فلنورد كيفيتها على الترتيب مع آدابها وسننها مبتدئين بسبب الوضوء وآداب قضاء الحاجة إن شاء الله تعالى.
ينبغي أن يبعد عن أعين الناظرين في الصحراء وأن يستتر بشيء إن وجده وأن لا يكشف عورته قبل الانتهاء إلى موضع الجلوس وأن لا يستقبل الشمس والقمر وأن لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها إلى إذا كن في بناء، والعدول أيضاً عنها في البناء أحب وإن استتر في الصحراء براحلته جاز وكذلك بذيله، وأن يتقي الجلوي في متحدث الناس وأن لا يبول في الماء الراكد ولا تحت الشجرة المثمرة ولا في الجحر، وأن يتقي الموضع الصلب ومهاب الرياح في البول استنزاهاً من رشاشه وأن يتكىء في جلوسه على الرجل اليسرى وإن كان في بنيان يقدم الرجل اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج ولا يبول قائماً. قالت عائشة رضي الله عنها "من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائماً فلا تصدقوه" وقال عمر رضي الله عنه "رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائماً فقال: يا عمر لا تبل قائماً" قال عمر: فما بلت قائماً بعد، وفيه رخصة إذ روى حذيفة رضي الله عنه "أنه عليه الصلاة والسلام بال قائماً فأتيته بوضوء فتوضأ ومسح على خفيه" ولا يبول في المغتسل قال صلى الله عليه وسلم "عامة الوسواس منه" وقال ابن المبارك: قد وسع في البول في المغتس إذا جرى الماء عليه ذكره الترمذي وقال عليه الصلاة والسلام "لا يبولن أحدكم في مستجمه ثم يتوضأ فيه فإن عامة الوسواس منه" وقال ابن المبارك: إن كان الماء جارياً فلا باس به ولا يستصحب شيئاً عليه اسم الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يدخل بيت الماء حاسر الرأس. وأن يقول عند الدخول "بسم الله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم" وعند الخروج "الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني وأبقى علي ما ينفعني" ويكون ذلك خارجاً عن بيت الماء وأن يعد النبل قبل الجلوس وأن لا يستنجي بالماء في موضع الحاجة وأن يستبرىء من البول بالتنحنح والنثر - ثلاثاً - وإمرار اليد على أسفل القضيب ولا يكثر التفكير في الاستبراء فيتوسوس ويشق عليه الأمر وما يحس به من بلل فليقدر أنه بقية الماء. فإن كان يؤذيه ذلك فليرش عليه الماء حتى يقوى في نفسه ذلك ولا يتسلط عليه الشيطان بالوسواس. وفي الخبر أنه صلى الله عليه وسلم فعله أعني رش الماء وقد كان أخفهم استبراء أفقههم فتدل الوسوسة فيه على قلة الفقه. وفي حديث سلمان رضي الله عنه "علمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة فأمرنا أن لا تستنجى بعظم ولا روث ونهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول" وقال رجل لبعض الصحابة من الأعراب وقد خاصمه: لا أحسبك تحسن الخراء قال: بلى وأبيك إني لأحسنها وإني بها لحاذق أبعد الأثر وأعد المدر وأستقبل الشيح وأستدبر الريح وأقعي إقعاء الظبي وأجفل إجفال النعام - الشيح نبت طيب الرائحة بالبادية، والإقعاء ههنا أن يستوفز على صدور قدميه، والإجفال أن يرفع عجزه. ومن الرخصة أن يبول الإنسان قريباً من صاحبه مستتراً عنه فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شدة حيائه ليبين للناس ذلك.
ثم يستنجي لمقعدته بثلاثة أحجار، فإن أنقى وإلا استعمل رابعاً، فإن أنقى وإلا استعمل خامساً لأن الإنقاء واجب والإيتار مستحب. قال عليه السلام "من استجمر فليوتر" ويأخذ الحجر بيساره ويضعه على مقدم المقعدة قبل موضع النجاسة ويمره بالمسح والإدارة إلى المؤخر، ويأخذ الثاني ويضعه على المؤخر كذك ويمره إلى المقدمة، ويأخذ الثالث فيديره حو المسربة إدارة فإن عسرت الإدارة ومسح من المقدمة إلى المؤخر أجزأه، ثم يأخذ حجراً كبيراً بيمينه والقضيب بيساره ويمسح الحجر بقضيبه ويحرك اليسار فيمسح ثلاثاً في ثلاثة مواضع أوفى ثلاثة أحجار أو في ثلاثة مواضع من جدار إلى أن لا يرى الرطوبة في محل المسح، فإن حصل ذلك بمرتين أتى بالثالثة، ووجب ذلك إن أراد الاقتصار على الحجر، وإن حصل بالرابعة استحب الخامسة للإيتار. ثم ينتقل من ذلك الموضع إلى موضع آخر ويستنجي بالماء بأن يفيضه باليمنى على محل النجو ويدلك باليسرى حتى لا يبقى أثر يدركه الكف بحس اللمس، ويدرك الاستقصاء فيه بالتعرض للباطن فإن ذلك منبع الوسواس، وليعلم أن كل ما لا يصل إليه الماء فهو باطن ولا يثبت حكم النجاسة للفضلات الباطنة ما لم تظهر، وكل ما هو ظاهر وثبت له حكم النجاسة فحد ظهوره أن يصل الماء إليه فيزيله ولا معنى للوسواس. ويقول عند الفراغ من الاستنجاء "اللهم طهر قلبي من النفاق وحصن فرجي من الفواحش" ويدلك يده بحائط أو بالأرض إزالة للرائحة إن بقيت. والجمع بين الماء والحجر مستحب فقد روى "أنه لما نزل قوله تعالى "فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل قباء: ما هذه الطهارة التي أثنى الله بها عليكم، قالوا. كنا نجمع بين الماء والحجر".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من توضأ فأحسن الوضوء وصلى ركعتين لم يحدث نفسه فيهما بشيء من الدنيا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" وفي لفظ آخر "ولم يسه فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه" وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً "ألا أنبئكم بما يكفر الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره ونقل الأقدام إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلك الرباط - ثلاث مرات -" وتوضأ صلى الله عليه وسلم مرة مرة وقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به، وتوضأ مرتين مرتين وقال: من توضأ مرتين مرتين أتاه الله أجره مرتين، وتوضأ ثلاثاً ثلاثاً وقال: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي ووضوء خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام" وقال صلى الله عليه وسلم "من ذكر الله عند وضوئه طهر الله جسده كله ومن لم يذكر الله لم يطهر منه إلا ما أصاب الماء" وقال صلى الله عليه وسلم "من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات" وقال صلى الله عليه وسلم "الوضوء على الوضوء نور على نور" وهذا كله حث على تجديد الوضوء وقال عليه السلام "إذا توضأ العبد المسلم فتمضمض خرجت الخطايا من فيه فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفاره فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من تحت أذنيه وإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له" ويروى "إن الطاهر كالصائم" قال عليه الصلاة والسلام "من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع طرفه إلى السماء فقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء" وقال عمر رضي الله عنه: إن الوضوء الصالح يطرح عنك الشيطان. وقال مجاهد: من استطاع أن لا يبيت إلا طاهراً ذاكراً مستغفراً فليفعل فإن الأرواح تبعث على ما قبضت عليه.
وهو أن يضع الإناء عن يمينه ثم يسمي الله تعالى ويغسل يديه ثلاثاً، ثم يستنجي كما وصفت لك ويزيل ما على بدنه من نجاسة إن كانت، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة كما وصفنا إلا غسل القدمين فإنه يؤخرهما فإن غسلهما ثم وضعهما على الأرض كان إضاعة للماء، ثم يصب الماء على رأسه ثلاثاً، ثم على شقه الأيمن ثلاثاً، ثم على شقه الأيسر ثلاثاً، ثم يدلك ما أقبل من بدنه ويخلل شعر الرأس واللحية ويوصل الماء إلى منابت ما كثف منه أو خف، وليس على المرأة نقض للضفائر إلا إذا علمت أن الماء لا يصل إلى خلال الشعر، ويتعهد معاطف البدن وليتق أن يمس ذكره في أثناء ذلك فإن فعل ذلك فليعد الوضوء، وإن توضأ قبل الغسل فلا يعيده بعد الغسل. فهذه سنن الوضوء والغسل ذكرنا منها ما لا بد لسالك طريق الآخرة من علمه وعمله، وما عداه من المسائل التي يحتاج إليها في عوارض الأحوال فليرجع فيها إلى كتب الفقه. والواجب من جملة ما ذكرناه في الغسل أمران. النية واستيعاب البدن بالغسل. وفروض الوضوء. النية وغسل الوجه وغسل اليدين إلى المرفقين ومسح ما ينطلق عليه الاسم من الرأس وغسل الرجلين إلى الكعبين والترتيب. وأما الموالاة فليست بواجبة. والغسل الواجب بأربعة: بخروج المني والتقاء الختانين والحيض والنفاس، وما عداه من الأغسال سنة كغسل العيدين والجمعة والأعياد والإحرام والوقوف بعرفة ومزدلفة ولدخول مكة وثلاثة أغسال أيام التشريق ولطواف الوداع - على قول - والكافر إذا أسلم غير جنب والمجنون إذا أفاق لو من غسل ميتاً، فكل ذلك مستحب.
من تعذر عليه استعمال الماء - لفقده بعد الطلب أو بمانع له عن الوصول إليه من سبع أو حابس أو كان الماء الحاضر يحتاج إليه لعطشه أو لعطش رفيقه أو كان ملكاً لغيره ولم يبعه إلا بأكثر من ثم المثل أو كان به جراحة أو مرض وخاف من استعماله فساد العضو أو شدة الضنا - فينبغي أن يصبر حتى يدخل عليه وفت الفريضة، ثم يقصد صعيداً طيباً عليه تراب طاهر خالص لين بحيث يثور منه غبار، ويضرب عليه كفيه ضاماً بين أصابعه ويمسح بهما جميع وجهه مرة واحدة، وينوي عند ذلك استباحة الصلاة، ولا يكلف إيصال الغبار إلى ما تحت الشعور خفت أو كثفت، ويجتهد أن يستوعب بشرة وجهه بالغبار - ويحصل ذلك بالضربة الواحدة فإن عرض الوجه لا يزيد على عرض الكفين - ويكفي في الاستيعاب غالب الظن، ثم ينزع خاتمة ويضرب ضربة ثانية يفرج فيها بين أصابعه ثم يلصق ظهور يده اليمنى ببطون أصابع يده اليسرى - بحيث لا يجاوز أطراف الأنامل من إحدى الجهتين عرض المسبحة من الأخرى - ثم يمر يده اليسرى من حيث وضعها على ظاهر ساعده الأيمن إلى المرفق، ثم يقلب بطن كفه اليسرى على باطن ساعده الأيمن ويمرها إلى الكوع، ويمر بطن إبهامه اليسرى على ظاهر إبهامه اليمنى، ثم يفعل باليسرى كذلك. ثم يمسح كفيه ويخلل بين أصابعه، وغرض هذا التكليف تحصيل الاستيعاب إلى المرفقين بضربة واحدة فإن عسر عليه ذلك فلا بأس بأن يستوعب بضربتين وزيادة. وإذا صلى به الفرض فله أن ينتقل كيف شاء، فإن جمع بين فريضتين فينبغي أن يعيد التيمم للثانية. وهكذا يفرد كل فريضة بتيمم والله أعلم.