الباب السادس عشر - القول في الأحوال التي توجد بها الحركات الدورية وفي الطبيعة المشتركة لها

وليس هذا التفاضل الذي في حركاتها بحسب اضافتها إلى غيرها، بل لها في أنفسها وبالذات. والبطيء من هذه بطيء دائما، والسريع سريع دائما. وأيضا فإن كثيرا من السماوية أوضاعها من الوسط ومما تحتها مختلفة، ولأجل اختلاف أوضاعها هذه منها، تلحق كل واحد من هذه خاصة بالعرض، أن يسرع حول الأرض أحيانا، ويبطىء أحيانا؛ وهذا سوى سرعة بعضها دائما وإبطاء الآخر دائما، على قياسء حركة زحل إلى حركة القمر. وأنها تلحقها بإضافة بعضها إلى بعض، بأن تجتمع أحيانا وتفترق أحيانا، ويكون بعضها من بعض علىنسب متضادة. وأيضا فإنها تقرب أحيانا من بعض ما تحتها، وتبعد أحيانا عنه، وتظهر بأحيانا وتستر أحيانا. فتلحقها هذه المتضادات لا في جواهرها، ولا في الأعراض التي تقرب من جواهرها، بل في نسبها، وذلك مثل الطلوع والغروب، فإنهما نسبتان لها إلى ما تحتها، متضادتان. والجسمب السماوي أول الموجودات التي تلحقها أشياء متضادة. وأول الأشياء التي يكون فيها تضاد هي نسب هذا الجسمس إلى ما تحته، ونب بعضها إلى بعض. وهذه المتضادات هي أخس المتضادات؛ والتضاد نقص في الوجود. فالجسمب السمائي يلحقه النقص في أخس الأشياء التي شأنها أن توجد.

وللأجسام السماوية كلها أيضا طبيعة مشتركة، وهي التي صارت تتحرك كلها بحركة الجسم الأول؛ منها حركة دورية في اليوم والليلة؛ وذلك أن هذه الحركة ليست لما تحت السماء الأولى قسرا، إذ كان لا يمكن أن يكون في السماء شيء يجري قسرا. وبينها أيضا تباين في جواهرها من غير تضاد، مثل مباينة زحل للمشتري، وكل كوكب لكل كوكب، وكل كرة لكل كرة. ثم يلحقها، كما قلنا، تضاد في نسبها، وان تتبدل تلك النسب ومتضاداتها وتتعاقب عليها، فتتخلى من نسبة ما وتصير إلى ضدها، ثم تعود إلى ما كانت تخلت منه بالنوع لا بالعدد، فيكون لها نسب تتكرر، ويعود بعضها في مدة أطول وبعضها في مدة أقصر؛ وأحوال ونسب تتكرر أصلا. ويلحقها أن يكون لجماعة منها نسب إلى شيء واحد متضادة، مثل أن يكون بعضها قريبا من شيء، وبعضها بعيدا من ذلك الشيء بعينه.