وتفارقها في أنها لم يمكن فيها أن تعطى من أول أمرها الشيء الذي إليه تتحرك. وما إليه تتحرك هو من أيسر عرض يكون في الجسم وأخسه، وذلك أن كل جسم فهو في أين ما. ونوع الأين الذي هو لهذا الجسم هو أن يكون حول جسم ما. وما نوع أينه هذا النوع، فليس يمكن أن تنتقل جملته عن جملة هذا النوع. ولكن لهذا النوع أجزاء، وللجسم الذي فيه أجزاء. وليس جزء من أجزاء هذا الجسم أولى بجزء من أجزاء الحول- بل كل جزء من الجسم يلزم أن يكون له كل جزء من أجزاء الحول- ولا أيضا أن يكون أولى به في وقت دون وقت، بل في كل وقت دائما. وكلما حصل جزء من هذا الجسم في جزء ما من الحول احتاج إلى أن يكون له الجزء الذي قدامه قدامه. ولا يمكن أن يجتمع له الجزءان معا في وقت واحد؛ فيحتاج إلى أن يتخلى من الذي هو فيه، ويصير إلى ما هو قدامه إلى أن يستوفي كل جزء من أجزاء الحول. ولأن الجزء الذي كان فيه ليس هو في وقت أولى به من وقت، فيجب أن يكون له ذلك دائما. وإذا لم يمكن أن يكون ذلك الجزء بله دائما على أن يكون واحدا بالعدد، وصار واحدا بالنوع، بأن يوجدل له حينا ولا يوجد له حينا. ثم يعود إلى شبيهه في النوع، ثم يتخلى عنه أيضا مدة، ثم يعود إلى شبيه له ثالث، ويتخلى عنه أيضا مدة، ثم يعود إلى شبيه له رابع؛ وهكذا له أبدا.
فظاهر أن "الأجزاء" التي عنها يتحرك، ويتبدل عليها، ويعود إليها، هي في نسبتها إلى الجسم الذي يوجد السماء حوله. ومعنى النسبة أنه يقال هذا لهذا، وهذا من هذا، وما شاكل ذلك من قبل أن معنى الأين هو نسبة الجسم إلى سطح الجسم الذي ينطبق عليه. وكل جسم سمائي في كرة، أي دائرة مجسمة. فإن نسب أجزائه إلى أجزاء سطح ما تحتها من الأجسام تتبدل دائما، ويعود كل واحد منها في المستقبل من الزمان إلى أشباه النسب التي سلفت.
ونسبة الشيء إلى الشيء هي أخس "عرض" ما يوجد له وأبعد الأعراض عن جوهر الشيء. ولكل واحد من الأكر والدوائر المجسمة التي فيها حركة على حيالها، فأما أسرع أو أبطأ من حركة الأخرى، مثل كرة زحل وكرة القمر، فإن كرة القمر أسرع حركة من كرة زحل.