ثم دخلت سنة خمس وخمسين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
فمن ذلك ما كان من دخول مفلح طبرستان
ووقعة كانت بينه وبين الحسن بن زيد الطالبي، هزم فيها مفلح الحسن بن زيد،
فلحق بالديلم، ثم دخل مفلح آمل، وأحرق منازل الحسن بن زيد، ثم توجه نحو
الديلم في طلب الحسن بن زيد.
ذكر خبر استيلاء يعقوب بن الليث على كرمان
وفيها كانت وقعة بين يعقوب بن الليث وطوق بن المغلس خارج كرمان أسر فيها يعقوب طوقاً؛ وكان السبب في ذلك - فيما ذكر - أن علي بن الحسين بن قريش بن شبل كتب إلى السلطان يخطب كرمان - وكان قبل من عمال آل طاهر - وكتب يذكر ضعف آل طاهر وقلة ضبطهم، بما إليهم من البلاد، وأن يعقوب بن الليث قد غلبهم على سجستان، وتباطأ على السلطان بتوجيه خراج فارس، فكتب السلطان إليه بولاية كرمان، وكتب إلى يعقوب بولايتها يلتمس بذلك إغراء كل واحد منهما بصاحبه ليسقط مؤنة الهالك منهما عنه ويتفرد بمؤنة الآخر؛ إذ كان كل واحد منهما عنده حرباً له وفي غير طاعته، فلما فعل ذلك بهما زحف يعقوب بن الليث من سجستان يريد كرمان، ووجه علي بن الحسين طوق بن المغلس وقد بلغه خبر يعقوب وقصده كرمان في جيش عظيم من فارس، فصار طوق بكرمان، وسبق يعقوب إليها فدخلها، وأقبل يعقوب من سجستان، فصار من كرمان على مرحلة.
فحدثني من ذكر أنه كان شاهداً أمرهما، أن يعقوب بقي مقيماً في الموضع الذي أقام به كرمان على مرحلة لا يرتحل عنه شهراً أو شهرين، يتجسس أخبار طوق؛ ويسأل عن أمره كل من مر به خارجاً من كرمان إلى ناحيته، ولا يدع أحداً يجوز عسكره من ناحيته إلى كرمان، ولا يزحف طوقٌ إليه ولا هو إلى طوق، فلما طال ذلك من أمرهما كذلك أظهر يعقوب الارتحال عن معسكره إلى ناحية سجستان، فارتحل عنه مرحلة. وبلغ طوقاً ارتحاله، فظن أنه قد بدا له في حربه، وترك عليه كرمان وعلى علي بن الحسين؛ فوضع آلة الحرب، وقعد للشرب، ودعا بالملاهي، ويعقوب في كل ذلك لا يغفل عن البحث عن أخباره. فاتصل به ووضع طوق آلة الحرب وإقباله على الشراب واللهو بارتحاله؛ فكر راجعاً، فطوى المرحلتين إليه في يوم واحد، فلم يشعر طوق وهو في لهوه وشربه في آخر نهاره إلا بغبرة قد ارتفعت من خارج المدينة التي هو فيها من كرمان، فقال لأهل القرية: ما هذه الغبرة؟ فقيل له: غبرة مواشي أهل القرية منصرفة إلى أهلها، ثم لم يكن إلا وكلا ولا؛ حتى وفاه يعقوب في أصحابه، فأحاط به وبأصحابه؛ فذهب أصحاب طوق لما أحيط بهم يريدون المدافعة عن أنفسهم، فقال يعقوب لأصحابه: أفرجوا للقوم، فأفرجوا لهم، فمروا هاربين على وجوههم، وخلوا كل شيء لهم مما كان معهم في معسكرهم، وأسر يعقوب طوقاً.
فحدثني ابن حماد البربري أن علي بن الحسين
لما وجه طوقاً حمله صناديق في بعضها أطواقه وأسورة ليطوق ويسور من أبلى معه
من أصحابه، وفي بعضها أموال ليجيز من استحق الجائزة منهم، وفي بعضها قيود
وأغلال ليقيد بها من أخذ من أصحاب يعقوب؛ فلما أسر يعقوب طوقاً ورؤساء
الجيش الذين كانوا معه أمر بحيازة كل ما كان مع طوق وأصحابه من المال
والأثاث والكراع والسلاح، فحيز ذلك كله، وجُمع إليه؛ فلما أتي بالصناديق
أتي بها مقفلة، فأمر ببعضها أن يفتح، فإذا فيه القيوم والأغلال، فقال لطوق:
يا طوق؛ ما هذه القيود والأغلال؟ قال: حملنيها علي بن الحسين لأقيد بها
الأسرى وأغلهم بها، فقال: يا فلان، انظر أكبرها وأثقلها فاجعله في رجلي طوق
وغله بغل. ثم جعل يفعل مثل ذلك بمن أسر من أصحاب طوق. قال: ثم أمر بصناديق
أخر ففتحت؛ فإذا فيها أطوقة وأسورة، فقال: يا طوق: ما هذه؟ قال: حملنيها
علي لأطوق بها وأسور أهل البلاء من أصحابي، قال: يا فلان؛ خذ من ذلك طوق
كذا وسوار كذا، فطوق فلاناً وسوره، ثم جعل يفعل ذلك بأصحاب نفسه حتى طوقهم
وسورهم، ثم جعل يفعل كذلك بالصناديق. قال: ولما أمر يعقوب بمد يد طوق
ليضعها في الغل، إذا على ذراعه عصابة، فقال له: ففصدتها، فدعا بعض من معه
فأمر بمد خفه من رجله ففعل ذلك، فلما نزعه من رجله تناثر من خفه كسر خبز
يابسة. فقال: يا طوق هذا خفي لم أنزعه من رجلي منذ شهرين، وخبزي في خفي منه
آكل لا أطأ فراشاً، وأنت جالس في الشرب والملاهي! بهذا التدبير حربي
وقتالي! فلما فرغ يعقوب بن الليث من أمر طوق دخل كرمان وحازها وصارت منه
سجستان من عمله.
ذكر خبر دخول يعقوب بن الليث فارس
وفيها دخل يعقوب بن الليث فارس وأسر علي بن الحسين بن قريش.
ذكر الخبر عن سبب أسره إياه وكيف وصل إليه حدثني ابن حماد البربري، قال: كنت يومئذ بفارس عند علي بن الحسين بن قريش، فورد عليه خبر وقعة يعقوب بن الليث بصاحبه طوق بن المغلس ودخول يعقوب كرمان واستيلائه عليها، ورجع إليه الفل، فأيقن بإقبال يعقوب إلى فارس؛ وعلي يومئذ بشيراز من أرض فارس، فضم إليه جيشه ورجالة الفل من عند طوق وغيرهم، وأعطاهم السلاح، ثم برز من شيراز، فصار إلى كر خارج شيراز بين آخر طرفه عرضاً مما يلي أرض شيراز، وبين عرض جبل بها من الفضاء قدر ممر رجل أو دابة، لا يمكن من ضيقه أن يمر فيه أكثر من رجل واحد. فأقام في ذلك الموضع، وضرب عسكره على شط ذلك الكز مما يلي شيراز، وأخرج معه المتسوقة والتجار من مدينة شيراز إلى معسكره، وقال: إن جاء يعقوب لم يجد موضعاً يجوز الفلاة إلينا؛ لأنه لا طريق له إلا الفضاء الذي بين الجبل والكر؛ وإنما هو قدر ممر رجل؛ إذا أقام عليه رجل واحد منع من يريد أن يجوزه، وإن لم يقدر أن يجوز إلينا بقي في البر بحيث لا طعام له ولا لأصحابه ولا علف لدوابهم.
قال ابن حماد: فأقبل يعقوب حتى قرب من الكر، فأمر أصحابه بالنزول أول يوم على نحو من ميل من الكر مما يلي كرمان، ثم أقبل هو وحده وبيده رمح عشاري؛ يقول ابن حماد: كأني إليه حين أقبل وحده على دابته، ما معه إلا رجل واحد، فنظر إلى الكر والجبل والطريق، وقرب من الكر، وتأمل عسكر علي بن الحسين، فجعل أصحاب على يشتمونه، ويقولون: لنردنك إلى شعب المراجل والقماقم، يا صفار - وهو ساكت لا يرد عليهم شيئاًً - قال: فلما تأمل ما أراد من ذلك ورآه، انصرف راجعاً إلى أصحابه. قال: فلما كان من الغد عند الظهر أقبل بأصحابه ورجاله حتى صار على الشط كر مما يلي بر كرمان، فأمر أصحابه فنزلوا عن دوابهم، وحطوا أثقالهم. قال: ثم فتح صندوقاً كان معه.
قال ابن حماد: كأني أنظر إليهم وقد أخرجوا كلباً ذئبياً، ثم ركبوا دوابهم أعراء، وأخذوا رماحهم بأيديهم. قال: وقبل ذلك قد عبأ علي بن الحسين أصحابه، فأقامهم صفوفاً على الممر الذي بين الجبل والكر؛ وهم يرون أنه لا سبيل ليعقوب، ولا طريق له يمكنه أن يجوزه غيره. قال: ثم جاءوا بالكلب، فرموا به في الكر، ونحن وأصحاب علي ينظرون إليهم يضحكون منهم ومنه، قال: فلما رموا بالكلب فيه، جعل الكلب يسبح في الماء إلى جانب عسكر علي بن الحسين، وأقحم أصحاب يعقوب دوابهم خلف الكلب، وبأيديهم رماحهم، يسيرون في أثر الكلب. فلما رأى علي بن الحسين أن يعقوب قد قطع عامة الكر إليه وإلى أصحابه، انتفض عليه تدبيره، وتحير في أمره؛ ولم يلبث أصحاب يعقوب إلا أيسر ذلك حتى خرجوا من الكر من وراء أصحاب علي بن الحسين؛ فلم يكن بأسرع من أن خرج أوائلهم منه حتى هرب أصحاب علي يطلبون مدينة شيراز، لأنهم كانوا يصيرون إذا خرج أصحاب يعقوب من الكر بين جيش يعقوب وبين الكر، ولا يجدوا ملجأ إن هزموا. وانهزم علي بن الحسين بانهزام أصحابه؛ وقد خرج أصحاب يعقوب من الكر، فكبت به دابته، فسقط إلى الأرض ولحقه بعض السجزية فهمّ عليه بسيفه ليضربه؛ فبلغ إليه خادم له، فقال: الأمير فنزل إليه السجزي، فوضع في عنقه عمامته، ثم جره إلى يعقوب، فلما أتى به أمر بتقييده، وأمر بما كان في عسكره من آلة الحرب من السلاح والكراع وغير ذلك، فجمع إليه، ثم أقام بموضعه حتى أمسى، وهجم عليه الليل، ثم رحل من موضعه. ودخل مدينة شيراز ليلاً وأصحابه يضربون بالطبول، فلم يتحرك في المدينة أحد، فلما أصبح أنهب أصحابه دار علي بن الحسين ودور أصحابه؛ ثم نظر إلى ما اجتمع في بيت المال من مال الخراج والضياع، فاحتمله ووضع الخراج، فجباه، ثم شخص منها متوجهاً إلى سجستان، وحمل معه ابن قريش ومن أسر معه.
وفيها وجه يعقوب بن الليث إلى المعتز بدواب وبزاة ومسك هديةً.
وفيها ولي سليمان بن عبد الله بن طاهر شرطة بغداد والسواد، وذلك لست خلون من شهر ربيع الآخر، وكانت موافاته سامرا من خراسان - فيما ذكر - يوم الخميس لثمان خلون من شهر ربيع الأول، وصار إلى الإيتاخية ، ثم دخل على المعتز يوم السبت، فخلع عليه وانصرف.
وفيها كانت وقعة بين مساور الشاري ويارجوخ، فهزمه الشاري وانصرف إلى سامرا مفلولاً.
ومات المعلى بن أيوب في شهر ربيع الآخر
منها.
ذكر فعل صالح بن وصيف مع أحمد بن إسرائيل ورفيقيه
وفيها أخذ صالح بن وصيف أحمد بن إسرائيل والحسن بن مخلد وأبا نوح عيسى بن إبراهيم فقيدهم، وطالبهم بأموال؛ وكان سبب ذلك - فيما ذكر - أن هؤلاء الكتاب الذين ذكرت كانوا اجتمعوا يوم الأربعاء لليلتين خلتا من جمادى الآخرة من هذه السنة على شراب لهم يشربونه، فلما كان يوم الخميس غد ذلك اليوم، ركب ابن إسرائيل في جمع عظيم إلى دار السلطان التي يقعد فيها، وركب ابن مخلد إلى دار قبيحة أم المعتز - وهو كاتبها - وحضر أبو نوح الدار، والمعتز نائم؛ فانتبه قريباً من انتصاف النهار، فأذن لهم، فحمل صالح بن وصيف على أحمد بن إسرائيل، وقال للمعتز: يا أمير المؤمنين؛ ليس للأتراك عطاء ولا في بيت المال مالٌ؛ وقد ذهب ابن إسرائيل وأصحابه بأموال الدنيا، فقال له أحمد: يا عاصي يا بن العاصي! ثم لم يزالا يتراجعان الكلام حتى سقط صالح مغشياً عليه، فرش على وجهه الماء. وبلغ ذلك أصحابه وهم على الباب، فصاحوا صيحةً واحدة، واخترطوا سيوفهم، ودخلوا على المعتز مصلتين؛ فلما رأى المعتز دخل وتركهم، وأخذ صالح بن وصيف ابن إسرائيل وابن مخلد وعيسى بن إبراهيم فقيدهم، وأثقلهم بالحديد، وحملهم إلى داره، فقال المعتز لصالح قبل أن يحملهم: هب لي أحمد؛ فإنه كاتبي؛ وقد رباني؛ فلم يفعل ذلك صالح، ثم ضرب ابن إسرائيل؛ حتى كسرت أسنانه، وبطح ابن مخلد فضرب مائة سوط؛ وكان عيسى بن إبراهيم محتجماً فلم يزل يصفع حتى جرت الدماء من محاجمه؛ ثم لم يتركوا حتى أخذت رقاعهم بمالٍ جليل قسط عليهم.
وتوجه قوم من الأتراك إلى إسكاف ليأتوا بجعفر بن محمود، فقال المعتز: أما جعفر فلا أرب لي فيه ولا يعمل لي. فمضوا، فبعث المعتز إلى أبي صالح عبد الله بن محمد بن يزداد المرزوي، فحمل ليصيره وزيراً، وبعث إلى إسحاق من منصور، فأشخص. وبعثت قبيحة إلى صالح بن وصيف في ابن إسرائيل: إما حملته إلى المعتز وإما ركبت إليك فيه.
وقد ذكر أن السبب في ذلك أن الأتراك طلبوا أرزاقهم، وأنهم جعلوا ذلك سبباً لما كان من أمرهم، وأن الرسل لم تزل تختلف بينهم وبين هؤلاء الكتاب؛ إلى أن قال أبو نوح لصالح بن وصيف: هذا تدبيرك على الخليفة، فغشي على صالح حينئذ مما داخله من الحرد والغيظ حتى رشوا على وجهه الماء، فلما أفاق جرى بين يدي المعتز كلام كثير، ثم خرجوا إلى الصلاة، وخلا صالح بالمعتز، ثم دعي بالقوم فلم يلبثوا إلا قليلاً، حتى أخرجوا إلى قبة في الصحن؛ ثم دعي بأبي نوح وابن مخلد سيوفهما وقلانسهما ومزقت ثيابهما، ولحقهما ابن إسرائيل فألقى نفسه عليهما؛ فثلت به؛ ثم أخرجوا إلى الدهليز وحملوا على الدواب والبغال، وارتدف خلف كل واحد منهم تركي، وبعث بهم إلى دار صالح على طريق الحير، وانصرف صالح بعد ساعة، وتفرق الأتراك، فانصرفوا. فلما كان بعد ذلك بأيام جعل في رجل كل واحد منهم ثلاثون رطلاً، وفي عنق كل واحد منهم عشرون رطلاً من حديد، وطولبوا بالأموال، فلم يجب واحد منهم إلى شيء؛ ولم ينقطع أمرهم إلى أن دخل رجب؛ فوجهوا في قبض ضياعهم ودورهم وضياع أسبابهم وأموالهم، وسموا الكتاب الخونة، فقدم جعفر بن محمود يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرى فولي الأمر والنهي.
ولليلتين خلتا من رجب ظهر بالكوفة عيسى بن
جعفر وعلي بن زيد الحسنيان، فقتلا بها عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى.
ذكر الخبر عن خلع المعتز ثم موته
ولثلاث بقين من رجب منها خلع المعتز. ولليلتين خلتا من شعبان أظهر موته؛ وكان سبب خلعه - فيما ذكر - أن الكتاب الذي ذكرنا أمرهم، لما فعل بهم الأتراك ما فعلوا، ولم يقروا لهم بشيء، وصاروا إلى المعتز يطلبون أرزاقهم، وقالوا له: أعطنا أرزاقنا حتى نقتل لك صالح بن وصيف، فأرسل المعتز إلى أمه يسألها أن تعطيه مالاً ليعطيهم، فأرسلت إليه: ما عندي شيء، فلما رأى الأتراك ومن بسامرا من الجند أن قد امتنع الكتاب من أن يعطوهم شيئاً، ولم يجدوا في بيت المال شيئاً، والمعتز وأمه قد امتنعا من أن يسمحا لهم بشيء؛ صارت كلمة الأتراك والفراغنة والمغاربة واحدةً، فاجتمعوا على خلع المعتز، فصاروا إليه لثلاثٍ بقين من رجب؛ فذكر بعض أسباب السلطان أنه كان في اليوم الذي صاروا إليه عند نحرير الخادم في دار المعتز، فلم يرعه إلا صياح القوم من أهل الكرخ والدور، وإذا صالح بن وصيف وبايكباك ومحمد بن بغا المعروف بأبي نصر، قد خلوا في اسللاح، فجلسوا على باب المنزل الذي ينزله المعتز، ثم بعثوا إليه: اخرج إلينا، فبعث إليهم: إني أخذت الدواء وأمس، وقد أجفلني اثنتي عشرة مرة؛ ولا أقدر على الكلام من الضعف؛ فإن كان أمراً لابد منه، فليدخل إلى بعضكم فليعلمني. وهو يرى أن أمره واقف على حاله. فدخل إليه جماعة من أهل الكرخ والدور من خلفاء القواد، فجروا برجله إلى باب الحجرة؛ قال: وأحسبهم كانوا قد تناولوه بالضرب بالدبابيس، فخرج وقميصه مخرق في مواضع، وآثار الدم على منكبه، فأقاموا في الشمس في الدار في وقت شديد الحر. قال: فجعلت أنظر إليه يرفع قدمه ساعة بعد ساعة من حرارة الموضع الذي قد أقيم فيه. قال: فرأيت بعضهم يلطمه وهو يتقي بيده، وجعلوا يقولون: اخلعها، فأدخلوه حجرة على باب حجرة المعتز كان موسى بن بغا يسكنها حين كان حاضراً، ثم بعثوا إلى ابن أبي الشوارب، فأحضروه مع جماعة من أصحابه؛ فقال له صالح وأصحابه: اكتب عليه كتاب خلع، فقال: لا أحسنه؛ وكان معه رجل أصبهاني، فقال: أنا أكتب، فكتب وشهدوا عليه وخرجوا. فقال: أبي الشوارب لصالح: قد شهدوا أن له ولأخته وابنه وأمه الأمان، فقال صالح بكفه: أي نعم؛ ووكلوا بذلك المجلس وبأمه نساء يحفظها.
فذكر أن قبيحة كانت اتخذت في الدار التي كانت فيها سرباً، وأنها احتالت وهي قرب وأخت المعتز، فخرجوا من السرب، وكانوا أخذوا عليها الطرق، ومنعوا الناس أن يجوزوا من يوم فعلوا بالمعتز ما فعلوا؛ وذلك يوم الاثنين إلى يوم الأربعاء لليلة بقيت من رجب.
فذكر أنه لما خلع دفع إلى من يعذبه ومع الطعام والشراب ثلاثة أيام، فطلب حسوةً من ماء البئر، فمنعوه ثم جصصوا سرداباً بالجص الثخين، ثم أدخلوه فيه، وأطبقوا عليه بابه، فأصبح ميتاً.
وكانت وفاته لليلتين خلتا من شعبان من هذه السنة. فلما مات أشهد على موته بنو هاشم والقراد؛ وأنه صحيح لا أثر فيه، فدفن مع المنتصر في ناحية قصر الصوامع؛ فكانت خلافته من يوم بويع له بسامرا إلى أن خلع أربع سنين وستة أشهر وثلاثة وعشرين يوماً. وكان عمره كله أربعاً وعشرين سنة.
وكان أبيض أسود الشعر كثيفه، حسن العينين والوجه، ضيق الجبين، أحمر الوجنتين، حسن الجسم، طويلاً وكان مولده بسامرا.