المجلد العاشر - ثم دخلت سنة ثمان وسبعين ومائتين: ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث

ثم دخلت سنة ثمان وسبعين ومائتين

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث

فمن ذلك الحرب التي كانت بين أصحاب وصيف الخادم والبربر وأصحاب موسى، أبن أخت مفلح أربعة أيام تباعاً، ثم اصطلحوا؛ وقد قتل بينهم بضعة عشر رجلاً، وذلك في أول المحرم، ثم وقع في الجانب الشرقي حرب بين النصريين وأصحاب يونس، قتل فيها رجل، ثم افترقوا.

وفيها انحدر وصيف خادم ابن أبي الساج إلى واسط بأمر أبي الصقر لتكون عدة له - فيما ذكر - ذلك أنه اصطنعه وأصحابه، وأجازه بجوائز كبيرة، وأدر على أصحابه أرزاقهم، وكان قد بلغه قدوم أبي أحمد، فخافه على نفسه لما كان من إتلافه ما كان في بيوت أموال أبي أحمد؛ حتى لم يبق شيء بالهبة التي يهب؛ والجوائز التي كان يجيز، والخلع التي كان يخلع على القواد، وإنفاقه على القواد، فلما نفذ ما في بيت المال، طالب أرباب الضياع بخراج سنة مبهمة عن أرضيهم، وحبس منهم بذلك جماعة؛ وكان الذي يتولى له القيام بذلك الزغل، فعسف على الناس في ذلك.

وقدم أبو أحمد قبل أن يستوظف أداء ذلك منهم، فشغل عن مطالبة الناس بما كان يطالبهم به.

وكان انحدار وصيف في يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيت من المحرم.

ولليلتين بقيتا من المحرم منها طلع كوكب ذو جمة، ثم صارت الجمة ذؤابة.

ذكر الخبر عن مرض أبي أحمد الموفق ثم موته

وفيها أنصرف أبو أحمد من الجبل إلى العراق، وقد اشتد به النقرس حتى لم يقدر على الركوب، فاتخذ له سرير عليه قبة، فكان يقعد عليه، ومعه خادم يبرد رجله بالأشياء الباردة، حتى بلغ من أمره أنه كان يضع عليها الثلج، ثم صارت علة رجله داء الفيل، وكان يحمل سريره أربعون حمالاً يتناوب عليها عشرون عشرون، وربما اشتد بهم أحياناً، فيأمرهم أن يضعوه.

وذكر أنه قال يوماً للذين يحملونه: قد ضجرتم بحملي، بودي أن أكون كواحد منكم أحمل على رأسي وأكل وأني في عافية.

وأنه قال في مرضه هذا: أطبق دفتري على مائة ألف مرتزق، ما أصبح فيهم أسوأ حالاً مني.

وفي يوم الاثنين لثلاث بقين من المحرم منها وافى أبو أحمد النهروان، فتلقاه أكثر الناس فركب الماء فسار في النهروان، ثم في نهر ديالى، ثم في دجلة إلى الزعفرانية، وصار ليلة الجمعة إلى الفرك، ودخل داره يوم الجمعة لليلتين خلتا من صفر.

ولما كان في يوم الخميس لثمان خلون من صفر، شاع موته بعد انصراف أبي الصقر من داره، وقد كان تقدم في حفظ أبي العباس، فغلقت عليه أبواب دون أبواب، وأخذ أبو الصقر ابن الفياض معه إلى داره، وكان يبقى بناحيته.

وأقام أبو الصقر في داره يومه ذلك، وإزداد الإرجاف بموت أبي أحمد، وكانت اعترته غشية، فوجه أبو الصقر يوم الجمعة إلى المدائن، فحمل منها المعتمد وولده، فجيء بهم إلى داره، وأقام أبو الصقر في داره ولم يصر إلى دار أبي أحمد؛ فلما رأى غلمان أبي أحمد المائلون إلى أبي العباس والرؤساء من غلمان أبي العباس الذين كانوا حضوراً ما قد نزل بأبي أحمد، كسروا أقفال الأبواب المغلقة على أبي العباس.

فذكر عن الغلام الذي كان مع أبي العباس في الحجرة أنه قال لما سمع أبو العباس صوت أقفال تكسر قال: ليس يريد هؤلاء إلا نفسي.

وأخذ سيفاً كان عنده، فاستله، وقعد مستوفزاً والسيف في حجره، وقال لي: تنح أنت، والله لا وصلوا إلي وفي شيء من الروح.

قال: فلما فتح الباب كان أول من دخل عليه وصيف موشكير - وهو غلام أبي العباس - فلما رآه رمى السيف من يده، وعلم أنهم لم يقصدوا إلا الخير، فأخرجوه حتى أقعدوه عند أبيه، وهو بعقب غشيته.

فلما فتح أبو أحمد عينيه، وأفاق رآه، فأدناه وقربه.

ووافى المعتمد - ذلك اليوم الذي وجه إليه في حمله، وهو يوم الجمعة نصف النهار قبل صلاة الجمعة - مدينة السلام، لتسع خلون من صفر، ومعه ابنه جعفر المفوض إلى الله ولي العهد وعبد العزيز ومحمد وإسحاق بنوه، فنزل على أبي الصقر.

ثم بلغ أبا الصقر أن أبا أحمد لم يمت، فوجه إسماعيل بن إسحاق يتعرف له الخبر؛ وذلك يوم السبت.

وجمع أبو الصقر القوات والجند، وشحن داره وما حولها بالرجال والسلاح، ومن داره إلى الجسر كذلك، قطع الجسرين، ووقف قوم على الجسر في الجانب الشرقي يحاربون أصحاب أبي الصقر، فقتل بينهم قتلى، وكانت بينهم جراحات.

وكان أبو طلحة أخو شركب مع أصحابه مقيمين بباب البستان، فرجع إسماعيل، فأعلم أبا الصقر أن أبا أحمد حي، فكان أول من مضى إليه من القواد محمد بن أبي الساج، عبر من نهر عيسى، ثم جعل الناس يتسللون؛ منهم من يعبر إلى باب أبي أحمد، ومنهم من يرجع إلى منزله، ومنهم من يخرج من بغداد؛ فلما رأى أبو الصقر ذلك، وصحت عنده حياة أبي أحمد، انحدار هو وابناه إلى دار أبي أحمد؛ فما ذاكره أبو أحمد شيئاً مما جرى، ولا ساء له عنه.

وأقام في دار أبي أحمد.

فلما رأى المعتمد أنه بقي في الدار وحده، نزل هو وبنوه وبكتمر، فركبوا زورقاً، ثم لقيهم طيار أبي ليلى بن عبد العزيز بن أبي دلف، فحملهم في طياره، ومضى بهم إلى داره، وهي دار علي بن جهشيار برأس الجسر فقال له المعتمد: أريد أن أمضي إلى أخي فأحدره ومن معه من بيته إلى دار أبي أحمد.

وانتهبت دار أبي الصقر وكل ما حوته حتى خرج حرمه حفاة بغير إزار، وانتهبت دار محمد بن سليمان كاتبه، ودار ابن الواثقي انتهبت وأحرقت، وانتهبت دور أسبابه، وكسرت أبواب السجون، ونقبت الحيطان، وخرج كل من كان فيها، وخرج كل من كان في المطبق، وانتهبت مجلسا الجسر، وأخذ كل ما كان فيهما، وانتهبت المنازل التي تقرب من دار أبي الصقر.

وخلع أبو أحمد على ابنه أبي العباس وعلى أبي الصقر، فركبا جميعاً، والخلع عليهما من سوق الثلاثاء إلى باب الطاق، ومضى أبو الصقر مع أبي العباس إلى داره؛ دار صاعد.

ثم انحدر أبو الصقر في الماء إلى منزله وهو منتهب، فأتوه من دار الشاه بحصير فقعد عليه، فولي أبو العباس غلامه بدار الشرطة، واستخلف محمد بن غانم بن الشاه على الجانب الشرقي، وعيسى النوشري على الجانب الغربي؛ وذلك لأربع عشرة خلت من صفر منها.

وفيها في يوم الأربعاء لثمان بقين من صفر، كانت وفاة أبي أحمد الموفق ودفن ليلة الخميس في الرصافة عند قبر والدته، وجلس أبو العباس يوم الخميس للناس للتعزية.

ذكر الخبر البيعة للمعتضد بولاية العهد

وفيها بايع القواد والغلمان لأبي العباس بولاية العهد بعد المفوض، ولقب بالمعتضد بالله، في يوم الخميس، وأخرج للجند العطاء، وخطب يوم الجمعة للمعتمد، ثم للمفوض، ثم لأبي العباس المعتضد؛ وذلك لسبع ليال بقين من صفر.

وفيها في يوم الاثنين لأربع بقين من صفر قبض على أبي الصقر وأسبابه وانتهب منازلهم، وطلب بنو الفرات - وكان إليهم ديوان السواد - فاختفوا، وخلع على عبيد الله بن سليمان بن وهب يوم الثلاثاء لثلاث بقين من صفر منها، وولي الوزارة.

وفيها بعث محمد بن أبي الساج إلى الواسط ليرد غلامه وصيفاً إلى مدينة السلام، ومضى وصيف إلى الأهواز.

وأبى الانصراف إلى بغداد، وأنهى طيب، وعاث بالسوس.

وفيها ظفر بأبي أحمد بن محمد بن الفرات.

فحبس وطولب بأموال، وظفر معه بالزغل، فحبس، وظفر معه بمال وفيها وردت الأخبار بقتل علي بن الليث، أخي الصفار، قتله رافع بن هرثمة، كان لحق به، وترك أخاه.

ووردت الأخبار فيها عن مصر أن النيل غار ماؤه وغلت الأسعار عندهم.

ذكر ابتداء أمر القرامطة

وفيها وردت الأخبار بحركة قوم يعرفون بالقرامطة بسواد الكوفة، وكان ابتداء أمرهم قدوم رجل من ناحية خوزستان إلى سواد الكوفة ومقامه بموضع منه يقال له النهرين، يظهر الزهد والتقشف، ويسف الخوص، ويأكل من كسبه، ويكثر الصلاة، فأقام على ذلك مدة، فكان إذا قعد إليه إنسان ذاكره أمر الدين، وزهده في الدنيا، وأعلمه أن الصلاة المفترضة على الناس خمسون صلاة في كل يوم وليلة، حتى فشا ذلك عنه بموضعه، ثم أعلمهم أنه يدعو إلى إمام من أهل بيت الرسول، فلم يزل على ذلك يقعد إليه الجماعة فيخبرهم من ذلك بما تعلق قلوبهم، وكان يقعد إلى بقال في القرية، وكان بالقرب من البقال نخل إشتراه قوم من التجار، فاتخذوا حظيرة جمعوا فيها ما صرموا من حمل النخل، وجاءوا إلى البقال فسألوه أن يطلب لهم رجلاً يحفظ عليهم ما صرموا من النخل، فأومي لهم إلى هذا الرجل، وقال: إن أجابكم إلى حفظ سمرتكم، فإنه بحيث تحبون، فناظروه على ذلك، فأجابهم إلى حفظه بدراهم معلومة؛ فكان يحفظ لهم، ويصلي أكثر نهاره ويصوم، ويأخذ عند إفطاره من البقال رطل تمر، فيفطر عليه ويجمع نوى ذلك التمر.

فلما حمل التجار مالهم من التمر، صاروا إلى البقال، فحاسبوا أجيرهم هذا على أجرته، فدفعوها إليه، فحاسب الأجير البقال على ما أخذ منه من التمر، وحط من ذلك ثمن النوى الذي كان دفعه إلى البقال؛ فسمع التجار ما جرى بينه وبين البقال في حق النوى، فوثبوا عليه فضربوه، وقالوا: ألم ترض إن أكلت تمراً حتى بعت النوى! فقال لهم البقال: لا تفعلوا، فأنه لم يمس تمركم؛ وقص عليهم قصته، فندموا على ضربهم إياه، وسألوه أن يجعلهم في حل، ففعل.

وإزداد بذلك نبلاً عند أهل القرية لما وقفوا عليه من زهده.

ثم مرض.

فمكث مطروح على الطريق، وكانت في القرية رجل يحمل على أثوار له، أحمر العينين شديدة حمرتهما، وكان أهل القرية يسمونه كرميتا لحمرة عينيه، وهو بالنبطية أحمر العينين، فكلم البقال كرميتا هذا، في أن يحمل هذا العلي إلى منزله، ويوصي أهله بالإشراف عليه والعناية به، ففعل وأقام عنده حتى برء، ثم كان يأوي إلى منزله ودعا أهل القرية إلى أمره، ووصف لهم مذهبه، فأجابهم أهل القرية تلك الناحية، وكان يأخذ من الرجل إذا دخل في دينه ديناراً ويزعم أنه يأخذ ذلك للإمام؛ فمكث بذلك يدعو أهل تلك القرية فيجيبونه.

واتخذ منهم إثنى عشر نقيباً، أمرهم أن يدعو الناس إلى دينهم، وقال لهم: أنتم كحواري عيسى ابن مريم؛ فاشتغل أكرة تلك الناحية عن أعمالهم بما رسم لهم من الخمسين الصلاة التي ذكر أنها مفترظة عليهم.

وكان للهيصم في تلك الناحية ضياع، فوقف على تقصير أكرته في العمارة، فسأل عن ذلك، فأخبر أن إنساناً طرء عليهم، فأظهر لهم مذهباً من الدين، وأعلمهم أن الذي أفترضه الله عليهم خمسون صلاة في اليوم والليلة، فقد شغلوا بها عن أعمالهم، فوجه في طلبه، فأخذ وجيء به إليه، فسأله عن أمره، فأخبره بقصته، فحلف أنه يقتله.

فأمر به فحبس في البيت، وأقفل عليه الباب ووضع المفتاح تحت وسادته، وتشاغل بالشرب، وسمع بعض من في داره من الجواري بقصته، فرقت له.

فلما نام الهيصم أخذت المفتاح من تحت وسادته وفتحت الباب وأخرجته، وأقفلت الباب، وردت المفتاح إلى موضعه فلما أصبح الهيصم دعا بالمفتاح ففتح الباب فلم يجده، وشاع بذلك الخبر، ففتن به أهل تلك الناحية، وقالوا: رفع ثم ظهر في موضع أخر.
ولقي جماعة من أصحابه وغيرهم فسألوه عن قصته، فقال: ليس يمكن أحداً أن يبدأني بسوء، ولا يقدر على ذلك مني، فعظم في أعينهم، ثم خاف على نفسه، فخرج إلى ناحية الشأم، فلم يعرف له خبر، وسمي باسم الرجل الذي كان في منزله صاحب الأثوار كرميته، ثم خفف فقالوا: قرمط.

ذكر هذه القصة بعض أصحابنا عمن حدثه، أنه حضر محمد بن داود بن الجراح، وقد دعا بقوم من القرامطة من الحبس، فسألهم عن زكرويه، وذلك بعد ما قتله، وعن قرمط وقصته، وأنهم أوموا له إلى شيخ منهم، وقالوا له: هذا سلف زكرويه، وهو أخبر الناس بقصته، فسله عما تريد، فسأله فأخبره بهذه القصة.

وذكر عن محمد بن داود أنه قال: قرمط رجل من سواد الكوفة، كان يحمل غلات السواد على أثوار له، يسمى حمدان ويلقب بقرمط.
ثم فشا أمر القرامطة ومذهبهم، وكثروا بسواد الكوفة، ووقف الطائي أحمد بن محمد على أمرهم، فوظف على كل رجل منهم في كل سنة ديناراً، وكان يجبي من ذلك مالاً جليلاً، فقدم قوم الكوفة فرفعوا إلى السلطان أمر القرامطة، وأنهم قد أحدثوا ديناً غير الإسلام، وأنهم يرون السيف على أمة محمد إلا من بايعهم على دينهم، وأن الطائي يخفي أمرهم على السلطان.

فلم يلتفت إليهم ولم يسمع منهم، فانصرفوا، وأقام رجل منهم مدة طويلة بمدينة السلام، يرفع ويزعم أنه لا يمكنه الرجوع إلى بلده خوفاً من الطائي.

وكان فيما حكموا عن هؤلاء القرامطة من مذهبهم أن جاءوا بكتاب فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم" يقول الفرج بن عثمان؛ وهو من قرية يقال لها نصرانة، داعية إلى المسيح، وهو عيسى، وهو الكلمة، وهو المهدي، وهو أحمد بن محمد بن الحنفية، وهو جبريل.

وذكر أن المسيح تصور له في جسم إنسان، وقال له: إنك الداعية، وإنك الحجة، وإنك الناقة، وإنك الدابة، وإنك الروح القدس، وإنك يحيى بن زكرياء.

وعرفه أن الصلاة أربع ركعات: ركعتان قبل طلوع الشمس، وركعتان قبل غروبها، وأن الاذان في كل صلاة أن يقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله؛ مرتين أشهد أن آدم رسول الله، أشهد أن نوحاً رسول الله، أشهد أن إبراهيم رسول الله، أشهد أن موسى رسول الله، وأشهد أن عيسى رسول الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وأشهد أن أحمد بن محمد بن الحنفية رسول الله؛ وأن يقرأ في كل ركعة الاستفتاح؛ وهي من المنزل على أحمد بن محمد بن الحنفية.

والقبلة إلى بيت المقدس، والحج إلى بيت المقدس، ويوم الجمعة يوم الاثنين لا يعمل فيه شيء، والسورة الحمد لله بكلمته، وتعالى باسمه، المتخذ لأوليائه بأوليائه.

قل إن الأهلة مواقيت للناس؛ ظاهرها ليعلم عدد السنين والحساب الشهور والأيام، وباطنها أوليائي الذين عرفوا عبادي سبيلي.

اتقون يا أولي الألباب؛ وأنا الذي لا أسأل عما أفعل، وأنا الحكيم، وأنا الذي أبلو عبادي، وامتحن خلقي؛ فمن صبر على بلائي ومحنتي واختباري ألقيته في جنتي، وأخلدته في نعمتي، ومن زال عن أمري، وكذب رسلي، أخلدته مهاناً في عذابي، وأتممت أجلى، وأظهرت أمري؛ على ألسنة رسلي؛ وأنا الذي لم يعل علي جبار إلا وضعته، ولا عزيز إلا أذللته؛ وليس الذي أصر على أمره ودوام على جهالته، وقالوا: لن نبرح عليه عاكفين، وبه مؤمنين: أولئك هم الكافرون.

ثم يركع ويقول في ركوعه: سبحان ربي رب العزة وتعالى عما يصف الظالمون! يقولها مرتين، فإذا سجد قال: الله أعلى، الله أعلى، الله أعظم، الله أعظم.

ومن شرائعه أن الصوم يومان في السنة، وهما المهرجان والنوروز؛ وأن النبيذ حرام والخمر حلال؛ ولا غسل من جنابة إلا الوضوء كوضوء الصلاة، وأن من حاربه وجب قتله، ومن لم يحاربه ممن خالفه أخذت منه الجزية ولا يؤكل كل ذي ناب، و لا كل ذي مخلب.

وكان مصير قرمط إلى سواد الكوفة قبل قتل صاحب الزنج؛ وذلك أن بعض أصحابنا ذكر عن سلف زكرويه أنه قال: قال لي قرمط: صرت إلى صاحب الزنج، ووصلت إليه، وقلت له: إني على مذهب، وورائي مائة ألف سيف؛ فناظرني، فإن اتفقنا على المذهب ملت بمن معي إليك، وإن تكن الأخرى انصرفت عنك.

وقلت له: تعطيني الأمان؟ ففعل.

قال: فناظرته إلى الظهر، فتبين لي في آخر مناظرتي إياه أنه على خلاف أمري، وقام إلى الصلاة، فانسللت، فمضيت خارجاً من مدينته، وصرت إلى سواد الكوفة.

ذكر خبر غزو الروم ووفاة يازمان في هذه الغزوة

ولخمس بقين من جمادى الآخرة من هذه السنة، دخل أحمد العجيفي مدينة طرسوس، وغزا مع يازمان غزاة الصائفة، فبلغ سلندو.
وفي هذه الغزاة مات يازمان، وكان سبب موته أن شظية من حجر منجنيق أصاب أضلاعه وهو مقيم على حصن سلندو؛ فارتحل المعسكر؛ وقد كانوا أشرفوا على فتحه، فتوفي في الطريق من غده يوم الجمعة، لأربع عشرة ليلة خلت من رجب، وحمل إلى طرسوس على أكتاف الرجال فدفن هناك.

وحج بالناس في هذه السنة هارون بن محمد الهاشمي.