مسألة في تعجيزهم عن إقامة الدليل على أن للعالم صانعا وعلة

قولنا ما المانع أن يقال عن الجسم القديم أنه بغير علة؟

فنقول: من ذهب إلى أن كل جسم فهو حادث لأنه لا يخلوا عن الحوادث عقل مذهبهم في قولهم: إنه يفتقر إلى صانع وعلة. وأما أنتم فما الذي يمنعكم من مذهب الدهرية وهو أن العالم قديم؟ كذلك ولا علة له ولا صانع وإنما العلة للحوادث وليس يحدث في العالم جسم ولا ينعدم جسم وإنما تحدث الصور والأعراض، فإن الأجسام هي السموات وهي قديمة والعناصر الأربعة التي هي حشو فلك القمر وأجسامها وموادها قديمة وإنما تتبدل عليها الصور بالامتزاجات والاستحالات وتحدث النفوس الإنسانية والنباتية، وهذه الحوادث تنتهي عللها إلى الحركة الدورية والحركة الدورية قديمة ومصدرها نفس قديمة للفلك، فإذن لا علة للعالم ولا صانع لأجسامه بل هو كما هو عليه لم يزل قديماً كذلك بلا علة أعني الأجسام. فما معنى قولهم إن هذه الأجسام وجودها بعلة وهي قديمة؟

قولهم لا يكون واجب الوجود وهو محال

فإن قيل: كل ما لا علة له فهو واجب الوجود وقد ذكرنا من صفات واجب الوجود ما تبين به أن الجسم لا يكون واجب الوجود.

قولنا بل ينقطع تسلسل العلل

قلنا: وقد بينا فساد ما ادعيتموه من صفات واجب الوجود وأن البرهان لا يدل إلا على قطع السلسلة، وقد انقطع عند الدهري في أول الأمر إذ يقول: لا علة للأجسام وأما الصور والأعراض فبعضها علة للبعض إلى أن تنتهي إلى الحركة الدورية وهي بعضها سبب للبعض، كما هو مذهب الفلاسفة، وينقطع تسلسلها بها. ومن تأمل ما ذكرناه علم عجز كل من يعتقد قدم الأجسام عن دعوى علة لها ولزمه الدهر والإلحاد كما صرح به فريق فهم الذين وفوا بمقتضى نظر هؤلاء.

قولهم الأجسام غير واجبة الوجود فهي ممكنة

فإن قيل: الدليل عليه أن هذه الأجسام إما أن كانت واجبة الوجود وهو محال، وإما أن كانت ممكنة وكل ممكن يفتقر إلى علة.

قولنا ولم لا تكون بغير علة؟

قلنا: لا يفهم لفظ واجب الوجود وممكن الوجود، فكل تلبيساتهم مغباة في هاتين اللفظتين. فلنعدل إلى المفهوم وهو نفي العلة وإثباته، فكأنهم يقولون: هذه الأجسام لها علة أم لا علة لها، فيقول الدهري: لا علة لها، فما المستنكر؟ وإذا عني بالإمكان هذا فنقول: إنه واجب وليس بممكن. وقولهم: الجسم لا يمكن أن يكون واجباً، تحكم لا أصل له.

قولهم إن الأجزاء تكون سابقة في الذات على الجملة

فإن قيل: لا ينكر أن الجسم له أجزاء وأن الجملة إنما تتقوم بالأجزاء وأن الأجزاء تكون سابقة في الذات على الجملة.

قولنا لا يمكنكم الرد على إبطال الكثرة

قلنا: ليكن كذلك فالجملة تقومت بالأجزاء واجتماعها ولا علة للأجزاء ولا لاجتماعها بل هي قديمة كذلك بلا علة فاعلية. فلا يمكنهم رد هذا إلا بما ذكروه من لزوم نفي الكثرة عن الموجود الأول وقد أبطلناه عليهم ولا سبيل لهم سواه.

الخاتمة

فبان أن من لا يعتقد حدوث الأجسام فلا أصل لاعتقاده في الصانع أصلاً.