مقدمة الحكواتي ومقدمة المؤلف

قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان

القاضي شهاب الدين أحمد بن علي بن أحمد القلقشندى

المولود في مدينة قليوب عام 756 هـ والمتوفي عام 821 هـ

 

هو القاضي شهاب الدين أحمد بن علي بن أحمد القلقشندى. ولد بقلقشندة إحدي قري مدينة قليوب سنة 756 هـ=1355م ودرس بالقاهرة والإسكندرية على يد أكابر شيوخ العصر وتخصص فى الأدب والفقه الشافعي وبرع فى علوم اللغة والبلاغة والإنشاء ، وقد عمل فى ديوان الإنشاء سنة 791 هـ فى عهد السلطان الظاهر برقوق واستمر فيه إلى أخر عهد الظاهر برقوق سنة 801 هـ ، وتوفي سنة 821 هـ=1418م .

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل للعرب بالنسب المحمدي منتمى تنعقد على فضله الخناصر، وأيد عزهم بأعز مليك، وأعز جانبهم بأعز ناصر، وخصهم من كثرة القبائل بما يقفون عده العاد، ويعترف بالعجز عن حصره الحاصر، وأنالهم من الشرف الباذخ ما لا تمتد إليه يد أحد من الأمم، فكل مدع عن بلوغ درجته قاصر.

أحمده على أن رفع عماد بيت النسب البارزي وأعلى درجه، ومدّ أطناب ممادحه في الآفاق وأطاب بالذكر الجميل أرجه؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يشيع في القبائل ذكرها، ويضوع في كل نادٍ من أندية الأحياء نشرها؛ وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أفضل نبي زكا أصلاً وطاب أرومة، وأكرم رسول شرُف عنصراً وكرم جرثومة؛ صلى الله على آله وصحبه الذين سموا بانتسابهم إلى شريف نسبه، ودخلوا في زمرته الفاخرة فاندرجت أحسابهم في كريم حسبه.

وبعد، فلما كان العلم بقبائل العرب من لازم كتابة الإنشاء الذي أُهمل جانبه، وسكن لقلة معانيه بعد الحركة ضاربه، ورُفض تداوله حتى قل مُعانيه وعز طالبه؛ وكان كتابي المسمى "نهاية الأرب، في معرفة قبائل العرب" قد احتوى من ذكر القبائل على الجم الغفير، وطمع في الاستكثار فلم يكتف من ذكر الشعوب باليسير؛ إلا أن من القبائل المذكورة فيه ما أخنى عليها الزمان، وجهل حالها الآن في الوجود والعدم فلم تعرف لها أرض ولم يوقف لها على مكان؛ مع أن القدر الذي يحتاج كاتب الإنشاء منه إلى الأخذ بتفصيله، ويضطر إلى معرفة تفريعه وتأصيله؛ من يضمه نطاق الديار المصرية من عربان الزمان، ومن يكاتب على أبواب سلطانها أو تدعو الحاجة إلى خطابه في حين أو أوان؛ مع من يتعلق بأذيال قبائلهم ممن لم يبلغ رتبة الخطاب، أو ينتمي إليهم بمحالفة أو يعتزي إلى قبيلتهم بعلاقة سبب من الأسباب.

وكان المقر الأشرف العالي المولوي القاضوي الكبيري النظامي المدبري السفيري اليميني المشيري الأصيلي العريقي الكفيلي الناصري:نظام الملك نجي السلطنة، لسان المملكة، مالك زمام الأدب، جامع أشتات الفضائل أبو المعالي محمد الجهني البارزي الشافعي المؤيدي، صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية، جمل الله الوجود ببقائه، وأدام علوه ولا رتبة في الرياسة فوق رتبته فتعالى نسباً وزاد في ارتقائه، قد أُلقي إليه من الممالك الإسلامية مقاليدها، ودانت لسورة كتبه الأقطار المتقاصية قريبها وبعيدها؛ وصُرفت بتصاريف أقلامه أمور الدولة فجرت بها على السداد، ونفذت بتنفيذه أمورها فأربت مقاصدها والحمد لله على المراد.

وإن أُمور الملك أَضحى مَـدارهـا

 

عليه كما دارت على قُطبها الرحَى

وكنت ممن عمه فضله، وغمره غيثه الهامع ووبله؛ وولج حماه المنيع فاحتمى، ونزل بساحة بابه العالي فبات منه في أعز حمى، ما أمتني بائقة احتياج إلا قمعها، ولا عرتني كارثة احتياج إلا ردعها ؛ ولا سامني الدهر ضيماً إلا كبحه، ولا أغلق عني الزمان باب خير إلا فتحه؛ ولا تربت يدي إلا أغناها، ولا قصدت أدنى رتبة إلا بلغ بي أعياها: ولا استعنت بجاهه من حرّ ضنك إلا كان لي خير مقيل، ولا لُذت بجنابه من هجير ضر إلا أويت منه إلى ظل ظليل:

بِتْ جاره فالعيشُ تحت ظلاله

 

واسْتَسقه فالبحرُ من أنـوائه

وكانت خزانته العالية عمرها الله تعالى بدوام أيامه، وأراه من محاسن جمعها في اليقظة ما يمتنع أن يراه القاضي الفاضل في منامه؛ قد سعدت بإسعاد جدوده، وخصت من نفائس التأليف بكل نفيس لا سيما مصنفات آبائه وجدوده؛ مع اشتماله من شريف النسب على الصفقة الرابحة، وتمسكه من الانتساب إلى العرب العاربة من بني قحطان بالكفة الراجحة:

مَعالٍ تمادت في العُلّو كأنـمـا

 

تُحاول ثأراً عند بعض الكواكبِ

أحببت أن أخدم جانب علاها بمختصر من ذكر قبائل العرب المنتظم في سلك الزمان الآن وجودهم، والمحيطة بعنق الآفاق في هذا العصر عقودهم؛ مُصدِّراً له بذكر طرف من أنساب الأمم ليتم بذلك منه الغرض، واصلاً نسب كل أمة منها بعمود النسب المحمدي ليعلم اتصال الأمم بعضها ببعض؛ ذاكراً كل قبيلة وما فوقها من الشعوب، وما يتفرع منها من العمائر والبطون والأفخاذ على اختلاف الأصناف والضروب؛ ذاكراً مقر كل قبيلة منها في القديم والحديث، مستنداً في ذلك إلى ما تضمنته كتب الأنساب والتاريخ وكتب أسماء رجال الحديث؛ مورداً في خلال كل قبيلة من كان منها من صحابي مذكور، أو شاعر مجيد أو فارس مشهور؛ ليكون بانتسابه إليه كالغرة في وجه كتبه، ويدخر بخزانته السعيدة ليكون كلمة باقية في عقبه؛ على أني في ذلك كنافل التمر إلى هجر، وممد البحر ببلالة القطر ورشح الحجر؛ إذ كان المقر المشار إليه- خلد الله تعالى أيامه- في معرفة الأنساب هو واسطة عقدها الثمين، وجهينة أخبارها وعبد جهينة الخبر اليقين؛ وسميته: "قلائد الجمان، في التعريف بقبائل عرب الزمان" والله تعالى يقرنه بالتوفيق في جمع مقاصده، ويورده موارد القبول في بدو الأمر وعائده. وقد رتبته على مقدمة ومقصد وخاتمة.

1- المقدمة في ذكر أمور يُحتاج إليها في علم الأنساب، ومعرفة القبائل وفيها خمسة فصول: الفصل الأول: في فضل علم الأنساب ومسيس الحاجة إليه.

الفصل الثاني: في بيان من يقع عليه اسم العرب، وذكر أنواعهم وما ينخرط في سلك ذلك.

الفصل الثالث: في معرفة طبقات الأنساب، وما يلتحق بذلك.

الفصل الرابع: في ذكر مساكن العرب القديمة التي منها درجوا إلى سائر الأقطار.

الفصل الخامس: في ذكر أمور يحتاج إليها الناظر في علم الأنساب.

2- المقصد في معرفة تفاصيل أنساب القبائل وفيه فصلان: الفصل الأول: في ذكر عمود النسب النبوي، على صاحبه أفضل الصلاة والسلام، وما يتفرع عنه من الأنساب.

الفصل الثاني: في ذكر تفاصيل القبائل، وما يتيسر ذكره من مساكنهم الآن.

الخاتمة في ذكر نبذة من أوصاف المقر الأشرف الناصري المؤلف له هذا الكتاب، ومناقبه، ونُبذة من سيرته الغراء.