بيان ما يندرج تحت فضيلة الشجاعة

وهو الكرم، والنجدة، وكبر النفس، والاحتمال، والحلم، والثبات والنبل، والشهامة، والوقار. أما الكرم فهو وسط بين البذخ والنذالة، وهو طيب النفس بالاتفاق في الأمور الجليلة القدر، العظيمة النفع وقد يسمى حرية. وأما النجدة، فهو وسط بين الجسارة والانخذال، وهو ثقة النفس عند استرسالها إلى الموت، مهما وجب ذلك من غير خوف. وأما كبر النفس فهو وسط بين التكبر وصغر النفس، وهو فضيلة يقدر بها الإنسان أن يؤهل نفسه للأمور الجليلة، مع استحقاره لها وقلة مبالاته بها، ابتهاجاً منه بقدر نفسه وجلالتها. وأثره أن يقل شروره بالإكرام الكبير من العلماء، ولا يسر بإكرام الأوغال، ولا بالأمور الصغار، ولا بما يجري مجرى البخت والاتفاق من السعادات. وأما الاحتمال فهو وسط بين الجسارة والهلع، وهو حبس النفس عن مسايرة المؤذيات. وأما الحلم فهو وسط بين الاستشاطة والانفراك، وهي حالة تكسب النفس الوقار. وأما الثبات فهو شدة النفس، وبعدها من الخور. وأما الشهامة، فهو الحرص على الأعمال توقعاً للجمال. وأما النبل فهو سرور النفس بالأفعال العظام. وأما الوقار فهو وسط بين الكبر والتواضع، وهو أن يضع نفسه موضع استحقاقها لمعرفته بقدرها.

وأما رذيلتا الشجاعة، وهما التهور والجبن، فيندرج تحتهما البذخ، والنذالة، والجسارة، والنكول، والتبجح، وصغر النفس، والهلع، والاستشاطة، والانفراك، والتكبر، والتخاسس، والتعجب، والمهانة، فما يميل منها إلى جانب الزيادة، فهو تحت التهور. وما يميل إلى جانب النقصان، فهو تحت الجبن. فأما البذخ فهو الانفاق فيما لا يجب من الزينة، وغيرها طلباً للصلب. وأما النذالة فهي الدنائة وترك الانفاق فيما يجب، والافتخار بالأشياء الصغار. وأما الجسارة، فالاستهانة بالموت، حيث لا تجب الاستهانة، وأما النكول، فهو الانقباض فيما لا يجب عنه الانقباض، خوفاً من الهلاك، وأما التبجح فهو تأهيل النفس للأمور الكبار، من غير استحقاق. وأما صغر النفس، فهو تأهيل النفس لما دون الاستحقاق. وأما الجسارة، فهو قلة التأثر بأسباب الهلاك، من غير أثر جميل تقتضيه، وأما الهلع، فهو سوء احتمال الآلام والمؤذيات، وأما الاستشاطة فهو سرعة الغضب وحدته، وأما الانفراك، فهو بطؤ الغضب وبلادته، وأما التكبر فهو رفع النفس فوق قدرها، وأما التخاسس، فحط النفس في الكرامة والتوقير إلى ما دون قدرها، فإن كان على الوجه الواجب سمي تواضعاً محموداً، والمولد للكبر هو العجب، وذلك جهل الإنسان بمقدار نفسه، وظنه أنها على رتبة عالية من غير أن تكون كذلك. وذم الناس للتكبّر والبخل أشد من ذمهم للتخاسس والتبذير، فإنهما في غاية القبح، وهذان وإن كانا مذمومين، فهما شبيهان بالسخاء والتواضع، وربما يدق الفرق بينهما، فيظن أنهما محمودان، وهما رذيلتان بالحقيقة، ومائلتان عن الوسط. ولذلك قال عليه السلام: "طوبى لمن تواضع من غير منقصة، وذلّ في نفسه من غير مسكنة".