اعلم أن ما عدا الفرائض من الصلوات ينقسم إلى ثلاثة أقسام: سنن ومستحبات وتطوعات. ونعني بالسنن ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المواظبة عليه كالرواتب عقيب الصلوات وصلاة الضحى والوتر والتهجد وغيرها؛ لأن السنة عبارة عن الطريق المسلوكة. ونعني بالمستحبات ما ورد الخبر بفضله ولم ينقل المواظبة عليه - كما سننقله في صلوات الأيام والليالي في الأسبوع - وكالصلاة عند الخروج من المنزل والدخول فيه وأمثاله. ونعني بالتطوعات ما وراء ذلك مما لم يرد في عينه أثر ولكنه تطوع به العبد من حيث رغب في مناجاة الله عز وجل بالصلاة التي ورد الشرع بفضلها مطلقاً؛ فكأنه متبرع به إذا لم يندب إلى تلك الصلاة بعينها وإن ندب إلى الصلاة مطلقاً، والتطوع عبارة عن التبرع. وسميت الأقسام الثلاثة نوافل من حيث إن النفل هو الزيادة وجملتها زائد على الفرائض. فلفظ: النافلة والسنة والمستحب والتطوع؛ أردنا الاصطلاح عليه لتعريف هذه المقاصد. ولا حرج على من يغير هذا الاصطلاح فلا مشاحة في الألفاظ بعد فهم المقاصد. وكل قسم من هذه الأقسام تتفاوت درجاته في الفضل بحسب ما ورد فيها من الأخبار والآثار المعرفة لفضلها وبحسب طول مواظبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها وبحسب صحة الأخبار الواردة فيها واشتهارها، ولذلك يقال سنن الجماعات أفضل من سنن الانفراد. وأفضل سنن الجماعات: صلاة العيد ثم الكسوف ثم الاستسقاء. وأفضل سنن الانفراد: الوتر ثم ركعتا الفجر ثم ما بعدهما من الرواتب على تفاوتها. واعلم أن النوافل باعتبار الإضافة إلى معلقاتها تنقسم إلى ما يتعلق بأسباب كالكسوف والاستسقاء وإلى ما يتعلق بأوقات، والمتعلق بالأوقات ينقسم إلى ما يتكرر بتكرر اليوم والليلة أو بتكرر الأسبوع أو بتكرر السنة فالجملة أربع أقسام.
وهي صلاة أيام الأسبوع ولياليه لكل يوم ولكل ليلة أما الأيام فنبدأ فيها بيوم الأحد. يوم الأحد: روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من صلى يوم الأحد أربع ركعات يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وآمن الرسول مرة كتب الله له بعدد كل نصراني ونصراينة حسنات وأعطاه الله ثواب نبي وكتب له حجة وعمرة وكتب له بكل ركعة ألف صلاة وأعطاه الله في الجنة بكل حرف مدينة من مسك أذفر" وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "وحدوا الله بكثرة الصلاة يوم الأحد فإنه سبحانه واحد لا شريك له فمن صلى يوم الأحد بعد صلاة الظهر أربع ركعات بعد الفريضة والسنة يقرأ في الأولى فاتحة الكتاب وتنزيل السجدة، وفي الثانية فاتحة الكتاب وتبار الملك ثم تشهد وسلم ثم قام فصلى ركعتين أخريين يقرأ فيهما فاتحة الكتاب وسورة الجمعة وسأل الله سبحانه حاجته كان حقاً على الله أن يقضي حاجته".
يوم الاثنين: روى جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "من صلى يوم الاثنين عند ارتفاع النهار ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي مرة وقل هو الله أحد والمعوذتين مرة مرة فإذا سلم استغفر الله عشر مرات وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم عشر مرات غفر الله تعالى له ذنوبه كلها" وروى أنس ابن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من صلى يوم الاثنين ثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي مرة فإذا فرغ قرأ قل هو الله أحد اثنتي عشرة واستغفر اثنتين عشرة مرة ينادى به يوم القيامة: أين فلان بن فلان ليقم فليأخذ ثوابه من الله عز وجل؟ فأول ما يعطى من الثواب ألف حلة ويتوج ويقال له ادخل الجنة فيستقبله مائة ألف ملك مع كل ملك هدية يشيعونه حتى يدور على ألف قصر من نور يتلألأ" يوم الثلاثاء: روى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى يوم الثلاثاء عشر ركعات عند انتصاف النهار" وفي حديث آخر "عند ارتفاع النهار يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات لم تكتب عليه خطيئة إلى سبعين يوماً فإن مات إلى سبعين يوماً مات شهيداً وغفر له ذنوب سبعين سنة.
يوم الأربعاء: روى أبو إدريس الخولاني عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صلى يوم الأربعاء ثنتي عشرة ركعة عند ارتفاع النهار يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات والمعوذتين ثلاث مرات نادى مناد عند العرش: يا عبد الله استأنف العمل فقد غفر لك ما تقدم من ذنبك ورفع الله سبحانه عنك عذاب القبر وضيقه وظلمته ورفع عنك شدائد القيامة، ورفع له من يومه عمل نبي".
يوم الخميس: عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى يوم الخميس بين الظهر والعصر ركعتين يقرأ في الأولى فاتحة الكتاب وآية الكرسي مائة مرة وفي الثانية فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد مائة مرة ويصلي على محمد مائة مرة أعطاه الله ثواب من صام رجب وشعبان ورمضان وكان له من الثواب مثل حاج البيت وكتب له بعدد كل من آمن بالله سبحانه وتوكل عليه حسنه" يوم الجمعة، روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "يوم الجمعة صلاة كله ما من عبد مؤمن قام إذا استقلت الشمس وارتفعت قدر رمح أو أكثر من ذلك فتوضأ ثم أسبغ الوضوء فصلى سبحة الضحى ركعتين إيماناً واحتساباً إلا كتب الله له مائتي حسنة ومحا عنه مائتي سيئة ومن صلى أربع ركعات رفع الله سبحانه له في الجنة أربعمائة درجة ومن صلى ثماني ركعات رفع الله تعالى له في الجنة ثمانمائة درجة وغفر له ذنوبه كلها ومن صلى ثنتي عشرة ركعة كتب الله له ألفين ومائتي حسنة ومحا عنه ألفين ومائتي سيئة ورفع له في الجنة ألفين ومائتي درجة" وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من دخل الجامع يوم الجمعة فصلى أربع ركعات قبل صلاة الجمعة يقرأ في كل ركعة الحمد لله وقل هو الله أحد خمسين مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة أو يرى له".يوم السبت: روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من صلى يوم السبت أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات فإذا فرغ قرأ آية الكرسي كتب الله له بكل حرف حجة وعمرة ورفع له بكل حرف أجر سنة صيام نهارها وقيام ليلها وأعطاه الله عز وجل بكل حرف ثواب شهيد وكان تحت ظل عرش الله مع النبيين والشهداء".
وأما الليالي. ليلة الأحد: روى أنس بن مالك في ليلة الأحد أنه صلى الله عليه وسلم قال "من صلى ليلة الأحد عشرين ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد خمسين مرة والمعوذتين مرة مرة واستغفر الله عز وجل مائة مرة واستغفر لنفسه ولوالديه مائة مرة وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم مائة مرة وتبرأ من حوله وقوته والتجأ إلى الله ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن آدم صفوة الله وفطرته وإبراهيم خليل الله وموسى كليم الله وعيسى روح الله ومحمداً حبيب الله كان له من الثواب بعدد من دعا لله ولداً ومن لم يدع لله ولداً وبعثه الله عز وجل يوم القيامة مع الآمنين وكان حقاً على الله تعالى أن يدخله الجنة مع النبيين".
ليلة الإثنين: روى الأعمش عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صلى ليلة الإثنين أربع ركعات يقرأ في الركعة الأولى الحمد لله وقل هو الله أحد عشر مرات، وفي الركعة الثانية الحمد لله وقل هو الله أحد عشرين مرة، وفي الثالثة الحمد لله وقل هو الله أحد ثلاثين مرة، وفي الرابعة الحمد لله وقل هو الله أحد أربعين مرة ثم يسلم ويقرأ هو الله أحد خمساً وسبعين مرة واستغفر الله لنفسه ولوالديه خمساً وسبعين مرة ثم سأل الله حاجته كا حقاً على الله أن يعطيه سؤله ما سأل" وهي صلاة الحاجة.
ليلة الثلاثاء: من صلى ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد والمعوذتين خمس عشرة مرة، ويقرأ بعد التسليم خمس عشرة مرة آية الكرسي واستغفر الله تعالى خمس عشرة مرة كان له ثواب عظيم وأجر جسيم. وروي عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من صلى ليلة الثلاثاء ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وإنا أنزلناه وقل هو الله أحد سبع مرات أعتق الله رقبته من النار ويكون يوم القيامة قائده ودليله إلى الجنة".
ليلة الأربعاء: روت فاطمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من صلى ليلة الأربعاء ركعتين يقرأ في الأول فاتحة الكتاب وقل أعوذ برب الفلق عشر مرات، وفي الثانية بعد الفاتحة قل أعوذ برب الناس عشر مرات ثم إذا سلم استغفر الله عشر مارت ثم يصلي على محمد صلى الله عليه وسلم عشر مرات نزل من كل سماء سبعون ألف ملك يكتبون ثوابه إلى يوم القيامة" وفي حديث آخر "ست عشرة ركعة يقرأ بعد الفاتحة ما شاء الله ويقرأ في آخر الركعتين آية الكرسي ثلاثين مرة وفي الأوليين ثلاثين مرة قل هو الله أحد يشفع في عشرة من أهل بيته كلهم وجبت عليهم النار" وروت فاطمة رضي الله عنها أنها قالت "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى ليلة الأربعاء ست ركعات قرأ في ركعة بعد الفاتحة قل اللهم مالك الملك إلى آخر الآية فإذا فرغ من صلاته يقول جزى الله محمداً عنا ما هو أهله غفر له ذنوب سبعين سنة وكتب له براءة من النار".
ليلة الخميس: قال أبو هريرة رضي الله عنه "قال النبي صلى الله عليه وسلم: من صلى ليلة الخميس ما بين المغرب والعشاء ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآية الكرسي خمس مرات وقل هو الله أحد خمس مرات والمعوذتين خمس مرات فإذا فرغ من صلاته استغفر الله تعالى خمس عشر مرة وجعل ثوابه لوالديه فقد أدى حق والديه عليه وإن كان عاقاً لهما وأعطاه الله تعالى ما يعطي الصديقين والشهداء".ليلة الجمعة: قال جابر "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى ليلة الجمعة بين المغرب والعشاء اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرة فكأنما عبد الله تعالى اثنتي عشرة سنة صيام نهارها وقيام ليلها" وقال أنس "قال النبي صلى الله عليه وسلم: من صلى ليلة الجمعة صلاة العشاء الآخرة في جماعة وصلى ركعتي السنة ثم صلى بعدهما عشر ركعات قرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد والمعوذتين مرة مرة ثم أوتر بثلاث ركعات ونام على جنبه الأيمن تتوجهه إلى القبلة فكأنما أحيا ليلة القدر" وقال صلى الله عليه وسلم "أكثروا من الصلاة علي في الليلة الغراء واليوم الأزهر ليلة الجمعة ويوم الجمعة".
ليلة السبت: قال أنس "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى ليلة السبت بين المغرب والعشاء اثنتي عشرة ركعة بنى له قصر في الجنة وكأنما تصدق على كل مؤمن ومؤمنة وتبرا من اليهود وكان حقاً على الله أن يغفر له".
وهي تسعة صلاة الخسوف والكسوف والاستسقاء وتحية المسجد وركعتي الوضوء وركعتين بين الأذان والإقامة وركعتين عند الخروج من المنزل والدخول فيه. ونظائر ذلك فنذكر منها ما يحضرنا الآن الأولى صلاة الخسوف: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله والصلاة" قال ذلك لما مات ولده إبراهيم صلى الله عليه وسلم وكسفت الشمس فقال الناس. إنما كسفت لموته. والنظر في كيفيتها ووقتها، أما الكيفية: فإذا كسفت الشمس في وقت الصلاة فيه مكروهة أو غير مكروهة نودي "الصلاة جامعة" وصلى الإمام بالناس في المسجد ركعتين وركع في كل ركعة ركوعين أوائلهما أطول من أواخرهما. ولا يجهر فيقرأ في الأولى من قيام الركعة الأولى الفاتحة والبقرة؛ وفي الثانية الفاتحة وآل عمران، وفي الثالثة الفاتحة وسورة النساء، وفي الرابعة الفاتحة وسروة المائدة، أو مقدار ذلك من القرآن من حيث أراد، ولو اقتصر على الفاتحة في كل قيام أجزأه ولو اقتصر على سور قصار فلابأس. ومقصود التطويل دوام الصلاة إلى الإنجلاء. ويسبح في الركوع الأول قدر مائة آية، وفي الثاني قدر ثمانين، وفي الثالث قدر سبعين، وفي الرابع قدر خمسين. وليكن السجود على قدر الركوع في كل ركعة. ثم يخطب خطبتين بعد الصلاة بينهما جلسة ويأمر الناس بالصدقة والعتق والتوبة. وكذلك يفعل بخسوف القمر إلا أنه يجهر فيها لأنها ليلية. فأما وقتها فعند ابتداء الكسوف إلى تمام الإنجلاء ويخرج وقتها بأن تغرب الشمس كاسفة. وتفوت صلاة خسوف القمر بأن يطلع قرص الشمس إذ يبطل سلطان الليل ولا تفوت بغروب القمر خاسفاً لأن الليل كله سلطان القمر، فإن انجلى في أثناء الصلاة أتمها مخففة. ومن أدرك الركوع الثاني مع الإمام فقد فاتته تلك الركعة لأن الأصل هو الركوع الأول الثانية صلاة الاستسقاء: فإذا غارت الأنهار وانقطعت الأمطار أو إنهارت قناة فيستحب للإمام أن يأمر الناس أولاً بالصيام ثلاثة أيام وما أطاقوا من الصدقة والخروج من المظالم والتوبة من المعاصي، ثم يخرج بهم في اليوم الرابع والعجائز والصبيان متنظفين في ثياب بذلة واستكانة متواضعين - بخلاف العيد - وقيل يستحب إخراج الدواب لمشاركتها في الحاجة ولقوله صلى الله عليه وسلم "لولا صبيان رضع ومشايخ ركع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صباً" ولو خرج أهل الذمة أيضاً متميزين لم يمنعوا فإذا اجتمعوا في المصلى الواصل من الصحراء نودي "الصلاة جامعة" فصلى بهم الإمام ركعتين مثل صلاة العيد - بغير تكبير - ثم يخطب خطبتين وبينهما جلسة خفيفة، وليكن الاستغفار معظم الخطبتين، وينبغي في وسط الخطبة الثانية، أن يستدبر الناس ويستقبل القبلة ويحول رداءه في هذه الساعة تفاؤلاً بتحويل الحال. هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجعل أعلاه أسفله وما على اليمين على الشمال وما على الشمال على اليمين. وكذلك يفعل الناس ويدعون في هذه الساعة سراً، ثم يستقبلهم فيختم الخطبة ويدعون أرديتهم محولة كما هي حتى ينزعوها متى نزعوا الثياب. ويقول في الدعاء: اللهم إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك فقد دعوناك كما أمرتنا فأجبنا كما وعدتنا اللهم فامنن علينا بمغفرة ما قارفنا وإجابتك في سقيانا وسعة أرزاقنا. ولابأس بالدعاء أدبار الصلوات في الأيام الثلاثة قبل الخروج ولهذا الدعاء آداب وشروط باطنة من التوبة ورد المظالم وغيرها، وسيأتي ذلك في كتاب الدعوات الثالثة صلاة الجنائز: وكيفيتها مشهورة وأجمع دعاء مأثور ما روي في الصحيح عن عوف بن مالك قال "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فحفظت من دعائه: اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار" حتى قال عوف: تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت. ومن أدرك التكبيرة الثانية فينبغي أن يراعي ترتيب الصلاة في نفسه ويكبر مع تكبيرات الإمام فإذا سلم الإمام قضى تكبيرة الذي فات كفعل المسبوق، فإنه لو بادر التكبيرات لم تبق للقدوة في هذه الصلاة معنى، فالتكبيرات هي الأركان الظاهرة، وجدير بأن تقام مقام الركعات في سائر الصلوات، هذا هو الأوجه عندي وإن كان غيره محتملاً. والأخبار الواردة في فضل صلاة الجنازة وتشييعها مشهورة فلا نطيل بإيرادها، وكيف لا يعظم فضلها وهي من فرائض الكفايات؟ وإنما تصير نفلاً في حق من لم تتعين عليه بحضور غيره، ثم ينال بها فضل فرض الكفاية وإن لم يتعين لأنهم بجملتهم قاموا بما هو فرض الكفاية وأسقطوا الحرج عن غيرهم، فلا يكون ذلك كنفل لا يسقط به فرض عن أحد، ويستحب طلب كثرة الجمع تبركاً بكثرة الهمم والأدعية واشتماله على ذي دعوة مستجابة لما روى كريب عن ابن عباس: أنه مات له ابن فقال: يا كريب أنظر مااجتمع له الناس قال: فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له فأخبرته فقال: تقول هم أربعون قلت: نعم، قال: أخرجوه فإنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله عز وجل فيه" وإذا شيع الجنازة فوصل المقابر أو دخلها ابتداء قال: السلام عليكم أهل هذه الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. والأولى أن لا ينصرف حتى يدفن الميت فإذا سوي على الميت قبره قام عليه وقال: اللهم عبدك رد إليك فارأف به وارحمه اللهم جاف الأرض عن جنبيه وافتح أبواب السماء لروحه وتقبله منك بقول حسن اللهم إن كان محسناً فضاعف له في إحسانه وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه الرابعة تحية المسجد: ركعتان فصاعداً سنة مؤكدة حتى أنها لا تسقط وإن كان الإمام يخطب يوم الجمعة مع تؤكد وجوب الإصغاء إلى الخطيب. وإن اشتغل بفرض أو قضاء تأدى به التحية وحصل الفضل إذ المقصود أن لا يخلو ابتداء دخوله عن العبادة الخاصة بالمسجد قياماً بحق المسجد. ولهذا يكره أن يدخل المسجد على غير وضوء فإن دخل لعبور أو جلوس فليقل "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" يقولها أربع مرات يقال إنها عدل ركعتين في الفضل. ومذهب الشافعي رحمه الله أنه لا تكره التحية في أوقات الكراهية: وهي بعد العصر وبعد الصبح ووقت الزوال ووقت الطلوع والغروب، لما روي "أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد العصر فقيل له أما نهيتنا عن هذا؟ فقال: هما ركعتان كنت أصليهما بعد الظهر فشغلني عنهما الوفد" فأفاد هذا الحديث فائدتين إحداهما؛ أن الكراهية مقصورة على صلاة لا سبب لها ومن أضعف الأسباب قضاء النوافل إذ اختلف العلماء في أن النوافل هل تقضى وإذا فعل مثل ما فاته هل يكون قضاء؟ وإذا انتفت الكراهية بأضعف الأسباب فبأحرى أن تنتفي بدخول المسجد وهو سبب قوي. ولذلك لا تكره صلاة الجنازة إذ حضرت ولا صلاة الخسوف والاستسقاء في هذه الأوقات لأن لها أسباباً. الفائدة الثانية: قضاء النوافل إذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ولنا فيه أسوة حسنة. وقالت عائشة رضي الله عنها "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غلبه نوم أو مرض فلم يقم تلك الليلة صلى من أول النهار اثنتي عشرة ركعة" وقد قال العلماء: من كان في الصلاة ففاته جواب المؤذن فإذا سلم قضى وأجاب وإن كان المؤذن سكت، ولا معنى الآن لقول من يقول: إن ذلك مثل الأول وليس يقضي، إذ لو كان كذلك لما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت الكراهة. نعم من كان له ورد فعاقه عن ذلك عذر فينبغي أن لا يرخص لنفسه في تركه. بل يتداركه في وقت آخر حتى لا تميل نفسه إلى الدعة والرفاهية. وتداركه حسن على سبيل مجاهدة النفس ولأنه صلى الله عليه وسلم قال "أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل" فيقصد به أن لا يفتر في دوام عمله وروت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من عبد الله عز وجل بعبادة ثم تركها ملالة مقته الله عز وجل" فليحذر أن يدخل تحت الوعيد. وتحقيق هذا الخبر. أنه مقته الله تعالى بتركها ملالة فلولا المقت والإبعاد لما سلطت الملالة عليه الخامسة ركعتان بعد الوضوء مستحبتان لأن الوضوء قربة ومقصودها الصلاة والأحداث عارضة فربما يطرأ الحدث قبل صلاة فينتقض الوضوء ويضيع السعي فالمبادرة إلى ركعتين استيفاء لمقصود الوضوء قبل الفوات. وعرف ذلك بحديث بلال إذ قال صلى الله عليه وسلم "دخلت الجنة فرأيت بلالاً فيها فقلت لبلال بم سبقتني إلى الجنة؟ فقال بلال لا أعرف شيئاً إلا أني لاأحدث وضوءاً إلا أصلي عقيبه ركعتين" السادسة ركعتان عند دخول المنزل وعند الخروج منه: روى أبو هريرة رضي الله عنه قال "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا خرجت من منزلك فصل ركعتين يمنعانك مخرج السوء وإذا دخلت إلى منزلك فصل ركعتين يمنعانك مدخل السوء" وفي معنى هذا كل أمر يبتدأ به مما له وقع، ولذلك ورد ركعتان عند الإحرام وركعتان عند ابتداء السفر وركعتان عند الرجوع من السفر في المسجد قبل دخول البيت فكل ذلك مأثور من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان بعض الصالحين إذا أكل أكلة صلى ركعتين وإذا شرب شربة صلى ركعتين، وكذلك في كل أمر يحدثه. وبداية الأمور ينبغي أن يتبرك فيها بذكر الله عز وجل وهي على ثلاث مراتب: بعضها يتكرر مراراً كالأكل والشرب فيبدأ فيه باسم الله عز وجل وقال صلى الله عليه وسلم "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر" الثانية: ما لا يكثر تكرره وله وقع كعقد النكاح وابتداء النصيحة والمشورة فالمستحب فيها أن يصدر بحمد الله فيقول المزوج "الحمد لله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجتك ابنتي" ويقول القابل "الحمد لله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلت النكاح" وكانت عادة الصحابة رضي الله عنهم في ابتداء أداء الرسالة والنصيحة والمشورة تقديم التحميد. الثالثة: ما لا يتكرر كثيراً وإذا وقع دام وكان له وقع كالسفر وشراء دار جديدة والإحرام وما يجري مجراه فيستحب تقديم ركعتين عليه وأدناه الخروج من المنزل والدخول إليه فإنه نوع سفر قريب السابعة صلاة الاستخارة: فمن هم بأمر وكان لا يدري عاقبته ولا يعرف أن الخير في تركه أو في الإقدام عليه فقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم "بأن يصلي ركعتين يقرأ في الأولى فاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون، وفي الثانية الفاتحة وقل هو الله أحد، فإذا فرغ دعا وقال اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ودنياي وعاقبة أمري وعاجله وآجله فاقدره لي وبارك لي فيه ثم يسره لي وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ودنياي وعاقبة أمري وعاجله وآجله فاصرفني عنه واصرفه عني واقدر لي الخير أينما كان إنك على كل شيء قدير" رواه جابر بن عبد الله قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن" وقال صلى الله عليه وسلم "إذا هم أحدكم بأمر فليصل ركعتين ثم ليسم الأمر ويدعو بما ذكرناه، وقال بعض الحكماء من أعطي أربعاً لم يمنع أربعاًن من أعطي الشكر لم يمنع المزيد ومن أعطي التوبة لم يمنع القبول ومن أعطي الاستخارة لم يمنع الخيرة ومن أعطي المشورة لم يمنع الصواب الثامنة صلاة الحاجة فمن ضاق عليه الأمر ومسته حاجة في صلاح دينه ودنياه إلى أمر تعذر عليه فليصل هذه الصلاة فقد روي عن وهيب بن الورد أنه قال: إن من الدعاء الذي لا يرد أن يصلي العبد ثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة بأم الكتاب وآية الكرسي وقل هو الله أحد فإذا فرغ خر ساجداً ثم قال "سبحان الذي لبس العز وقال به سبحان الذي تعطف بالمجد وتكرم به سبحان الذي أحصى كل شيء بعلمه سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له سبحان ذي المن والفضل سبحان ذي العز والكرم سبحان ذي الطول أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك وباسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامات العامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر أن تصلي على محمد وعلى آل محمد" ثم يسال حاجته التي لا معصية فيها فيجاب إن شاء الله عز وجل. قال وهيب: بلغنا أنه كان يقال: لا تعلموها لسفهائكم فيتعاونون بها على معصية الله عز وجل التاسعة صلاة التسبيح: وهذه الصلاة مأثورة على وجهها ولا تختص بوقت ولا بسبب ويستحب أن لا يخلو الأسبوع عنها مرة واحدة أو الشهر مرة. فقد روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما "أنه صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب: ألا أعطيك ألا أمنحك ألا أحبوك بشيء إذا أنت فعلته غفر الله لك ذنبك أوله وآخره قديمه وحديثه خطأه وعمده سره وعلانيته تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. خمس عشرة مرة ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشر مرات، ثم ترفع من الركوع فتقولها وأنت ساجد عشراً، ثم ترفع من السجود فتقولها عشراً، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة تفعل ذلك في أربع ركعات إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة فإن لم تفعل ففي السنة مرة" وفي رواية أخرى "أنه يقول في أول الصلاة سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك وتقدست أسماؤك ولا إله غيرك، ثم يسبح خمس عشرة تسبيحة قبل القراءة وعشراً بعد القراءة والباقي كما سبق عشراً عشراً ولا يسبح بعد السجود الأخير قاعداًن وهذا هو الأحسن وهو اختيار ابن المبارك. والمجموع من الروايتين ثلثمائة تسبيحة فإن صلاها نهاراً فبتسليمة واحدة وإن صلاها ليلاً فبتسليمتين أحسن؛ إذ ورد. أن صلاة الليل مثنى مثنى" وإن راد بعد التسبيح قوله "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" فهو حسن فقد ورد ذلك في بعض الروايات فهذه الصلوات المأثورة. ولا يستحب شيء من هذه النوافل في الأوقات المكروهة إلا تحية المسجد "وما أوردناه بعد التحية من ركعتي الوضوء وصلاة السفر والخروج من المنزل والاستخار فلأن النهي مؤكد وهذه الأسباب ضعيفة فلا تبلغ درجة الخسوف والاستسقاء والتحية. وقد رأيت بعض المتصوفة يصلي في الأوقات المكروهة ركعتي الوضوء وهو في غاية البعد لأن الوضوء لا يكون سبباً للصلاة بل الصلاة سبب الوضوء. فينبغي أن يتوضأ ليصلي لا أنه يصلي لأنه توضأ. وكل محدث يريد أن يصلي في وقت الكراهية فلا سبيل له إلا أن يتوضأ ويصلي فلا يبقى للكراهية معنى. ولا ينبغي أن ينوي ركعتي الوضوء كما ينوي ركعتي التحية بل إذا توضأ صلى ركعتين تطوعاً كيلا يتعطل وضوءه كما كان يفعله بلال فهو تطوع محض يقع عقيب الوضوء. وحديث بلال لم يدل على أن الوضوء سبب كالخسوف والتحية حتى ينوي ركعتي الوضوء فيستحيل أن ينوي بالصلاة الوضوء بل ينبغي أن ينوي بالوضوء الصلاة. وكيف ينتظم أن يقول في وضوئه أتوضأ لصلاتي وفي صلاته يقول أصلي لوضوئي، بل من أراد أن يحرس وضوءه عن التعطيل في وقت الكراهية فلينو قضاء إن كان يجوز أن يكون في ذمته صلاة تطرق إليها خلل لسبب من الأسباب فإن قضاء الصلوات في أوقات الكراهية غير مكروه "فأما نية التطوع فلا وجه لها. ففي النهي في أوقات الكراهية مهمات ثلاثة أحدها التوقي في مضاهاة عبدة الشمس، والثاني: الاحتراز من انتشار الشياطين إذ قال صلى الله عليه وسلم "إن الشمس لتطلع ومعها قرن الشيطان فإذا طلعت قارنها وإذا ارتفعت فارقها فإن استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا تضيفت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها" ونهى عن الصلوات في هذه الأوقات ونبه على العلة، والثالث: أن سالكي طريق الآخرة لا يزالون يواظبون على الصلوات في جميع الأوقات. والمواظبة على نمط واحد من العبادات يورث الملل. ومهما منع منها ساعة زاد النشاط وانبعثت الدواعي، والإنسان حريص على ما منع منه ففي تعطيل هذه الأوقات زيادة تحريض وبعث على انتظار انقضاء الوقت، فخصصت هذه الأوقات بالتسبيح والاستغفار حذراً من الملل بالمداومة وتفرجاً بالانتقال من نوع عبادة إلى نوع آخر. ففي الاستطراف والاستجداد لذة ونشاط وفي الاستمرار على شيء واحد استثقال وملال. ولذلك لم تكن الصلاة سجوداً مجرداً ولا ركوعاً مجرداً ولا قياماً مجرداً بل رتبت العبادات من أعمال مختلفة وأذكار متباينة، فإن القلب يدرك من كل عمل منهما لذة جديدة عند الانتقال إليها ولو واظب على الشيء الواحد لتسارع إليه الملل. فإذا كانت هذه أموراً مهمة في النهي عن ارتكابأوقات الكراهة إلى غير ذلك من أسرار أخر ليس في قوة البشر الاطلاع عليها والله ورسوله أعلم بها. فهذه المهمات لا تترك إلا بأسباب مهمة في الشرع مثل قضاء الصلوات وصلاة الاستسقاء والخسوف وتحية المسجد. فأما ما ضعف عنها فلا ينبغي أن يصادم به مقصود النهي. هذا هو الأوجه عندنا والله أعلم.
كمل كتاب: أسرار الصلاة من كتاب إحياء علوم الدين. يتلوه إن شاء الله كتاب أسرار الزكاة بحمد الله وعونه وحسن توفيقه. والحمد لله وحده وصلاته على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.