بيان أنواع الخيرات والسعادات

نِعَمُ الله سبحانه، وإن كانت لا تحصى مفصلة، فجملتها منحصرة في خمسة أنواع: الأول السعادة الآخروية، التي هي بقاء لا فناء له، وسرور لا غم فيه، وعلم لا جهل معه، وغنى لا فقر معه يخالطه، ولن يتوصل إليه إلا بالله ولا يكمل إلا بالنوع الثاني، وهو الفضائل النفسية، التي حصرنا جملتها من قبل في أربعة أمور: العقل وكماله العلم، والعفة وكمالها الورع، والشجاعة وكمالها المجاهدة، والعدالة وكمالها الانصاف، وهي على التحقيق أصول الدين. وإنما تتكامل هذه الفضائل بالنوع الثالث، وهي الفضائل البدنية المنحصرة في أربعة أمور: في الصحة والقوة والجمال وطول العمر، ويهممها النوع الرابع، وهي الفضائل المطيفة بالإنسان، المنحصرة في أربعة أمور: وهي المال والأهل والعز وكرم العشيرة. ولا يتم الانتفاع بشيء من ذلك إلا بالنوع الخامس، وهي الفضائل التوفيقية، وهي أربعة: هدايا الله ورشده وتسديده وتأييده، فهذه السعادات بعد السعادة الآخروية، ستة عشر ضرباً. ولا مدخل للاجتهاد في اكتساب شيء منها إلا الفضائل النفسية، على الوجه الذي سبق. فقد عرفت أن هذه الخيرات خمسة: وهي الآخروية والنفسية والبدنية والخارجة والتوفيقية. والبعض منها يحتاج إلى البعض، أما حاجة ضرورية، كالفضائل النفسية التي لا مطمح في الوصول إلى نعيم الآخرة إلا بها، وصحة البدن الذي لا وصول إلى تحصيل الفضائل النفسية إلا به، وإما حاجة نافعة كحاجة هذه الفضائل الخارجة، فإن المال والأهل والعشيرة، إن عدمت، تطرق الخلل إلى أسباب هذه الفضائل. فإن قلت: فما وجه الحاجة إلى الفضائل الخارجة، من المال والأهل والعز وكرم العشيرة. فاعلم أن هذه الأمور جارية مجرى الجناح المبلغ، والآلة المسهلة للمقصود. أما المال، فالفقير في طلب الكمال، كساع إلى الهيجاء بغير سلاح، وكباز متصيد بلا جناح. ولذلك قال عليه السلام: "نعمَ المال الصالح للرجل الصالح". وقال: "نعمَ العون على تقوى الله المال". كيف ومن عدم المال، صار مستغرق الأوقات في طلب القوت واللباس والمسكن وضرورات المعيشة، فلا يتفرغ لاقتناء العلم الذي هو أشرف الفضائل. ثم يحرم عن فضيلة الحج والصدقة والزكاة وإفاضة الخيرات. وأما الأهل والولد الصالح، فالحاجة إليهما ظاهرة. أما المرأة الصالحة، فحرث الرجل وحصين دينه. قال عليه السلام: "نعم العون على الدين المرأة الصالحة"، وقال في الولد: "إذا مات الرجل انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"، ومهما كثر أهل الرجل وأقاربه وساعدوه، كانوا له بمنزلة الآذان والأعين والأيدي، فيتيسر له بسببهم من الأمور الدنيوية، ما يطول فيه شغله لو انفرد. وكلما تخففت الأشغال الضرورية في الدنيا، تفرغ القلب للعبادة والعلم، فهو معين على الدين.

وأما العز فيه يدفع الإنسان عن نفسه الضيم، ولا يستغني عنه مسلم، فإنه لا ينفك عن عدوه يؤذيه، وظالم يقصده، فيشوش عليه وقته ويشغل قلبه. ولذلك قيل: "الدين والسلطان توأمان". وقيل: "الدين أس والسلطان حارس وما أسّ له فمهدوم وما لا حارس له فضايع". ولذلك قال تعالى: (وَلَوْلاَ دَفْعُ الله النَّاسِ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرْضُ) وبالجملة دفع الأذى لا بد منه للفراغ للعبادة، ولا يتم ذلك إلا بنوع من العز. وكما أن الموصل إلى الخير خير، فدفع الصارف عن الخير خير أيضاً. وأما كرم العشيرة وشرف الآباء، فقد يستهان به ويقال: "المرء بنفسه، والناس أبناء ما يحسنون، وقيمة كل امرئ ما يحسنه". ولعمري إذا قوبل شرف الأصل دون شرف النفس، بشرف النفس دون شرف الأصل استحقر شرف الأصل. أما إذا انضم إليه لم تنكر فضيلته، "فأين السري إذا سرى أسراهما". وقد شرط النسب في الإمامة، وقيل: "الأئمة من قريش". كيف لا، والأخلاق تتبع الأمزجة، وتسري من الأصول إلى الفروع، ولذلك قال عليه السلام: "تخيروا لنطفكم"، وقال: "إياكم وخضراء الدمن"، وهي المرأة الحسناء في المنبت السوء. فهذا أيضاً من السعادات، ولا نعني به الانتساب إلى بني الدنيا ورؤسها وأمرائها، ولكن الانتساب إلى النفوس الزكية الطاهرة المزينة بالعلم والعبادة والعقل.

فإن قلت: فما غناء هذه الفضائل الجسمية؟ فنقول: أما الحاجة إلى الصحة والقوة وطول العمر، فلا شك فيه. وإنما يستحقر أمر الجمال، فيقال: يكفي أن يكون البدن سليماً من الأمراض الشاغلة عن تحري الفضائل. ولعمري أن الجمال لقليل الغناء، ولكنه من السعادات والخيرات على الجملة. اما في الدنيا فلا يخفي وجهه. وأما في الآخرة فمن وجهين: أحدهما أن القبح مذموم، والطباع منه نافرة، وحاجات الجميل إلى الاجابة أقرب، فكأنه جناح مبلّغ، مثال المال، والمعين على قضاء حاجات الدنيا معين على الآخرة، إذ الوصول إلى الآخرة بهذه الأسباب الدنيوية. والثاني أن الجمال في الأكثر يدل على فضيلة النفس، لأن نور النفس، إذا تم إشراقه تبدى إلى البدن. والمنظر والمخبر كثيراً ما يتلازمان. ولذلك عوّل أصحاب الفراسة على هيئات البدن واستدلوا بها على الأخلاق الباطنة. والعين والوجه كالمرآة للباطن، ولذلك يظهر فيهما أثر الغضب والشر. وقيل: "طلاقة الوجه عنوان ما في النفس، وما في الأرض قبيح إلا وجهه أقبح منه". واستعرض المأمون جيشاً، فعرض عليه رجل قبيح فاستنطقه، فإذا هو ألكن، فأسقط اسمه. وقال: "الروح إن أشرقت على الظاهر ففصاحة وهذا ليس له ظاهر ولا باطن". وقد قال عليه السلام: "اطلبوا الحاجة عند حسان الوجوه"، وقال: "إذا بعثتم رسولاً، فاطلبوا حسن الوجه وحسن الاسم"، وقال: "الفقهاء إذا تساوت درجات المصلين، فأحسنهم وجهاً أولاهم بالإمامة". وقال تعالى ممتناً به: (وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ والجِسْمِ)، ولسنا نعني بالجمال ما يحرك الشهوة، فإن ذلك أنوثة، وإنما نعني به ارتفاع القامة على الاستقامة، مع الاعتدال في اللحم وتناسب الأعضاء وتناصف خلقة الوجه، بحيث لا تنبو الطباع عن النظر إليها.

فإن قلت فما معنى الفضائل التوفيقية، التي هي الهداية والرشد والتسديد والتأييد؟ فاعلم أن التوفيق هو الذي لا يستغني عنه الإنسان في كل حال، ومعناه موافقة إرادة الإنسان وفعله قضاء الله تعالى وقدره. وهو صالح للاستعمال في الخير والشر، ولكن صار متعارفاً في الخير والسعادة. ووجه الحاجة إلى التوفيق بيّن، ولذلك قيل:  

إذا لم يكن عونٌ من الله للفَتَى

 

فأكثر مَا يَجني عَليهِ اجتهادهُ

 

وأما الهداية، فلا سبيل لأحد إلى طلب الفضائل إلا بها فهي مبدأ الخيرات كما قال تعالى: (أَعْطَى كُلَّ خُلْقَهُ ثُمّ هَدَى) وقال تعالى: (وَلَولاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُم مِنْ أَحَدٍ أَبَدَاً وَلَكِنّ الله يزكِّي مَنْ يَشَاءَ). وقال عليه السلام: "ما من أحد يدخل الجنة إلا برحمة الله" أي بهدايته. قيل: "ولا أنت يا رسول الله" قال: "ولا أنا". والهداية ثلاث منازل: الأولى تعريف طريق الخير والشر المشار إليه بقوله عز وجل: (وَهَدَيْنَاهُ النّجْدَينِ)، وقد أنعم الله به على كافة عباده، بعضهم بالعقل وبعضهم على ألسنة رسله. ولذلك قال تعالى: (وَأَمَّا ثمودَ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا العَمَى عَلى الهُدَى). والثانية ما يمد به العبد حالاً بعد حال بحسب ترقيه في العلوم، وزيادته في صالح الأعمال. وإياه عني بقوله تعالى: (وَالَّذينَ اهْتَدُوا زَادَهُمْ هُدى وآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ)، والثالثة هو النور الذي يشرق في عالم الولاية والنبوة، فيهتدي به إلى ما لا يهتدي إليه، ببضاعة العقل الذي به يحصل التكليف وإمكان التعلم. وإياه عني بقوله تعالى: (قُلْ إِنّ هُدَى الله هُوَ الهُدَى)، فإضافة إلى نفسه وسماه الهدى المطلق. وهو المسمى حياة في قوله: (أَوْ مَنْ كَانَ مَيّتَاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورَاً يَمْشي به في النَّاسِس)، وقوله تعال: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ للإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ).

وأما الرشد فنعني به العناية الإلهية، التي تعين الإنسان على توجهه إلى مقاصده، فتوجيه على ما فيه صلاحه، وتفتره عما فيه فساده، ويكون ذلك من الباطن كما قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَينَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ).

وأما التسديد، فهو أن يقوم إرادته وحركاته نحو الغرض المطلوب، ليهجم عليه في أسرع وقت، فالرشد تنبيه بالتعريف، والتسديد إعانة ونصرة بالتحريك، وأما التأييد، فهو تقوية أمره بالبصيرة من داخل، وتقوية البطش من خارج، وهو المراد بقوله تعالى: (إذْ أَيَّدتُكَ بروحِ القُدُسِ)، ويقرب منه العصمة، وهو فيض إلهي يقوى به الإنسان على تحري الخير، وتجنب الشر، حتى يصير كمانع من باطنه غير محسوس. وإياه عنى بقوله: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمّ بِهَا لَوْلاَ أَن رَأَى بُرْهَانَ رَبِّه)، ولن تستتب هذه الأمور، إلا بما يمد الله به عبده من الفهم الثاقب الصافي، والسمع المصغي الواعي، والقلب البصير المراعي، والمعلم الناصح، والمال الزائد، على مقتضى المهمات لقلة القاصر، لا ما يشغل عن الدين لكثرته، والعشيرة والعز الذي يصون عن سفه السفهاء، ويرفع ظلم الأعداء. فبهذه الأسباب تكمل السعادات.

بيان غاية السعادات ومراتبها

اعلم أن السعادة الحقيقية هي الآخروية، وما عداها سميت سعادة إما مجازاً أو غلطاً، كالسعادة الدنيوية التي لا تعين على الآخرة، وإما صدقاً ولكن الاسم على الآخروية أصدق. وذلك كل ما يوصل إلى السعادة الآخروية ويعين عليه. فإن الموصل إلى الخير والسعادة، قد يسمى خيراً وسعادة. والأسباب النافعة المعينة، تشرحها تقسيمات أربعة: الأول منها ما هو نافع في كل حال، وهي الفضائل النفسية، ومنها ما ينفع في حال دون حال، ونفعها أكثر كالمال القليل. ومنها ما ضرره أكثر في حق أكثر الخلق، وذلك بعض أنواع العلوم والصناعات. ولما كثر الالتباس في هذا، وجب على العاقل الاستظهار بمعرفة حقائق هذه الأمور، حتى لا يؤثر الضار على النافع، بل النافع على الرفيع، والرفيع على النفيس الأهم، فيطول عليه الطريق. فكم من ناظر يحسب الشحم فيمن شحمه ورم! وكم من طالب حبلاً ليتمنطق به، فيأخذ حية فيظنها حبلاً فتلدغه! والعلم الحقيقي هو الذي يكشف عن هذه الأمور.

التقسيم الثاني: إن الخيرات بوجه آخر تنقسم إلى مؤثرة لذاتها، وإلى مؤثرة لغيرها، وإلى مؤثرة تارة لذاتها وتارة لغيرها. فينبغي أن يعرف مراتبها، ليعطي كل رتبة حقها. فالمؤثرة لذاتها السعادة الآخروية، فليس وراء تلك الغاية غاية أخرى. والمؤثرة لغيرها من المال، كالدراهم والدنانير. فلولا أن الحاجات تنقضي بها لكانت كالحصباء، وسائر الجواهر الخسيسة. والمؤثرة تارة لذاتها وتارة لغيرها، كصحة الجسم. فإن الإنسان وإن استغنى عن المشي الذي يراد سلامة الرجل له، فيريد أيضاً سلامة الرجل م حيث هي سلامة.

التقسيم الثالث: إن الخيرات تنقسم من وجه آخر إلى نافع وجميل ولذيذ. والشرور ثلاثة ضار وقبيح ومؤلم. فكل واحد ضربان، أحدهما مطلق، وهو الذي يجمع الأوصاف الثلاثة في الخير، كالحكمة، فإنها نافعة وجميلة ولذيذة، وفي الشر، كالجهل، فإنه ضار وقبيح ومؤلم. والثاني مقيد، وهو الذي جمع بعض هذه الأوصاف دون بعض. فرب نافع مؤلم، كقطع الأصبع الزائدة، والسلعة الخارجة، ورب نافع قبيح كالحمق، فإنه راحة حيث قيل: استراح من لا عقل له، أي لا يغتم للعواقب، فيستريح في الحال، ورب نافع من وجه، ضار من وجه، كإلقاء المال في البحر، عند خوف الغرق فإنه ضار للمال، ونافع في نجاة النفس، والنافع قسمان: قسم ضروري، كالفضائل النفسية، والاتصال إلى سعادة الآخرة، وقسم قد يقوم غير مقامه، فلا يكون ضرورياً، كالسكنجبين في تسكين الصفراء.

التقسيم الرابع: إن اللذات بحسب القوى الثلاث والمشتهيات الثلاثة ثلاث، إذ اللذة هي عبارة عن إدراك المشتهى، والشهوة عبارة عن انبعاث النفس لنيل ما تتشوقه، لذة عقلية أو بدنية مشتركة مع جميع الحيوانات، وبدنية مشتركة مع بعض الحيوانات. أما العقليات، كلذة العلم والحكمة، وهي أقلها وجوداً وأشرفها. أما قتلها، فلأن الحكمة لا يستلذها إلا الحكيم، وقصور الرضيع عن إدراك لذة العسل والطيور السمان والحلاوات الطيبة لا يدل على أنها ليست لذيذة، واستطابته للبن لا تدل على أنه أطيب الأشياء. والناس كلهم إلا النادر ممنون في صبا الجهل بالعنة في رتبة العلم. فلذلك يستلذون الجهل، وقال الشاعر:  

ومَنْ يَكُ ذَا فَمٍ مُرٍّ مريضٍ

 

يَجِدُ مُرّاً به الماء الزّلالا

 

وأما أشرفيتها، فلأنها لازمة لا تزول، ودائمة لا تحول، وباقية لذاتها، وثمرها في الدار الآخرة إلى غير نهاية. والقادر على الشريف الباقي، إذا رضي بالخسيس الفاني، كان مصاباً في عقله، محروماً بشقاوته وإدباره. وأقل أمر فيه أن الفضائل النفسية، لا سيما العلم والعقل، لا تحتاج إلى أعوان وحفظة، بخلاف المال. فإن العلم يحرسك وأنت تحرس المال. والعلم يزيد بالإنفاق، والمال ينقص به، والعلم نافع في كل حال ومطلقاً وأبداً، والمال يجذب إلى الرذيلة وتارة إلى الفضيلة. ولذلك ذمّ في القرآن في مواضع، وإن سمي خيراً في مواضع. الثانية هي اللذة المشتركة بين الإنسان وبين سائر الحيوانات، كلذة المأكل والمشرب والمنكح، وهي أكثرها وجوداً. الثالثة التي يشارك فيها الإنسان بعض الحيوانات، وهي لذة الرياسة والغلبة، وهي أشد التصاقاً بالعقلاء، ولذلك قيل: "آخر ما يخرج من رؤوس الصديقين حب الرياسة". وكيف تكون لذة الجماع والأكل لذة مطلقة، وهي من وجه إزالة ألم؟ ولذلك قال الحسن: "الإنسان صريع جوع وقتيل شبع". وجميع لذات الدنيا سبع: مأكل ومشرب ومنكح وملبس ومسكن ومشموم ومسموع ومبصرز وهي بجملتها خسيسة، كما روي عن عليّ كرم الله وجهه، إذ قال لعمار بن ياسر، وقد رآه يتنفس كالحزين: "يا عمار، إن كان تنفسك على الآخرة فقد ربحت تجارتك، وإن كان على الدنيا فقد خسرت صفقتك. فإن وجدت لذاتها المأكولات والمشروبات والمنكوحات والملبوسات والمسكونات والمشمومات المسموعات والمبصرات. فأما المأكولات، فأفضلها العسل، وهو صنعة ذباب. والمشروبات أفضلها الماء، وهو أهون موجود، وأعز مفقود. وأما المنكوحات، فمبال في مبال، وحسبك أن المرأة تزين أحسن شيء منها، ويراد أقبح شيء منها. وأما الملبوسات فأفضلها الديباج وهو نسج دودة. والمشمومات فأفضلها المسك، وهو دم فارة، والمسموعات، فريح هابة في الهواء، والمبصرات فخيالات صائرة إلى فناء". هذا كلامه. ومن آفاتها أن كل واحدة منها يتبرم بها بعد استيفائها في لحظة. فليعتبر حالة الفراغ عن الجماع والأكل بما قبله، ولينظر كيف ينقلب المطلوب مهروباً عنه في الحال، فأين يوازي هذا ما تدوم لذته، ولا تفنى أبد الآباد راحته؟ وهو الابتهاج بكمال النفس بالفضائل النفسية، خصوصاً الاستيلاء على الكل بالعلم والعقل.