المجلد العاشر - ثم دخلت سنة إحدى وثمانين ومائتين: ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث

ثم دخلت سنة إحدى وثمانين ومائتين

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث

فمن ذلك ما كان من موافاة ترك بن العباس عامل السلطان على ديار مضر مدينة السلام لتسع خلون من المحرم بنيف وأربعين نفساً من أصحاب أبي الأغر صاحب سميساط، على جمال، عليهم برانس ودراريع حرير.

فمضى بهم إلى دار المعتضد، ثم ردوا إلى الحبس الجديد فحبسوا به، وخلع على ترك، وانصرف إلى منزله.

وفيها ورد الخبر بوقعة كانت لوصيف خادم ابن أبي الساج بعمر بن عبد العزيز بن أبي دلف وهزيمته إياه، ثم صار وصيف إلى مولاه محمد ابن أبي الساج، في شهر ربيع الآخر منها.

وفيها دخل طغج بن جف طرسوس لغزاة الصائفة من قبل خمارويه يوم الخميس للنصف من جمادى الآخرة - فيما قيل - وغزا، فبلغ طرايون، وفتح ملورية.

ولخمس ليال بقين من جمادى الآخرة مات أحمد بن محمد الطائي بالكوفة، ودفن بها في موضع يقال له مسجد السهلة.

وفيها غارت المياه بالري وطبرستان.

ولليلتين خلتا من رجب منها شخص المعتضد إلى الجبل، فقصد ناحية الدينور، وقلد أبا محمد على بن المعتضد الري وقزوين وزنجان وأبهر وقم وهمذان والدينور، وقلد كتبته أحمد بن أبي الاصبغ، ونفقات عسكره والضياع بالري الحسين بن عمرو الضراني، وقلد عمر بن عبد العزيز بن أبي دلف أصبهان ونهاوند والكرج، وتعجل للانصراف من أجل غلاء السعر وقلة الميرة، فوافى بغداد يوم الأربعاء لثلاث خلون من شهر رمضان.

وفيها أتستأمن الحسن بن علي كوره عامل رافع على الرى إلى علي بن المعتضد في زهاء ألف رجل ، فوجهه إلى أبيه المعتضد.

وفيها دخل الأعراب سامراً فأسروا ابن سيما أنف في ذي القعدة منها وانتهبوا.

ذكر خبر الوقعة بين الأكراد والأعراب

ولست ليال بقين من ذي القعدة خرج المعتضد الخرجة الثانية إلى الموصل عامداً لحمدان بن حمدون؛ وذلك أنه بلغه أنه مايل هارون الشاري الوازقي، ودعا له.

فورد كتاب المعتضد من كرخ جدان على نجاح الحرمي الخادم بالوقعة بينه وبين الأعراب والأكراد؛ وكانت يوم الجمعة سلخ ذي القعدة: "بسم الله الرحمن الرحيم".

كتابي هذا وقت العتمة ليلة الجمعة، وقد نصر الله - وله الحمد - على الأكراد والأعراب، وأظفرنا بعالم منهم وبعيالاتهم؛ ولقد رأيتنا ونحن نسوق البقر والغنم كما كنا نسوقها عاماً أولاً، ولم تزل الأسنة والسيوف تأخذهم، وحال بيننا وبينهم الليل، وأوقدت النيران على رءوس الجبال، ومن غد يومنا، فيقع الاستقصاء، وعسكري يتبعني إلى الكرخ.

وكان وقاعنا بهم وقتلنا إياهم خمسين ميلاً، فلم يبق منهم مخبر والحمد لله كثيراً، فقد وجب الشكر لله علينا والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد نبيه وآله وسلم كثيراً.

وكانت الأعراب والأكراد لما بلغهم من خروج المعتضد، تحالفوا أنهم يقتلون على دم واحد، واجتمعوا، وعبوا عسكرهم ثلاثة كراديس؛ كردوساً دون كردوس، وجعلوا عيالاتهم وأولادهم في أخر كردوس، وتقدم المعتضد عسكره في خيل جريدة، فأوقع بهم، وقتل منهم، وغرق في الزاب منهم خلق كثير، ثم خرج إلى الموصل عامداً لقلعة ماردين، وكانت في يد حمدان ابن حمدون، فلما بلغه مجيء المعتضد هرب وخلف ابنه بها، فنزل عسكر المعتضد على القلعة، فحاربهم من كان فيها يومهم ذلك؛ فلما كان من الغد ركب المعتضد، فصعد القلعة حتى وصل إلى الباب، ثم صاح: يا بن حمدون، فأجابه: لبيك! فقال له: افتح الباب، ويلك! ففتحه، فقعد المعتضد في الباب، وأمر من دخل فنقل ما في القلعة من المال والاثاث، ثم أمر بهدمها فهدمت، ثم وجه خلف حمدان بن حمدون، فطلب أشد الطلب، وأخذت أموال كانت له مودعة.

وجيء بالمال إلى المعتضد، ثم ظفر به.

ثم مضى المعتضد إلى مدينة يقال لها الحسنية، وفيها رجل يقال له شداد، في جيش كثيف، ذكر أنهم عشرة آلاف رجل، وكان له قلعة في المدينة فظفر به المعتضد، فأخذه فهدم قلعته.

وفيها ورد الخبر من طريق مكة أنه أصاب الناس في المصعد برد شديد ومطر جود وبرد أصيب فيه أكثر من خمسمائة إنسان.

وفي شوال منها غزا المسلمون الروم، فكانت بينهم الحرب اثني عشر يوماً، فظفر المسلمون وغنموا غنيمة كثيرة وانصرفوا.