المجلد العاشر - ثم دخلت سنة تسعين ومائتين: ذكر الخبر عن الأحداث التي كانت فيها

ثم دخلت سنة تسعين ومائتين

ذكر الخبر عن الأحداث التي كانت فيها

فمما كان فيها من ذلك التوجيه المكتفى رسولاً إلى إسماعيل بن أحمد لليلتين خلتا من المحرم منها بخلع، وعقد ولاية له على الرى، وبهدايا مع عبد الله ابن الفتح.

ولخمس بقين من المحرم منها ورد - فيما ذكر - كتاب علي بن عيسى من الرقة، يذكر فيه أن القرمطي بن زكرويه المعروف بالشيخ، وافى الرقة في جمع كثير، فخرج إليه جماعة من أصحاب السلطان ورئيسهم سبك غلام المكتفى، فواقعوه، فقتل سبك، وانهزم أصحاب السلطان.

ولست خلون من شهر ربيع الآخر ورد الخبر بأن طغج بن جف أخرج من دمشق جيشاً إلى القرمطي، عليهم غلام له يقال له بشير، فواقعوهم القرمطي، فهزم الجيش وقتل بشيراً.

ولئلات عشرة بقيت من شهر ربيع الآخر خلع على أبي الأغر ووجه به لحرب القرمطي بناحية الشأم، فمضى إلى حلب في عشرة آلاف رجل.

ولإحدى عشرة بقيت من شهر ربيع لآخر على أبي العشائر أحمد بن نصر وولي طرسوس، وعزل عنها مظفر بن حاج لشكاية أهل الثغور إياه.

وللنصف من جمادى الأولى من هذه السنة، وردت كتب التجار إلى بغداد من دمشق مؤرخه لسبع بقين من ربيع الآخر يخبرون فيها أن القرمطي الملقب بالشيخ قد هزم طغج غير مرة، وقتل أصحابه إلا القليل، وأنه قد بقي في قلة، وامتنع من الخروج، وإنما تجتمع العامة، ثم تخرج للقتال، وأنهم قد أشرفوا على الهلكة، فاجتمعت جماعة من تجار بغداد في هذا اليوم، فمضوا إلى يوسف بن يعقوب، فأقرءوه كتبهم، وسألوه المضى إلى الوزير ليخبره خبر أهل دمشق، فوعدهم ذلك.

ولسبع بقين من جمادى الأولى أحضر دار السلطان أبو خازم ويوسف وابنه محمد، وأحضر صاحب طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث، فقوطع على مال فارس، ثم عقد المكتفى لطاهر على أعمال فارس، وخلع على صاحبه، وحملت إليه خلع مع العقد.

وفي جمادى الأولى هرب من مدينة السلام القائد المستأمن المعروف بأبي سعيد الخوارزمي، وأخذ نحو طريق الموصل، فكتب إلى عبد الله المعروف بغلام نون، وكان يتقلد المعاون بتكريت والأعمال المتصلة بها إلى حد سامراً وإلى الموصل في معارضته وأخذه، فزعموا أن عبد الله عارضه، فاختدعه أبو سعيد حتى اجتمعا جميعاً على غير حرب، ففتك به أبو سعيد فقتله، ومضى أبو سعيد نحو شهرزور، فاجتمع هو وابن أبي الربيع الكردي، وصاهره، واجتمعا على عصيان السلطان.

ثم إن أبا سعيد قتل بعد ذلك، وتفرق من كان اجتمع إليه.

ولعشر خلون من جمادى الآخرة، شخص أبو العشائر إلى عمله بطرسوس، وخرج معه جماعة من المطوعة للغزو، ومعه هدايا من المكتفى إلى ملك الروم.

ولعشر بقين من جمادى الآخرة خرج المكتفى بعد العصر عامداً سامراً، مريداً البناء بها للانتقال إليها، فخلع يوم الخميس لخمس بقين من جمادى الآخرة، ثم انصرف إلى مضارب قد ضربت له بالجوسق، فدعا القاسم بن عبيد الله والقوام بالبناء، فقدروا له البناء وما يحتاج إليه من المال للنفقة عليه، فكثروا عليه في ذلك، وطولوا مدة الفراغ مما أراد بناءه، وجعل القاسم يصرفه عن رأيه في ذلك، ويعظم أمر النفقة في ذلك وقدر مبلغ المال، فثناه عن عزمه، ودعا بالغداء، فتغدى ثم نام، فلما هب من نومه ركب إلى الشط، وقعد في الطيار، وأمر القاسم بن عبيد الله بالانحدار.

ورجع أكثر الناس من الطريق قبل أن يصلوا إلى سامراً حين تلقاهم الناس راجعين.

ولسبع خلون من رجب خلع على ابني القاسم بن عبيد الله، فولى الأكبر منهما ضياع الولد والحرم والنفقات، والأصغر منهما كتبة أبي أحمد بن المكتفى؛ وكانت هذه الأعمال إلى الحسين بن عمرو النصراني، فعزل بهما، وكان القاسم بن عبيد الله اتهم الحسين بن عمرو أنه قد سعى به إلى المكتفى.

ثم إن الحسين بن عمرو كاشف القاسم بن عبيد الله بحضرة الله المكتفى، فلم يزل القاسم يدبر عليه، ويغلظ قلب المكتفى عليه، حتى وصل إلى ما أراد من أمره.
وفي يوم الجمعة لأربع عشرة بقيت من شعبان قرىء كتابان في الجامعين بمدينة السلام بقتل يحيى بن زكرويه الملقب بالشيخ، قتله المصريون على باب دمشق؛ وكانت الحرب اتصلت بينه وبين من حاربه من أهل دمشق وجندها ومددهم من أهل مصر، وكسر لهم جيوشاً، وقتل منهم خلقاً كثيراً، وكان يحيى بن زكرويه هذا يركب برجاله، ويلبس ثياباً واسعة ويعتم عمه أعرابية، ويلتثم، ولم يركب دابة من لدن ظهر إلى أن قتل، وأمر أصحابه ألا يحاربوا أحداً؛ وإن أتى عليهم حتى يبتعث الجمل من قبل نفسه؛ وقال لهم: إذا فعلتم ذلك لم تهزموا.

وذكر أنه كان إذا أشار بيده إلى ناحية من النواحي التي فيها محاربوه، انهزم أهل الناحية، فاستغوى بذلك الأعراب، ولما كان في اليوم الذي قتل فيه يحيى بن زكرويه الملقب بالشيخ، وانحازوا إلى أخيه الحسين بن زكرويه، فطلب أخاه الشيخ في القتلى، فوجده، فواراه وعقد الحسين بن زكرويه لنفسه، وتسمى بأحمد بن عبد الله، وتكنى بأبي العباس.

وعلم أصحاب بدر بعد ذلك بقتل الشيخ، فطلبوه في القتلى فلم يجدوه، ودعا الحسين بن زكرويه إلى مثل ما دعا إليه أخوه أكثر أهل البوادي وغيرهم من سائر الناس، واشتدت شوكته وظهر.

وصار إلى دمشق، فذكر أن أهلها صالحوه على خراج دفعوه إليه، ثم انصرف عنهم، ثم سار إلى أطراف حمص، فتغلب، عليها، وخطب له على منابرها، وتسمى بالمهدي، ثم سار إلى مدينة حمص، فأطاعه أهلها، وفتحوا له بابها خوفاً منه على أنفسهم فدخلها، ثم سار منها إلى حماة ومعرة النعمان وغيرهما، فقتل أهلها، وقتل النساء والأطفال ثم سار إلى بعلبك فقتل عامة أهلها حتى لم يبق منهم - فيما قيل - إلا اليسير، ثم سار إلى سلمية فحاربه أهلها ومنعوه الدخول، ثم وادعهم وأعطاهم الأمان، ففتحوا له بابها، فدخلها، فبدأ بمن فيها من بني هاشم، وكان بها منهم جماعة فقتلهم، ثم ثني بأهل سلمية فقتلهم أجمعين.

ثم قتل البهائم، ثم قتل صبيان الكتاتيب، ثم خرج منها؛ وليس بها عين تطرف - فيما قيل - وسار فيها حوالي ذلك من القرى يقتل ويسبي ويحرق ويخيف السبيل.

فذكر عن متطبب بباب المحول يدعى أبا الحسن أنه قال: جاءتني امرأة بعد ما أدخل القرمطي صاحب الشامة وأصحابه بغداد، فقالت لي: إني أريد أن تعالج شيئاً في كتفي، قلت: وما هو؟ قالت: جرح، قلت: أنا كحال؛ وها هنا امرأة تعالج النساء، وتعالج الجراحات، فانظري مجيئها.

فقعدت، ورأيتها مكروبة كئيبة باكية، فسألتها عن حالها، وقلت: ما سبب جراحتك؟ فقالت: قصتي تطول، فقلت: حدثني بها وصادقني، وقد خلا من كان عندي، فقالت: كان لي ابن غاب عني، وطالت غيبته، وخلف علي أخوات له، فضقت واحتجت.

واشتقت إليه، وكان شخص إلى ناحية الرقة، فخرجت إلى الموصل وإلى بلد وإلى الرقة؛ كل ذلك أطلبه، وأسأل عنه؛ فلم أدل عليه، فخرجت عن الرقة في طلبه، فرقعت في عسكر القرمطي، فجعلت أطوف وأطلبه؛ فبينا أنا كذلك إذ رأيته فتعلقت به، فقلت: ابني! فقال: أمي! فقلت: نعم، قال ما فعل أخواتي؟ قلت: بخير، وشكوت ما نالنا بعده من الضيق، فمضى بي إلى منزله، وجلس بين يدي، وجعل يسائلني عن أخبارنا، فخبرته، ثم قال: دعيني من هذا وأخبريني ما دينك؟ فقلت: يا بني أما تعرفني! فقال: وكيف لا أعرفك! فقلت: ولم تسألني من ديني وأنت تعرفني وتعرف ديني! فقال: كل ما كنا فيه باطل، والدين ما نحن فيه الآن، فأعظمت ذلك وعجبت منه، فلما رآني كذلك خرج وتركني.

ثم وجه إلي بخبر ولحم وما يصلحني، وقال: اطبخيه، فتركنه ولم أمسه، ثم عاد فطبخه، وأصلح أمر منزله، فدق الباب داق؛ فخرج إليه فإذا رجل يسأله، ويقول له: هذه القادمة عليك تحسن أن تصلح من أمر النساء شيئاً؟ فسألني فقلت: نعم، فقال: امضي معي، فمضيت فأدخلني داراً، وإذا امرأة تطلق، فقعدت بين يديها، وجعلت أكلمها، فلا تكلمني، فقال لي الرجل الذي جاء بي إليها: ما عليك من كلامها، أصلحي أمر هذه، ودعى كلامها، فأقمت حتى ولدت غلاماً، وأصلحت من شأنه، وجعلت أكلمها وأتلطف بها وأقول لها: يا هذه، لا تحتشميني؛ نقد وجب حقي عليك، أخبريني خبرك وقصتك ومن والد هذا الصبي، فقالت: تسألينني عن أبيه لتطالبيه بشيء يهبه لك! فقلت: لا، ولكن أحب أن أعلم خبرك، فقالت لي: إني امرأة هاشمية - ورفعت رأسها؛ فرأيت أحسن الناس وجهاً - وإن هؤلاء القوم أتونا، فذبحوا أبي وأمي وإخوتي وأهلي جميعاً، ثم أخذني رئيسهم فأقمت عنده خمسة أيام، ثم أخرجني، فدفعني إلى أصحابه، فقال: طهروها فأرادوا قتلي، فبكيت.

وكان بين يديه رجل من قواده، فقال: هبها لي، فقال: خذها، فأخذني، وكان بحضرته ثلاثة أنفس قيام من أصحابه، فسلوا سيوفهم، وقالوا: لا نسلمها إليك؛ وإما أن تدفعها إلينا، وإلا قتلناها.

وأرادو قتلي، وضجوا، فدعاهم رئيسهم القرمطي، وسألهم عن خبرهم فخبروه، فقال: تكون لكم أربعتكم، فأخذوني، فأنا مقيمة معهم أربعتهم، والله ما أدرى ممن هو هذا الولد منهم! قالت: فجاء بعد المساء رجل فقالت لي: هنية فهنأته بالمولود، فأعطاني سبيكة فضة، وجاء آخر وآخر، أهنىء كل واحد منهم، فيعطيني سبيكة فضة؛ فلما كان في السحر جاء جماعة مع رجل وبين يديه شمع، وعليه ثياب خز تفوح منه رائحة المسك، فقالت لي: هنيه، فقمت إليه، فقلت: بيض الله وجهك، والحمد لله الذي رزقك هذا الابن، ودعوت له، فأعطاني سبيكة فيها ألف درهم، وبات الرجل في بيت، وبت مع المرأة في بيت، فلما أصبحت قلت للمرأة: يا هذه، قد وجب عليك حقي، فالله الله في، خلصيني! قالت: مم أخلصك؟ فخبرتها خبر ابني، وقلت لها: إني جئت راغبة إليه، وإنه قال لي كيت وكيت، وليس في يدي منه شيء، ولي بنات ضعاف خلفتهن بأسوأ حال، فخلصيني من ها هنا لأصل إلى بناتي.

فقالت: عليك بالرجل الذي جاء آخر القوم، فسليه ذلك، فإنه يخلصك.

فأقمت يومي إلى أن أمسيت؛ فلما جاء تقدمت إليه، وقبلت يده ورجله، وقلت: يا سيدي قد وجب حقي عليك، وقد أغناني الله على يديك بما أعطيتني، ولي بنات ضعفاء فقراء، فإن أذنت لي أن أمضي فأجيئك ببناتي حتى يخدمنك ويكن بين يديك! فقال: وتفعلين؟ قلت: نعم، فدعا قوماً من غلمانه.

فقال: امضوا معها حتى تبلغوا بها موضع كذا وكذا، ثم اتركوها وارجعوا.

فحملوني على دابة، ومضوا بي.

قالت: فبينما نحن نسير.

وإذا أنا بابني يركض، وقد سرنا عشرة فراسخ - فيما خبرني به القوم الذين معي - فلحقني وقال: يا فاعلة، زعمت أنك تمضين وتجيئين ببناتك! وسل سيفه ليضربني؛ فمنعه القوم، فلحقني طرف السيف، فوقع في كتفي، وسل القوم سيوفهم.
فأرادوه، فتنحى عني.

وساروا بي حتى بلغوا بي الموضع الذي سماه لهم صاحبهم.

فتركوني ومضوا، فتقدمت إلى ها هنا وقد طفت لعلاج جرحي، فوصف لي هذا الموضع، فجئت إلى ها هنا.

قالت: ولما قدم أمير المؤمنين بالقرمطي وبالأسارى من أصحابه خرجت لأنظر إليهم؛ فرأيت ابني فيهم على جمل؛ عليه برنس وهو يبكي وهو فتى شاب، فقلت له: لا خفف الله عنك ولا خلصك! قال المتطبب: فقمت معها إلى المتطببة لما جاءت، وأوصيتها بها، فعالجت جرحها وأعطتها مرهماً، فسألت المتطببة عنها بعد منصرفها، فقالت: قد وضعت يدي على الجرح، وقلت: انفحي، فنفحت فخرجت الريح من الجرح من تحت يدي، وما أراها تبرأ منه، فمضت فلم تعد إلينا.

ولإحدى عشرة بقيت من شوال من هذه السنة، قبض القاسم بن عبيد الله على الحسين بن عمرو النصراني، وحبسه، وذلك أنه لم يزل يسعى في أمره إلى المكتفى، ويقدح فيه عنده؛ حتى أمره بالقبض عليه، وهرب كاتب الحسين ابن عمرو حين قبض على الحسين المعروف بالشيرازي، فطلب وكبست منازل جيرانه، ونودي: من وجده فله كذا وكذا، فلم يوجد.

ولسبع بقين منه صرف الحسين بن عمرو إلى منزله، على أن يخرج من بغداد.وفي يوم الجمعة التي بعدها خرج الحسين بن عمرو وحدر إلى ناحية واسط على وجه النفي، ووجد الشيرازي كاتبه لثلاث خلون من ذي القعدة.

ولليلتين خلتا من شهر رمضان من هذه السنة أمر المكتفى بإعطاء الجند أرزاقهم والتأهب للشخوص لحرب القرمطي بناحية الشأم، فأطلق للجند في دفعة واحدة مائة ألف دينار؛ وذلك أن أهل مصر كتبوا إلى المكتفى يشكون ما لقوا ابن زكرويه المعروف بصاحب الشامة، وأنه قد أخرب البلاد، وقتل الناس، وما لقوا من أخيه قبله ومن قتلهما رجالهم، وأنه لم يبق منهم إلا العدد اليسير.

ولخمس خلون خلت من شهر رمضان أخرجت مضارب المكتفى، فضربت بباب الشماسية.

ولسبع خلون منه خرج المكتفى في السحر إلى مضربه بباب الشماسية، ومعه قواده وغلمانه وجيوشه.

ولاثني عشرة ليلة من شهر رمضان، رحل المكتفى من مضربه بباب الشماسية في السحر، وسلك طريق الموصل.

وللنصف من شهر رمضان منها مضى أبو الأغر إلى حلب، فنزل وادي بطنان قريباً من حلب، ونزل معه جميع أصحابه، فنزع - فيما ذكر - جماعة من أصحابه ثيابهم، ودخلوا الوادي يتبر دون بمائة، وكان يوماً شديد الحر؛ فبيناهم كذلك إذ وافى جيش القرمطي المعروف بصاحب الشامة، وقد بدرهم المعروف بالمطوق، فكبسهم على تلك الحال، فقتل منهم خلقاً كثيراً وانتهب العسكر، وأفلت أبو الأغر في جماعة من أصحابه، فدخل حلب، وأفلت معه مقدار ألف رجل، وكان في عشرة آلاف بين فارس وراجل، وكان قد ضم إليه جماعة ممن كان على باب السلطان من قواد الفراعنة ورجالهم، فلم يفلت منهم إلا اليسير.

ثم صار أصحاب القرمطي إلى باب حلب، فحاربهم أبو الأغر ومن بقي معه من أصحابه وأهل البلد، فانصرفوا عنه بما أخذوا من عسكره من الكراع والسلاح والأموال والأمتعة بعد حرب كانت بينهم، ومضى المكتفى بمن معه من الجيش حتى انتهى إلى الرقة، فنزلها، وسرح الجيوش إلى القرمطي جيشاً بعد جيش.

ولليلتين خلتا من شوال ورد مدينة السلام كتاب أبو القاسم بن عبيد الله، يخبر فيه أن كتاباً ورد عليه من دمشق من بدر الحمامي صاحب ابن طولون، يخبر فيه أنه واقع القرمطي صاحب الشامة، فهزمه ووضع في أصحابه السيف، ومضى من أفلت منهم نحو البادية، وأن أمير المؤمنين وجه في أثره الحسين بن حمدان بن حمدون وغيره من القواد.

وورد أيضاً في هذه الأيام - فيما ذكر - كتاب من البحرين من أميرها ابن بانوا، يذكر فيه أنه كبس حصناً للقرامطة، فظفر بمن فيه.

ولثلاث عشرة خلت من ذي القعدة منها - فيما ذكر - ورد كتاب آخر من ابن بانوا من البحرين، يذكر فيه أنه واقع قرابة لأبي سعيد الجنابي، وولى عهده من بعده على أهل طاعته، فهزمه.

وكان مقام هذا المهزوم بالقطيف فوجد بعدما انهزم أصحابه قتيلاً بين القتلى، فاحتز رأسه، وأنه دخل القطيف فافتتحها.

ومن كتب صاحب الشامة إلى بعض عماله: "بسم الله الرحمن الرحيم" من عبد الله أحمد بن عبد الله المهدي المنصور بالله لدين الله القائم بأمر الله الحاكم بحكم الله، الداعي إلى كتاب الله، الذاب عن حرم الله، المختار من ولد رسول الله أمير المؤمنين وإمام المسلمين، ومذل المنافقين خليفة الله على العالمين، وحاصد الظالمين، وقاصم المعتدين، ومبيد الملحدين، وقاتل القاسطين، ومهلك المفسدين، وسراج المبصرين، وضياء المستضيئين، ومشتت المخالفين، والقيم بسنة سيد الرسلين، وولد خير الوصيين، صلى الله عليه وسلم وعلى أهل بيته الطيبين، وسلم كثيراً، وإلى جعفر بن حميد الكردي: سلام عليك؛ فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأسأله أن يصلى على جدي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما بعد؛ فقد أنهى إلينا ما حدث قبلك من أخبار أعداء الله الكفرة، وما فعلوه بناحيتك، وأظهروه من الظلم والعيث والفساد في الأرض، فأعظمنا ذلك، ورأينا أن ننفذ إلى ما هناك من جيوشنا من ينقم الله به أعدئه الظالمين، والذين يسعون في الأرض فساداً، وأنفذنا عطيراً داعيتنا وجماعة من المؤمنين إلى مدينة حمص، وأمددناهم بالعساكر، ونحن في أثرهم، وقد أوعزنا إليهم في المصير إلى ناحيتك لطلب أعداء الله حيث كانوا، نحن نرجو أن يجرينا الله فيهم على أحسن عوائده عندنا في أمثالهم؛ فينبغي أن تشد قلبك وقلوب من معك من أوليائنا، وتثق بالله وبنصره الذي لم يزل في كل مرق عن الطاعة وانحرف عن الإيمان، وتبادر إلينا بأخبار الناحية، وما يتجدد فيها، ولا تخف عني شيئاً من أمرها إن شاء الله.

سبحانك اللهم، وتحيتهم فيها سلام، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله جدي محمد رسول الله، وعلى أهل بيته وسلم كثيراً.

نسخة كتاب عامل له إليه: "بسم الله الرحمن الرحيم" لعبد الله أحمد الإمام المهدي المنصور بالله، ثم الصدر كله على مثال نسخة صدر كتابه إلى عامله الذي حكينا في الكتاب الذي قبل هذا الكتاب، إلى ولد خير الوصيين صلى الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين وسلم كثيراً.

ثم بعد ذلك من عامر بن عيسى العنقائي.

سلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته؛ أما بعد أطال الله بقاء أمير المؤمنين، وادام الله عزه وتأييده، ونصره وسلامته، وكرامته ونعمته وسعادته، وأسبغ نعمه عليه، وزاد في إحسانه إليه، وفضله لديه.

فقد كان وصل كتاب سيدي أمير المؤمنين أطال الله بقاؤه، يعلمه فيه ما كان من نفوذ بعض الجيوش المنصورة مع قائد من قواده إلى ناحيتنا لمجاهدة أعداء الله بني الفصيص والخائن ابن دحيم، وطلبهم حيث كانوا، والإيقاع بهم وبأسبابهم وضياعهم، ويأمرني أدام الله عزه عند نظري في كتابه بالنهوض في كل من قدرت عليه من أصحابي وعشائري للقائهم ومكانفة الجيش ومعاضدتهم والمسير بسيرهم، والعمد كل ما يومون إليه ويأمرون به، وفهمته، ولم يصل إلي هذا الكتاب أعز الله أمير المؤمنين حتى وافت جيوش المنصورة؛ فنالت طرفاً من ناحية ابن دحيم، وانصرفوا بالكتاب الوارد عليهم من مسرور بن أحمد الداعية ليلقوه بمدينة أفامية.

ثم ورد علي كتاب مسرور بن أحمد في درجة الكتاب الذي اقتصصت ما فيه في صدر كتابي هذا، يأمرني فيه بجمع من تهيأ من أصحابي وعشيرتي والنهوض إلى ما قبلته، ويحذرني التخلف عنه.

وكان ورود كتابه علي وقت صح عندنا نزول المارق سبك عبد مفلح مدينة عرقة في زهاء ألف رجل، ما بين فارس وراجل.

وقد شارف بلدنا، وأطل على ناحيتنا، وقد وجه أحمد بن الوليد عبد أمير المؤمنين أطال الله بقاؤه إلى جميع أصحابه، ووجهت إلى جميع أصحابي، فجمعناهم إلينا ووجهنا العيون إلى ناحية عرقة لنعرف أخبار هذا الخائن، وأين يريد، فيكون قصدنا ذلك الوجه، ونرجوا أن يظفر الله به، ويمكن منه بمنه وقدرته.

ولولا هذا الحادث، ونزول هذا المارق في هذه الناحية، وإشرافه على بلدنا لما تأخرت في جماعة أصحابي عن النهوض إلى مدينة أفامية، لتكون يدي مع أيدي القواد المقيمين بها لمجاهدة من بتلك الناحية حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.

وأعلمت سيدي أمير المؤمنين أطال الله بقاءه السبب في تخلفي عن مسرور بن أحمد، ليكون على علم منه.

ثم إن أمرني أدام الله عزه بالنفوذ إلى أفامية كان نفوذي برأيه، وامتثلت ما يأمرني به إن أشاء الله.

أنم الله على أمير المؤمنين نعمة وأدام عزه وسلامته، وهنأه كرامته، وألبسه عفوه وعافيته.

والسلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته؛ والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد النبي وعلى أهل بيته الطاهرين الاختيار.

وفيها وجه القاسم بن عبيد الله الجيوش إلى صاحب الشامة، وولي حربه محمد بن سليمان الكاتب الذي كان إليه ديوان الجيش، وضم جميع القواد إليه، وأمرهم بالسمع له والطاعة، فنفذ من الرقة في جيش كثيف، وكتب إلى من تقدمه من القواد بالسمع والطاعة.

وفيها ورد رسولاً صاحب الروم؛ أحدهما خادم، والآخر فحل، يسأله الفداء بمن يده من المسلمين أسير، ومعهما هدايا من صاحب الروم وأسارى من المسلمين بعث بهم إليه، فأجبنا إلى ما سألا، وخلع عليهما.

وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك بن عبد الله بن العباس ابن محمد.