ثم دخلت سنة ست وثمانين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث الجليلة
فمن ذلك ما كان من توجيه محمد بن أبي الساج ابنه معروف بأبي المسافر إلى بغداد رهينة بما ضمن للسلطان من الطاعة والمناصحة، فقدم - فيما ذكر - يوم الثلاثاء، لسبع خلون من المحرم منها، معه هدايا من الدواب والمتاع وغير ذلك، والمعتضد يومئذ غائب عن بغداد.
وفي شهر ربيع الأخر منها ورد الخبر أن المعتضد بالله وصل إلى آمد، فأناخ بجنده عليها، وأغلق محمد بن أحمد بن عيسى بن شيخ عليه أبواب مدينة آمد، وعلى من فيها من أشياعه.
ففرق المعتضد جيوشه حولها وحاصرهم، وذلك لأيام بقيت من شهر ربيع الأول، ثم جرت بينهم حروب، ونصب عليهم المجانيق، ونصب أهل آمد على سورهم المجانيق، وتراموا بها.
وفي يوم السبت لإحدى عشرة بقيت من جمادى الأولى وجه محمد بن أحمد ابن عيسى إلى المعتضد يطلب لنفسه ولأهله ولأهل آمد الأمان، فوجه إلى ذلك فخرج محمد بن أحمد بن عيسى في هذا اليوم ومن معه من أصحابه وأوليائه فوصلوا إلى المعتضد، فخلع عليه وعلى رؤساء أصحابه، وانصرفوا إلى مضرب قد أعد لهم، وتحول المعتضد من عسكره إلى منازل ابن عيسى ابن شيخ ودوره؛ وكتب بذلك كتاباً إلى مدينة السلام مؤرخاً بيوم الأحد لعشر بقين من جمادى الأولى منها ورد الكتاب من المعتضد بفتحه آمد إلى مدينة السلام، وقرىء على المنبر بالجامع.
وفيها انصرف عبد الله بن الفتح إلى المعتضد وهو مقيم بآمد من مصر بأجوبة كتبه إلى هارون بن خمارويه، وأعلمه أن هارون قد بذل أن يسلم أعمال قنسرين والعواصم، ويحمل إلى بيت المال ببغداد في كل سنة أربعمائة ألف وخمسين ألف دينار، وأنه يسأل أن يجدد له ولاية مصر والشأم، وأن يوجه المعتضد بخادم من خدمه إليه بذلك؛ فأجابه إلى ما سأل، وأنفذ إليه بدراً القدامي وعبد الله بن الفتح بالولاية والخلع، فخرجا من آمد إلى مصر بذلك وتسلم عمال المعتضد أعمال قنسرين والعواصم من أصحاب هارون في جمادى الأولى، وأقام المعتضد بآمد بقية جمادى الأولى وثلاثة وعشرين يوماً من جمادى الآخرة.