المجلد التاسع - ثم دخلت سنة اثنتين وستين ومائتين: ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث

ثم دخلت سنة اثنتين وستين ومائتين

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث

ذكر خبر دخول يعقوب بن الليث رامهرمز

فمما كان فيها من ذلك موافاة يعقوب بن الليث رامهرمز في المحرم وتوجيه السلطان إليه إسماعيل بن إسحاق وبغراج، وإخراج السلطان من كان محبوساً من أسباب يعقوب بن الليث من السجن؛ لأنه لما كان من أمره ما كان في أمر محمد بن طاهر، حبس السلطان غلامه وصيفاً ومن كان قبله من أسبابه،فأطلق عنهم بعدما وافى يعقوب رامهرمز؛ وذلك لخمس خلون من شهر ربيع الأول. ثم قدم إسماعيل بن إسحاق من عند يعقوب، وخرج إلى سامرا برسالة من عنده، فجلس أبو أحمد ببغداد، ودعا بجمعة من التجار، وأعلمهم أن أمير المؤمنين أمر بتولية يعقوب بن الليث خراسان وطبرستان وجرجان والري وفارس والشرطة بمدينة السلام؛ وذلك بمحضر من درهم بن نصر صاحب يعقوب وكان المعتمد قد صرف درهماً هذا من سامرا إلى يعقوب بجواب ما كان يعقوب أرسله، يسأله لنفسه، فأرسل معه إليه عمر بن سيما ومحمد بن تركشه، ووافى فيها رسل ابن زيدويه بغداد في شهر ربيع الأول منها برسالة من عنده، فخلع عليه أبو أحمد، ثم انصرف في هذه السنة الذين توجهوا إلى يعقوب بن الليث إلى السلطان، فأعلموه أنه يقول: إنه لا يرضيه ما كتب إليه دون أن يصير إلى باب السلطان، وارتحل يعقوب من عسكر مكرم، فصار أبو الساج إليه، فقبله وأكرمه ووصله.

ولما رجعت الرسل بما كان من جواب يعقوب عسكر المعتمد يوم السبت لثلاث خلون من جمادى الآخرة بالقائم بسامرا، واستخلف على سامرا ابنه جعفراً، وضم إليه محمداً المولد، ثم سار منها يوم الثلاثاء لست خلون من جمادى الآخرة، ووافى بغداد يوم الأربعاء لأربع عشرة خلت من جمادى الآخرة، فاشتقها حتى جازها، وصار إلى الزعفرانية فنزلها، وقدم أخاه أبا أحمد من الزعفرانية. فسار يعقوب بجيشه من عسكر مكرم؛ حتى صار من واسط على فرسخ، فصادف هنالك بثقاً قد بثقه مسرور البلخي من دجلة لئلا يقدر على جوازه، فأقام عليه حتى سده وعبره؛ وذلك لست بقين من جمادى الآخرة، وصار إلى باذبين، ثم وافى محمد بن كثير من قبل يعقوب عسكر مسرور البلخي، فصار بإزائه، فصار مسرور بعسكره إلى النعمانية، ووافى يعقوب واسطاً، فدخلها لست بقين من جمادى الآخرة.

وارتحل المعتمد من الزعفرانية يوم الخميس لليلة بقيت من جمادى الآخرة؛ حتى صار إلى سيب بني كوما، فوافاه هنالك مسرور البلخي، وكان مسير مسرور البلخي إليه في الجانب الغربي من دجلة، فعبر إلى الجانب الذي فيه العسكر، فأقام المعتمد بسيب بني كوما أياماً، حتى اجتمعت إليه عساكره، وزحف يعقوب من واسط إلى دير العاقول، ثم زحف من دير العاقول نحو عسكر السلطان، فأقام المعتمد بالسيب، ومعه عبيد الله بن يحيى، وأنهض أخاه أبا أحمد لحرب يعقوب، فجعل أبو أحمد موسى بن بغا على ميمنته، ومسروراً البلخي على ميسرته، وصار هو في خاصته، ونخبة رجاله في القلب. والتقى العسكران يوم الأحد لليال خلون من رجب بموضع يقال له اضطربد بين سيب بني كوما ودير العاقول. فشدت ميسرة يعقوب على ميمنة أبي أحمد فهزمتها، وقتلت منها جماعة كثيرة منهم من قوادهم إبراهيم بن سيما التركي وطباغوا التركي ومحمد طغتا التركي والمعرف بالمبرقع المغربي وغيرهم ثم ثاب المنهزمون وسائر عسكر أبي أحمد ثابت، فحملوا على يعقوب وأصحابه، فثبتوا وحاربوا حرباً شديداً، وقتل من أصحاب يعقوب جماعة من أهل البأس؛ منهم الحسن الدرهمي ومحمد بن كثير. وكان على مقدمة يعقوب - والمعروف بلبادة - فأصابت يعقوب ثلاثة أسهم في حلقه ويديه، ولم تزل الحرب بين الفريقين - فيما قيل - إلى آخر وقت صلاة العصر.

ثم وافى أبا أحمد الديراني ومحمد بن أوس، واجتمع جميع من في عسكر أبي أحمد، وزد ظهر من كثير ممن مع يعقوب كراهة القتال معه إذ رأوا السلطان قد حضر لقتاله، فحملوا على يعقوب ومن قد ثبت معه للقتال، فانهزم أصحاب يعقوب، وثبت يعقوب في خاصة أصحابه؛ حتى مضوا وفارقوا موضع الحرب.

فذكر أنه أخذ من عسكره من الدواب والبغال أكثر من عشرة آلاف رأس، ومن الدنانير والدراهم ما يكل عن حمله، ومن جرب المسك أمر عظيم، وتخلص محمد بن طاهر بن عبد الله، وكان مثقلاً بالحديد؛ خلصه الذي كان موكلاً به.

ثم أحضر محمد بن طاهر، فخلع عليه عى مرتبته، وقرئ على الناس كتاب فيه: ولم يزل الملعون المارق المسمى يعقوب بن الليث الصفار ينتحل الطاعة، حتى أحدث الأحداث المنكرة؛ ومن مصيره إلى صاحب خراسان، وغلبته إياه عليها، وتقلده الصلاة والإحداث بها، ومصيره إلى فارس مرة بعد نرة، واستيلائه على أموالها، وإقباله إلى باب أمير المؤمنين مظهر المسألة في أمور أجابه أمير المؤمنين منها ما لم يكن يستحقه، استصلاحاً له، ودفعاً بالتي هي أحسن؛ فولاه خراسان والري وفارس وقزوين وزنجان والشرطة بمدينة السلام، وأمر بتكنيته في كتبه، وأقطعه الضياع النفسية، فما زاده ذلك إلا طغياناً وبغياً، فأمره بالرجوع فأبى، فنهض أمير المؤمنين لدفع الملعون حين توسط الطريق بين مدينة السلام وواسط، وأظهر يعقوب أعلاماً على بعضها الصلبان، فقدم أمير المؤمنين أخاه أبا أحمد الموفق بالله ولي عهد المسلمين في القلب، ومعه أبو عمران موسى بن بغا في الميمنة وفي جناح الميمنة إبراهيم ابن سيما، وفي الميسرة أبو هاشم مسرور البلخي، وفي جناح الميسرة الديراني، فتسرع وأشياعه في المحاربة، فحاربه حتى أثخن بالجراح، وحتى انتزع أبو عبد الله بن طاهر سالماً من أيديهم، وولوا منهزمين مجروحين مسلوبين، وسلم الملعون كل ما حواه ملكه" كتاباً مؤرخاً بيوم الثلاثاء لإحدى عشرة خلت من رجب.

ثم رجع المعتمد إلى معسكره وكتب إلى ابن واصل بتولية فارس، وقد كان صار إليها وجمع جماعة.

ثم رجع المعتمد إلى المدائن ومضى أبو أحمد ومعه مسرور وساتكين وجماعة من القواد، وبض على ما لأبي الساج من الضياع والمنازل، وأقطعها مسروراً البلخي، وقدم محمد بن طاهر بن عبد الله بغداد يوم الاثنين لأربع عشرة بيت من رجب وقد رد إليه العمل، فخلع عليه في الرصافة، فنزل دار عبد الله بن طاهر، فلم يعزل حداً، ولم يول وأمر له بخمسمائة ألف درهم.

وكانت الوقعة التي كانت بين السلطان والصفار يوم الشعانين.

وقال محمد بن علي بن فيد الطائي يمدح أبا أحمد ويذكر أمر الصفار:

نعب الغراب عدمته من ناعـب            وصبا فؤادي لادكار حبـائبـي
نادى بينهم فجادت مـقـلـتـي             لزيال أرحلهم بدمعٍ سـاكـب
بانوا بأتراب أوانس كـالـدمـى               مثل المهاقب البطون كواعـب
فأولئكن غـرائر تـيمـنـنـي                    بسوالف وقـوائم وحـواجـب
لولى عهد المسلمين منـاسـب           شرفت وأشرق نورها بمناصب
ومراتب في ذروةٍ لا ترتـقـى                  أكرم بها من ذروة مـراتـب
ولقد أتى الصفار في عددٍ لهـا              حسنٌ فوافتهن نكـبة نـاكـب
جلب القضاء إليه حتفاً عاجـلاً             سقياً ورعياً للقضاء الجـالـب
أغواه إبليس اللـعـين بـكـيده              واغتره منـه بـوعـدٍ كـاذب
حتى اذا اختلفوا وظـنّ بـأنـه                قد عز بين عساكرٍ وكـتـائب
دلفت إليه عساكـر مـيمـونةٌ               يلقون زحفاً باللواء الـغـالـب
في جحفل لجبٍ ترى أبطـالـه              من دراعٍ أو رامحٍ أو نـاشـب
وبدا الإمام برايةٍ مـنـصـورة                   لمحمد سيف الإله القـاضـب
وولى عهد المسلمـين مـوفـقٌ              وبالله أمضى من شهابٍ ثاقـب
وكأنه في الناس بـدرٌ طـالـع                  متهلل بالنور بـين كـواكـب
لما التقوا بالمشرفية والـقـنـا               ضرباً وطعن محاربٍ لمحارب
ثار العجاج وفوق ذاك غمـامةٌ                 غراء تسكب وبل صوبٍ صائب
فل الجموع بحزم رأي ثـاقـب                منه وأفرد صاحباً عن صاحب
للـه در مـوفـق ذي بـهـجةٍ                   ثبت المقام لدي الهياج مواثـب
يا فارس العرب الذي ما مثلـه                في الناس يعرف آخرٌ لنـوائب

من فادح الزمن العضوض ومن لقا         جيشٍ لذي غدر خئون غـاصـب

ذكر خبر توجه رجال الزنج إلى البطيحة ودست ميسان

وفيها وجه قائد الزنج جيوشه إلى ناحية البطيحة ودست ميسات ذكر الخبر عن سبب توجيهه إياهم إليها ذكر أن سبب ذلك كان أن المعتمد لما صرف موسى بن بغا عن أعمال المشرق وما كان متصلاً بها، وضمها إلى أخيه أبي أحمد، وضم أبو أحمد عمل كور دجلة إلى مسرور البلخي، وأقبل يعقوب بن الليث مريداً أبا أحمد، وصار إلى واسط، خلت كور دجلة من أسباب السلطان، خلا المدائن وما فوق ذلك. وكان مسرور قد وجه قبل ذلك إلى الباذاوارد مكان موسى بن أتامش جعلان التركي، وكان بإزاء موسى بن أتامش، من قبل قائد الزنج سليمان بن جامع، وقد كان سليمان قبل أن يصرف ابن أتامش عن الباذاورد، قد نال من عسكره؛ فلما صرف ابن تامش وجعل موضعه جعلان، وجه سليمان من قبله رجلاً من البحرانيين يقال له ثعلب بن حفص، فأوقع به، وأخذ منه خيلاً ورجلاً، ووجه قائد الزنج من قبله رجلاً من أهل جبي يقال له أحمد بن مهدي في سميريات، وفيها رماة من أصحابه، فأنفذه إلى نهر المرأة، فجعل الجبائي يوقع بالقرى التي بنواحي المذار - فيما ذكر - فيعيث فيها، ويعود إلى نهر المرأة فيقيم به.

فكتب هذا الجبائي إلى قائد الزنج يخبر بأن البطيحة خالية من رجال السلطان، لانصراف مسرور وعساكره عند ورود يعقوب بن الليث واسطاً. فأمر قائد الزنج سليمان بن جامع وجماعة من قواده بالمصير إلى الحوانيت، فأمر رجلاً من الباهليين يقال له عمير بن عمار، كان عالماً بطرق البطيحة ومسالكها، أن يسير مع الجبائي حتى يستقر بالحوانيت.

فذكر محمد بن الحسن أن محمد بن عثمان العباداني قال: لما عزم صاحب الزنج على توجيه الجيوش إلى ناحية البطيحة ودستميسان أمر سليمان بن جامع أن يعسكر بالمطوعة وسلمان بن موسى أن يعسكر على فوهة النهر المعروف باليهودي، ففعلا ذلك، وأقاما إلى أن أتاهما إذنه، فنهضا، فكان مسير سليمان بن موسى إلى القرية المعروفة بالقادسية، ومسير سليمان بن جامع إلى الحوانيت والجبائي في السميريات أمام جيش سليمان بن جامع، ووافى أبا التركي دجلة في ثلاثين شذاة، فانحدر يريد عسكر قائد الزنج، فمر بالقرية التي كانت داخلة في سلم الخبيث فنال منها، وأحرق؛ فكتب الخبيث إلى سليمان بن موسى في منعه الرجوع، وأخذ عليه سليمان الطريق، فأقام شهراً يقاتل حتى تخلص فصار إلى البطيحة.

وذكر محمد بن عثمان أن جباشاً الخادم زعم أن أبا التركي لم يكن صار إلى دجلة في هذا الوقت، وأن المقيم كان هناك نصير المعروف بأبي حمزة.

وذكر أن سليمان بن جامع لما فصل متوجهاً إلى الحوانيت، انتهى إلى موضع يعرف بنهر العتيق. وقد كان الجبائي سار في طريق الماديان، فتلقاه رميس، فواقعه الجبائي، فهزمه، وأخذ منه أربعاً وعشرين سميرية ونيفاً وثلاثين صلغة، وأفلت رميس، فاعتصم بأجمة لجأ إليها، فأتاه قوم من الجوخانيين، فأخرجوه منها فنجا. ووافق المنهزمين من أصحاب رميس خروج سليمان من النهر العتيق، فتلقاهم فأوقع بهم، ونال منهم نيلاً، ومضى رميس حتى لحق بالموضع المعروف ببر مساور، وانحاز إلى سليمان جماعة من مذكوري البلاليين وأنجادهم في خمسين ومائة سميرية، فاستخبرهم عما أمامه، فقالوا: ليس بينك وبين واسط أحدٌ من عمال السلطان وولاته. فاغتر سليمان بذلك، وركن إليه، فسار حتى انتهى إلى الموضع الذي يعرف بالجازرة، فتلقاه رجل يقال له أبو معاذ القرشي، فواقعه، فانهزم سليمان عنه، وقتل أبو معاذ جماعة من أصحابه، وأسر قائداً من قواد الزنج، يقال له القندلي. فانصرف سليمان إلى الموضع الذي كان معسكراً به، فأتاه رجلان من البلالية، فقالا له: ليس بواسط أحد يدفع عنها غير أبي معاذ في الشذوات الخمس التي لقيك بها. فاستعد سليمان وجمع أصحابه وكتب إلى الخبيث كتاباً مع البلالية الذين كانوا استأمنوا إليه وأنقذهم إلا جميعة يسيرة في عشرة سميريات، انتخبهم للمقام معه، واحتبس الاثنين معه اللذين أخبراه عن واسط بما أخبراه به، وصار قاصداً لنهر أبان، فاعترض له أبو معاذ في طريقه، وشبت الحرب بينهما، وعصفت الريح، فاضطربت شذا أبي معاذ، وقوى عليه سليمان وأصحابه، فأدبر عنهم معرداً، ومضى سليمان حتى انتهى إلى نهر أبان، فاقتحمه، وأحرق وأنهب، وسبى النساء والصبيان، فانتهى الخبر بذلك إلى وكلاء كانوا لأبي أحمد في ضياع من ضياعه مقيمين بنهر سنداد، فساروا إلى سليمان في جماعة، فأوقعوا به وقعةً، قتلوا فيها جمعاً كثيراً من الزنج، وانهزم سليمان وأحمد بن مهدي ومن معهما إلى معسكرهما.

قال محمد بن الحسن: قال محمد بن عثمان: لما استقر سليمان بن جامع بالحوانيت، ونزل بنهر يعرف بيعقوب بن النضر، وجه رجلاً ليعرف خبر واسط ومن فيها من أصحاب السلطان؛ وذلك بعد خروج مسرور البلخي وأصحابه عنها، لورود يعقوب إياها. فرجع إليه، فأخبره بمسير يعقوب نحو السلطان، وقد كان مسرور قبل شخوصه عن واسط إلى السيب وجه إلى سلميمان رجلاً يقال له وصيف الرحال في شذوات؛ فواقعه سليمان فقتله، وأخذ منه سبع شذوات، وقتل من ظفر به، وألقى القتلى بالحوانيت ليدخل الرهبة في قلوب المجتازين بهم من أصحاب السلطان.

فلما ورد على سليمان خبر مسير مسرور عن واسط، دعا سليمان عمير بن عمار خليفته ورجلاً من رؤساء الباهليين يقال له أحمد بن شريك، فشاورهما في التنحي عن الموضع الذي تصل إليه الخيل والشذوات، وأن يلتمس موضعاً يتصل بطريق مني أراد الهرب منه إلى عسكر الخبيث سلكه، فأشارا عليه بالمصير إلى عقر ماور، والتحصن بطهيثا والأدغال التي فيها. وكره الباهليون خروج سليمان بن جامع من بين أظهرهم لغمسهم أيديهم معه، وما خافوا من تعقب السلطان إياهم، فحمل سليمان بأصحابه ماضياً في نهر البرور إلى طهيثا، وأنفذ الجبائي إلى النهر المعروف بالعتيق في السميريات، وأمره بالبدار إليه بما يعرف من خبر الشذا، ومن يأتي فيها ومن أصحاب السلطان، وخلف جماعة من السودان لإشخاص من تخلف من أصحابه، وسار حتى وافى عقر ماور، فنزل الرية المعروفة بقرية مروان بالجانب الشرقي من نهر طهيثا في جزيرة هناك.

وجمع إليه رؤساء الباهليين وأهل الطفوف، وكتب إلى الخبيث يعلمه ما صنع، فكتب إليه يصوب رأيه، ويأمره بإنفاذ ما قبله من ميرة ونعم وغنم، فأنفذ ذلك إليه، وسار مسرور إلى موضع معسكر سليمان الأول، فلم يجد هناك كثير شيء، ووجد القوم قد سبقوه إلى نقل ما كان في معسكرهم، وانحدر أبا التركي إلى البطائح في طلب سليمان؛ وهو يظن أنه قد ترك الناحية، وتوجه نحو مدينة الخيث فمضى. فلم يقف لسليمان على أثر، وكر راجعاً، فوجد سليمان قد أنفذ جيشاً إلى الحوانيت ليطرق من شذ من عسكر مسرور، فخالف الطريق الذي خاف أن يؤديه إليهم، ومضى في طريق آخر؛ حتى انتهى إلى مسرور، فأخبره أنه لم يعرف لسليمان خبراً.

وانصرف جيش سليمان إليه بما امتاروا، وأقام سليمان، فوجه الجبائي في الشميريات للوقوف على مواضع الطعام والمير والاحتيال في حملها. فكان الجبائي لا ينتهي إلى ناحية فيجد فيها شيئاً من الميرة إلا أحرقه، فساء ذلك سليمان، فنهاه عنه فلم ينته، وكان يقول: إن هذه الميرة مادة لعدونا، فليس الرأي ترك شيء منها.

فكتب سليمان إلى الخبيث يشكو ما كان من الجبائي في ذلك، فورد كتاب الخبيث على الجبائي يأمره السمع والطاعة لسليمان، والائتمار له فيما يأمره به.

وورد على سلمان أن أغرتمش وخشيشا قد أقبلا قاصدين إليه في الخيل والرجال والشذا والسميريات، يريدان مواقعته. فجزع جزعاً شديداً، وأنفذ الجبائي ليعرف أخبارهما، وأخذ في الاستعداد للقائهما، فلم يلبث أن عاد إليه الجبائي مهزوماً، فأخبره أنهما قد وافيا باب طنج؛ وذلك على نصف فرسخ من عسكر سليمان حينئذ، فأمره بالرجوع والوقوف في وجه الجيش، وشغله عن المصير إلى العسكر إلى أن يلحق به؛ فلما أنفذ الجبائي لما وجه له صعد سليمان سطحاً، فأشرف منه، فرأى الجيش مقبلاً، فنزل مسرعاً، فعبر نهر طهيثا، ومضى راجلاً، وتبعه جمعٌ من قواد السودان حتى وافوا باب طنج، فاستدبر أغرتمش، وتركهم حتى جدوا في المسير إلى عسكره. وقد كان أمر الذي استخلفه على جيشع ألا يدع أحداً من السودان يظهر لأحد من أهل جيش أغرتمش، وأن يخفوا أسخاصهم ما قدروا، ويدعوا القوم حتى يتوغلوا النهر إلى أن يسمعوا أصوات طبوله؛ فإذا سمعوها خرجوا عليهم، وقصدوا أغرتمش.
فجاء أغرتمش بجيشه حتى لم يكن بينه وبين العسكر إلا نهر يأخذ من طهيثا يقال له جارورة بني مروان. فانهزم الجبائي في السميريات حتى وافى طهيثا، فخلف سميرياته بها، وعاد راجلاً إلى جيش سليمان، واشتد جزع أهل عسكر سليمان منه، فتفرقوا أيادي سبا، ونهضت منهم شرذمة فيها قائد من قواد السودان يقال له أبو النداء، فتلقوهم فواقعوهم، وشغلوهم عن دخول العسكر، وشد سليمان من وراء القوم، وضرب الزنج بطبولهم، وألقوا أنفسهم في الماء للعبور إليهم؛ فانهزم أصحاب أغرتمش وشد عليهم من كان بطهيثا من السودان، ووضعوا السيوف فيهم، وأقبل خشيش على أشهب كان تحته يريد الرجوع إلى عسكره، فتلقاه السودان، فصرعوه وأخذته سيوفهم، فقتل وحمل رأسه إلى سليمان، وقد كان خشيش حين انتزعوا إليه، قال لهم: أنا خشيش؛ فلا تقتلوني، وامضوا بي إلى أصحابكم. فلم يسمعوا لقوله وانهزم أغرتمش، وكان في آخر أصحابه، ومضى حتى ألقى نفسه إلى الأرض، فركب دابة ومضى، وتبعهم الزنج حتى وصلوا إلى عسكرهم؛ فنالوا حاجتهم منه، وظفروا بشذوات كانت مع خشيش، وظفر الذين اتبعوا الجيش المولى بشذوات كانت مع أغرتمش فيها مال. فلما انتهى الخبر إلى أغرتمش، كر راجعاً حتى انتزعها من أيديهم، ورجع سليمان إلى عسكره، وقد ظفر بأسلاب ودواب، وكتب بخبر الوقعة إلى قائد الزنج؛ وما كان منه فيها. وحمل إليه رأس خشيش وخاتمه، وأقر الشذوات التي أخذها في عسكره. فلما وافى كتاب سليمان ورأس خشيش، أمر فطيف به في عسكره، ونصب يوماً؛ ثم حمله إلى علي بن أبان، وهو يومئذ مقيم بنواحي الأهواز، وأمر بنصبه هناك؛ وخرج سليمان والجبائي معه وجماعة من قواد السودان إلى ناحية الحوانيت متطرفين، فتوافقوا هناك ثلاث عشرة شذاة مع المعروف بأبي تميم أخي المعروف بأبي عون صاحب وصيف التركي، فأوقعوا به، فقتل وغرق، وظفروا من شذواته بإحدى عشرة شذاة.

قال محمد بن الحسن: هذا خبر محمد بن عثمان العباداني؛ فأما جباش؛ فزعم أن الشذا التي كانت مع أبي تميم كانت ثمانية، فأفلت منها شذاتان كانتا متأخرتين، فمضتا بمن فيهما وأصاب سلاحاً ونهباً، وأتى على أكثر من كان في تلك الشذوات من الجيش، ورجع سليمان إلى عسكره، وكتب إلى الخبيث بما كان منه من قتل المعروف بأبي تميم؛ ومن كان معه، واحتبس الشذوات في عسكره.

وفيها كبس ابن زيدويه الطيب، فأنهبها.

وفيها ولي القضاء علي بن محمد بن أبي الشوارب.

وفيها خرج الحسين بن طاهر بن عبد الله من بغداد لليال بقين منه، فصار إلى الجبل.

وفيها مات الصلابي، وولي الري كيغلغ.

ومات صالح بن علي بن يعقوب بن المنصور في ربيع الآخر منها.

وولي إسماعيل بن إسحاق قضاء الجانب الشرقي من بغداد، فجمع له قضاء الجانبين.

وفيها قتل محمد بن عتاب بن عتاب، وكان ولي السيبين فصار إليها، فقتله الأعراب.

وللنصف من شهر رمضان صار موسى بن بغا إلى الأنبار متوجهاً إلى الرقة.

وفيها قتل أيضاً القطان صاحب مفلح، وكان عاملاً بالموصل على الخراج، فانصرف منها، فقتل في الطريق.

وعقد فيها لكفتمر علي بن الحسين بن داود كاتب أحمد بن سهل اللطفي على طريق مكة في شهر رمضان.

وفيها وقع بين الحناطين والجزارين بمكة قتال قبل يوم التروية بيوم، حتى خاف الناس أن يبطل الحج، ثم تحاجزوا إلى أن يحج الناس، وقد قتل منهم سبعة عشر رجلاً.

وفيها غلب يعقوب بن الليث على فارس وهرب ابن واصل.

ذكر خبر الوقعة بين الزنج وأحمد بن ليثويه

وفيها كانت وقعة بين الزنج وأحمد بن ليثويه، فقتل منهم خلقاً كثيراً، وأسر أبا داود الصعلوك وقد كان صار معهم.

ذكر الخبر عن هذه الوقعة وسبب أسر الصعلوك ذكر أن مسرواً البلخي وجه أحمد بن ليثويه إلى ناحية كور الأهواز، فلما وصل إليها نزل السوس، وكان الصفار قد قلد محمد بن عبيد الله بن أزاذ مرد الكردي كور الأهواز، فكتب محمد بن عبيد الله إلى قائد الزنج يطمعه في الميل إليه، وقد كانت العادة جرت بمكاتبة محمد إياه من أول مخرجه، وأوهمه أنه يتولى له كور الأهواز ويداري الصفار حتى يستوي له الأمر فيها، فأجابه الخبيث إلى ذلك على أن يكون علي بن أبان المتولي لها، ويكون محمد بن عبيد الله يخلفه عليها فقبل محمد بن عبيد الله ذلك، فوجه علي بن أبان أخاه الخليل بن أبان، في جمع كثير السودان وغيرهم، وأيدهم محمد بن عبيد الله بأبي الصعلوك، فمضوا نحو السوس، فلم يصلوا إليها؛ ودفهم ابن ليثويه ومن كان معه من أصحاب السلطان عنها، فانصرفوا مفلولين، وقد قتل منهم مقتلة عظيمة، وأسر منهم جماعة، وسار أحمد بن ليثويه حتى نزل جندى سابور.

وسار علي بن أبان من الأهواز منجداً محمد بن عبيد الله على أحمد بن ليثويه، فتلقاه محمد بن عبيد الله في جمع من الأكراد والصعاليك؛ فلما قرب منه محمد بن عبيد الله سارا جميعاً، وجعلا بينهما المسرقان؛ فكانا يسيران عن جانبيه ووجه محمد بن عبيد الله رجلاً من أصحابه في ثلثمائة فارس، فانضم إلى علي بن أبان، فسار علي بن أبان ومحمد بن عبيد الله إلى أن وافيا عسكر مكرم، فصار محمد بن عبيد الله إلى علي بن أبان وحده، فالتقيا وتحادثا، وانصرف محمد إلى عسكره، ووجه إلى علي بن أبان القاسم بن علي ورجلاً من رؤساء الأكراد، يقال له حازم، وشيخاً من أصحاب الصفار يعرف بالطالقاني، وأتوا علياً، فسلموا عليه، ولم يزل محمد وعلي على ألفة، إلى أن وافى على قنطرة فارس، ودخل محمد بن عبيد الله تستر، وانتهى إلى أحمد بن ليثويه تضافر علي بن أبان ومحمد بن عبيد الله على قتاله، فخرج عن جندي سابور، وصار إلى السوس. وكانت موافاة علي قنطرة فارس في يوم الجمعة، وقد وعده محمد بن عبيد الله أن يخطب الخاطب يومئذ، فيدعو لقائد الزنج، وله على منبر تستر، فأقام علي منتظراً ذلك، ووجه بهبوذ بن عبد الوهاب لحضور الجمعة وإتيانه بالخبر؛ فلما حضرت الصلاة قام الخطيب، فدعا للمعتمد والصفار ومحمد بن عبيد الله، فرجع بهبوذ إلى علي بالخبر، فنهض علي من ساعته، فركب دوابه، وأمر أصحابه بالانصراف إلى الأهواز، وقدمهم أمامه، وقدم معهم ابن أخيه محمد بن صالح ومحمد بن يحيى الكرماني خليفته، وكاتبه وأقام حتى إذا جاوزوا كسر قنطرة كانت هناك لئلا يتبعه الخيل.

قال محمد بن الحسن: وكنت فيمن انصرف مع المتقدمين من أصحاب علي، ومر الجيش في ليلتهم تلك مسرعين، فانتهبوا إلى عسكر مكرم في وقت طلوع الفجر؛ وكانت داخلة في سلم الخبيث، فنكث أصحابه، وأوقعوا بعسكر مكرم، وناولوا نهباً. ووافى علي بن أبان في أثر أصحابه، فوقف على ما أحدثوا فلم يقدر على تغييره، فمضى حتى صار إلى الأهواز ولما انتهى إلى أحمد بن ليثويه انصراف علي، كر راجعاً حتى وافى تستر، فأوقع بمحمد بن عبيد الله ومن معه، فأفلت محمد، ووقع في يده المعروف بأبي داود الصعلوك، فحمله إلى باب السلطان المعتمد، وأقام أحمد بن ليثويه بتستر.

قال محمد بن الحسن: فحدثني الفضل بن عدي الدارمي - وهو أحد من كان من أصحاب قائد الزنج انضم إلى محمد بن أبان أخي علي بن أبان قال: لما استقر أحمد بن ليثويه بتستر، خرج إليه علي بن أبان بجيشه، فنزل قرية يقال لها برنجان، ووجه طلائع يأتونه بأخباره، فرجعوا إليه، فأخبروه أن ابن ليثويه قد أقبل نحوه، أوائل خيله قد وافت قرية تعرف بالباهليين، فزحف علي بن أبان إليه، وهو يبشر أصحابه، ويعدهم الظفر، ويحكى لهم ذلك عن الخبيث. فلما وافى الباهليين تلقاه ابن ليثويه في خيله، وهي زهاء أربعمائة فارس؛ فلم يلبثوا أن أتاهم مدد خيل، فكثرت خيل أصحاب السلطان واستأمن جماعة من الأعراب الذين كانوا مع علي بن أبان إلى ابن ليثويه، وانهزم باقي خيل علي بن أبان، وثبت جمعية من الرجالة، وتفرق عنه أكثرهم، واشتد القتال بين الفريقين، وترجل علي بن أبان، وباشر القتال بنفسه راجلاً، وبين يديه غلام من أصحابه يقال له فتح، يعرف بغلام أبي الحديد، فجعل يقاتل معه. وبصر بعلي أبو نصر سلهب وبدر الرومي المعروف بالشعراني فعرفاه، فأنذر الناس به، فانصرف هارباً حتى لجأ إلى المسرقان، فألقى بنفسه فيه، وتلاه فتح، فألقى نفسه معه، فغرق فتح، ولحق علي بن أبان نصر المعروف بالرومي، فتخلصه من الماء، فألقاه في سميرية ورمى علي بسهم، وأصيب به في ساقه، وانصرف مفلولاً، وقتل من أنجاد السودان وأبطالهم جماعة كثيرة.

وحج بالناس فيها الفضل بن إسحاق بن الحسن بن العباس بن محمد.