المجلد العاشر - ثم دخلت سنة ست وتسعين ومائتين: ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث

ثم دخلت سنة ست وتسعين ومائتين

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث

فمن ذلك ما كان من اجتماع جماعة من القواد والكتاب والقضاة على خلع المقتدر، وتناظرهم فيمن يجعل في موضعه، فاجتمع رأيهم على عبد الله بن المعتز وناظره في ذلك، فأجابهم إلى ذلك على ألا يكون في سفك ذلك دم ولا حرب، فأخبروه أن الأمر يسلم عفواً، وأن جميع من وراءهم من الجند والقواد والكتاب قد رضوا به.

فبايعهم على ذلك، وكان الرأس في ذلك محمد بن داود ابن الجراح وأبو المثنى أحمد بن يعقوب القاضي، وواطأ محمد بن داود بن الجراح جماعة من القواد على الفتك بالمقتدر والبيعة لعبد الله بن المعتز، وكان العباس بن الحسن على مثل رأيهم.

فلما رأى العباس أمره مستوثقاً له مع المقتدر، بدا له فيما كان عزم عليه من ذلك، فحينئذ وثب به الأخرون فقتلوه، وكان الذي تولى قتله بدر الأعجمي والحسين بن حمدان ووصيف بن صوارتكين، وذلك يوم السبت لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول.

ولما كان من غد هذا اليوم - وذلك يوم الأحد - خلع المقتدر القواد والكتاب وقضاة بغداد، وبايعوا عبد الله بن المعتز، ولقبوه الراضي بالله.

وكان الذي أخذ له البيعة على القواد وتولى استحلافهم والدعاء بأسماءهم محمد بن سعيد الأزرق كاتب الجيش.

وفي هذا اليوم كانت بين الحسين بن حمدان وبين غلمان الدار حرب شديدة من غدوه إلى انتصاف النهار.

وفيه انتفضت الجموع التي كان محمد بن داود جمعها لبيعة ابن المعتز عنه؛ وذلك أن الخادم الذي يدعى مؤنساً حمل غلماناً من غلمان الدار في شذوات، فصاعد بها وهم فيها في دجلة فلما حاذوا الدار التي فيها ابن المعتز ومحمد بن داود صاحاو بهم، ورشقوهم بالنشاب، فتفرقوا، وهرب من في الدار من الجند والقواد والكتاب، وهرب ابن المعتز، ولحق بعض الذين بايعوا ابن المعتز بالمقتدر، فاعتذروا بأنه منع من المصير إليه، واختفى بعضهم فأخذوا وقتلوا وانتهب العامة دور ابن داود بن الحسن؛ وأخذ ابن المعتز فيمن أخذ.
وفي يوم السبت لأربع بقين من شهر ربيع الأول منها سقط الثلج ببغداد من غدوة إلى قدر صلاة العصر، حتى صار في الدور والسطوح منه نحو من أربعة أصابع، وذكر أنه لم ير ببغداد مثل ذلك قط.

وفي يوم الاثنين لليلتين بقيتا من شهر ربيع الأول منها، سلم محمد بن يوسف القاضي ومحمد بن عمرويه وأبو المثنى وابن الحصاص والأزرق كاتب الجيش في جماعة غيرهم إلى مؤنس الخازن، فترك أبا المثنى في دار السلطان، ونقل الآخرين إلى منزله، فافتدى بعضهم نفسه، وقتل بعضهم، وشفع في بعض فأطلق.

وفيها كانت وقعة بين طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث وسبكرى غلام عمرو بن الليث، فأسر سبكرى طاهراً، ووجهه مع أخيه يعقوب بن محمد إلى السلطان.

وفيها وجه القاسم بن سيما مع جماعة من القواد والجند في طلب حسين بن حمدان بن حمدون، فشخص لذلك حتى صار إلى قرقيسيا والرحبة والدالية، وكتب إلى أخي الحسين عبد الله بن حمدان بن حمدون بطلب أخيه، فالتقى هو وأخوه بموضع يعرف بالأعمى بين تكريت والسودقانية بالجانب الغربي من دجلة، فانهزم عبد الله، وبعث الحسين يطلب الأمان، فأعطى ذلك.

ولسبع بقين من جمادى الآخرة منها وافى الحسين بن حمدان بغداد، فنزل باب حرب، ثم صار إلى دار السلطان من غد ذلك اليوم، فخلع عليه وعقد له على قم وقاشان.

ولست بقين من جمادى الآخرة، خلع على ابن دليل النصراني كاتب يوسف ابن أبي الساج ورسوله، وعقد ليوسف بن أبي الساج على المراغة وأذربيجان، وحملت إليه الخلع، وأمر بالشخوص إلى عمله.

وللنصف من شعبان منها خلع على مؤنس الخادم، وأمر بالشخوص إلى طرسوس لغزو الصائفة، فنفذ لذلك وخرج في عسكر كثيف وجماعة من القواد وغلمان الحجر.

وحج بالناس فيها الفضل بن عبد الملك الهاشمي.