المجلد العاشر - ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين ومائتين: ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث

ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين ومائتين

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث

فمن ذلك ما كان من ورود الخبر لخمس بقين من صفر؛ بأن الخليجي المتغلب على مصر، واقع أحمد بن كيغلغ وجماعة من القواد بالقرب من العريش، فهزمهم أقبح هزيمة، فندب للخروج إليه جماعة من القواد المقيمين بمدينة السلام، فيهم إبراهيم بن كيغلغ، فخرجوا.

ولسبع خلون من شهر ربيع الأول منها، وافى مدينة السلام قائد من قواد طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث بن الصفار مستأمناً، يعرف بأبي قابوس، مفارقاً عسكر السجزية، وذلك أن طاهر بن محمد - فيما ذكر - تشاغل باللهو والصيد، ومضى إلى سجستان للصيد والنزهة، فغلب على الأمر بفارس الليث ابن علي بن الليث وسبكرى مولى عمرو بن الليث، ودبر الأمر في عمل طاهر والاسم له، فوقع بينهم وبين أبي قابوس تباعد، ففارقهم وصار إلى باب السلطان، فقبله السلطان، وخلع عليه وعلى جماعة معه وحباه وأكرمه، فكتب طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث إلى السلطان، يسأله رد أبي قابوس إليه، ويذكر أنه استكفاه بعض أعمال فارس، وأنه جبى المال، وخرج به معه، ويسأل إن لم يرد إليه أن يحسب له ما ذهب به من مال فارس مما صودر عليه؛ فلم يجبه السلطان إلى شيء من ذلك.

ذكر الخبر عن ظهور أخي الحسين بن زكرويه: وفي هذا الشهر من هذه السنة ورد الخبر أن أخاً للحسين بن زكرويه المعروف بصاحب الشامة ظهر بالدالية من طريق الفرات في نفر، وأنه اجتمع إليه نفر من الأعراب والمتلصصة، فسار بهم نحو دمشق على طريق البر، وعاث بتلك الناحية، وحارب أهلها، فندب للخروج إليه الحسين بن حمدان بن حمدون، فخرج في جماعة كثيرة من الجند، وكان مصير هذا القرمطي إلى دمشق في جمادى الأولى من هذه السنة.

ثم ورد الخبر أن هذا القرمطي صار إلى طبرية فامتنعوا من إدخاله، فحاربهم حتى دخلها، فقتل عامة من بها من الرجال والنساء، ونهبها، وانصرف إلى ناحية البادية.

وفي شهر ربيع الآخر ورد الخبر بأن الداعية الذي بنواحي اليمن صار إلى مدينة صنعاء، فحاربه أهلها، فظفر بهم، فقتل أهلها، فلم ينفلت منهم إلا القليل، وتغلب على سائر مدن اليمن.

عاد الخبر إلى ما كان من أمر أخي ابن زكرويه

فذكر عن محمد بن داود بن الجراح أنه قال: أنفذ زكرويه بن مهرويه بعد ما قتل ابنه صاحب الشامة رجلاً كان يعلم الصبيان بقرية تدعى الزابوقة من عمل الفلوجة، يسمى عبد الله بن سعيد، ويكنى أبا غانم، فتسمى نصراً ليعمى أمره، فدار على أحياء كلب يدعى على رأيه، فلم يقبله منهم أحد سوى رجل من بني زياد، يسمى مقداد بن الكيال، فإنه استغوى له طوائف من الأصبغيين المنتميين إلى الفواطم وسواقط من العليصيين وصعاليك من سائر بطون كلب، وقصد ناحية الشأم، وعامل السلطان على دمشق والأردن أحمد بن كيغلغ، وهو مقيم بمصر على حرب ابن خليج، الذي كان خلف محمد بن سليمان، ورجع إلى مصر، فغلب عليها، فاغتنم ذلك عبد الله بن سعيد هذا، وسار إلى مدينتي بصرى وأذرعات من كورتي حوران والبثنية، فحارب أهلها ثم آمنهم.

فلما استسلموا قتل مقاتلهم، وسبى ذراريهم، واستصفى أموالهم، ثم سار يؤم دمشق، فخرج إليه جماعة ممن كان مرسوماً بتشحينها من المصريين كان خلفهم أحمد بن كيغلغ مع صالح بن الفضل، فظهروا عليهم، وأثخنوا فيهم.

ثم اعتروهم ببذل الأمان لهم، فقتلوا صالحاً، وفضوا عسكره، ولم يطمعوا في مدينة دمشق، وكانوا قد صاروا إليها، فدافعهم أهلها عنها، فقصدوا نحو طبرية مدينة جند الأردن، ولحق بهم جماعة افتتنت من الجند بدمشق، فواقعهم يوسف بن إبراهيم بن بغامردي عامل أحمدبن كيغلغ على الأردن، فكسروه وبذلوا الأمان له، ثم غدروا به، فقتلوه ونهبوا مدينة الأردن، وسبوا النساء، وقتلوا طائفة من أهلها، فأنفذ السلطان الحسين بن حمدان لطلبهم ووجوهاً من القواد، فورد دمشق وقد دخل أعداء الله طبرية، فلما اتصل خبره بهم عطفوا نحو السماوة، وتبعهم الحسين يطلبهم في برية السماوة، وهم يتنقلون من ماء إلى ماء، ويعورونه حتى لجئوا إلى الماءين المعروفين بالدمعانة والحالة، وانقطع الحسين من اتباعهم لعدمه الماء، فعاد إلى الرحبة.

وأسرىالقرامطة مع غاويهم المسمى نصراً إلى قرية هيت، فصبحوها وأهلها غارون لتسع بقين من شعبان مع طلوع الشمس، فنهب رضها، وقتل من قدر عليه من أهلها، وأحرق المنازل، وانتهب السفن التي في الفرات في غرضتها، وقتل من أهل البلد - فيما قيل - زهاء مائتي نفس ما بين رجل وامرأة وصبي، وأخذ ما قدر عليه من الأموال والمتاع، وأوقر - فيما قيل - ثلاثة آلاف راجلة، كانت معه زهاء مائتي كر حنطة بالمعدل ومن البر والعطر والسقط جميع ما احتاج إليه، وأقام بها بقية اليوم الذي دخلها والذي بعده، ثم رحل عنها بعد المغرب إلى البرية.

وإنما أصاب ذلك من ربضها، وتحصن منه أهل المدينة بسورها، فشخص محمد بن إسحاق بن كنداجيق إلى هيت في جماعة من القواد في جيش كثيف بسبب هذا القرمطي، ثم تبعه بعد أيام مؤنس الخازن.

وذكر عن محمد بن داود، أنه قال: إن القرامطة صبحوا هيت وأهلها غارون، فحماهم الله منه بسورها، ثم عجل السلطان محمد بن إسحاق بن كنداجيق نحوهم، فلم يقيموا بها إلا ثلاثاً، حتى قرب محمد بن إسحاق منهم، فهربوا منه نحو الماءين، فنهض محمد نحوهم، فوجدهم قد عوروا المياه بينه وبينهم، فأنفذت إليه من الحضرة الإبل والروايا والزاد.

وكتب إلى الحسين ابن حمدان بالنفوذ من جهة الرحبة إليهم ليجتمع هو ومحمد بن إسحاق على الإيقاع بهم، فلما أحس الكلبيون بإشراف الجند عليهم، ائتمروا بعدو الله المسمى نصراً، فوثبوا عليه، وفتكوا به، وتفرد بقتله رجل منهم يقال له الذئب ابن القائم، وشخص إلى الباب متقرباً بما كان منه، ومستأمناً لبقيتهم، فأسنيت له الجائزة، وعرف له ما أتاه، وكف عن طلب قومه، فمكث أياماً ثم هرب، وظفرت بطلائع محمد بن إسحاق برأس المسمى بنصر، فأحتزوه وأدخلوه مدينة السلام، واقتتلت القرامطة بعده، حتى وقعت بينهما الدماء، فصار مقدام بن الكيال إلى ناحية طيىء مفلتاً بما احتوى عليه من الحطام، وصارت فرقة منهم كرهت أمورهم إلى بني أسد المقيمين بنواحي عين التمر، فجاوروهم وأرسلوا إلى السلطان وفداً يعتذرون مما كان منهم، ويسألون إقرارهم في جوار بني أسد، فأجيبوا إلى ذلك، وحصلت على الماءين بقية الفسقة المستبصرة في دين القرامطة.

وكتب السلطان إلى حسين بن حمدان في معاودتهم باجتثاث أصولهم، فأنفذ زكرويه إليهم داعية له من أكره أهل السواد يسمى القاسم بن أحمد بن علي، ويعرف بأبي محمد، من رستاق نهر تلحانا، فأعلمهم أن فعل الذئب بن القائم قد أنفره عنهم، وثقل قلبهم عليهم؛ وأنهم قد ارتدوا عن الدين، وأن وقت ظهورهم قد حضر.
وقد بايع له بالكوفة أربعون ألف رجل، وفي سوادها أربعمائة ألف رجل، وأن يوم موعدهم الذي ذكره الله في كتابه في شأن موسى كليمه صلى الله عليه وسلم، وعدوه فرعون إذ يقول: "بسم الله الرحمن الرحيم" موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى "صدق الله العظيم".

وأن زكرويه يأمرهم أن يخفوا أمرهم، ويظهروا الإنقلاع نحو الشأم، ويسيروا نحو الكوفة حتى يصبحوها في غداة يوم النحر، وهو يوم الخميس لعشر تخلو من ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين ومائتين، فإنهم لا يمنعون منها، وأنه يظهر لهم، وينجز لهم وعده الذي كانت رسله تأتيهم به، وأن يحملوا القاسم بن أحمد معهم.

فامتثلوا أمره، ووافوا باب الكوفة، وقد انصرف الناس عن مصلاهم مع إسحاق بن عمران عامل السلطان بها، وكان الذين وافوا باب الكوفة في هذا اليوم - فيما ذكر - ثمانمائة فارس آو نحوها، رأسهم الذبلاني ابن مهروبه من أهل الصوءر.

وقيل إنه من أهل جنبلاء، عليهم الدروع والجواشن والآلة الحسنة، ومعهم جماعة من الرجالة على الرواحل، فأوقعوا بمن لحقوه من العوام، وسلبوا جماعة، وقتلوا نحواً من عشرين نفساً.

وبادر الناس إلى الكوفة فدخلوها، وتنادوا السلاح.

فنهض إسحاق بن عمران في أصحابه، ودخل مدينة الكوفة من القرامطة زهاء مائة فارس من الباب المعروف بباب كندة، فاجتمعت العوام وجماعة من أصحاب السلطان، فرموهم بالحجارة وحاربوهم، وألقوا عليهم الستر، فقتل منهم زهاء عشرين نفساً، وأخرجوهم من المدينة، وخرج إسحاق بن عمران ومن معه من الجند، فصافوا القرامطة الحرب.

وأمر إسحاق بن عمران أهل الكوفة بالتحارس لئلاً يجد القرامطة غرة منهم، فيدخلوا المدينة، فلم يزل بينهم إلى وقت العصر يوم النحر، ثم انهزمت القرامطة نحو القادسية، وأصلح أهل الكوفة سورهم وخندقهم، وقاموا مع أصحاب السلطان يحرسون مدينتهم ليلاً ونهاراً.

وكتب إسحاق بن عمران إلى السلطان يستمده، فندب للخروج إليه جماعة من قواده، منهم طاهر بن علي بن وزير ووصيف بن صوار تكين التركي والفضل بن موسى بن بغا، وبشر الخادم الأفشيني وجني الصفواني ورائق الخزري.

وضم إليه جماعة من غلمان الحجر وغيرهم.

فشخص أولهم يوم الثلاثاء للنصف من ذي الحجة، ولم يرأس واحد منهم؛ كل واحد منهم رئيس على أصحابه.

وأمر القاسم بن سيما وغيره من رؤساء الأعراب بجمع الأعراب من البوادي بديار مضر وطريق الفرات ودقوقاء وخانيجار وغيرها من النواحي، لينهضوا إلى هؤلاء القرامطة إذ كان أصحاب السلطان متفرقين في نواحي الشأم ومصر، فمضت الرسائل بذلك إليهم، فحضروا.

ثم ورد الخبر فيها بأن الذين شخصوا مدداً لإسحاق بن عمران خرجوا إلى زكرويه في رجالهم، وخلفوا إسحاق بن عمران بالكوفة مع من معه من رجاله ليضبطها، وصاروا إلى موضع بينه وبين القادسية أربعة أميال، يعرف بالصوءر وهي في البرية في العرض، فلقيهم زكرويه هنالك فصافوه يوم الاثنين لتسع بقين من ذي الحجة.

وقد قيل كانت الوقعة يوم الأحد لعشر بقين منه، وجعل أصحاب السلطان بينهم وبين سوادهم نحواً من ميل، ولم يخلفوا أحداً من المقاتلة عنده، واشتدت الحرب بينهم.

وكانت الدبرة أول هذا اليوم على القرمطي وأصحابه حتى كادوا أن يظفروا بهم، وكان زكرويه قد كمن عليهم كميناً من خلفهم، ولم يشعروا به.

فلما انتصف النهار خرج الكمين على السواد فانتهبه، ورأى أصحاب السلطان السيف من ورائهم، فانهزموا أقبح هزيمة، ووضع القرمطي وأصحابه السيف في أصحاب السلطان، فقتلوهم كيف شاءوا، وصبر جماعة من غلمان الحجر من الخزر وغيرهم، وهم زهاء مائة غلام، وقاتلوا حتى قتلوا حميعاً بعد نكاية شديدة نكوها في القرامطة، واحتوت القرامطة على سواد أصحاب السلطان فحازوه، ولم يفلت من أصحاب السلطان إلا من كان في دابته فضل فنجا به، أو من أثخن بالجراح، فطرح نفسه في القتلى، فتحامل بعد انقضاء الوقعة حتى دخل الكوفة.

وأخذ للسلطان في هذا السواد، مما كان وجه به مع رجاله من الجمازات، عليها السلاح والآلة زهاء ثلثمائة جمازة، ومن البغال خمسمائة بغل.

وذكر أن مبلغ من قتل من أصحاب السلطان في هذه الوقعة سوى غلمانهم والحمالين ومن كان في السواد ألف وخمسمائة رجل، فقوى القرمطي وأصحابه بما أخذوا في هذه الوقعة، وتطرف بيادر كانت إلى جانبه، فأخذ منها طعاماً وشعيراً، وحمله على بغال السلطان إلى عسكره، وارتحل من موضع الوقعة نحواً من خمسة أميال في العرض إلى موضع يقرب من الموضع المعروف بنهر المثنية، وذلك أن روائح القتلى آذتهم.

وذكر عن محمد بن داود بن الجراح أنه قال: وافى باب الكوفة الأعراب الذين كان زكرويه راسلهم، وقد انصرف المسلمون عن مصلاتهم مع إسحاق بن عمران، فتفرقوا من جهتين، ودخلوا أبيات الكوفة، وقد ضربوا على القاسم بن أحمد داعية زكرويه قبة، قالوا: هذا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعوا: يال ثاراث الحسين! يعنون الحسين بن زكرويه المصلوب بباب جسر مدينة السلام، وشعارهم: يا أحمد يا محمد - يعنون ابن زكرويه المقتولين.

وأظهروا الأعلام البيض، وقدروا أن يستغووا رعاع الكوفيين بذلك القوا، فأسرع إسحاق بن عمران ومن معه المبادرة نحوهم، ودفعهم وقتل من ثبت له منهم، وحضر جماعة من آل أبي طالب، فحاربوا مع إسحاق بن عمران، وحضر جماعة من العامة؛ فحاربوا.

فانصرف القرامطة خاسئين، وصاروا إلى قرية تدعى العشيرة من آخر عمل طسوج السالحين ونهر يوسف مما يلي البر من يومهم، وأنفذوا إلى عدو الله زكرويه بن مهرويه من استخرجه من نقير في الأرض، كان متطمراً فيه سنين كثيرة بقرية الدرية وأهل قرية الصوءر يتلفونه على أيديهم، ويسمونه ولى الله.

فسجدوا له لما رأوه، وحضر معه جماعة من دعاته وخاصته، وأعلمهم أن القاسم بن أحمد أعظم الناس عليهم منة، وأنه ردهم إلى الدين بعد خروجهم منه، وأنهم إذا امتثلوا أنجز مواعيدهم، وبلغهم آمالهم.

ورمز لهم رموزاً؛ وذكر فيها آيات القرآن، نقلها عن الوجه الذي أنزلت فيه، واعترف لزكرويه حميع من رسخ حب الكفر إلى قلبه؛ من عربي ومولى ونبطي وغيرهم أنه رئيسهم المقدم، وكهفهم وملاذهم، وأيقنوا بالنصر وبلوغ الأمل.

وسار بهم وهو محجوب عنهم يدعونه السيد، ولا يبرزونه لمن في عسكرهم، والقاسم يتولى الأمور دةنه، ويمضيها على رأيه إلى مؤاخر سقى الفرات من عمل الكوفة، وأعلمهم أن أهل السواد قاطبة خارجون إليه، فأقام هنالك نيفاً وعشرين يوماً؛ يبث رسله في السواديين مستلحقين، فلم يلحق بهم من السواديين إلا من لحقته الشقوه، وهم زهاء خمسمائة رجل بنسائهم وأولادهم، وسرب إليه السلطان الجنود، وكتب إلى كل من كان نفذ نحو الأنبار وهيت لضبطها خوفاً من معاودة المقيمين، كانوا بالماءين إليها بالانصراف نحو الكوفة، فعجل إليهم جماعة من القواد منهم، بشر الأفشيني وجنى الصفواني ونحرير العمري، ورائق فتى أمير المؤمنين والغلمان الصغار المعروفين بالحجرية، فأوقعوا بأعداء الله بقرب قرية الصوءر، فقتلوا رجالتهم وجماعة من فرسانهم، وأسلموا بيوتهم في أيديهم، فدخلوها، وتشاغلوا بها، فعطفت القرامطة عليهم فهزموهم.

وذكر عن بعض من ذكر أنه حضر مجلس محمدبن داود بن الجراح، وقد أدخل إليه قوم من القرامطة، منهم سلف زكرويه، فكان مما حدثه أن قال: كان زكرويه مختفياً في منزلي في سرداب في داري عليه باب حديد، وكان لنا تنور ننقله، فإذا جاءنا الطلب وضعنا التنور على باب السرداب، وقامت امرأة تسجره؛ فمكث كذلك أربع سنين، وذلك في أيام المعتضد.
وكان يقول: لا أخرج والمعتضد في الأحياء.

ثم انتقل من منزلي إلى دار قد جعل فيها بيت وراء باب الدار، إذا فتح باب الدار انطبق على باب البيت، فيدخل الداخل فلا يرى باب البيت الذي هو فيه، فلم يزل هذه حاله حتى مات المعتضد، فحينئذ أنفذ الدعاة، وعمل في الخروج.

ولما ورد خبر الوقعة التي كانت بين القرمطي وأصحاب السلطان بالصوءر على السلطان والناس، أعظموه، وندب للخروج إلى الكوفة من ذكرت من القواد، وجعلت الرئاسة لمحمد بن إسحاق بن كنداج، وضم إليه جماعة من أعراب بني شيبان والنمر زهاء ألفي رجل، وأعطوا الأرزاق.

ولاثنتي عشرة بقيت من جمادى الأولى قدم بغداد من مكة جماعة نحو العشرة، فصاروا إلى باب السلطان، وسألوه توجيه جيش إلى بلدهم، لأنهم على خوف من الخارج بناحية اليمن أن يطأ بلدهم، وإذ كان قد قرب منها بزعمهم.

وفي يوم الجمعة لاثنتي عشرة خلت من رجب، قرىء على المنبر ببغداد كتاب ورد على السلطان، وأن أهل صنعاء وغيرهم من مدن اليمن اجتمعوا على الخارجي الذي تغلب عليها، فحاربوه وهزموه، وفلوا جموعه، فانحاز إلى موضع من نواحي اليمن، ثم خلع السلطان لثلاث خلون من شوال على مظفر ابن حاج، وعقد له على اليمن، فخرج ابن حاج لخمس خلون من ذي القعدة، ومضى إلى عمله باليمن، فأقام بها حتى مات.

ولسبع بقين من رجب من هذه السنة، أخرج مضرب المكتفى، فضرب بباب الشماسية على أن يخرج إلى الشأم بسبب ابن الخليج، فوردت خريطة لست بقين منه من مصر من قبل فاتك، يذكر أنه والقواد زحفوا إلى الخليجي، وكانت بينهم حروب كثيرة، وأن آخر حرب جرت بينهم وبينه قتل فيها أكثر أصحابه، ثم انهزم الباقوان، فظفروا بهم، واحتووا على معسكرهم، فهرب الخليجي حتى دخل الفسطاط، فاستر بها عند رجل من أهل البلد، ودخل الأولياء الفسطاط.

فلما استقروا بها دل على الخليجي، وعلى من كان استر معه ممن شايعه، فقبض عليهم وحبسهم قبله، فكتب إلى فاتك في حمل الخليجي ومن أخذ معه إلى مدينة السلام، فردت مضارب المكتفى التي أخرجت إلى باب الشماسية، ووجه في رد خزائنه، فردت.
وقد كانت جاوزت تكريت.

ثم وجه فاتك الخليجي من مصر وجماعة ممن أسر معه مع بشر مولى محمد بن أبي الساج إلى مدينة السلام.

فلما كان يوم الخميس للنصف من شهر رمضان من هذه السنة أدخل مدينة السلام من باب الشماسية، وقدم بين يديه إحدى وعشرون رجلاً على جمال، وعليهم برانس ودراريع حرير، منهم ابنا بينك - فيما قيل - وابن أشكال الذي كان صار إلى السلطان من عسكر عمرو الصفار في الأمان، وصندل المزاحمي الخادم الأسود.

فلما وصل الخليجي إلى المكتفى، فنظر إليه أمر بحبسه في الدار، وأمر بحبس الآخرين في الحديد، فوجه بهم إلى ابن عمرويه، وكانت إليه الشرطة ببغداد، ثم خلع المكتفى على وزيره العباس بن الحسن خلعاً، لحسن تدبيره في هذا الفتح، وخلع على بشر الأفشيني.

ولخمس خلون من شوال أدخل بغداد رأس القرمطي المسمى نصراً الذي كان انتهب هيت منصوباً على قناة.

ولسبع خلون من شوال ورد الخبر مدينة السلام أن الروم أغاروا على قورس، فقاتلهم أهلها، فهوموهم، وقتلوا أكثرهم، وقتلوا رؤساء بني تميم، ودخلوا المدينة، وأحرقوا مسجدها، واستاقوا من بقي من أهلها.

وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك الهاشمي.