مسألة في إبطال قولهم إن وجود الأول بسيط

أي هو وجود محض ولا ماهية ولا حقيقة يضاف الوجود إليها بل الوجود الواجب له كالماهية لغيره

المطالبة بالدليل

والكلام عليه من وجهين: الأول المطالبة بالدليل فيقال: بم عرفتم ذلك؟ أبضرورة أو نظر؟ وليس بضروري فلا بد من ذكر طريق النظر.

قولهم يكون الوجود الواجب معلولاً وهو محال

فإن قيل: لأنه لو كان له ماهية لكان الوجود مضافاً إليها وتابعاً لها ولازماً لها والتابع معلول فيكون الوجود الواجب معلولاً وهو متناقض.

قولنا هو محال إذا لم يكن له علة فاعلية

فنقول: هذا رجوع إلى منبع التلبيس في إطلاق لفظ الوجود الواجب، فإنا نقول: له حقيقة وماهية وتلك الحقيقة موجودة أي ليست معدومة منفية ووجودها مضاف إليها، وإن أحبوا أن يسموه تابعاً ولازماً فلا مشاحة في الأسامي بعد أن يعرف أنه لا فاعل للوجود بل لم يزل هذا الوجود قديماً من غير علة فاعلية. فإن عنوا بالتابع والمعلول أن له علة فاعلية فليس كذلك، وإن عنوا غيره فهو مسلم ولا استحالة فيه إذ الدليل لم يدل إلا على قطع تسلسل العلل، وقطعه بحقيقة موجودة وماهية ثابتة ممكن فليس يحتاج فيه إلى سلب الماهية.

قولهم تكون الماهية سبباً فاعلاً

فإن قيل: فتكون الماهية سبباً للوجود الذي هو تابع له فيكون الوجود معلولاً ومفعولاً.

قولنا أي أنه لا يستغنى عنه

قلنا: الماهية في الأشياء الحادثة لا تكون سبباً للوجود فكيف في القديم؟ إن عنوا بالسبب الفاعل له وإن عنوا به وجهاً آخر وهو أنه لا يستغنى عنه فليكن كذلك فلا استحالة فيه، إنما الإستحالة في تسلسل العلل فإذا انقطع فقد اندفعت الإستحالة، وما عدى ذلك لم تعرف استحالته فلا بد من برهان على استحالته. وكل براهينهم تحكمات مبناها على أخذ لفظ واجب الوجود بمعنى له لوازم وتسلم أن الدليل قد دل على واجب الوجود بالنعت الذي وصفوه وليس كذلك كما سبق.

من الضلال أن يقال إن كل ماهية موجودة فمتكثرة وعلى الجملة دليلهم في هذا يرجع إلى دليل نفي الصفات ونفي الإنقسام الجنسي والفصلي، إلا أنه أغمض وأضعف لأن هذه الكثرة لا ترجع إلا إلى مجرد اللفظ وإلا فالعقل يتسع لتقدير ماهية واحدة موجودة وهو يقولون: كل ماهية موجودة فمتكثرة إذ فيه ماهية ووجود. وهذا غاية الضلال فإن الموجود الواحد معقول بكل حال ولا موجود إلا وله حقيقة ووجود الحقيقة لا ينفي الوحدة.

وجود بلا ماهية ولا حقيقة غير معقول المسلك الثاني هو أن نقول: وجود بلا ماهية ولا حقيقة غير معقول، وكما لا نعقل عدماً مرسلاً إلا بالإضافة إلى موجود يقدر عدمه فلا نعقل وجود مرسلاً إلا بالإضافة إلى حقيقة معينة، لا سيما إذا تبين ذاتاً واحدة، فكيف يتعين واحداً متميزاً عن غيره بالمعنى ولا حقيقة له؟ فإن نفي الماهية نفي للحقيقة وإذا نفى حقيقة الموجود لم يعقل الوجود، فكأنهم قالوا: وجود ولا موجود، وهو متناقض.

لا يعقل في المعلول نفي الماهية من الوجود ويدل عليه أنه لو كان هذا معقولاً لجاز أن يكون في المعلولات وجود لا حقيقة له يشارك الأول في كونه لا حقيقة ولا ماهية له ويباينه في أن له علة، والأول لا علة له، فلم لا يتصور هذا في المعلولات؟ وهل له سبب إلا أنه غير معقول في نفسه؟ وما لا يعقل في نفسه فبأن ينفي علته لا يصير معقولاً، وما يعقل فبأن يقدر له علة لا يخرج عن كونه معقولاً. والتناهي إلى هذا الحد غاية ظلماتهم فقد ظنوا أنهم ينزهون فيما يقولون فانتهى كلامهم إلى النفي المجرد، فإن نفي الماهية نفي للحقيقة ولا يبقى مع نفي الحقيقة إلا لفظ الوجود ولا مسمى له أصلاً إذا لم يضف إلى ماهية.

قولهم ماهيته هي أنه واجب

فإن قيل: حقيقته أنه واجب وهو الماهية.

قولنا الوجود غير المعلول لا يستغني عن الماهية

قلنا: ولا معنى للواجب إلا نفي العلة وهو سلب لا يتقوم به حقيقة ذات، ونفي العلة عن الحقيقة لازم الحقيقة، فلتكن الحقيقة معقولة حتى توصف بأنه لا علة لها ولا يتصور عدمها إذ لا معنى للوجوب إلا هذا. على أن الوجوب إن زاد على الوجود فقد جاءت الكثرة، وإن لم يزد فكيف يكون هو الماهية والوجود ليس بماهية؟ فكذى ما لا يزيد عليه.