الباب الثلاثون - القول في اتصال النفوس بعضها ببعض

وإذا مضت طائفة فبطلت أبدانها، وخلصت أنفسها وسعدت؛ فخلفهم ناس آخرون في مرتبتهم بعدهم، قاموا مقامهم وفعلوا أفعالهم. فإذا مضت هذه أيضا وخلصت صاروا أيضا في السعادة إلى مراتب أولئك الماضين، واتصل كل واحد بشبيهه في النوع والكمية والكيفية. ولأنها كانت ليست بأجسام صار اجتماعها، ولو بلغ مابلغ غير مضيق بعضها على بعض مكانها، إذا كانت ليست في أمكنة أصلا، فتلاقيها واتصال بعضها ببعض ليس على النحو الذي توجد عليه الأجسام.

وكلما كثرت الأنفس المتشابهة المفارقة، واتصل بعضها ببعض، وذلك على جهة اتصال معقول بمعقول، كان التذاذ كل واحد منها أزيد شديدا. ولكما لحق بهم من بعدهم، زاد التذا1 من لحق الآن بمصادفة الماضين، وزادت لذات الماضين باتصال اللاحقين بهم، لأن كمل واحدة تعقل ذاتها وتعقل مثل ذاتها مرارا كثيرة، فتزداد كيفية ما يعقل؛ ويكون تزايد ما تلاقى هناك شبيها بتزايد قوة صناعة الكتابة بمداومة الكاتب على أفعال الكتابة. ويقوم تلاحق بعض ببعض في تزايد كل واحد، مقام ترادف أفعال الكاتب التي بها تتزايد كتابته قوة وفضيلة. ولأن المتلاحقين "هم" إلى غير نهاية، يكون تزايد قوى كل واحد ولذاته على غابر الزمان إلى غير نهاية.
وتلك حال كل طائفة مضت.