بيان ما يندرج تحت فضيلة الحكمة ورذيلتيها من الخب والبله

أما الحكمة فيندرج تحت فضيلتها حسن التدبير وجودة الذهن وثقابة الرأي وصواب الظن. أما حسن التدبير فهو جودة الروية في استنباط ما هو الأصلح والأفضل في تحصيل الخيرات العظيمة والغايات الشريفة مما يتعلق بك أو تشير به على غيرك في تدبير منزل أو مدينة أو مقاومة عدو ودفع شر، وبالجملة في كل أمر متفاقم خطير، فإن كان الأمر هيناً حقيراً سمي كيساً ولم يسمى تدبيراً. وأما جودة الذهن فهو القدرة على صواب الحكم عند اشتباه الآراء وثوران النزاع فيها. وأما نقابة الرأي فهو سرعة الوقوف على الأسباب الموصلة في الأمول إلى العواقب المحمودة، وأما صواب الظن فهو موافقة الحق لما تقتضيه المشاهدات من غير استعانة بتأمل الأدلة. وأما رذيلة الخب فيندرج تحتها الدهاء والجربزة، فالدهاء هو جودة استنباط ما هو أبلغ في إتمام ما يظن صاحبه أنه خير، وليس بخير في الحقيقة، ولكن فيه ربح خطير، فإن كان الربح خسيساً سمي جربزة، فالفرق بين الدهاء والجربزة، يرجع إلى الحقارة والشرف. وأما رذيلة البله، فتندرج تحتها الغمارة والحمق والجنون. فأما الغمارة فهي قلة التجربة بالجملة في الأمور العملية، مع سلامة التخيل. وقد يكون الإنسان غمراً في شيء، بحسب التجربة، والغمر بالجملة هو الذي لم تحنّكه التجارب. وأما الحمق فهو فساد أول الرؤية فيما يؤدي إلى الغاية المطلوبة، حتى ينهج غير السبيل الموصل، فإن كان خلقه، سمي حمقاً طبيعياً ولا يقبل العلاج. وقد يحدث عند مرض، فيزول بزوال المرض. وأما الجنون فهو فساد التخيل في انتقاء ما ينبغي أن يؤثر، حتى يتجه إلى إيثار غير المؤثر، فالفاسد من الجنون غرضه، ومن الأحمق سلوكه، إذ غرض الأحمق كغرض العاقل، ولذلك لا يعرف في أول الأمر إلا بالسلوك إلى تحصيل الغرض، والجنون هو فساد الغرض، ولذلك يعرف في أول الأمر.