الباب الثالث - القول في نفي الضد عنه

وايضا فإنه لا يمكن أن يكون له ضد، وذلك يتبين إذا عرف معنى الضد، فإن الضد مباين للشيء؛ فلا يمكن أن يكون ضد الشيء هو الشيء أصلا. ولكن ليس كل مباين هو الضد، ولا كل ما لم يمكن أن يكون هو الشيء هو الضد. لكن كل ما كان مع ذلك معاندا، شأنه أن يبطل كل واحد منهما الآخر ويفسده إذا اجتمعا، ويكون شأن كل واحد منهما أنه أن يوجد حيث الآخر موجود يعدم الآخر، ويعدم من حيث هو موجود فيه لوجود الآخر في الشيء الذي كان فيه الأول. وذلك عام في كل شيء يمكن أن يكون له ضد. فإنه إن كان الشيء ضدا للشيء في فعله، لا في سائر أحواله، فإن فعليهما فقد بهذه الصفة. فإن كانا متضادين في كيفيتهما، فكيفيتهما بهذه الصفة، وإن كانا متضادين في جوهرهما، فجوهرهما في هذه الصفة.

وإن كان الأول له ضد فهو من ضده بهذه الصفة، فيلزم أن يكون شأن كل واحد منهما أن يفسد، وأن يمكن في الأول أن يبطل عن ضده، ويكون ذلك في جوهره، وأن يمكن في الأول أن يبطل عن ضده، ويكون ذلك في جوهره. وما يمكن أن يفسد فليس قوامه وبقاؤه في جوهره، بل يكون جوهره غير كاف في أن يبقى موجودا؛ ولا أيضا يكون جوهره كافيا في أن يحصل موجودا، بل يكون ذلك بغيره. وإما ما أمكن أن لا يوجد فلا يمكن أن يكون أزليا، وما كان جوهره ليس بكاف في بقائه أو وجوده، فلوجوده أو بقائه سبب آخر غيره، فلا يكون أولا. وأيضا فإن وجوده إنما يكون لعدم ضده. فعدم ضده إذن هو سبب وجوده، فليس إذن هو السبب الأول على الإطلاق.

وأيضا فإنه يلوم أن يكون لهما أيضا حيث ما مشترك، قابل لهما، حتى يمكن بتلاقيهما فيه أن يبطل كل واحد منهما الآخر، إما موضوع أو جنس أو شيء آخر غيرهما؛ ويكون ذلك ثابتا، ويتعاقب هذان عليه. فلذلك إذن هو أقدم وجودا من كل واحد منهما.

وإن وضع واضع شيئا غير ما هو بهذه الصفة ضد لشيء، ليس الذي يضعه ضدا، بل مباينة أخرى سوى مباينة الضد؛ ونحن لا ننكر أن يكون للأول مباينات أخر سوى مبانية الضد وسوى ما يوجد وجوده.

فإذن لم يمكن أن يكون موجود ما في مرتبة وجوده، لأن الضدين هما في رتبة واحدة من الوجود.

فإذن الأول منفرد بوجوده، لا يشاركه شيء آخر أصلا موجود في نوع وجوده. فهو إذن واحد.

وهو مع ذلك منفرد أيضا برتبته وحده. فهو أيضا واحد من هذه الجهة.