المجلد التاسع - ثم دخلت سنة تسع وخمسين ومائتين: ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث

ثم دخلت سنة تسع وخمسين ومائتين

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث

فمن ذلك منصرف أبي أحمد بن المتوكل من واسط، وقدومه سامرا يوم الجمعة لأربع بقين من شهر ربيع الأول، واستخلافه على واسط وحرب الخبيث بتلك الناحية محمداً المولد.

ذكر الخبر عن مقتل كنجور

ومن ذلك مقتل كنجور.

ذكر الخبر عن سبب مقتله وكان سبب ذلك أنه كان والى الكوفة، فانصرف عنها يريد سامرا بغير إذن، فأمر بالرجوع فأبى، فحمل إليه - فيما ذكر - مال ليفرق في أصحابه أرزاقهم منه، فلم يقنع بذلك، ومضى حتى ورد عكبراء في ربيع الأول، فتوجه إليه من سامرا عدة من القواد، فيهم: ساتكين وتكين وعبد الرحمن ابن مفلح وموسى بن أتامش وغيرهم؛ فذبحوه ذبحاً، وحمل رأسه إلى سامرا، لليلة بقيت من شهر ربيع الأول، وأصيب معه نيف وأربعون ألف دينار، وألزم كاتب له نصراني مالاً، ثم ضرب هذا الكاتب في شهر ربيع الآخر بباب العامة ألف سوط، فمات.

وفيها غلب شركب الجمال على مرو وناحيتها وأنهبا.

وفيها انصرف يعقوب بن الليث عن بلخ، فأقام بقهستان، وولى عماله هراة وبوشنج وباذ غيس، وانصرف إلى سجستان.

وفيها فارق عبد الله السجزى يعقوب بن الليث مخالفاً له، وحاضر نيسابور، فوجه محمد بن طاهر إليه الرسل والفقهاء، فاختلفوا بينهما، ثم ولاه الطبسين وقهستان.

ذكر خبر دخول المهلبي ويحيى بن خلف سوق الأهواز

ولست خلون من رجب منها، دخل المهلبي ويحيى بن خلف النهر بطي سوق الأهواز، فقتلوا بها خلقاً كثيراً، وقتلوا صاحب المعونة بها.

ذكر الخبر عن سبب هذه الوقعة وكيف كان هلاك صاحب الحرب من قبل السلطان فيها ذكر أن قائد الزنج خفي عليه أمر الحريق الذي كان في عسكر أبي أحمد بالباذاورد، فلم يعلم خبره إلا بعد ثلاثة أيام ورد به عليه رجلان من أهل عبادان فأخبره، فعاد للعيث، وانقطعت عنه الميرة، فأنهض على ابن أبان المهلبي، وضم إليه أكثر الجيش، وسار معه سليمان بن جامع، وقد ضم إليه الجيش الذي كان مع يحيى بن محمد البحراني وسليمان بن موسى الشعراني، وقد ضمت إليه الخيل وسائر الناس مع علي بن أبان المهلبي والمتولي للأهواز يومئذ رجل يقال له أصغجون، ومعه نيزك في جماعة من القواد، فسار إليهم علي بن أبان في جمعه من الزنج، ونذر به أصغجون، فنهض نحوه في أصحابه، فالتقى العسكران بصحراء تعرف بدرسماران، فكانت الدبرة يومئذ على أصغجون، فقتل يزك في جمع كثير من أصحابه، وغرق أصغجون، وأسر الحسن بن هرثمة المعروف بالشار يومئذ، والحسن بن جعفر المعروف براوشار.

قال محمد بن الحسن: فحدثني الحسن بن الشار، قال: خرجنا يومئذ من أصغجون للقاء الزنج؛ فلم يلبث أصحابنا، وانهزموا، وقتل نيزك، وفقد أصغجون، فلما رأيت ذلك نزلت عن فرس محذوف، كان تحتي، وقدرت أن أتناول بذنب جنيبة كانت معي، وأقمحها النهر، فأنجو بها. فسبقني إلى ذلك غلامي، فنجا وتركني، فأتيت موسى بن جعفر لأتخلص معه، فركب سفينة، ومضى فيها، ولم يقم علي، وبصرت بزورق فأتيته فركبته، فكثر الناس علي وجعلوا يطلبون الركوب معي فيتعلقون بالزورق حتى غروقوه، فانقلب، وعلوت ظهره، وذهب الناس عني، وأدركني الزنج، فجعلوا يرمونني بالنشاب، فلما خفت التلف قلت: أمسكوا عن رميي، وألقوا إلي شيئاً أتعلق به، وأصير إليكم، فمدوا إلي رمحاً، فتناولته بيدي وصرت إليهم.

وأما الحسن بن جعفر، فإن أخاه حمله لى فرس، وأعده ليسفر بينه بين أمير الجيش، فلما وقعت الهزيمة بادر في طلب النجاة، فعثر به فرسه فأخذ.

فكتب لي بن أبان إلى الخبيث بأمر الوقعة، وحمل إليه رءوساً وأعلاماً كثيرة، ووجه الحسن بن الشار والحسن بن جعفر وأحمد بن روح، فأمر بالأسرى إلى السجن، ودخل علي بن أبان الأهواز، فأقام يعيث بها إلى أن ندب السلطان موسى بن بغا لحرب الخبيث.

شخوص موسى بن بغا لحرب صاحب الزنج

وفيها شخص موسى بن بغا عن سامرا لحره، وذلك لثلاث عشر بقيت من ذي القعدة، وشيعه المعتمد إلى خلف الحائطين، وخلع عليه هناك.

وفيها وافى عبد الرحمن بن مفلح الأهواز وإسحاق بن كنداج البصرة وإبراهيم بن سيما باذورد لحرب قائد الزنج من قبل موسى بن بغا.

ذكر الخبر عما كان من أمر هؤلاء في النواحي التي ضمت إليهم مع أصحاب قائد الزنج في هذه السنة: ذكر أن ابن مفلح لما وافى الأهواز، أقام بقنطرة أربك عشرة أيام، ثم مضى إلى المهلبي، فواقعه، فهزمه المهلبي وانصرف، واستعد ثم عاد لمحاربته، فأوقع به وقعة غليظة، وقتل من الزنج قتلاً ذريعاً، وأسر أسرى كثيرة، وانهزم علي بن أبان، وأفلت ومن معه من الزنج، حتى وافوا بياناً، فأراد الخبيث ردهم، فلم يرجعوا للذعر الذي خالط قلوبهم. فلما رأى ذلك أذن لهم في دخول عسكره، فدخلوا جميعاً، فأقاموا بمدينته. ووافى عبد الرحمن حصن المهدي ليعسكر به، فوجه إليه الخبيث علي بن أبان، فواقعه فلم يقدر عليه، ومضى علي يريد الموضع المعروف بالدكر، وإبراهيم بن سيما يومئذ بالباذاورد، فواقعه إبراهيم، فهزم علي بن أبان، وعاوده فهزمه أيضاً إبراهيم، فمضى في الليل، وأخذ معه أدلاء؛ فسلكوا به الآجام والأدغال؛ حتى وافى نهر يحيى، وانتهى خبره إلى عبد الرحمن، فوجه إليه طاشتمر في جمع من الموالي، فلم يصل إلى علي ومن منه لوعورة الموضع الذي كانوا فيه، وامتناعه بالقصب والحلافي، فأضرمه عليهم ناراً، فخرجوه منه هاربين، فأسر منهم أسرى، وانصرف إلى عبد الرحمن بن مفلح بالأسرى والظفر، ومضى علي ابن أبان حتى وافى نسوخاً، فأام هناك فيمن معه من أصحابه، وانتهى الخبر بذلك إلى عبد الرحمن بن مفلح، فصرف وجهه نحو العمود، فوافاه وأقام به.
وصار علي بن أبان إلى نهر السدرة، وكتب إلى الخبيث يستمده ويسأله التوجيه إليه بالشذاءات، فوجه إليه ثث عشرة شذاة، فيها جمع كثير من أصحابه، فسار علي ومعه الشذا حتى وافى عبد الرحمن، وخرج إليه عبد الرحمن بمن معه، فلم يكن بينهما قتال، وتواف الجيشان يومهما ذلك؛ فلما كان الليل، انتخب علي بن أبان من أصحابه جماعة يثق بجلدهم وصبرهم، ومضى فيهم ومعه سليمان بن موسى المعروف بالشعراني، وترك سائر عسكره مكانه ليخفى أمره، فصار من وراء عبد الرحمن، ثم بيته في عسكره، فنال منه ومن أصحابه نيلاً، وانحاز عبد الرحمن عنه، وخلى عن أربع شذوات من شذواته فأخذها لي وانصرف، ومضى عبد الرحمن لوجهه حتى وافى الدولاب فأام به، وأعد رجالاً من رجاله، وولى عليهم طاشتمر، وأنفذهم إلى علي ابن أبن. فوافوه بنواحي بياب آزور، فأوقعوا به وقعة، انهزم منها إلى نهر السدرة، وكتب طاشتمر إلى عبد الرحمن بانهزام علي عنه، فأقبل عبد الرحمن بجيشه حتى وافى العمود، فأقام به، واستعد أصحابه للحرب، وهيأ شذواته، وولى عليها طاشتمر، فسار إلى فوهة نهر السدرة، فواقع علي بن أبان وقعة عظيمة، انهزم منها علي، وأخذ منه عشرات شذوات، ورجع علي إلى الخبيث مفلولاً مهزوماً، وسار عبد الرحمن من فوره، فعسكر ببيان،فكان عبد الرحمن ابن مفلح وإبراهيم بن سيما يتناوبان المصير إلى عسكر الخبيث، فيوقعان به، ويخيفان من فيه، وإسحاق بن كنداج يومئذ مقيم بالبصرة، قد قطع الميرة عن عسكر الخبيث؛ فكان الخبيث يجمع أصحابه في اليوم الذي يخاف فيه موافاة عبد الرحمن بن مفلح وإبراهيم بن سيما حتى ينقضى الحرب، ثم يصرف فريقاً منهم إلى ناحية البصرة، فيواقع بهم إسحاق بن كنداج، فأقاموا في ذلك بضعة عشر شهراً إلى أن صرف موسى بن بغا عن حرب الخبيث، ووليها البلخي، وانتهى الخبر بذلك إلى الخبيث.

وفيها غلب الحسن بن زيد لى قومس، ودخلها أصحابه.

وفيها كانت وقعة بين محمد بن الفضل بن سنان القزويني ووهسوذان بن جستان الديلمي، فهزم محمد بن الفضل وهسوذان.

وفيها ولي موسى بن بغا الصلابي الري حين وثب كيغلغ على تكين، فقتله فسار إليها.

وفيها غلب صاحب الروم على سميساط، ثم نزل على ملطية، وحاصر أهلها، فحاربه أهل ملطية فهزموه، وقتل أحمد بن محمد القابوس نصراً الإقريطشي بطريق البطارقة.

وفيها وجه من الأهواز جماعة من الزنج أسروا إلى سامرا، فوثبت العامة بهم سامرا، فقتلوا أكثرهم وسلبوهم.

"ذكر الخبر عن دخول يعقوب بن الليث نيسابور

وفيها دخل يعقوب بن الليث نيسابور.

ذكر الخبر عن الكائن الذي كان منه هناك ذكر أن يعقوب بن الليث صار إلى هراة، ثم قصد نيسابور، فلما قرب منها وأراد دخولها، وجه محمد بن طاهر يشتأذنه في تلقيه، فلم يأذن له، فبعث بعمومته وأهل بيته، فتلقوه، ثم دخل نيسابور لأربع خلون من شوال بالعشى، فنزل طرفاً من أطرافها يعرف بداودباذ، فركل إليه محمد بن طاهر، فدخل عليه في مضربه، فساءله، ثم أقبل على تأنيبه وتوبيخه على تفريطه في عمله، ثم انصرف وأمر عزير بن السري بالتوكيل به، وصرف محمد بن طاهر وولي عزيزاً نيسابور، ثم حبس محمد بن طاهر وأهل بيته. وورد الخبر بذلك على السلطان، فوجه إليه حاتم بن زيرك بن سلام، ووردت كتب يقوب على السلطان لعشر بقين من ذي القعدة، فقعد - فيما ذكر - جعفر بن المعتمد وأبو أحمد بن المتوكل في إيوان الجوسق، وحضر القواد، وأذن لرسل يعقوب. فذكر رسله ما تناهى إلى يعقوب من حال أهل خراسان، وأن الشراة والمخالفين قد غلبوا عليها، وضعف محمد بن طاهر، وذكوا مكاتبة أهل خراسان يعقوب ومسألتهم إياه قدومه عليهم واستانتهم، وأنه صار إليها، فلما كان على عشرة فراسخ من نيسابور، سار إليه أهلها، فدفعوها إليه فدخلها. فتكلم أبو أحمد وعبيد الله بن يحيى، وقالا للرسل: إن أمير المؤمنين لا يقار يعقوب على ما فعل، وأنه يأمره بالانصراف إلى العمل الذي ولاه إياه، وأنه لم يكن له أن يفعل ذلك بغير أمره فليرجع، فإنه إن فعل كان من الأولياء، وإلا لم يكن له إلا ما للمخالفين. وصرف إليه رسله بذلك ووصلوا، وخلع على كل واحد منهم خلعة فيها ثلاثة أثواب؛ وكانوا أحضروا رأساً على قناة فيه رقعة فيها: هذا رأس عدو الله عبد الرحمن الخارجي بهراة، ينتحل الخلافة منذ ثلاثين سنة، قتله يعقوب بن الليث.

وحج بالناس في هذه السنة إبراهيم بن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس المعروف ببريه.