصير إلى بغداد، والمعتز يأبى ذلك عليه. ثم إن بغا اشتغل مع صالح بن وصيف في خاصته بعرس جمعة بنت بغا؛ كان صالح بن وصيف تزوجها للنصف من ذي القعدة؛ فركب المعتز ليلاً، ومعه أحمد بن إسرائيل إلى كرخ سامرا يريد بايكباك ومن كان معه على مثل ما هو عليه من انحرافه عن بغا. وكان سبب انحرافه عنه - فيما ذكر - أنهما كانا في شراب لهما يشربانه، فعربد أحدهما على صاحبه؛ فتهاجرا لذلك؛ وكان بايكباك بسبب ذلك هارباً من بغا مستخفياً منه؛ فلما وافى المعتز بمن معه الكرخ اجتمع مع بايكباك أهل الكرخ وأهل الدور، ثم أقبلوا مع المعتز إلى الجوسق بسامراً؛ وبلغ ذلك بغا، فخرج في غلمانه وهم زهاء خمسمائة ومثلهم من ولده وأصحابه وقواده، وصار إلى نهر نيزك، ثم انتقل إلى مواضع، ثم صار إلى السن، ومعه من العين تسع عشرة بدرة دنانير بدرة بدراهم؛ أخذها من بيت ماله وبيوت أموال السلطان؛ فأنفق منها شيئاً يسيراً حتى قتل.

وذكر أنه لما بلغه أن المعتز قد صار إلى موضع الكرخ مع أحمد بن إسرائيل خرج في خاصة قواده حتى صار إلى تل عكبراء، ثم مضى فصار إلى السن؛ فشكا أصحابه بعضهم إلى بعض ما هم فيه من العسف وأنهم لم يخرجوا معهم بمضارب، ولا ما يتدفئون به من البرد، وأنهم في شتاء. وكان بغا في مضرب له ضغير على دجلة، كان يكون فيه، فأتاه ساتكين، فقال: أصلح الله الأمير! قد تكلم أهل العسكر، وخاضوا في كذا وأنا رسولهم إليك، فقال: كلهم يقول مثل قولك؟ قال: نعم؛ وإن شئت فابعث إليهم حتى يقولوا مثل قولي، قال: دعني الليلة حتى أنظر، ويخرج إليكم أمري بالغداة، فلما جن عليه الليل دعا بزورق، فركبه مع خادمين معه، وحمل معه شيئاً من المال، ولم يحمل معه سلاحاً ولا سكيناً ولا عموداً، ولا يعلم أهل عسكره بذلك من أمره، والمعتز في غيبة بغا لا ينام إلا في ثيابه، وعليه السلاح، ولا يشرب نبيذاً، وجميع جواريه على رجل. فصار بغا إلى الجسر في الثلث الأول من الليل؛ فلما قارب الزورق الجسر بعث الموكلون به من في الزورق، فصاح بالغلام، فرجع إليهم، وخرج بغا في البستان الخاقاني، فلحقه عدة منهم؛ فوقف لهم وقال: أنا بغا. ولحقه وليد المغربي، فقال له: مالك جعلت فداك! فقال: إما أن تذهب بي إلى منزل صالح بن وصيف، وإما أن تصيروا معي إلى منزلي؛ حتى أحسن إليكم. فوكل به وليد المغربي، ومر يركض إلى الجوسق، فاستأذن على المعتز فأذن له، فقال: يا سيدي هذا بغا قد أخذته ووكلت به، قال: ويلك! جئني برأسه؛ فرجع وليد، فقال للموكلين به، تنحوا عنه حتى أبلغه الرسالة، فتنحوا عنه، فضربه ضربة على جبهته ورأسه؛ ثم تناهى على يديه فقطعهما، ثم ضربه حتى صرعه وذبحه، وحمل رأسه في بركة قبائه، وأتلاى به المعتز؛ فوهب له عشرة آلاف دينار، وخلع عليه خلعة، ونصب رأسه بسامراً؛ ثم ببغداد، ووثبت المغاربة على جثته، فأحرقوه بالنار؛ وبعث من ساعته إلى أحمد بن إسرائيل والحسن بن مخلد وأبي نوح، فأحضرهم وأخبرهم، وتتبع عبيد الله بن طاهر بنيه ببغداد؛ وكانوا صاروا إليها هراباً مع قوم يثقون بهم؛ فاستتروا عندهم فذكر أنه حبس في قصر الذهب من ولده وأصحابه؛ خمسة عشر إنساناً، وفي المطبق عشرة.

وقيل: إن بغا لما انحدر إلى سامرا ليلة أخذ شاور أصحابه في الانحدار إليها مكتماً، فيصير إلى منزل صالح بن وصيف، وإذا قرب العيد دخل أهل العسكر، وخرج هو وصالح بن وصيف وأصحابه، فوثبوا بالمغاربة، فوثبوا بالمعتز.

وفيها عقد صالح لديوداد على ديار مضر وقنسرين والعواصم فوثبوا بالمعتز في ربيع الأول منها.

وفيها عقد بايبكاك لأحمد بن طولون على مصر.

وفيها أوقع مفلح وباجور بأهل قم، فقتلا منهم مقتلة عظيمة؛ وذلك في شهر ربيع الأول منها.

وفيها مات علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا يوم الاثنين لأربع بقين من جمادى الآخرة، وصلى عليه أبو أحمد بن المتوكل في الشارع المنسوب إلى أبي أحمد، ودفن في داره.

وفيها في جمادى الآخرة وافى الأهواز دلف بن عبد العزيز بن أبي دلف بتوجيه والده عبد العزيز إياه إليها وجندى سابور وتستر، فجباها مائتي ألف دينار ثن انصرف.

وفي شهر رمضان منها شخص نوشرى إلى مساور الشاري فلقيه وهزمه، وقتل من أصحابه جماعة كثيرة.

وحج بالناس في هذه السنة علي بن الحسين بن إسماعيل بن العباس بن محمد.