المجلد العاشر - ثم دخلت سنة اثنتين وتسعين ومائتين: ذكر ما كان فيها من الأحداث الجليلة

ثم دخلت سنة اثنتين وتسعين ومائتين

ذكر ما كان فيها من الأحداث الجليلة

فمن ذلك ما كان توجيه نزار بن محمد من البصرة إلى السلطان ببغداد رجلاً ذكر أنه أراد الخروج على السلطان، وصار إلى واسط، وأن نزاراً وجه في طلبه من قبض عليه بواسط، وأحدره إلى البصرة، وأنه أخذ بالبصرة قوماً، ذكر أنهم بايعوه.

فوجه نزار جميعهم في سفينة إلى بغداد، فوقفوا في فرضة البصريين، فحمل هذا الرجل الفالج، وبين يديه ابن له صبي على جمل، ومعه تسعة وثلاثون إنساناً على جمال، وعلى جماعتهم برانس حرير ودراريع الحرير، وأكثرهم يستغيث ويبكي، ويحلف أنه بريء، وأنه لا يعرف مما ادعى عليه شيئاً، وجازوا بهم في التمارين وباب الكرخ والخلد حتى وصلوا إلى دار المكتفى، فأمر بردهم، وحبسهم في السجن المعروف بالجديد.

وفي المحرم منها أغار أندر ونقس الرومي على مرعش ونواحيها، فنفر أهل المصيصة وأهل طرسوس، فأصيب أبو الرجال بن أبي بكار في جماعة من المسلمين.

وفي المحرم منها صار محمد بن سليمان إلى حدود مصر لحرب هارون بن خمارويه، ووجه المكتفى دميانة غلام يازمان من بغداد، وأمره بركوب البحر والمضي إلى مصر ودخول النيل، وقطع المواد عمن بمصر من الجند، فمضى ودخل النيل حتى وصل إلى الجسر، فأقام به، وضيق عليهم.

وزحف إليهم محمد بن سليمان في الجيوش على الظهر حتى دنا من الفسطاط، وكاتب القواد الذين بها، فكان أول من خرج إليه بدر الحمامي - وكان رئيس القوم - فكسرهم ذلك، ثم تتابع من يستأمن إليه من قواد المصريين وغيرهم؛ فلما رأى ذلك هارون وبقية من معه، زحفوا إلى محمد بن سليمان، فكانت بينهم وقعات - فيما ذكر - ثم وقع أصحاب هارون في بعض الأيام عصبية فاقتتلوا، فخرج هارون ليسكتهم، فرماه بعض المغاربة بزانة فقتله.

وبلغ محمد بن سليمان الخبر، فدخل هو ومن معه الفسطاط، واحتوى على دور آل طولون وأسبابهم، وأخذهم جميعاً وهم بضعة عشر رجلاً، فقيدهم وحبسهم، واستصفى أموالهم، وكتب بالفتح، وكانت الوقعة في صفر من هذه السنة.

وكتب محمد بن سليمان في إشخاص جميع آل طولون وأسبابهم من القواد، وألا يترك أحداً منهم بمصر ولا بالشأم، وأن يبعث بهم إلى بغداد.
ففعل ذلك.

ولثلاث خلون خلت من شهر ربيع الأول منها سقط الحائط الذي على رأس الجسر الأول من الجانب الشرقي من الدار التي كانت لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر على الحسين بن زكرويه القرمطي، وهو مصلوب بقرب ذلك الحائط، فطحنه، فلم يوجد بعد منه شيء.

وفي شهر رمضان منها ورد الخبر على السلطان بأن قائداً من قواد المصريين يعرف بالخليجي، يسمى إبراهيم، خلف عن محمد بن سليمان في آخر حدود مصر مع جماعة استمالهم من الجند وغيرهم، ومضى إلى مصر مخالفاً للسلطان، وصار معه عيسى النوشري محاربته، وكان عيسى النوشري العامل على المعونة بها يومئذ، فعجز عن ذلك لكثرة من مع الخليجي، فانحاز عنه إلى الإسكندرية وأخلى مصر فدخلها الخليجي.

وفيها ندب السلطان لمحاربة الخليجي وإصلاح أمر المغرب فاتكاً مولى المعتضد، وضم إليه بدراً الحمامي، وجعله مشيراً عليه فيما يعمل به، وضم إليه جماعة من القواد وجنداً كثيراً.

ولسبع خلون من شوال منها خلع على فاتك وبدر الحمامي لما ندبا إليه من الخروج إلى مصر، وأمرا بسرعة الخروج، ثم شخص فاتك وبدر الحمامي لاثنتي عشرة خلت من شوال.

وللنصف من شوال منها دخل طرسوس رستم بن بردوا والياً عليها وعلى الثغور الشأمية.

وفيها كان الفداء بين المسلمين والروم، وأول يوم من ذلك كان لست بقين من ذي القعدة منها، فكان جملة من فودى به من المسلمين - فيما قيل - ألفاً ونحو مائتي نفس.

ثم غدر الروم، فانصرفوا، ورجع المسلمون بمن بقي معهم من أسارى الروم، فكان عهد الفداء والهدنة من أبي العشائر والقاضي ابن مكرم؛ فلما كان من أمر أندر ونقس ما كان من غاترته على أهل مرعش وقتله أبا الرجال وغيره، عزل أبو العشائر وولى رستم، فكان الفداء على يديه، وكان المتولى أمر الفداء من قبل الروم يدعى أسطانة.

وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك بن عبد الله بن العباس ابن محمد.